فضل الصحابة في الكتاب والسنة
ما هو فضلهم في الكتاب والسنة، حتى نعرف قيمة الصحابة؟
فضل الصحابة في القرآن الكريم
قال الله تعالى (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )) [الأنفال:72]
تتكلم هذه الآية عن قسمين. من هم؟ إنهم المهاجرون والأنصار الموصوفون في الآية الأولى من هذه الآيات في الصفات الثلاث وهي: الإيمان، والهجرة، والجهاد: هم المهاجرون الأولون الذين تركوا ديارهم وأموالهم وأولادهم إيثاراً لله ولرسوله من أجل إعلاء كلمة الله، وإظهار دين الإسلام على سائر الأديان. والموصوفون في الآية نفسها بالإيواء والنصرة هم الأنصار الذين هم الأوس والخزرج، فإنهم آووا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهاجرين في منازلهم، ونصروا نبي الله صلى الله عليه وسلم بمقاتلة أعداء الدين،
ثم بين الله تعالى الولاء والتلاحم الثابت بين المهاجرين والأنصار
بقوله تعالى (( أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )) [الأنفال:72] في النصرة والمساعدة، وهذا مما يؤكد قطع الموالاة بينهم وبين الكفار،
وقال عز وجل عن أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم (( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ )) [التوبة:100]
رغماً عن أنوف الحاقدين (( وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )) [التوبة:100]
فهذه الآية اشتملت على أبلغ الثناء من الله رب العالمين على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان،
حيث أخبر الله تعالى أنه رضي عنهم، ويكفيهم فخراً وأجراً أن الله رضي عنهم. وقال عز وجل (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً )) [النور:55]
وهذه تشمل الإيمان، والعمل الصالح، والخلافة، وإقامة الدعوة؛ والإيمان والعمل الصالح في الآية يشمل الخلافة وإقامة الدعوة، ويقول ابن تيمية رحمه الله: ومن المعلوم أن هذه النعوت منطبقة على الصحابة في زمن أبي بكر و عمر و عثمان ، فإنه إذ ذاك حصل الاستخلاف، وتمكن الدين بعد الخوف، لما قهروا فارس والروم، وفتحوا الشام و العراق و مصر و خراسان و أفريقيا ... إلى آخر كلامه رحمه الله. وصفهم الله بوصفٍ جميلٍ في آخر سورة الفتح،
فقال عز وجل (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ )) [الفتح:29]
فقوله: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29] هي التي استدل بها الإمام مالك رحمه الله على أن الذين يبغضون الصحابة لا حظ لهم في الفيء، وأن من أبغضهم كافر، ومن غاظه الصحابة فهو كافر: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29].
هذه الصورة العظيمة التي تبين العلاقة بينهم: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ُ)[الفتح:29] وتبين عبادتهم، والعلاقة، والتربية، وكيف نشئوا نشأةً قويةً، وأنهم باستمرار الزمن زادت عبادتهم وأعمالهم مثل: النبتة الصغيرة مع الزمن وتعاهدها بالسقيا تصبح شجرة كبيرة متجذرة في الأرض، وافرة الظلال، كثيرة الأغصان، متشابكة الجذوع: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ [الفتح:29]
وكل واحد يهديه الله إلى الدين، فيتعاهد نفسه بالإيمان، والعمل الصالح، ومجالس الذكر، وأصحاب الخير؛ فإن إيمانه يزداد ويقوى حتى يصبح شجرة قوية، ومرور الوقت في صالحه، وعمره خيرٌ له.
وصف الصحابة في السنة النبوية
قال أبو موسى رضي الله تعالى عنه: (صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، (ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء، قال: فجلسنا، فخرج علينا، فقال: ما زلتم هاهنا -من المغرب- قلنا: يا رسول الله! صلينا معك المغرب، ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء، قال: أحسنتم -أو أصبتم- فرفع رأسه إلى السماء، وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: النجوم أمنةٌ للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنةٌ لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله: معنى الحديث: أن النجوم ما دامت باقية في السماء، فالسماء باقية، فإذا انكدرت النجوم وتناثرت يوم القيامة وهنت السماء، فانفطرت وانشقت وذهبت، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون) أي: من الفتن والحروب، وارتداد الأعراب، واختلاف القلوب ونحو ذلك، وقوله عليه الصلاة والسلام: (وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) معناه: ما يوعدون من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن، وطلوع قرن الشيطان، وظهور الروم، وانتهاك المدينة و مكة وغير ذلك، وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم. فإذاً: الآن انظروا ماذا حصل من النقص لما ذهب الصحابة، والأمة في نقصٍ بعد ذهابهم ولا تزال يزداد نقصها. هؤلاء الصحابة هم الأمة الوسط: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة:143] وهم على رأس الشهود الذين يشهدون لكل نبي على أمته، هل جاءكم نذير؟ يقولون: لا. ما جاءنا النذير: (يقال للنبي: هل بلغت؟ فيقول: نعم. فيقال: من شهودك؟ -يا نوح من شهودك؟! يا شعيب من شهودك؟! يا إبراهيم! يا عيسى! يا موسى؟! فيقول: محمدٌ وأمته، فيجاء بكم فتشهدون، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143] ) اعدلوا لتكونوا شهداء على الناس والحديث في صحيح البخاري . كل الصحابة عدول وأثبات: ولذلك ما بحث أهل الجرح والتعديل في حال الصحابة، ولا يوجد في كتب الجرح والتعديل الصحابي هذا ثقة، وهذا ثقةٌ ثبتٌ، أو هذا صدوق، أو هذا لا بأس به، أو هذا ضعيف، فكلهم ثقات لا مجال للبحث فيهم في مسألة الجرح والتعديل، لأن الله عدلهم، وما دام الله عدلهم، فمن بعد ذلك يبحث في تعديلهم؟! المسألة منتهية، لكن النظر فيمن بعدهم، فالذين مات النبي عليه الصلاة والسلام وهم باقون على العهد وماتوا على العهد هؤلاء كلهم أخيار. ولذلك لما جاء في الحديث أن عائد بن عمر وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عبيد الله بن زياد الأمير، فقال: (أي بني -ينصحه- إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن شر الرعاء الحطمة. فإياك أن تكون منهم) -تقسوا على الرعية، وتشتد على الرعية، وتحطم الرعية، وتكلف الرعية ما لا يطيقون، إياك أن تكون من الرعاء هؤلاء الحطمة الذين يحطمون الرعية- (فقال له: اجلس، فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال الصحابي: وهل كانت لهم نخالة، إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم) كلهم أخيار لا يوجد فيهم نخالة، فالنخالة بعدهم، والحديث في الصحيح.
تعليق