مواطن انحراف الخوارج عن السنة (2-2)
2ـ تكفيرهم أصحاب الكبائر ، وقد اجتمع على هذا المحكمة الأزارقة ( نسبة إلى نافع بن الأزرق ) وقالوا ( من ارتكب كبيرة من الكبائر كفر كفر ملة ، خرج به عن الإسلام جملة ويكون مخلدا في النار مع سائر الكفار ) أما الصفرية الزيادية ( أتباع زياد بن الأصفر ) فيكفرون من أتى من الكبائر ما ( ليس فيها حد لعظم قدره مثل ترك الصلاة والفرار من الزحف ) أما ( ما كان من الأعمال عليه حد واقع فلا يتعدى بأهله الاسم الذي لزمه به الحد كالزنا والسرقة والقذف فسمي زانيا ، سارقا ، قاذفا لا كافرا مشركا ) (1) في حين تعتبر بعض فرقهم أصحاب الحدود كفارا مشركين وتعد كل ذنب صغير أو كبير شركا (2) .
ويلتقي العجاردة ( نسبة إلى عبد الكريم بن عجرد ) مع الأزارقة في تكفير أصحاب الكبائر ، ويستدل الأزارقة ( نسبة إلى نافع بن الأزرق ) على صحة مذهبهم هذا ( بكفر إبليس ، فقالوا : ما ارتكب إلا كبيرة ، حيث أمر بالسجود لآدم عليه السلام فامتنع وإلا فهو عارف بوحدانية الله تعالى )(3) .
وهذا الاستشهاد كما هو واضح من الأقيسة الفاسدة ، ذلك أن موقفهم هذا يتنافى مع صريح النص كما سنبينه بعد حين .
ـ وإطلاق التكفير بهذا الشكل يتنافى مع النص الصريح لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ــ وحوله عصابة من أصحابه ـ : ( بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوا في معروف ، فمن وفي منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا ، ثم ستره الله ، فهو إلى الله إن شاء عفا عنه ، وإن شاء عاقبه ، فبايعناه على ذلك ) (4) .
فالحديث يرد على الخوارج الذين يكفرون مرتكب الكبيرة ويخلدونه في النار ، إذ لو أقيم عليه الحد فذلك الحد كفارة له ، ولو ستر فأمره إلى الله ، ولم يقل الرسول إنه كافر .
3ـ ومن انحرافاتهم إباحتهم قتل الأطفال مخالفيهم والنسوان معهم ، مع الإفساد في الأرض ، بالإبادة الجماعية وحرق الأشجار والزورع .
فالحرورية : حين مروا بعبد الله بن خباب قتلوه ، وبقروا بطن جاريته ، ثم عدوا على قوم من بني قطيعة فقتلوا الرجال ، وأخذوا الأموال ، وغلوا الأطفال في المراجل (5)، وتأولوا قول الله تعالى : " إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا " نوح : 27 .
كما أن الأزارقة ( استباحوا قتل النساء مخالفيهم وقتل أطفالهم ، وزعموا أن الأطفال مشركون ، وقطعوا بأن أطفال مخالفيهم في النار ) (6) .
وكذلك العجاردة روعوا الناس وسفكوا الدماء البريئة ، فهذا حمزة بن أدرك زعيم الفرقة التي تنتسب إليه ( الحمزية ) والذي ظهر سنة 179هــ في عهد الرشيد ، تذكر أعماله بفظاعات هولاكو ( 614 ـ 664 هــ ) وجده جنكيز خان ( 550 ـ 625 هــ ) اللذين روعا الدنيا وأغرقاها في الدماء ؛ فكان ( إذا قاتل قوما وهزمهم أمر بإحراق أموالهم وعقر دوابهم )(7) وقد قصد هراه (مدينة في أفغانستان ) فمنعه أهلها من دخولها ، فاستعرض الناس خارج المدينة ، وقتل منهم الكثير (8).
وفي هذه الضلالات مخالفه لروح القرآن ونهيه عن الفساد ، وتتجافى مع تعاليم السنة المطهرة حيت جاء في صحيح مسلم في باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "فإن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام (9)"
(1) - ملل الشهرستاني 1/ 137 .
(2) - ذهب إلى هذا اليزيدية أصحاب يزيد بن أنيسة من الإباضية أما الحفصية وهم أصحاب حفص بن أبي المقدام ففرقوا بين الشرك والإيمان فمن عرف الله ( ثم كفر بما سواه من رسول أو كتاب أو قيامة أو جنة أو نار أو ارتكب الكبائر من الزنا ، والسرقة وشرب الخمر فهو كافر لكنه برئ من الشرك ) ملل الشهرستاني 1/ 146 .
(3) - ملل الشهرستاني 1/ 122 .
(4) - صحيح البخاري متن فتح الباري 1/ 70 ـ 75 ( كتاب الإيمان ـ باب بيعة العقبة بعد الفتح ) .
(5) - جامع بيان العلم وفضله 2/ 129 .
(6) - الفرق بين الفرق 83 ـ الملل الشهرستاني 1/ 121 ـ 122 .
(7) - الفرق بين الفرق 98.
(8) - المصدر السابق 99.
(9) - البخاري 1/ 168 ـ مسلم 3/ 1306 ـ الترمذي 3/ 461 ـ ابن ماجه 2 / 1015 ـ الدرامي 1 /393 .
تعليق