تستحي منه الملائكة، ويحبه المؤمنون، ويكرهه المارقون، عثمان يساوي البر والإحسان، والصدقة والقرآن، والصبر والإيمان:
وما كنت أدري ما فواضل كفه على الناس حتى غيبته الصفائح
بذل ماله بلا منة، وجمع القرآن والسنة، وصحب الحبيب في الجنة:
فقت الأنام بأخلاق مهذبة صدق الحديث وإنجاز المواعيد
زحف الخطر فجهز جيش العسرة، وأقبل الظمأ فاشترى بئر رومة، وتقدم الجوع فأطعم الناس في المسجد، ودهمه السهر فقام بالقرآن كله:
كأنك في الكتاب وجدت لاءً محرمة عليك فلا تحل
إذا حضر الشتاء فأنت شمس وإن حل المصيف فأنت ظل
سموح صفوح لا يطالب بالثأر، فجرح بسيوف الثوار، زوجه صلى الله عليه وسلم ابنتين، واشترى نفسه مرتين، وبايع لخليفتين، فاستحق لقب ذي النورين .
غاب عن بدر فناب عنه المسلمون، وذهب يوم العقبة في المهمة فناب عنه الإمام الأعظم، إن غاب حضرت أعماله، وإن شهد حسنت خلاله.
جهز جيش العسرة، فسمع المعلم الأطهر يقول على المنبر: (اللهم ارض عن عثمان ، فإني عنه راض) .
وتكفل بمؤنة القوم، فكوفئ، بـ (ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم) (1) ، قتل فمزق مصحفه؛ لأن المضاف له حكم المضاف إليه.
جرحان في كبد الإسـلام ما التئما جرح الشهيد وجرح بالكتاب دمي
آخر أيامه كان صائماً، وآخر لياليه بات قائماً، قتل وهو يتلو القرآن، فدخل من باب الريان، ((وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)).
شكراً لأفضالك اللاتي نفحت بها ودام فضلك والتأريخ قد شهدا
تسحر في المدينة ، وصلى العصر في الروضة، وأفطر في الجنة، حسن عمله فطال عمره، وطاب مخبره، فصح مظهره، أحسن الرفادة فكوفئ بالشهادة:
وكنت حديثنا في كل ليل إذا نام الخلي وغاب نجم
ربيع تعشب الوديان منه وجود إن بكى جوع ويتم
عثمان أخذ من الإسلام السماحة، ومن الحق الوضوح، ومن الشمائل الحياء، ومن القيم البذل، المال عنده نفع في الملمات، والجود عنده كشف للكربات، والحياء نكوص عن العثرات.
عثمان :
ما رآه النجم إلا ساجدا أو رأته الشمس إلا باذلا
كان يئن بالآيات في الهجيع، فرافقه القرآن إلى البقيع، فلله دره من ضجيع.
فتىً كلما فاضت عيون قبيلة دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر
ثوى طاهر الأردان لم تبق بقعة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر
هنيئاً لـعثمان يوم اشترى الجنة بأغلى الأثمان، ذهب عثمان بصيام! وجهاده وتلاوته وحيائه وبره وإحسانه، وبقي ذكره والثناء عليه والدعاء له وحبه، يداً بيد، مثلاً بمثل، سواء بسواء، هاءً وهاء، قتل من غير ذنب، وذبح من غير جرم، لكن منزلته السامية ومكانه الرفيع لا يوصل إليه إلا بدم، ولا ينال إلا بشهادة، أما آن لـعثمان ، أن يلقى الرحمن، أما آن للمجاهد أن يرتاح، وللصائم أن يفطر، وللمتهجد أن ينام:
بكيناك حتى أقسم الدمع أننا نكف لنروي من حياتك ما روى
أيكفيك أن الجود مات بموتكم ففي حفرة أنتم ووجه العلا سوى
تعليق