أما الجبن؛ فهو مرض يكبر، ويتعاظم في نفس المرء، بفعل الهواجس والظنون؛ التي تسيطر على ذهنه.
ويزداد كلما نقص الإيمان من العبد.
ولذلك يقول الله عر وجل عن المنافقين: ((يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ)) فإذا تحرك الباب خاف، وإذا سمع صوت الأحذية رعب، وفزع، والجبناء يخافون من البشر أكثر من خوفهم من رب البشر، ووالله، لو أن كثيراً من الناس خافوا من الله، كما خافوا من البشر؛ لصلحت أمورهم في الدنيا والآخرة.
وأعظم الشجاعة: خوف الله، عز وجل.
والخائفون من الله هم أشجع الناس، وهم الذين يؤدون أوامر الله، ويجتنبون نواهيه، كما قال الأول:
ليس الشجاع الذي يحمي فريسته عند القتال ونار الحرب تشتعل
لكن من رد طرفا أو ثنى وطراً عن الحرام فذاك الفارس البطل
فأشجع الناس: من راعى ما بينه وبين الله، ورد نفسه عن الحرام، وكسرها وقت الغضب، ووقت الشهوة، ووقف عند الحدود، هذا هو الشجاع المحفوظ بحفظ الله، عز وجل، وهو الذي ينتصر.
ولذلك قال بعضهم: لا ينتصر العبد في المعركة حتى ينتصر على نفسه، وعلى الشهوات، وعلى المعاصي، وعلى المخالفات. وقد ضربت العرب أمثلة للجبناء، فقالوا عن الجبان: نعامة فتخاء.
وقالوا عنه: دجاحة.
وقالوا: الظليم.
وكانت العرب لا تولي سيداً جباناً، بل تشترط في السيد شرطين:
الشرط الأول: أن يكون شجاعاً.
والثاني: أن يكون كريماً.
والإسلام يربي الجبناء، فيعلمهم أن يحملوا شجاعة الرأي، وشجاعة العلم، وشجاعة القتال؛ ليصبح الناس كأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
من جبناء العرب: أبو حية النميري ، الذي كان يضرب به المثل في الجبن.
أخذ سيفاً من خشب، فكانت قبيلته إذا قاتلت جلس في آخر الجيش بسيفه.
فإن انتصروا ضارب معهم، وإن انهزموا فر!.
وكان يقول لسيفه:
يا سيف كم من نفس أهدرتها وكم من دم قد أسلته
قالوا: دخل كلب بيته في ظلام الليل، فخرج هو وزوجته، وتناول السيف، وخرج خارج المنزل، وهو يقول: الله أكبر، إن وعد الله حق.
فسأله الناس: مالك؟
قال: عدو محارب، انتهك عرضي، ودخل علي في البيت، وهو الآن في البيت.
ثم قال: يا أيها الرجل، اخرج إن تريد مبارزة، فأنا أبو المبارزة، وإن تريد قتلاً، فأنا أم القتل، كل القتل، وإن تريد مسالمة فذاك لك.
فبقي واقفاً يضرب الباب بالسيف وينادي، فلما أحس الكلب بجلبة الناس خرج من بينهم.
فألقى أبو حية السيف من الخوف، وقال: الحمد لله الذي مسخك كلباً، وكفانا حرباً.
ومنهم: رغوة الجمل ؛ الذي أخذ أبناء المسلمين، وذهب بهم إلى فارس ، فكان يمضي في الليل، وينام في النهار شهراً، حتى استعد أهل فارس، ونظموا كتائبهم، ثم بدأ الهجوم، فكان هو أول من انهزم.
فدخل المدينة على بغلته؛ وترك أبناء المسلمين.
فيقول الشاعر في قصيدة طويلة:
تركت أبناءنا تدمى كلومهم وجئت منهزماً يا (رغوة) الجمل
ومنهم: أبو دلامة ؛ الذي كان رجلاً فكاهياً مزاحاً، ليس من أهل المعارك، ولا الأبطال.
حضر معركة مع أبي جعفر المنصور ، فقال له المنصور : اخرج بارز هذا الفارس.
قال: أنت تعلم أني لست مبارزاً.
قال: عزمت عليك أن تبارز.
فخرج، فلما قرب من الفارس وضع سيفه، وقال للفارس: إنك تعلم أني أكره الموت على فراشي، فكيف تقتلني هنا.
فضحك الناس، وضحك أبو جعفر ، وعاد أبو دلامة .
تعليق