أما الرسول صلى الله عليه وسلم فالله يقول له: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)) ما معنى: ((وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)) أي: يحميك، فلا يغتالك أحذ، فليس عنده صلى الله عليه وسلم حراسة، ولا جيش أحمر، ولا شرطة ومع ذلك: ((وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)) اليهود : أعداؤه، و النصارى ، والعلمانيون، والهندوس، والسيخ، والمنافقون، والمشركون: ((وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)).
تعرضوا له في أكثر من مرة.
يقول بعض أهل العلم: أحد عشر مرة، وكلها ينجو منها بسلام، ويخرج منها بسلام.
ففي غار ثور ، دخل صلى الله عليه وسلم بلا سلاح، ولا رماح، ولا سيوف، فلما دخل الغار أرسل الله، عز وجل، حمامة باضت في فم الغار، وعنكبوتاً نسجت بيتها في فم الغار، فأتى الكفار: خمسون شاباً، كل شاب معه: سيف يقطر دماً، وحقداً، وحسداً، يريدون قتله، فوقفوا عند الباب، فتفكروا: لو كان دخل هنا هو وصاحبه لما بقي العش، ولا بقي بيت العنكبوت.
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم
عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالم من الأطم
يقول أبو بكر ، رضي الله عنه، وقد رأى بطون أقدام المشركين من شقوق الغار، وقد وقفوا أمام الغار: [يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى موطن قدميه لرآنا].
فيتبسم صلى الله عليه وسلم، ويهز كتفيه، ويقول: (يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما: ((لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)))
فهو صلى الله عليه وسلم عند المصائب والمشاكل، لا يعرف سوى: ((إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)).
يقتل سبعون من أصحابه، ويغلب في بعض المعارك: ((اللَّهَ مَعَنَا)) ينتهي الطعام: ((اللَّهَ مَعَنَا)) تموت بناته الثلاث: ((اللَّهَ مَعَنَا)) وفي الأخير حقق نجاحاً هائلاً ما سمع الناس بمثله صلى الله عليه وسلم.
يلحقه سراقة بن مالك المدلجي ، قبل دخوله الغار، يريد اغتياله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن، فيقول أبو بكر : [يا رسول الله، الرجل أدركنا].
فيتبسم صلى الله عليه وسلم: ((لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)) فيقترب فيدعو عليه، وعلى فرسه، فيسقط هو والفرس على وجهه.
ويعود ثانياً يطارده، فيدعو عليه فيسقط.
فيقول: [يا محمد، اكتب لي أماناً].
فيكتب له أماناً، ويقول: (كيف بك يا سراقة إذا سورت بسواري كسرى و قيصر؟
) إنه النصر.
وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردا وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم
ويصل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وتأتيه محاولة اغتيال ثالثة، هذا عمير بن وهب ، ومعه صفوان بن أمية ، يجلسون تحت ميزاب الكعبة، والرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة ، والاثنان تحت الميزاب في مكة ، فيتوشوشان بالكلام حتى ما يسمعهم القريب منهم، لكن الله سمع من فوق سبع سموات: ((قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ)) و عائشة ، رضي الله عنها، لم تسمع وهي في طرف البيت.
يقول صفوان بن أمية لـعمير : يا عمير ، أما تدري ماذا فعل بنا محمد، لقد قتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا، يا ليتني أقتله.
قال عمير : ليس من يقوم بأهلي ومالي فأقتله.
قال: الأهل أهلي، والمال مالي، والدم دمي، اذهب واقتله.
فسم سيفه شهراً، وذهب إليه في المدينة صلى الله عليه وسلم.
فرآه عمر ، والشر في وجهه، فأخذه بثوبه، وبسيفه، وأدخله على الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا عمير بن وهب ، ماذا أتى بك إلى المدينة ؟
قال: أتيت أزور الأسارى وأفاديهم.
قال: كذبت، بل جلست أنت و صفوان تحت ميزاب الكعبة، فقال لك كذا وكذا، وقلت له كذا وكذا، ولن تقتلني، فالله يعصمني من الناس.
قال عمير : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.)
والمحاولة الرابعة: عندما أتى فضالة : رجل من المشركين، وقد تظاهر بالإسلام، وأتى يطوف مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم يطوف ما عليه إلا الرداء، قد وضع الإحرام تحت إبطه صلى الله عليه وسلم، فاقترب منه فضالة ، وهو يقول: أستغفر الله، سبحان الله، الحمد لله لا إله إلا الله، لكن:
صلى المصلي لأمر كان يطلبه لما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما
فاقترب من الرسول صلى الله عليه وسلم، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم، وتبسم، وتركه، ولف معه من عند الحجر الأسود، وكل ما التفت إليه صلى الله عليه وسلم، رآه يستغفر الله.
فأخذه صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: (يا فضالة ، ماذا تقول؟
قال: أستغفر، يا رسول الله، ثم وضع يده على صدره، فإذا الخنجر في يده، قال: يا فضالة ، تب إلى الله، فتاب)
والمحاولة الخامسة: في معركة حنين ، عندما أتى رجل من المشركين يريد اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (فلما اقتربت منه أخذ بيدي، وقال: تب إلى الله، ثم وضع يده على صدري، ودعا لي، فما رفعها حتى كان أحب الناس إلى قلبي)
وأما السادسة: فيقوم بها رجلان: أربد بن قيس ، و عامر بن الطفيل ، و عامر بن الطفيل هذا بطل من أبطال العرب، ولكنه مجرم، ما أسلم، وما عرف لا إله إلا الله.
أتى إلى أربد بن قيس وقال: يا أربد ، نذهب لنقتل محمداً.
قال: كيف نقتله؟
قال: أولاً، نخرجه من المدينة ، ونقول نريدك في أمر، فإذا خرج معنا أنا سوف أشغله بالكلام، وأنت اقتله.
قال: نعم.
فخرجوا إلى المدينة ، وقالوا: يا رسول الله، نريد أن تخرج معنا إلى الصحراء، فخرج صلى الله عليه وسلم، لا سيف، ولا رمح، ولم يخبر الصحابة، ولا أخبر أحداً من الناس، ولا عنده حراسة، فلما توسط معهم في الصحراء، في مكان لا يراهم إلا الله، قام عامر بن الطفيل يتكلم معه، ويحدثه، حتى يشغله، وأتى أربد بن قيس بالسيف، ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم.
فكلما أراد أن يضربه بالسيف، لم يستطع، وصاحبه يغمز له بعينه.
وفي الأخير: ترك المهمة بعد أن آيس.
فلما رجعا، قال له عامر : ما لك لم تقتله؟
قال: والله ما هممت بقتله إلا ووجدت ما يحولني عن ذلك.
فدعا عليهما صلى الله عليه وسلم لما جاءه الوحي.
فأما عامر بن الطفيل ، فما أمكنه الله، فقد نزلت فيه الحال غدة، حتى أصبحت مثل المخلاة؛ التي توضع في عنق الحمار، فيها الشعير، فأخذ يخور مثل الثور، ويصيح: غدة كغدة البعير في بيت سلولية.
يقول: أنا سيد العرب، وأموت في بيت عجوز سلولية، فأنا مثلي يقتل على الخيول، نعم، يا عدو الله، تموت في بيت سلولية، فلما أتاه الموت قال: أركبوني الفرس، فأخذ يخور كالثور حتى مات على فرسه.
وأما أربد بن قيس ، فأرسل الله عليه صاعقة من السماء، فأحرقته وأحرقت جمله.
لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار
فالرسول صلى الله عليه وسلم كلما حاول المشركون والفجرة اغتياله حماه الله، معجزة له صلى الله عليه وسلم.
تعليق