بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، الحمد لله على الإسلام والسنة والعافية.
قال شيخ الإسلام: هذه أركان السعادة، كلما كان حظ الإنسان منها أكمل، كان حظه من السعادة والكمال أوفر، الإسلام والسنة والعافية.
أيها الإخوة في الله، إنما بعثت الرسل وأنزلت الكتب حتى ترد الناس إلى الأمر الأول الذي خلقه الله من أجله، فإن الله عز وجل لما أنزل آدم إلى الأرض، أنزله على التوحيد، وعلى السنة التي يرضاها ويحبها من عباده، وكان الأمر فيه هكذا، وفي أولاده، وفي ذريته عشرة قرون، ألف سنة، وهم على الطريقة المرضية، قد يحصل منهم معاص؛ كالقتل الذي حصل في أبناء آدم، أما طريقتهم وسنتهم فإنها التي يرضاها الله عز وجل، ثم لما ضعف نور النبوة وأخذ العلماء يذهبون؛ استغل الشيطان هذه الفرصة كعادته في كل جيل، فاقترح على أحد الأجيال بدعة، وهذه البدعة هي الصور، وجاءهم إما في صورة وحي أو في صورة إنسان؛ صورة آدمي، وقال بعدما مات قوم صالح منهم: لو صورتم لهم صورا -تأملوا يا إخواني- هذه أول بدعة حصلت في الدنيا - لو صورتم صورا وعلقتوها، والقصد حسن، ليس كل مبتدع قصده السيئة، بعض البدع خلفها الزنادقة، لا يؤمنوا بالدين، لكن بعض البدع خلفها أناس اجتهدوا اجتهادا، فقال: صوروا الصور حتى إذا رأيتم صور الصالحين تذكرتوهم وعبدتم الله، اجتهدتم، نشطتم في العبادة.
كما لو جاءنا الآن وقال: ضعوا صور مثلا علمائكم الصالحين، مثل صور الشيخ عبد العزيز بن باز وابن عثيمين، ضعوها في مجالسكم وأماكنكم، حتى كلما تذكرون الصور تذكرون ما كانوا عليه من الخير ومن الدعوة إلى الله ومن العلم، فتنشطون بالعبادة. بدأ بهذه البدع.
ثم الشيطان طويل النفس، أعطاه الله عز وجل مما يعيش إلى يوم وقت معلوم، لما مات العلماء أيضا ضعف نور النبوة جدا، وجاء الجيل الذي بعدهم وليس عندهم علماء، قال: إن من قبلكم كانوا يعبدون هذه الصور، فبدأ الشرك، فلما بدأ الشرك بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، فالرسل كلها إنما ترد الناس إلى الأمر الأول، وأتباع الرسل وورثة الرسل إنما يهدون الناس دائما للأمر الأول، الشيطان يستهوي الناس أن يتركوا الصراط، أن يتركوا الطريق، الحق ثقيل والباطل خفيف.
ولذلك فإن الله عز وجل يقول: وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً ، يعني على التوحيد، وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ؛ منهم من آمن ومنهم من كفر.
وقال تعالى: ولَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ .
وقال تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً يعني تفسر الآيات السابقة أي: فاختلفوا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .
فالرسل إنما بعثت لترد الناس للأمر الأول، نوح والنبيون من بعده، كما قال تعالى، هو أول رسول، ثم لما ختمت النبوة والرسالة بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن العلماء هم ورثة الأنبياء، أعظم ما يهمهم رد الناس للأمر الأول، كلما جاء انحراف يقوم ورثة الأنبياء ويردون الناس للأمر الأول، ولا يظنون أن هذا الأمر يسير، هذا شاق؛ لأن فطام الناس عن عاداتهم وعما تعودوه وعظموه أو ما يفعله كبراؤهم أو آباؤهم أو أمراؤهم أمر شديد، لكن يوطن الإنسان نفسه، ما في أحد يسلم في هذا الطريق، حتى رب العزة سبحانه وتعالى كما جاء في الحديث الصحيح: ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله سبحانه وتعالى، ما في أحد أصبر على أذى يسمعه من الله، إنهم لن يضروه، الضرر غير الأذى؛قال تعالى : لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى، لكنه يرزقهم ويعافيهم ويخلقهم فينسبون إليه الصاحبة والولد ويقولون: يد الله مغلولة، ولذلك من سلك طريق المرسلين لا يطمع بالسلامة من الناس، يروى أن موسى عليه السلام قال: يا رب، أسألك أن لا يشتمني الناس ولا يسبوني. قال: يا موسى، هذا أمر لم أجعله لنفسي، أنا أرزقهم وأخلقهم وأعافيهم، ويقولون: يد الله مغلولة، إن الله فقير ونحن أغنياء، لا يطمع الإنسان في هذا الأمر، ولكن عليه بالسنة، عليه برد الناس للأمر الأول، وليصبر، وبالحكمة وبالرفق وبالصدق وإخلاص النية. على قدر النية يكون التوفيق، تكون معونة، فلا بد من هذا الأمر.
والآن خاصة وفي كل عصر أعظم الجهاد هو الجهاد لإقامة الدين، وإنما شرع القتال - وهو من الجهاد - لإقامة الدين، لتكون كلمة الله هي العليا، فالآن أعظم الجهاد أن تنصر السنن، أن تنصر سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ميراث النبوة، قدر استطاعتك، إن كان عندك علم تُعلِّم، ما عندك علم تبلغ ما قال العلماء.
والنبي عليه الصلاة والسلام بيّن أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، لن نستطيع أن نمنع هذا الافتراق، هذا أمر حاصل قطعا، ولكن علينا أن نسعى أن نكون من الفرقة الناجية، وأن نبيّن ما هي الفرقة الناجية كما بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ، فهو من الفرقة الناجية.
والكتب - كتب السنة - كثيرة، كتب بينت السنة، منها الكتب الستة؛ البخاري ومسلم ... بينوا السنة، وفيها أبواب تبين السنة في العقائد: الاعتصام، مثلا في صحيح البخاري كتاب الاعتصام، كتاب التوحيد، كتاب النهي عن الحيل، هذا كله من بيان السنة، كتاب العلم، كتاب الإيمان، كلها في البخاري، وفي مسلم وفي ابن ماجه وفي الدارمي وفي غيرها، وفي كتب أخرى بينت من انحرف عن السنة، وبينت طريقة السلف؛ تعاملهم، من أتى بابتداع أو بانحراف.
ومن أشهر هذه الكتب ثلاثة في التاريخ: كتاب ابن الرحالة، وكتاب أبي بكر الطرطوشي من علماء الأندلس: (الحوادث والبدع)، وكتاب أبي شامة أبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل: (الباعث على إنكار البدع والحوادث).
هذه ألفت أساسا لبيان الابتداع والنهي عن البدع.
وفيه كتب ألفت لتعدد المحدثات والبدع، وكذلك كتاب الاعتصام للشاطبي، حاول أن يبين ما هي البدعة، وهذا أمر لا بد منه، تمييز ما هي السنة وما هي البدعة، وحاول واجتهد ووضح وقرر.
وأيضا كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية (اقتضاء الصراط المستقيم)؛ فإن فيه فصولا نافعة في بيان البدع، لكن هذا الكتاب الذي بين أيديكم هو من أنفعها:
أولا: لأنه من كتب القرون الفاضلة المفضلة، وهذا يا إخواني ملمح عظيم مهم، كتب القرون الثلاثة ينبغي للإخوة الاهتمام بها والعناية بها، وأصحاب الدورات العلمية نشرها، وأصحاب المساجد الانتباه لها، لكن يعني هؤلاء يكفيهم تزكية الرسول صلى الله عليه وسلم لهم عندما قال: خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم .
نور النبوة عندهم أوضح وأعظم، والكلام عندهم واضح، كلما توالى القرون يكثر الكلام ويقل العلم، لكن بشرط أن تقرأ هذه الكتب على عالم أو طالب علم يعرف المحكم والمتشابه فيها، ويعرف الكلام الجيد، الحديث الموضوع والحديث الصحيح؛ لأن الله أثنى على عباده فقال تعالى: فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ .
قد يأتيك قول ليس بحسن تتبعه، فلا بد من عالم ...يحيط بكل الكتب، يقول ابن القيم رحمه الله في النونية:
والجهل داء قاتل وشفاؤه أمران في التركيب متفقان
نص من القرآن أو من سنة وطبيب ذاك العالم الرباني
الذي يذهب يقرأ الكتب بدون شيخ يعلم ويقول: هذا من المحكم وهذا من المتشابه، وهذا له وجه، وهذا تأويله كذا - قد يهلك. مثل الذي يذهب إلى الصيدلية ويطلب أدوية بدون ما يصف له الطبيب، قد يأخذ دواء يقتله، قد يأخذ دواء يضره، لا بد من طبيب كما قال ابن القيم:
فهذا الكتاب من أنفس الكتب:
أولا: لأنه من كتب القرون الفاضلة، ولأنه مسند في أسانيد، يبين لك، ستأتي معنا إن شاء الله أحاديث ضعيفة، بعضها قد يكون موضوعا، لكن على طريقتهم أن من أسند فقد برئ من العهدة، إذا قال لك: هؤلاء رجالي، برئ من العهدة على طريقتهم.
وابن وضاح إمام من أئمة الدين، فلولا محمد بن وضاح هذا وبقي بن مخلد ما كان في الأندلس حديث، هم الذين جاءوا إلى المشرق في عهد الإمام أحمد ومن قبله وطلبوا ودرسوا، ثم نقلوا الحديث إلى بلادهم، وهذا فضل العالم، فضل طالب العلم الذي يرحل ويأخذ العلم ويأخذ النور ثم يذهب إلى بلاده وينشر، يبلغ النور؛ نور النبوة. الوحي ليس من كلام البشر، ليس مثل الثقافات والفلسفة والمنطق، هذه كثير من الظلمات، هذا وحي نزل به جبرائيل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين.
فبقي بن مخلد ومحمد بن وضاح أخذوا الحديث ونشروه في الأندلس، يقول المؤرخون: لولا محمد بن وضاح وبقي بن مخلد ما كان في الأندلس حديث. نشروا الحديث هناك، نشروا الآثار، نشروا السنن.
وهو إمام، ولد في آخر القرن الثاني سنة 199، ومات في أواخر القرن الثالث سنة 287.
وهذا الكتاب فيه ثلاثمائة وبضعة عشر أثرا، إن شاء الله إذا مد الله في الأعمار نأخذها أثرا أثرا، ثلاثمائة وبضعة عشر أثرا على عدة أصحاب بدر، وفيها أمر عظيم، فيها أشياء أو كثير منها قد يسمعها المرء لأول مرة عن السلف، وهذا بسبب تقصيرنا، دائما في كتب المتأخرين، دائما في كتب المعاصرين، في كتب المتأخرين، كتب القرون الثلاثة يندر من يهتم بها وينشرها. صحيح قد يكون فيها أشياء متشابهة، لكن تعرض على أهل العلم، يذهب الشيخ إلى راسخ في العلم ويسأل عن هذه المتشابهات ويبلغ إخوانه، يبلغ ينشر، لكن أن تترك نهائيا مع ما فيها من النور وما فيها من الوضوح، وما فيها من السهولة وعدم التكلف، وأنا أوصيكم جميعا برسالة ابن رجب: (فضل علم السلف على علم الخلف)، فقد شفى وكفى، بيّن أن هناك فرقا شاسعا بين علم السلف وعلم الخلف، وهي رسالة صغيرة، ومتأكد على من أراد أن يسلك هذا الطريق وهو طريق العلم بأن يقرأها وأن يتدبرها وأن يقرأها مرارا أيضا حتى يعرف الفرق، حتى ما يذهب عمره وهو يجرب ويقرأ كذا والأمر قريب منه، قريب المأخذ.
روي عن بعض السلف أن الشيطان جمع جنوده فقال: كيف حالكم مع بني آدم؟ فقالوا: يا أبا مرة، أهلكناهم بالذنوب وأهلكونا بالاستغفار وبلا إله إلا الله، كلما بنينا من المعاصي ذنوبا هدموها بالاستغفار، ونحن وإياهم في سجال، نحن نحثهم ونزين لهم الذنوب والمعاصي ثم إذا فرحنا بما حصلنا منهم هدموها بالاستغفار وبلا إله إلا الله؛ بالتوحيد. فقال الشيطان عندما علم هذه المشكلة التي تحصل قال: لأحدثن فيهم أشياء لا يستغفرون منها. فبث في الناس هذه الأهواء، يركز فيها الإنسان ويسعى ويجتهد وينشر ويحسب أنه يحسن صنعا وهو ضال، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا خطورة البدع، العاصي ذليل ويدري أنه ليس على وفق الشريعة وأنه مخطئ، لكن خطورة البدع والمحدثات أن صاحبها يسعى فيها وهو على غير الجادة، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن الفرقة الناجية: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي .
ولا يطفئ الفتن والجدل والافتراق والبغضاء بين أهل الإسلام عموما والإشراك خصوصا، لا يطفئ هذا الرد والرد المقابل وكثرة الجدل وكثرة... هذه تزيد الأمر، يطفئها تعليم الناس السنن، بيان السنن؛ فإن الناس إذا عرفوا السنة عرفوا من هو عليها ومن تركها، وتبينوا، قد يأتي بعض الناس من قبل الجهل ما يحسن، فما مثل تعليم السنن ينشر النور؛ نور النبوة، ويسكن هذا الجدل وهذا الفرقة وهذه البغضاء.
فيه بعض الناس ما يريد أنك تخبره بالحق مغالبة، يأنف أنه مغلوب على الحق، يريد أنه يكتسب الحق بنفسه، يعرف الحق، فأنت بيِّن السنن حتى تنطق الحجة، يهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، أما هذه المغالطة وهذه النقاشات وهذه الردود غالبا ما تفضي إلى خير.
والطرطوشي يقول في مقدمة كتابه يقول: وجدت البدع نوعين: نوع يعلم الناس أنه بدعة، خاصة في زمان معين أو مكان معين، قالوا: هذا لنشتغل به. يعني يعلم الناس أن هذه بدعة، قالوا: هذا نشتغل به، مثال: هنا مثلا في هذه البلاد يعلم الناس أن الاحتفال بالمولد النبوي من البدع، ما فعله الصحابة ولا الخلفاء الراشدون، فيعني صرف الأوقات لنشره عند الناس يدرون أنه بدعة هذا حسن، لكن يقول الطرطوشي: والنوع الثاني ما لا يعلم الناس أنه بدعة، يظنون أنه سنة، قال: وهذا سوف أتكلم فيه، الذي يظن الناس أنه سنة وهو بدعة، أما اللي العامة معك يعترفون بأن هذا بدعة خلاص فرغ من الأمر، وهذا أمر مهم، ولذلك السلف كانوا يصبرون، يبينون للناس ولو خالف أهواءهم، ما يأتون للناس بما يحبون فيبينون لهم.
يذكر عن الشعبي وغيره من أئمة السنة أنهم إذا كانوا بالشام حدثوا بفضائل علي، يعني فضائل معاوية قد تشبعوا منها وهم قد يزيدهم غلوا، وإذا كانوا في العراق حدثوا بفضائل معاوية رضي الله عنه، يرغمون الناس، يخبرونهم السنة وإن رغبوا، لا بد، وإذا كانوا بالبصرة حدثوا بفضائل علي، وإذا كانوا بالكوفة حدثوا بفضائل عثمان، فكانوا يخبرون الناس وإن كان الناس ما يرضون، لا بد يعرفون السنة ويجيئون إن شاء الله، وأسرعهم فيئا أكبرهم قلبا.
فلا نطيل في هذه المقدمة، ونسأل الله عز وجل أن يمنحنا وإياكم العلم والسداد والفقه، كل إنسان يقول: اللهم اهدني وسددني. يقول النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بهذا الدعاء: قل: اللهم اهدني وسددني قالوا: تذكر بالهداية هداية الطريق، وتذكر بالسداد سداد السهم.
يعني إذا قلت: اللهم اهدني تذكّر إذا كنت في صحراء واهتديت إلى الطريق ونجوت وغيرك ضل عن الطريق وهلك حتى تعرف عظم هذا الدعاء: اهدني. ولا يوجد دعاء أنفع من هذا الدعاء؛ ولذلك وضعه الله في الفاتحة، الفاتحة أم القرآن، السبع المثاني وضع الله فيها: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ،اختاره من بين كل الأدعية؛ لأنه لا يوجد دعاء للمسلم أنفع من: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ، أهل الهوى، يعرف الحق ويتركه، وَلَا الضَّالِّينَ أهل الجهل. تقوله كل ركعة وكل نفس وكل طرفة عين أنت محتاج إليه.
لا نريد أن نطيل في المقدمة لأن عندنا أكثر من ثلاثمائة أثر نريد تعليقات يسيرة عليها في كل ليلة والوقت يعني يمضي. نعم.
اتقاء البدع
يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله
بسم الله الرحمن الرحيم، وصل وسلم على رسول الله، قال المصنف رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين. باب اتقاء البدع.
حدثنا أصبغ بن مالك، قال: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا محمد بن سعيد بن أبي مريم، قال: حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن معان بن رفاعة السلامي، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
نعم، هذا الأول أصبغ بن مالك من تلاميذ ابن وضاح، ثم ذكر ابن وضاح وشيخه ابن أبي مريم هذا، وشيخ شيخه أسد بن موسى، وهذا الذي سيكثر عنه الرواية، ليس عنه مباشرة وإنما عن محمد بن سعيد هذا، وهذا الذي يسمونه أسد السنة، أسد بن موسى هذا يسمونه أسد السنة، كان حريصا على نشر السنن، وهو جده الخليفة، هذا أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، جده إبراهيم بن الوليد تولى الخلافة زمانا يسيرا ثم خلعه مروان بن محمد، لكنه كان مهتما بالعلم ونشر السنن، وسيأتينا كلام حسن الآن.
إسماعيل بن عياش معروف عندكم وهو الشامي، وشيخه هنا شامي؛ معان بن رفاعة السلامي. وإبراهيم بن عبد الرحمن العذري، غالب التشكيلات التي عندكم في نسختي وفي نسختكم التشكيل الحركات كثير منها ليس صحيحا، لا في ضبط الرجال ولا في المتن، لكن سننبه على بعض التصحيفات والباقي نتركه.
هذا الحديث أولا من حيث الصحة كثير من أهل الحديث يضعف هذا الحديث، لكن الإمام أحمد، والإمام أحمد من أهل الصنعة، بل هو من أخص أهل الصنعة؛ لأن المصطلح كان في السابق أهل صنعة، هي كل حديث عندهم يعتبرونه بضاعة مستقلة، يعتبرون به ويقرون ويعرضون، ثم فيما بعد دخل فيه غيرهم من الأصوليين والفقهاء فكثر فيه الاختلاف، فالإمام أحمد من الأوائل اللي يعرف الصحة والضعف، سأل مهنى بن يحيى، يقول: سألت أحمد بن حنبل عن حديث معان بن رفاعة عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري هذا يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله فقلت للإمام أحمد: كأنه غير صحيح. فقال: لا، بل هو صحيح. والإمام أحمد تصحيحه يعني في مقام عال؛ لأنه كما قلت هو صاحب صنعة، فقلت: ممن سمعت أنت؟ قال: من غير واحد. قلت: من هم؟ قال: حدثني به مسكين وغيره إلا أنه يقول: معان عن القاسم بن عبد الرحمن. وقال الإمام أحمد: معان بن رفاعة هذا لا بأس به في الشامي، وإسماعيل بن عياش إذا حدث عن أهل بلده لا بأس به.
المقصود أن معناه صحيح، ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم الإمام أحمد يقول: صحيح، وغيره من أهل العلم خاصة المتأخرين مثل الدارقطني وغيره يضعفه، وأما المعنى فهو صحيح يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينتقي الله عز وجل من جيل العدول، وهذا منة من الله واصطفاء يقول الله عز وجل: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ، والعلم هو الرسالة، في قوله تعالى (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) وأقرب القلوب للعلم هو القلب الطاهر من الهوى، المتواضع للحق؛ لأن الكبر هو بطر الحق وغمط الناس، كلما كان القلب متواضعا للحق ومنقادا ومستسلما هذا يكون العلم انحداره إليه أسرع من السيل، ولذلك يروى أن موسى قال الله له كما في أخبار بني إسرائيل: أتدري يا موسى لم اخترتك؟ قال: لا يا رب. قال: لأني نظرت في قلوب العباد فوجدت قلبك أكثر تواضعا للحق وللخلق. فساق الله إليه النبوة.
هذا العلم يحمله من كل خلف عدوله، من كل جيل يفتح الله على ناس يحملون هذا العلم، ماذا يفعلون؟ ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، يأتي الناس عندهم غلو ويحرفون، فينفون عنه، يعني يأخذون الدين صافيا ويحرصون أن ينتقل إلى من بعدهم صافيا، كلما جاء في الدين شائبة نفوها، كلما جاء في الدين قذر أخرجوه، هذا جهاد عظيم، هذا ميراث الرسول.
وانتحال المبطلين يأتي مبطل ينتحل، بمعنى يدعي أنه من أهل الدين والإسلام وينتحل، وقد حصل كثيرا في الإسلام، فينفون عنه انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، يأتي من يحمل الكلام على غير محامله، فهم ينفون هذا عنه، فهذا بدأ به هذا المعنى وهو معنى عظيم. نسأل الله أن نكون جميعا من هؤلاء أو محبين لهم أو نسعى بطريقتهم أن نكون من هؤلاء العدول.
يجاهدون لكي ينفوا عن دين الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، لذلك الإمام أحمد اختار هذا الحديث وجعله في مقدمة رسالته الصغيرة المنسوبة إليه، ونسبتها صحيحة (الرد على الجهمية) فقال: الحمد لله الذي جعل في كل خلف عدوله ينفون عن دين الله. وذكر هذا، وذكر كلاما حسنا أكثر من كلام عمر الذي سيأتي. نعم.
باب لا يكون بدعة
فضل البلد أو الزمان الذي يكون فيه عالم
باب: لا يكون بدعة
حدثني محمد بن وضاح، قال: حدثنا محمد بن سعيد، قال: حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا روح، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن حارثة بن مبرد: إن الناس نودي فيهم بعد ليلة، أنه من صلى في المسجد الأعظم دخل الجنة، فانطلق النساء والرجال، حتى امتلأ المسجد قياما يصلون.
قال أبو إسحاق: إن أمي وجدتي فيهم. فأتي ابن مسعود فقيل له: أدرك الناس. قال: ما لهم؟ قيل: نودي فيهم بعد ليلة أنه من صلى في المسجد الأعظم دخل الجنة. فخرج ابن مسعود يشير بثوبه: ويلكم اخرجوا لا تعذبوا، إنما هي نفخة من الشيطان، إنه لم ينزل كتاب بعد نبيكم، ولا ينزل بعد نبيكم. فخرجوا.
وجلسنا إلى عبد الله فقال: إن الشيطان إذا أراد أن يوقع الكذب انطلق فتمثل رجلا، ثم يلقى آخر فقال له: أما بلغك الخبر؟ فيقول الرجل: وما ذاك؟ فيقول: كان من الأمر كذا وكذا، فانطلق فحدث أصحابك. قال: فينطلق الآخر فيقول: لقد لقيت رجلا إني لأتوهمه أعرف وجهه، زعم أنه كان من الأمر كذا وكذا، وما هو إلا الشيطان.
هذا أيها الإخوة من الآثار التي تنتخب وتنتقى، كان ابن مسعود في الكوفة، كان مسؤولا في الكوفة عن بيت المال، ثم كان أميرا وعالما ومفتيا رضي الله عنه وأرضاه، وهو من فقهاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فالناس نودي فيهم بعد نومة، إما نومة القيلولة يعني قبل الظهر، أو نومة قبل الفجر مثلا، جاء الشيطان وألقى فيهم، تمثل لأحدهم وقال: كذا وكذا، أن من صلى في الجامع الكبير في الكوفة دخل الجنة. انظروا كيف يعني هو الناس حديثي عهد بالنبوة في وقت النبوة، لكن كما سيأتي الآن أن الشيطان يستخف الناس بهذه البدع.
أن من صلى بالمسجد الجامع الأعظم، الذي نسميه نحن الآن الجامع الكبير، يعني أكبر مسجد في البلد، في الكوفة، من صلى فيه دخل الجنة، فذهب الناس الرجال والنساء، خاصة أهل الجهل والعامة، يقول أبو إسحاق السبيعي، وهو أحد رواة هذا الأثر، يقول: إن أمي وجدتي فيهم معهم، فأتي ابن مسعود فقيل له: أدرك الناس، فقيل لهم أخبروه بالخبر، فخرج عليهم ابن مسعود يشير بثوبه، من كثرة الناس يشير بثوبه ويقول: ويلكم، اخرجوا لا تعذبوا. حتى خرجوا، ثم قال: إنما هي نفخة الشيطان، إنه لم ينزل كتاب بعد نبيكم، ولا ينزل بعد نبيكم، الأمر فرغ منه، يعني أين الأصول؟ أين نشر السنن عند الناس؟ لو كان الناس يعرفون هذا يعني قد تأصل فيهم، يعرفون من أين أتى هذا؟ أن من صلى في مسجد الكوفة دخل الجنة، والكوفة لم تبن إلا بعد النبي صلى الله عليه وسلم أصلا إنما مصرها عمر، فيقول: من أين لم ينزل كتاب بعد نبيكم، ثم رجعوا خرجوا وجلسوا عند عبد الله بن مسعود، فقال: إن الشيطان إذا أراد أن يوقع الكذب انطلق فتمثل رجلا، يتمثل رجلا، كما حصل في دار الندوة، تمثل وشاركهم لما أرادوا إخراج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يلقى آخر ويقول: أما بلغك الخبر، ما دريت، ما علمت، فيقول: وما ذاك؟ فينشر فيه ما يريد، ثم تنتقل الخبر هكذا إشاعات حتى يقول إذا سئل أولهم قال: إني لقيت رجلا أتوهمه ولا أعرف وجهه، يعني ما أتأكد منه، وزعم أنه كان من الأمر كذا وكذا، وما هو إلا الشيطان.
في هذا الأثر فوائد عظيمة:
الفائدة الأولى: فضل البلد أو الزمان الذي يكون فيه عالم، يا إخواني تأملوا في هذا، فضل البلد الذي يكون فيه عالم، أو الزمن الذي يكون فيه عالم، فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد؛ لأن العالم يكون ... النبوة، ويتخذ الشيطان عدوا، كلما أحدث الشيطان شيئا قام العالم وهدم ما بناه هذا الشيطان، فانظروا هنا ابن مسعود ماذا فعل؛ خرج وقال: اخرجوا لا تعذبوا، ويلكم. لو لم يكن عندهم عالم انتشرت هذه البدعة وتأصلت، وشب عليها الصغير، ومات عليها الكبير، وأنتم لاحظوا البلد اللي يكون فيه عالم راسخ في العلم تقل فيه البدع، تقل فيه المشتبهات، يقل فيه الجدل والخلاف، يعني يكون مرجعا للناس، يكون من أوتاد الأرض.
ولـولاهم كادت تلوذ بأهلها ولكن رواسيها وأوتادها همُ
ولذلك يقول ابن عباس في آخر حياته، يقول: إني لأظن أن الشيطان لا يتمنى أحد يموت في الدنيا كما يتمنى موتي، يقول ابن عباس، قيل: لم يا أبا عباس؟ قال: كلما يحدث بدعة في مشرق الأرض أو مغربها كتبوا إلي فبينت لهم وجه الأمر، فهدمت ما بنى. فلو خير الشيطان الآن: من أفضل واحد تتمنى أن يموت قال: ابن عباس. لأنه يهدم ما يبني.
هذا أثر العالم، وأنتم لاحظوا الفرق بين البلدان التي يكون فيها عالم أو طالب علم، والبلدان الخالية من العلم، تجدون أن الشبهات والبدع والأهواء والخلاف والجدل يكثر في البلدان التي ليس فيها عالم، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: كل أمصار المسلمين خرج منها بدع إلا المدينة النبوية؛ لكثرة ما فيها من نور النبوة وأبناء الصحابة، الكوفة خرج منها بدع كثيرة، مثل بدعة التشيع، الرافضة، والبصرة خرج منها أيضا بدعة القدر والاعتزال وغيرها، والشام خرج فيه بدع، ومصر خرج فيه بدع، أما دار الهجرة المدينة فإنها منذ العصر الأول ما خرج منها بدع، لا يعرف فيه بدعة نشأت في المدينة؛ لكثرة العلم الذي فيها، وكثرة نور النبوة الذي بقي فيها وأبناء الصحابة.
هذه الفائدة الأولى: فضل العالم أو فضل حتى الزمن، تجدون مع وجود العلماء الراسخين تقل البدع، تقل الاختلافات، تقل المشتبهات، معهم نور يفصلون بينهم وبين الناس، معهم فرقان، وإذا ذهب العلماء اتخذ الناس رءوسا جهالا، وانتشرت البدع والأهواء.
الفائدة الثانية: أن الشيطان قد يتمثل على شكل بشر، وقد يوحي وحيا، قد يتمثل بشرا ويلقى الناس، وقد يوحي وحيا، يعني كما قال تعالى: شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وقال تعالى: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ، يوحي وحيا، كما أن عباد الله الصالحين تنطق السكينة على ألسنتهم، كما قال علي: كنا نظن أن السكينة تنطق على لسان عمر. يعني الملائكة تسدده.
فكذلك أولياء الشياطين، تنطق الشياطين على ألسنتهم، تتخذهم مطايا وهم لا يعلمون، ولذلك لما قالوا لابن عباس: إن المختار بن أبي عبيد يدعي أنه يوحى إليه فقال: صدق. فارتاب بعض الناس يظنون ابن عباس اختلف عنده شيء، قال: صدق، يوحى إليه. ثم تلا هذه الآية: شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ، الآن يمكن الشيطان في عصرنا ما عاد يحتاج أنه يتمثل بشرا، جاء الله له بالإنترنت، وجاء الله برسائل الجوال، ممكن هو على لوحة المفاتيح يكتب بحوثا ويكتب فتاوى وينشرها ولا حد يقول: من أين هذه. بحوث أبو فلان وأبو فلان وما أحد يدري، هذه فرصة للشيطان هذه، يبث في الناس هذه الأهواء، قبل سنتين في آخر يوم من ذي الحجة جاءتنا رسائل بالجوال: ننصحكم بصيام آخر يوم من السنة حتى يقفل الملف على صيام. وانتشرت، لا وإذا جاءتك رسالة انشر حتى تكسب أجرا، حتى وصلت إلى عالم ثم ردها عليهم وقال: من نشرها فإنه مبتدع ويساعد على البدعة، من أين لكم هذا ؟! وكذلك في الإنترنت الآن.
والمخرج إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، إذا ما أتاك العلم من شخص تعرف نسبه في العلم، من أين أخذ علمه واشتهر بالسنة، ولا تأخذ من مجاهيل، قد يكون شيطانا كما قال هنا ابن مسعود في آخر الأثر، يقول: إن الشيطان يتمثل بشرا ويقول للشخص: انطلق وحدث أصحابك، حتى إن الشخص يقول: رأيت رجلا أتوهمه وما أعرف وجهه، وإنما هو الشيطان.
وفيه أيضا قال ابن مسعود في مقدمة صحيح مسلم قال: إن الشيطان يتمثل في صورة الرجل، فيأتي القوم ويحدثهم بالكذب فيتفرقون، مثل هذا الأثر، وهذا في مقدمة صحيح مسلم.
وقال عبد الله بن عمرو في مقدمة صحيح مسلم أيضا، وهذه المقدمة بعض أهل العلم يرى أنها في درجة الصحيح، وبعضهم يقول: لا، في مقدمة صحيح مسلم قال عبد الله بن عمرو: إن سليمان بن داود عليه السلام أوثق شياطينه في البحر، يوشك أن تخرج على الناس فتقرأ عليهم قرآنا، شياطين سليمان أوثقها، قال: يوشك أن تخرج على الناس فتقرأ عليهم قرآنا وتكتب لهم بحوثا، وتنشر فيهم فتاوى، وهم لا يدرون مصدرها، فالإنسان يأخذ الدين ممن عرف نسبه في الدين.
الفائدة الثالثة: مسارعة الناس للباطل؛ لخفته عليهم، وثقل الحق عليهم، الناس يسارعون دائما في الباطل، الباطل خفيف والحق ثقيل، الحق ثقيل، ولذلك هنا انطلقوا كلهم خاصة النساء والصبيان، وهذا أكثر ما يتبع الدجال من هؤلاء النساء والضعفاء والأعراب والجهلة، هؤلاء هم اللي يتبعون الدجال، ما عندهم نور من نور النبوة، فيكثرون سواد أهل البدع، فالناس يسارعون في الباطل حتى يأتيهم من يردهم.
الفائدة الرابعة: أن بعض الناس يتصرف وكأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث بعد، من تصرفاته تفهم أنه ما يدري أن النبي بعث وأن الأمر انتهى وختم، فتجد أنه يحدث العبادة أو في الدعوة أو في الجهاد أو في غيره، تقول: يا أخي، محمد بعث صلى الله عليه وسلم والدين أكمل وختم.
ولهذا قال ابن مسعود هنا: إنه لم ينزل كتاب بعد نبيكم ولن ينزل، انتهى الأمر، وإنما عليكم بما قد نزل واكتمل.
والفائدة الخامسة: عدم التهاون في المحدثات، ولو كان ظاهرها الخير، وأصحابها نيتهم الخير، الآن هذه ظاهرة خير أنهم يجتمعون في المسجد ويصلون ويقرءون ونيتهم الخير، يريدون الجنة، ومع ذلك شدد عليهم ابن مسعود، أخذ يشير بثوبه ويقول: ويلكم اخرجوا لا تعذبوا.
وهذه الفائدة السادسة قوله: اخرجوا لا تعذبوا، حتى لو كنت تصلي وجالس في المسجد قد تعذب. قوله: اخرجوا لا تعذبوا. قد تعذب لأنك الآن تغير نظام الإسلام، تأتي بأشياء محدثة نعم.
والآن قصة أخرى لابن مسعود، وابن مسعود هو كما قلت مرارا ابن مسعود وحذيفة خبراء في الفتن والمحدثات والأهواء، لو أن شخصا يتتبع آثارهم وكلامهم هذا جيد، وقد كانت محاضرة في هذا المسجد قبل سنوات طويلة لفضيلة الشيخ صالح آل الشيخ اسمها عهد ابن أم عبد، جمع فيها بعض الآثار عن ابن مسعود جيدة. نعم.
باب كل محدثة بدعة
كل بدعة ضلالة
حدثني محمد بن وضاح قال: حدثنا محمد بن سعيد قال: حدثنا أسد بن موسى قال: حدثنا يحيى بن سليم الطائفي قال: سمعت جعفر بن محمد يحدث عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن أفضل الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثتها وكل بدعة ضلالة .
نعم الله أكبر كل كلمة من الكلمات الثلاثة يا إخواني اجعلوها منهاجا لنا، اجعلوها دائما بين أعيننا كل واحدة من الثلاثة، إن أفضل الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - إن أفضل الهدي هدي محمد، وكما قلت البارحة، وأقول ويقول أهل العلم: لا نقصد أن هديه أفضل من هدي المبتدعة والفساق، بل حتى لو جاءك من الصحابة، لو جاءك الصديق والفاروق ومن دونهم، وهديهم يخالف هديه فخير الهدي هدي محمد، لو نقلوا لك أخبارا، عن سفيان الثوري، ولا عن أحمد بن حنبل، ولا ابن تيمية، ولا ابن عبد الوهاب، ولا من قبلهم، ولا من بعدهم، والهدي يخالف هدي محمد، أحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - مع أن هؤلاء أحرص، الذين سميتهم، أحرص الناس على هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس أحد معصوما، دائما رد الناس إلى هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه واحدة.
شر الأمور محدثاتها في الدين، ها نقول الدنيا النبي - صلى الله عليه وسلم - يتكلم في الدين إنما بعث لإقامة الدين ليس لإقامة الدنيا، شر الأمور في الدين المحدثات.
الطريق واضح أمامنا أعلام وأمامنا علامات، والصحابة سبقونا بس نمسك طريقهم فقط لا نحدث.
والثالثة: كل بدعة ضلالة بدون استثناء كل بدعة ضلالة، ما في بدعة حسنة ولا سيئة في الشرع، أما في اللغة، حتى السنة في، اللغة فيه سنة حسنة وفيه سنة سيئة من سن في الإسلام سنة حسنة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، سماه سنة سيئة السنة من حيث اللغة فيها سيئ وحسن، والبدعة من حيث اللغة فيها سيئ وحسن، أما في الشرع السنة كلها حسنة، والبدعة كلها ضلالة، هذه تقيد وتفهم، وتكرر حتى تكون يقينا حتى تكون بعين عينيك دائما هذه الثلاث، نعم.
بابُ تَغييرِ البِدَع
تغيير البدع من أعظم الجهاد
حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا إسْمَاعيلُ بنُ عَيَّاشٍ عن عَقِيلِ بنِ مُدْرِكٍ السُّلَمِيِّ عَنْ لُقْمَانَ عَنْ أبي إدْرِيس الخَوْلاني أنَّه كانَ يَقُولُ: لأَنْ أَسْمَعَ بِنَاحِيَةِ المَسْجِدِ بِنَارٍ تَحْتَرِقُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أن أَسْمَعَ فيه بِبِدْعَةٍ لَيْسَ لَهَا مُغَيِّر، وما أَحْدَثَتْ أُمَّةٌ في دِينها بِدْعةً إلاّ رَفَعَ الله عنهم بها سُنَّةً. .
نعم. هذا أيضا كلام حسن، يقول أبو إدريس الخولاني: لأن أرى ناحية من المسجد تحترق أهون علي أو أحب إلي من أن أرى فيه بدعة ليس لها مغير؛ لأن النار إذا احترقت في المسجد كل الناس عامتهم وكبارهم وصغارهم سيسعون في إطفائها بسرعة، ويطفئها الماء.
أما البدعة إذا كانت في المسجد من يطفئها إلا أهل العلم وقليل ما هم، تحتاج إلى مثل ابن مسعود يقف على الحلق التي كانت في المسجد، ويقول: إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة.
فهذا معنى كلامه أن النار أهون، النار الحقيقية أهون، الناس بسرعة بغرائزهم يتجهون للماء ويطفئونه على المسجد، لكن البدعة قد يستحسنها الناس، وتنتشر، ولا يوجد لها مغير، وهذا يهدم الدين، النار تهدم الخشب وتهدم الطين، لكن البدع تهدم الدين؛ يستمرئها الناس ثم لا يوجد لها مغير.
فهذا كلام حسن، وهذا يدل على تعظيم السلف في مسألة تغيير البدع، وأنها من أعظم الجهاد.
قال: وما أحدثت أمة في دينها بدعة إلا رفع الله عنها بها سنة. وهذا أمر مهم وسيأتينا آثار تؤكد هذا، وهو أن الإنسان لا يستطيع أن يفعل كل شيء، الإنسان لا بقوته ولا بوقته ولا بعمره لا يستطيع أن يستوعب السنن والبدع، يستحيل هذا، فإذا ابتدع بدعة، أو عمل ببدعة فليتأكد أنها على حساب غيرها من السنة.
وإذا أن أمة من الأمم استمرأت بدعة فلا تظن أنها بدعة بجانب سنة، لا. هي على حساب السنة، وهذا أمر عظيم، هذا الذي يحذر منه السلف. إذا أحدثوا عيدا -كما ذكر شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم- أن الناس لا يستطيعون أن يقوموا بحق الأعياد كلها المشروعة والممنوعة، فإذا أحدثوا أعيادا مبتدعة فإنهم سيضعفون عن الأعياد الشرعية، وهذا أمر لا بد منه.
العلم. لا يظن الشخص أنه يستطيع أن يقرأ كتب أهل الرأي والقياس والأهواء وكتب السنن، كتب الآثار، ويستوعب هذا، لا يستطيع؛ العمر قصير، فليعلم أن كل وقت يصرفه في كتب البشر غير ما يدل على الآثار أنه على حساب الآثار، كل وقت كل شهر كل ساعة كل دقيقة تأخذها في مجال العلم في غير الكتاب والسنة وما يعين عليها، اعرفوا أنه على حسابها، واضح هذا؟ هذا واضح. لا في العلم، ولا في التعبد.
العبادة إذا استفرغت جهدك في عبادة مبتدعة لا تظن إنك ستستطيع أن تستوعب العبادات المشروعة والممنوعة، وإنما الأشياء المبتدعة على حساب السنة، وعلى هذا قس. وهذا خطورة البدع؛ أنها تأكل من السنن تهدم السنن.
الآن- كما ذكر أهل العلم- خطب الجمعة مثلا اهتم بها الشرع اهتماما عظيما؛ أوصى أهل الإسلام أن يبكروا، وأن يغتسلوا، وأن يتطيبوا، وأن يقتربوا من الإمام، وأن يسكتوا، لا يقل لصاحبه أنصت، وأن يقرأ القرآن قبله، يعني بمعنى أنه يجهز الناس للخطيب. الشرع جهز الناس للخطيب، ولا يوجد هذا لا في المحاضرة ولا في غيرها، أن الناس يكونوا على هذه الصفة من التهيؤ النفسي والاغتسال، والتبكير والتطهر والتطيب حتى يأتي الخطيب ويذكر الله عز وجل ويعظهم: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ، وليس إلى شيء آخر.
فإذا الناس فُتح لهم أشياء غير الجمعة، ضعف الاهتمام بالخطبة، لا من الخطيب ولا من السامع؛ لأنه حصل ما يشغلهم، البارحة، وقبل البارحة، وقبله، حصل مثلا قصص، أو حصل أشياء تشغلهم عن الجمعة.
كذلك دروس العلم، لماذا ماتت دروس العلم؟ لأنه وجد ما يصرف عنها، وجد الناس قصصا أريح عليهم، وأسهل عليهم من دروس العلم، أما لو ما في إلا هذه السنن، وهذا العلم، ما حصل شيء ينازعه؛ فإنه يكون هو الأقوى، وهذا ملحظ السلف. وذكرناه مرارا؛ أنهم إنما حذروا من قصاص مخصوصين، كما قال أبو قلابة: ما أمات العلم إلا القصاص؛ بمعنى أنهم يصرفوا الناس عن الوحي، وعلى هذا قس.
وأنا أوصي طلاب العلم دائما أن يكون أكثر جهده مثل الصحابة؛ ماذا قال ربنا، وما معناه؟ وما تأويله على وجهه؟ ماذا قال رسولنا صلى الله عليه وسلم، وما معناه؟ ماذا قال الصحابة، وما معناه؟
العلـم مـا كـان فيـه قـال حـدثنا
وما سوى ذاك وسـواس الشـياطين
كـل العلـوم سـوى القـرآن مشغلة
إلا الحـديث وعلـم الفقه فـي الدين
وقال الآخر:
العلـم قـال اللـه قال رسوله
قـال الصحـابة هم أولي التنبيه
مـا العلم جمعك للخلاف سفاهة
بيـن الرسـول وبيـن قول فقيه
باب هل لصاحب بدعة توبة؟
حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا رُدَيْح بنُ عَطِيَّةَ، عَنْ يَحيى بنِ أبي عمرو السَّيْبَانِيِّ قالَ: كانَ يُقالُ: يَأبى الله لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ تَوْبَةً، وما يَنْتَقِلُ صَاحِبُ بِدْعَةٍ إلاّ إلى شَرٍّ منها.
حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بنُ خَالِدٍ عن بَقِيَّة قالَ: حَدَّثَني رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، عن عَمْرِو بنِ قَيْسٍ، عَنِ الأَصْبَغِ بنِ نُباتَةَ، عن عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ قالَ: ما كانَ رَجُلٌ على رأيٍ مِنَ البدعةِ فَتَركَهُ إلاّ إلى ما هو شَرٌّ منه.
حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا ضَمْرَةُ، عَنِ ابنِ شَوْذَبَ قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ القَاسِمِ وهو يَقُولُ: ما كانَ عَبْدٌ على هوىً فَتَركَهُ إلاّ إلى ما هو شَرٌّ مِنْهُ.
قالَ: فَذَكَرْتُ هذا الحديثَ لبعضِ أصحابنا فقالَ: تَصْدِيقُه في حديثٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لا يَرْجِعُونَ إليه حتى يَرْجِعَ السَّهْمُ إلى فَوْقِهِ .
حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا مُؤَمَّل بنُ إسْمَاعيلَ، عن حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، عن أَيُّوبَ قالَ: كانَ رَجُلٌ يرى رأيًا فَرَجَعَ عنه، فأتيتُ مُحَمّدًا فَرِحًا بذلك أُخْبِرُهُ، فَقُلْتُ: أَشَعَرْتَ أنَّ فُلانًا تَرَكَ رَأْيَهُ الَّذي كانَ يرى؟ فقالَ: انظروا إلى مَنْ يَتَحَوَّل، إنَّ آخِرَ الحديثِ أَشَدُّ عَلَيْهِم مِنْ أَوَّلِهِ: يَمْرُقُونَ مِنَ الإسلامِ ثُمَّ لا يَعُودُونَ فيه .
حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا بَقِيَّةُ بنُ الوليدِ، عَنْ صَفْوانَ بنِ عَمْروٍ، عَنْ سُليمِ بنِ عامرٍ الخَبَائِريِّ، عن رَجُلٍ مِنْ أصحابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كانَ يقولُ: إنَّ أَشَدُّ النَّاسِ عِبَادَةً مَفْتُونٌ. يعني صاحِبَ بِدْعَةٍ.
نعم، هذه كلمة شديدة لكن لها فهم عند السلف، يكون أشد الناس عبادة مفتونا، بمعنى أن يكون عنده عبادة بدون علم، لا تصل إلى قلبه، فيكون مفتونا، كما كان الخوارج هم أشد الناس عبادة، ولكنهم مفتونون، نسأل الله العافية والسلام، كما قال: " يعني صاحب بدعة " كما قال عليه الصلاة والسلام: تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، وصيامكم عند صيامهم ... لكن مفتون، وكما في قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا، في الصحيحين، ثم أتى إلى عابد، انظروا كيف إذا افترق العلم والعبادة تحصل فتنة " أتى إلى عابد وقال: أنا قتلت تسعة وتسعين نفسا، وأريد الآن التوبة، أريد الرجوع إلى ربي، فهل لي توبة، فانظروا الفتنة في العابد، قال: ليس لك توبة، ليس لك توبة خلاص، أغلق عليك نهائيا - نسأل الله العافية من الفتنة - فقال: الرجل ما دام ليس لي توبة أكمل بك العدد، فكمل به المائة، ثم ذهب إلى عالم فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة، انظروا الفرق " ومن يحول بينك وبين التوبة " والقصة معروفة لديكم.
فإذن إذا وصف لك رجل قيل: إنه متزهد ومتخشع ومشهور، ولا يعرف بعلم أو باتباع السنن أو باتباع العلماء، فاعرف أنه مظنة فتنة؛ ولذلك انظروا إلى علمائنا الذين أدركناهم فضلا عمن نعرف آثارهم، ما تجدوا عند هذا التكلف، كلكم أدركتم علماء السنة مثل الشيخ عبد العزيز رحمه الله، والشيخ محمد تجد حتى في عبادته ليس عليه هذا التكلف الزائد، وإنما على سجيته، الصحابة قبل ذلك لا يعرف عنهم هذا التكلف الزائد، وإنما كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: القصد القصد تبلغوا، لن يشاد الدين أحد إلا غلبه الدين، إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، واعلموا أنه لن يشاد الدين أحد إلا غلبه، وعليكم بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا ، ..وهذه نفائس من النبي - صلى الله عليه وسلم - أمور عظيمة، هدي، نور، هذا معنى كلامه أشد الناس عبادة مفتون، بمعنى عنده تعبد وتزهد، وليس عنده علم فيفتن، كما قلنا يكون عنده العبادة ما وصلت إلى قلبه، حتى تثمر فيه الخشوع والطمأنينة، وإنما صار عنده إدلال على الله بالعمل، وصار عنده عجب، وصار عنده احتقار للناس، وربما قاتلهم كما فعلت الخوارج.
ولهذا لو تقرءوا في سير عباد أهل المدينة، تجد أنهم أقرب للهدي النبوي من عباد العراق، حتى في الصدر الأول، اقرأ سيرة سالم بن عبد الله بن عمر، والقاسم محمد بن أبي بكر، وسعيد بن المسيب، وأمثالهم، واقرأ في عباد العراق تجدوا أولئك دخلوهم نسكا أعجميا، سموا سلف النسك الأعجمي، بمعنى أمر زائد عن الحد، وعلى كل حال كل من أقبل على شيء واشتد طلبه له فهو مفتون فيه، لكن بعض الفتنة محمودة، مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: جعلت قرة عيني في الصلاة بعض الناس يفتح له في الصلاة، ويحبها ويقبل عليها، هذا محمود إذا كان في حدود السنة، أو في العلم، بعض الناس يفتن في العلم، في الجهاد، في أمور كثيرة، إذا كان في حدود السنة محمود هذا.
لكنه فتنة في الحقيقة، يعني فتح له، بمعنى أما المذموم هنا هو كما قالوا: أن يكون هناك تعبد بدون علم؛ نعم.
قصة صبيغ العراقي
تصحيف المتن وتصحيحه
حَدَّثَني إبراهيمُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سحنونٍ، عَنِ ابنِ وهبٍ، عَنِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَجْلانٍ، عَنْ نافعٍ؛ أنَّ صَبِيغًا العِرَاقيَّ جعلَ يسألُ عن أشياءَ مِنَ القرآن في أجْنَادِ المُسلمين حتّى قَدِمَ مِصْرَ، فبعث به عمرو بنَ العاص إلى عمرَ بنَ الخطابِ، فَلمَّا أتاهُ الرَّسُول بالكتابِ فَقرأهُ قالَ: أين الرَّجُل؟ قالَ: في الرَّحْلِ. قالَ عمر: أَبْصِر أن يكونَ ذَهَبَ فَتُصيبكَ مِنِّي العُقوبةُ المُوجِعَةُ. فأتاهُ به فقالَ عمرُ: تسألُ محدثة! .
نعم، هذا من التصحيف، فقال: عم تسأل؟ بدل عمر عم؛ الراء هذه زائدة، عم تسأل؟ بدال محدثة فحدثه، فأتاه به فقال: عم؟ تسأل فحدثه، نعم، عدل التصحيف هذا في النسخ عندكم، نعم.
بابٌ في نَقْضِ عُرَى الإسلامِ ودَفْنِ الدِّينِ وإظهارِ البِدَعِ
السنة غريبة منذ وفاة الصحابة
نعم؛ وهذا باب نفيس، وعظيم القدر، حتى يعرف العبد أن السنة غريبة، منذ وفاة الصحابة - رضي الله عنهم - وأن الغربة هي الوضع الصحيح، أن الغربة هي الأساس، نعم، وهو عظيم القدر هذا الباب، وهذه الآثار الكثيرة التي فيه، نعم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، الحمد لله على الإسلام والسنة والعافية.
قال شيخ الإسلام: هذه أركان السعادة، كلما كان حظ الإنسان منها أكمل، كان حظه من السعادة والكمال أوفر، الإسلام والسنة والعافية.
أيها الإخوة في الله، إنما بعثت الرسل وأنزلت الكتب حتى ترد الناس إلى الأمر الأول الذي خلقه الله من أجله، فإن الله عز وجل لما أنزل آدم إلى الأرض، أنزله على التوحيد، وعلى السنة التي يرضاها ويحبها من عباده، وكان الأمر فيه هكذا، وفي أولاده، وفي ذريته عشرة قرون، ألف سنة، وهم على الطريقة المرضية، قد يحصل منهم معاص؛ كالقتل الذي حصل في أبناء آدم، أما طريقتهم وسنتهم فإنها التي يرضاها الله عز وجل، ثم لما ضعف نور النبوة وأخذ العلماء يذهبون؛ استغل الشيطان هذه الفرصة كعادته في كل جيل، فاقترح على أحد الأجيال بدعة، وهذه البدعة هي الصور، وجاءهم إما في صورة وحي أو في صورة إنسان؛ صورة آدمي، وقال بعدما مات قوم صالح منهم: لو صورتم لهم صورا -تأملوا يا إخواني- هذه أول بدعة حصلت في الدنيا - لو صورتم صورا وعلقتوها، والقصد حسن، ليس كل مبتدع قصده السيئة، بعض البدع خلفها الزنادقة، لا يؤمنوا بالدين، لكن بعض البدع خلفها أناس اجتهدوا اجتهادا، فقال: صوروا الصور حتى إذا رأيتم صور الصالحين تذكرتوهم وعبدتم الله، اجتهدتم، نشطتم في العبادة.
كما لو جاءنا الآن وقال: ضعوا صور مثلا علمائكم الصالحين، مثل صور الشيخ عبد العزيز بن باز وابن عثيمين، ضعوها في مجالسكم وأماكنكم، حتى كلما تذكرون الصور تذكرون ما كانوا عليه من الخير ومن الدعوة إلى الله ومن العلم، فتنشطون بالعبادة. بدأ بهذه البدع.
ثم الشيطان طويل النفس، أعطاه الله عز وجل مما يعيش إلى يوم وقت معلوم، لما مات العلماء أيضا ضعف نور النبوة جدا، وجاء الجيل الذي بعدهم وليس عندهم علماء، قال: إن من قبلكم كانوا يعبدون هذه الصور، فبدأ الشرك، فلما بدأ الشرك بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، فالرسل كلها إنما ترد الناس إلى الأمر الأول، وأتباع الرسل وورثة الرسل إنما يهدون الناس دائما للأمر الأول، الشيطان يستهوي الناس أن يتركوا الصراط، أن يتركوا الطريق، الحق ثقيل والباطل خفيف.
ولذلك فإن الله عز وجل يقول: وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً ، يعني على التوحيد، وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ؛ منهم من آمن ومنهم من كفر.
وقال تعالى: ولَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ .
وقال تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً يعني تفسر الآيات السابقة أي: فاختلفوا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .
فالرسل إنما بعثت لترد الناس للأمر الأول، نوح والنبيون من بعده، كما قال تعالى، هو أول رسول، ثم لما ختمت النبوة والرسالة بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن العلماء هم ورثة الأنبياء، أعظم ما يهمهم رد الناس للأمر الأول، كلما جاء انحراف يقوم ورثة الأنبياء ويردون الناس للأمر الأول، ولا يظنون أن هذا الأمر يسير، هذا شاق؛ لأن فطام الناس عن عاداتهم وعما تعودوه وعظموه أو ما يفعله كبراؤهم أو آباؤهم أو أمراؤهم أمر شديد، لكن يوطن الإنسان نفسه، ما في أحد يسلم في هذا الطريق، حتى رب العزة سبحانه وتعالى كما جاء في الحديث الصحيح: ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله سبحانه وتعالى، ما في أحد أصبر على أذى يسمعه من الله، إنهم لن يضروه، الضرر غير الأذى؛قال تعالى : لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى، لكنه يرزقهم ويعافيهم ويخلقهم فينسبون إليه الصاحبة والولد ويقولون: يد الله مغلولة، ولذلك من سلك طريق المرسلين لا يطمع بالسلامة من الناس، يروى أن موسى عليه السلام قال: يا رب، أسألك أن لا يشتمني الناس ولا يسبوني. قال: يا موسى، هذا أمر لم أجعله لنفسي، أنا أرزقهم وأخلقهم وأعافيهم، ويقولون: يد الله مغلولة، إن الله فقير ونحن أغنياء، لا يطمع الإنسان في هذا الأمر، ولكن عليه بالسنة، عليه برد الناس للأمر الأول، وليصبر، وبالحكمة وبالرفق وبالصدق وإخلاص النية. على قدر النية يكون التوفيق، تكون معونة، فلا بد من هذا الأمر.
والآن خاصة وفي كل عصر أعظم الجهاد هو الجهاد لإقامة الدين، وإنما شرع القتال - وهو من الجهاد - لإقامة الدين، لتكون كلمة الله هي العليا، فالآن أعظم الجهاد أن تنصر السنن، أن تنصر سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ميراث النبوة، قدر استطاعتك، إن كان عندك علم تُعلِّم، ما عندك علم تبلغ ما قال العلماء.
والنبي عليه الصلاة والسلام بيّن أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، لن نستطيع أن نمنع هذا الافتراق، هذا أمر حاصل قطعا، ولكن علينا أن نسعى أن نكون من الفرقة الناجية، وأن نبيّن ما هي الفرقة الناجية كما بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ، فهو من الفرقة الناجية.
والكتب - كتب السنة - كثيرة، كتب بينت السنة، منها الكتب الستة؛ البخاري ومسلم ... بينوا السنة، وفيها أبواب تبين السنة في العقائد: الاعتصام، مثلا في صحيح البخاري كتاب الاعتصام، كتاب التوحيد، كتاب النهي عن الحيل، هذا كله من بيان السنة، كتاب العلم، كتاب الإيمان، كلها في البخاري، وفي مسلم وفي ابن ماجه وفي الدارمي وفي غيرها، وفي كتب أخرى بينت من انحرف عن السنة، وبينت طريقة السلف؛ تعاملهم، من أتى بابتداع أو بانحراف.
ومن أشهر هذه الكتب ثلاثة في التاريخ: كتاب ابن الرحالة، وكتاب أبي بكر الطرطوشي من علماء الأندلس: (الحوادث والبدع)، وكتاب أبي شامة أبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل: (الباعث على إنكار البدع والحوادث).
هذه ألفت أساسا لبيان الابتداع والنهي عن البدع.
وفيه كتب ألفت لتعدد المحدثات والبدع، وكذلك كتاب الاعتصام للشاطبي، حاول أن يبين ما هي البدعة، وهذا أمر لا بد منه، تمييز ما هي السنة وما هي البدعة، وحاول واجتهد ووضح وقرر.
وأيضا كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية (اقتضاء الصراط المستقيم)؛ فإن فيه فصولا نافعة في بيان البدع، لكن هذا الكتاب الذي بين أيديكم هو من أنفعها:
أولا: لأنه من كتب القرون الفاضلة المفضلة، وهذا يا إخواني ملمح عظيم مهم، كتب القرون الثلاثة ينبغي للإخوة الاهتمام بها والعناية بها، وأصحاب الدورات العلمية نشرها، وأصحاب المساجد الانتباه لها، لكن يعني هؤلاء يكفيهم تزكية الرسول صلى الله عليه وسلم لهم عندما قال: خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم .
نور النبوة عندهم أوضح وأعظم، والكلام عندهم واضح، كلما توالى القرون يكثر الكلام ويقل العلم، لكن بشرط أن تقرأ هذه الكتب على عالم أو طالب علم يعرف المحكم والمتشابه فيها، ويعرف الكلام الجيد، الحديث الموضوع والحديث الصحيح؛ لأن الله أثنى على عباده فقال تعالى: فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ .
قد يأتيك قول ليس بحسن تتبعه، فلا بد من عالم ...يحيط بكل الكتب، يقول ابن القيم رحمه الله في النونية:
والجهل داء قاتل وشفاؤه أمران في التركيب متفقان
نص من القرآن أو من سنة وطبيب ذاك العالم الرباني
الذي يذهب يقرأ الكتب بدون شيخ يعلم ويقول: هذا من المحكم وهذا من المتشابه، وهذا له وجه، وهذا تأويله كذا - قد يهلك. مثل الذي يذهب إلى الصيدلية ويطلب أدوية بدون ما يصف له الطبيب، قد يأخذ دواء يقتله، قد يأخذ دواء يضره، لا بد من طبيب كما قال ابن القيم:
فهذا الكتاب من أنفس الكتب:
أولا: لأنه من كتب القرون الفاضلة، ولأنه مسند في أسانيد، يبين لك، ستأتي معنا إن شاء الله أحاديث ضعيفة، بعضها قد يكون موضوعا، لكن على طريقتهم أن من أسند فقد برئ من العهدة، إذا قال لك: هؤلاء رجالي، برئ من العهدة على طريقتهم.
وابن وضاح إمام من أئمة الدين، فلولا محمد بن وضاح هذا وبقي بن مخلد ما كان في الأندلس حديث، هم الذين جاءوا إلى المشرق في عهد الإمام أحمد ومن قبله وطلبوا ودرسوا، ثم نقلوا الحديث إلى بلادهم، وهذا فضل العالم، فضل طالب العلم الذي يرحل ويأخذ العلم ويأخذ النور ثم يذهب إلى بلاده وينشر، يبلغ النور؛ نور النبوة. الوحي ليس من كلام البشر، ليس مثل الثقافات والفلسفة والمنطق، هذه كثير من الظلمات، هذا وحي نزل به جبرائيل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين.
فبقي بن مخلد ومحمد بن وضاح أخذوا الحديث ونشروه في الأندلس، يقول المؤرخون: لولا محمد بن وضاح وبقي بن مخلد ما كان في الأندلس حديث. نشروا الحديث هناك، نشروا الآثار، نشروا السنن.
وهو إمام، ولد في آخر القرن الثاني سنة 199، ومات في أواخر القرن الثالث سنة 287.
وهذا الكتاب فيه ثلاثمائة وبضعة عشر أثرا، إن شاء الله إذا مد الله في الأعمار نأخذها أثرا أثرا، ثلاثمائة وبضعة عشر أثرا على عدة أصحاب بدر، وفيها أمر عظيم، فيها أشياء أو كثير منها قد يسمعها المرء لأول مرة عن السلف، وهذا بسبب تقصيرنا، دائما في كتب المتأخرين، دائما في كتب المعاصرين، في كتب المتأخرين، كتب القرون الثلاثة يندر من يهتم بها وينشرها. صحيح قد يكون فيها أشياء متشابهة، لكن تعرض على أهل العلم، يذهب الشيخ إلى راسخ في العلم ويسأل عن هذه المتشابهات ويبلغ إخوانه، يبلغ ينشر، لكن أن تترك نهائيا مع ما فيها من النور وما فيها من الوضوح، وما فيها من السهولة وعدم التكلف، وأنا أوصيكم جميعا برسالة ابن رجب: (فضل علم السلف على علم الخلف)، فقد شفى وكفى، بيّن أن هناك فرقا شاسعا بين علم السلف وعلم الخلف، وهي رسالة صغيرة، ومتأكد على من أراد أن يسلك هذا الطريق وهو طريق العلم بأن يقرأها وأن يتدبرها وأن يقرأها مرارا أيضا حتى يعرف الفرق، حتى ما يذهب عمره وهو يجرب ويقرأ كذا والأمر قريب منه، قريب المأخذ.
روي عن بعض السلف أن الشيطان جمع جنوده فقال: كيف حالكم مع بني آدم؟ فقالوا: يا أبا مرة، أهلكناهم بالذنوب وأهلكونا بالاستغفار وبلا إله إلا الله، كلما بنينا من المعاصي ذنوبا هدموها بالاستغفار، ونحن وإياهم في سجال، نحن نحثهم ونزين لهم الذنوب والمعاصي ثم إذا فرحنا بما حصلنا منهم هدموها بالاستغفار وبلا إله إلا الله؛ بالتوحيد. فقال الشيطان عندما علم هذه المشكلة التي تحصل قال: لأحدثن فيهم أشياء لا يستغفرون منها. فبث في الناس هذه الأهواء، يركز فيها الإنسان ويسعى ويجتهد وينشر ويحسب أنه يحسن صنعا وهو ضال، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا خطورة البدع، العاصي ذليل ويدري أنه ليس على وفق الشريعة وأنه مخطئ، لكن خطورة البدع والمحدثات أن صاحبها يسعى فيها وهو على غير الجادة، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن الفرقة الناجية: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي .
ولا يطفئ الفتن والجدل والافتراق والبغضاء بين أهل الإسلام عموما والإشراك خصوصا، لا يطفئ هذا الرد والرد المقابل وكثرة الجدل وكثرة... هذه تزيد الأمر، يطفئها تعليم الناس السنن، بيان السنن؛ فإن الناس إذا عرفوا السنة عرفوا من هو عليها ومن تركها، وتبينوا، قد يأتي بعض الناس من قبل الجهل ما يحسن، فما مثل تعليم السنن ينشر النور؛ نور النبوة، ويسكن هذا الجدل وهذا الفرقة وهذه البغضاء.
فيه بعض الناس ما يريد أنك تخبره بالحق مغالبة، يأنف أنه مغلوب على الحق، يريد أنه يكتسب الحق بنفسه، يعرف الحق، فأنت بيِّن السنن حتى تنطق الحجة، يهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، أما هذه المغالطة وهذه النقاشات وهذه الردود غالبا ما تفضي إلى خير.
والطرطوشي يقول في مقدمة كتابه يقول: وجدت البدع نوعين: نوع يعلم الناس أنه بدعة، خاصة في زمان معين أو مكان معين، قالوا: هذا لنشتغل به. يعني يعلم الناس أن هذه بدعة، قالوا: هذا نشتغل به، مثال: هنا مثلا في هذه البلاد يعلم الناس أن الاحتفال بالمولد النبوي من البدع، ما فعله الصحابة ولا الخلفاء الراشدون، فيعني صرف الأوقات لنشره عند الناس يدرون أنه بدعة هذا حسن، لكن يقول الطرطوشي: والنوع الثاني ما لا يعلم الناس أنه بدعة، يظنون أنه سنة، قال: وهذا سوف أتكلم فيه، الذي يظن الناس أنه سنة وهو بدعة، أما اللي العامة معك يعترفون بأن هذا بدعة خلاص فرغ من الأمر، وهذا أمر مهم، ولذلك السلف كانوا يصبرون، يبينون للناس ولو خالف أهواءهم، ما يأتون للناس بما يحبون فيبينون لهم.
يذكر عن الشعبي وغيره من أئمة السنة أنهم إذا كانوا بالشام حدثوا بفضائل علي، يعني فضائل معاوية قد تشبعوا منها وهم قد يزيدهم غلوا، وإذا كانوا في العراق حدثوا بفضائل معاوية رضي الله عنه، يرغمون الناس، يخبرونهم السنة وإن رغبوا، لا بد، وإذا كانوا بالبصرة حدثوا بفضائل علي، وإذا كانوا بالكوفة حدثوا بفضائل عثمان، فكانوا يخبرون الناس وإن كان الناس ما يرضون، لا بد يعرفون السنة ويجيئون إن شاء الله، وأسرعهم فيئا أكبرهم قلبا.
فلا نطيل في هذه المقدمة، ونسأل الله عز وجل أن يمنحنا وإياكم العلم والسداد والفقه، كل إنسان يقول: اللهم اهدني وسددني. يقول النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بهذا الدعاء: قل: اللهم اهدني وسددني قالوا: تذكر بالهداية هداية الطريق، وتذكر بالسداد سداد السهم.
يعني إذا قلت: اللهم اهدني تذكّر إذا كنت في صحراء واهتديت إلى الطريق ونجوت وغيرك ضل عن الطريق وهلك حتى تعرف عظم هذا الدعاء: اهدني. ولا يوجد دعاء أنفع من هذا الدعاء؛ ولذلك وضعه الله في الفاتحة، الفاتحة أم القرآن، السبع المثاني وضع الله فيها: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ،اختاره من بين كل الأدعية؛ لأنه لا يوجد دعاء للمسلم أنفع من: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ، أهل الهوى، يعرف الحق ويتركه، وَلَا الضَّالِّينَ أهل الجهل. تقوله كل ركعة وكل نفس وكل طرفة عين أنت محتاج إليه.
لا نريد أن نطيل في المقدمة لأن عندنا أكثر من ثلاثمائة أثر نريد تعليقات يسيرة عليها في كل ليلة والوقت يعني يمضي. نعم.
اتقاء البدع
يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله
بسم الله الرحمن الرحيم، وصل وسلم على رسول الله، قال المصنف رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين. باب اتقاء البدع.
حدثنا أصبغ بن مالك، قال: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا محمد بن سعيد بن أبي مريم، قال: حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن معان بن رفاعة السلامي، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
نعم، هذا الأول أصبغ بن مالك من تلاميذ ابن وضاح، ثم ذكر ابن وضاح وشيخه ابن أبي مريم هذا، وشيخ شيخه أسد بن موسى، وهذا الذي سيكثر عنه الرواية، ليس عنه مباشرة وإنما عن محمد بن سعيد هذا، وهذا الذي يسمونه أسد السنة، أسد بن موسى هذا يسمونه أسد السنة، كان حريصا على نشر السنن، وهو جده الخليفة، هذا أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، جده إبراهيم بن الوليد تولى الخلافة زمانا يسيرا ثم خلعه مروان بن محمد، لكنه كان مهتما بالعلم ونشر السنن، وسيأتينا كلام حسن الآن.
إسماعيل بن عياش معروف عندكم وهو الشامي، وشيخه هنا شامي؛ معان بن رفاعة السلامي. وإبراهيم بن عبد الرحمن العذري، غالب التشكيلات التي عندكم في نسختي وفي نسختكم التشكيل الحركات كثير منها ليس صحيحا، لا في ضبط الرجال ولا في المتن، لكن سننبه على بعض التصحيفات والباقي نتركه.
هذا الحديث أولا من حيث الصحة كثير من أهل الحديث يضعف هذا الحديث، لكن الإمام أحمد، والإمام أحمد من أهل الصنعة، بل هو من أخص أهل الصنعة؛ لأن المصطلح كان في السابق أهل صنعة، هي كل حديث عندهم يعتبرونه بضاعة مستقلة، يعتبرون به ويقرون ويعرضون، ثم فيما بعد دخل فيه غيرهم من الأصوليين والفقهاء فكثر فيه الاختلاف، فالإمام أحمد من الأوائل اللي يعرف الصحة والضعف، سأل مهنى بن يحيى، يقول: سألت أحمد بن حنبل عن حديث معان بن رفاعة عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري هذا يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله فقلت للإمام أحمد: كأنه غير صحيح. فقال: لا، بل هو صحيح. والإمام أحمد تصحيحه يعني في مقام عال؛ لأنه كما قلت هو صاحب صنعة، فقلت: ممن سمعت أنت؟ قال: من غير واحد. قلت: من هم؟ قال: حدثني به مسكين وغيره إلا أنه يقول: معان عن القاسم بن عبد الرحمن. وقال الإمام أحمد: معان بن رفاعة هذا لا بأس به في الشامي، وإسماعيل بن عياش إذا حدث عن أهل بلده لا بأس به.
المقصود أن معناه صحيح، ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم الإمام أحمد يقول: صحيح، وغيره من أهل العلم خاصة المتأخرين مثل الدارقطني وغيره يضعفه، وأما المعنى فهو صحيح يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينتقي الله عز وجل من جيل العدول، وهذا منة من الله واصطفاء يقول الله عز وجل: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ، والعلم هو الرسالة، في قوله تعالى (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) وأقرب القلوب للعلم هو القلب الطاهر من الهوى، المتواضع للحق؛ لأن الكبر هو بطر الحق وغمط الناس، كلما كان القلب متواضعا للحق ومنقادا ومستسلما هذا يكون العلم انحداره إليه أسرع من السيل، ولذلك يروى أن موسى قال الله له كما في أخبار بني إسرائيل: أتدري يا موسى لم اخترتك؟ قال: لا يا رب. قال: لأني نظرت في قلوب العباد فوجدت قلبك أكثر تواضعا للحق وللخلق. فساق الله إليه النبوة.
هذا العلم يحمله من كل خلف عدوله، من كل جيل يفتح الله على ناس يحملون هذا العلم، ماذا يفعلون؟ ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، يأتي الناس عندهم غلو ويحرفون، فينفون عنه، يعني يأخذون الدين صافيا ويحرصون أن ينتقل إلى من بعدهم صافيا، كلما جاء في الدين شائبة نفوها، كلما جاء في الدين قذر أخرجوه، هذا جهاد عظيم، هذا ميراث الرسول.
وانتحال المبطلين يأتي مبطل ينتحل، بمعنى يدعي أنه من أهل الدين والإسلام وينتحل، وقد حصل كثيرا في الإسلام، فينفون عنه انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، يأتي من يحمل الكلام على غير محامله، فهم ينفون هذا عنه، فهذا بدأ به هذا المعنى وهو معنى عظيم. نسأل الله أن نكون جميعا من هؤلاء أو محبين لهم أو نسعى بطريقتهم أن نكون من هؤلاء العدول.
يجاهدون لكي ينفوا عن دين الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، لذلك الإمام أحمد اختار هذا الحديث وجعله في مقدمة رسالته الصغيرة المنسوبة إليه، ونسبتها صحيحة (الرد على الجهمية) فقال: الحمد لله الذي جعل في كل خلف عدوله ينفون عن دين الله. وذكر هذا، وذكر كلاما حسنا أكثر من كلام عمر الذي سيأتي. نعم.
باب لا يكون بدعة
فضل البلد أو الزمان الذي يكون فيه عالم
باب: لا يكون بدعة
حدثني محمد بن وضاح، قال: حدثنا محمد بن سعيد، قال: حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا روح، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن حارثة بن مبرد: إن الناس نودي فيهم بعد ليلة، أنه من صلى في المسجد الأعظم دخل الجنة، فانطلق النساء والرجال، حتى امتلأ المسجد قياما يصلون.
قال أبو إسحاق: إن أمي وجدتي فيهم. فأتي ابن مسعود فقيل له: أدرك الناس. قال: ما لهم؟ قيل: نودي فيهم بعد ليلة أنه من صلى في المسجد الأعظم دخل الجنة. فخرج ابن مسعود يشير بثوبه: ويلكم اخرجوا لا تعذبوا، إنما هي نفخة من الشيطان، إنه لم ينزل كتاب بعد نبيكم، ولا ينزل بعد نبيكم. فخرجوا.
وجلسنا إلى عبد الله فقال: إن الشيطان إذا أراد أن يوقع الكذب انطلق فتمثل رجلا، ثم يلقى آخر فقال له: أما بلغك الخبر؟ فيقول الرجل: وما ذاك؟ فيقول: كان من الأمر كذا وكذا، فانطلق فحدث أصحابك. قال: فينطلق الآخر فيقول: لقد لقيت رجلا إني لأتوهمه أعرف وجهه، زعم أنه كان من الأمر كذا وكذا، وما هو إلا الشيطان.
هذا أيها الإخوة من الآثار التي تنتخب وتنتقى، كان ابن مسعود في الكوفة، كان مسؤولا في الكوفة عن بيت المال، ثم كان أميرا وعالما ومفتيا رضي الله عنه وأرضاه، وهو من فقهاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فالناس نودي فيهم بعد نومة، إما نومة القيلولة يعني قبل الظهر، أو نومة قبل الفجر مثلا، جاء الشيطان وألقى فيهم، تمثل لأحدهم وقال: كذا وكذا، أن من صلى في الجامع الكبير في الكوفة دخل الجنة. انظروا كيف يعني هو الناس حديثي عهد بالنبوة في وقت النبوة، لكن كما سيأتي الآن أن الشيطان يستخف الناس بهذه البدع.
أن من صلى بالمسجد الجامع الأعظم، الذي نسميه نحن الآن الجامع الكبير، يعني أكبر مسجد في البلد، في الكوفة، من صلى فيه دخل الجنة، فذهب الناس الرجال والنساء، خاصة أهل الجهل والعامة، يقول أبو إسحاق السبيعي، وهو أحد رواة هذا الأثر، يقول: إن أمي وجدتي فيهم معهم، فأتي ابن مسعود فقيل له: أدرك الناس، فقيل لهم أخبروه بالخبر، فخرج عليهم ابن مسعود يشير بثوبه، من كثرة الناس يشير بثوبه ويقول: ويلكم، اخرجوا لا تعذبوا. حتى خرجوا، ثم قال: إنما هي نفخة الشيطان، إنه لم ينزل كتاب بعد نبيكم، ولا ينزل بعد نبيكم، الأمر فرغ منه، يعني أين الأصول؟ أين نشر السنن عند الناس؟ لو كان الناس يعرفون هذا يعني قد تأصل فيهم، يعرفون من أين أتى هذا؟ أن من صلى في مسجد الكوفة دخل الجنة، والكوفة لم تبن إلا بعد النبي صلى الله عليه وسلم أصلا إنما مصرها عمر، فيقول: من أين لم ينزل كتاب بعد نبيكم، ثم رجعوا خرجوا وجلسوا عند عبد الله بن مسعود، فقال: إن الشيطان إذا أراد أن يوقع الكذب انطلق فتمثل رجلا، يتمثل رجلا، كما حصل في دار الندوة، تمثل وشاركهم لما أرادوا إخراج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يلقى آخر ويقول: أما بلغك الخبر، ما دريت، ما علمت، فيقول: وما ذاك؟ فينشر فيه ما يريد، ثم تنتقل الخبر هكذا إشاعات حتى يقول إذا سئل أولهم قال: إني لقيت رجلا أتوهمه ولا أعرف وجهه، يعني ما أتأكد منه، وزعم أنه كان من الأمر كذا وكذا، وما هو إلا الشيطان.
في هذا الأثر فوائد عظيمة:
الفائدة الأولى: فضل البلد أو الزمان الذي يكون فيه عالم، يا إخواني تأملوا في هذا، فضل البلد الذي يكون فيه عالم، أو الزمن الذي يكون فيه عالم، فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد؛ لأن العالم يكون ... النبوة، ويتخذ الشيطان عدوا، كلما أحدث الشيطان شيئا قام العالم وهدم ما بناه هذا الشيطان، فانظروا هنا ابن مسعود ماذا فعل؛ خرج وقال: اخرجوا لا تعذبوا، ويلكم. لو لم يكن عندهم عالم انتشرت هذه البدعة وتأصلت، وشب عليها الصغير، ومات عليها الكبير، وأنتم لاحظوا البلد اللي يكون فيه عالم راسخ في العلم تقل فيه البدع، تقل فيه المشتبهات، يقل فيه الجدل والخلاف، يعني يكون مرجعا للناس، يكون من أوتاد الأرض.
ولـولاهم كادت تلوذ بأهلها ولكن رواسيها وأوتادها همُ
ولذلك يقول ابن عباس في آخر حياته، يقول: إني لأظن أن الشيطان لا يتمنى أحد يموت في الدنيا كما يتمنى موتي، يقول ابن عباس، قيل: لم يا أبا عباس؟ قال: كلما يحدث بدعة في مشرق الأرض أو مغربها كتبوا إلي فبينت لهم وجه الأمر، فهدمت ما بنى. فلو خير الشيطان الآن: من أفضل واحد تتمنى أن يموت قال: ابن عباس. لأنه يهدم ما يبني.
هذا أثر العالم، وأنتم لاحظوا الفرق بين البلدان التي يكون فيها عالم أو طالب علم، والبلدان الخالية من العلم، تجدون أن الشبهات والبدع والأهواء والخلاف والجدل يكثر في البلدان التي ليس فيها عالم، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: كل أمصار المسلمين خرج منها بدع إلا المدينة النبوية؛ لكثرة ما فيها من نور النبوة وأبناء الصحابة، الكوفة خرج منها بدع كثيرة، مثل بدعة التشيع، الرافضة، والبصرة خرج منها أيضا بدعة القدر والاعتزال وغيرها، والشام خرج فيه بدع، ومصر خرج فيه بدع، أما دار الهجرة المدينة فإنها منذ العصر الأول ما خرج منها بدع، لا يعرف فيه بدعة نشأت في المدينة؛ لكثرة العلم الذي فيها، وكثرة نور النبوة الذي بقي فيها وأبناء الصحابة.
هذه الفائدة الأولى: فضل العالم أو فضل حتى الزمن، تجدون مع وجود العلماء الراسخين تقل البدع، تقل الاختلافات، تقل المشتبهات، معهم نور يفصلون بينهم وبين الناس، معهم فرقان، وإذا ذهب العلماء اتخذ الناس رءوسا جهالا، وانتشرت البدع والأهواء.
الفائدة الثانية: أن الشيطان قد يتمثل على شكل بشر، وقد يوحي وحيا، قد يتمثل بشرا ويلقى الناس، وقد يوحي وحيا، يعني كما قال تعالى: شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وقال تعالى: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ، يوحي وحيا، كما أن عباد الله الصالحين تنطق السكينة على ألسنتهم، كما قال علي: كنا نظن أن السكينة تنطق على لسان عمر. يعني الملائكة تسدده.
فكذلك أولياء الشياطين، تنطق الشياطين على ألسنتهم، تتخذهم مطايا وهم لا يعلمون، ولذلك لما قالوا لابن عباس: إن المختار بن أبي عبيد يدعي أنه يوحى إليه فقال: صدق. فارتاب بعض الناس يظنون ابن عباس اختلف عنده شيء، قال: صدق، يوحى إليه. ثم تلا هذه الآية: شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ، الآن يمكن الشيطان في عصرنا ما عاد يحتاج أنه يتمثل بشرا، جاء الله له بالإنترنت، وجاء الله برسائل الجوال، ممكن هو على لوحة المفاتيح يكتب بحوثا ويكتب فتاوى وينشرها ولا حد يقول: من أين هذه. بحوث أبو فلان وأبو فلان وما أحد يدري، هذه فرصة للشيطان هذه، يبث في الناس هذه الأهواء، قبل سنتين في آخر يوم من ذي الحجة جاءتنا رسائل بالجوال: ننصحكم بصيام آخر يوم من السنة حتى يقفل الملف على صيام. وانتشرت، لا وإذا جاءتك رسالة انشر حتى تكسب أجرا، حتى وصلت إلى عالم ثم ردها عليهم وقال: من نشرها فإنه مبتدع ويساعد على البدعة، من أين لكم هذا ؟! وكذلك في الإنترنت الآن.
والمخرج إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، إذا ما أتاك العلم من شخص تعرف نسبه في العلم، من أين أخذ علمه واشتهر بالسنة، ولا تأخذ من مجاهيل، قد يكون شيطانا كما قال هنا ابن مسعود في آخر الأثر، يقول: إن الشيطان يتمثل بشرا ويقول للشخص: انطلق وحدث أصحابك، حتى إن الشخص يقول: رأيت رجلا أتوهمه وما أعرف وجهه، وإنما هو الشيطان.
وفيه أيضا قال ابن مسعود في مقدمة صحيح مسلم قال: إن الشيطان يتمثل في صورة الرجل، فيأتي القوم ويحدثهم بالكذب فيتفرقون، مثل هذا الأثر، وهذا في مقدمة صحيح مسلم.
وقال عبد الله بن عمرو في مقدمة صحيح مسلم أيضا، وهذه المقدمة بعض أهل العلم يرى أنها في درجة الصحيح، وبعضهم يقول: لا، في مقدمة صحيح مسلم قال عبد الله بن عمرو: إن سليمان بن داود عليه السلام أوثق شياطينه في البحر، يوشك أن تخرج على الناس فتقرأ عليهم قرآنا، شياطين سليمان أوثقها، قال: يوشك أن تخرج على الناس فتقرأ عليهم قرآنا وتكتب لهم بحوثا، وتنشر فيهم فتاوى، وهم لا يدرون مصدرها، فالإنسان يأخذ الدين ممن عرف نسبه في الدين.
الفائدة الثالثة: مسارعة الناس للباطل؛ لخفته عليهم، وثقل الحق عليهم، الناس يسارعون دائما في الباطل، الباطل خفيف والحق ثقيل، الحق ثقيل، ولذلك هنا انطلقوا كلهم خاصة النساء والصبيان، وهذا أكثر ما يتبع الدجال من هؤلاء النساء والضعفاء والأعراب والجهلة، هؤلاء هم اللي يتبعون الدجال، ما عندهم نور من نور النبوة، فيكثرون سواد أهل البدع، فالناس يسارعون في الباطل حتى يأتيهم من يردهم.
الفائدة الرابعة: أن بعض الناس يتصرف وكأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث بعد، من تصرفاته تفهم أنه ما يدري أن النبي بعث وأن الأمر انتهى وختم، فتجد أنه يحدث العبادة أو في الدعوة أو في الجهاد أو في غيره، تقول: يا أخي، محمد بعث صلى الله عليه وسلم والدين أكمل وختم.
ولهذا قال ابن مسعود هنا: إنه لم ينزل كتاب بعد نبيكم ولن ينزل، انتهى الأمر، وإنما عليكم بما قد نزل واكتمل.
والفائدة الخامسة: عدم التهاون في المحدثات، ولو كان ظاهرها الخير، وأصحابها نيتهم الخير، الآن هذه ظاهرة خير أنهم يجتمعون في المسجد ويصلون ويقرءون ونيتهم الخير، يريدون الجنة، ومع ذلك شدد عليهم ابن مسعود، أخذ يشير بثوبه ويقول: ويلكم اخرجوا لا تعذبوا.
وهذه الفائدة السادسة قوله: اخرجوا لا تعذبوا، حتى لو كنت تصلي وجالس في المسجد قد تعذب. قوله: اخرجوا لا تعذبوا. قد تعذب لأنك الآن تغير نظام الإسلام، تأتي بأشياء محدثة نعم.
والآن قصة أخرى لابن مسعود، وابن مسعود هو كما قلت مرارا ابن مسعود وحذيفة خبراء في الفتن والمحدثات والأهواء، لو أن شخصا يتتبع آثارهم وكلامهم هذا جيد، وقد كانت محاضرة في هذا المسجد قبل سنوات طويلة لفضيلة الشيخ صالح آل الشيخ اسمها عهد ابن أم عبد، جمع فيها بعض الآثار عن ابن مسعود جيدة. نعم.
باب كل محدثة بدعة
كل بدعة ضلالة
حدثني محمد بن وضاح قال: حدثنا محمد بن سعيد قال: حدثنا أسد بن موسى قال: حدثنا يحيى بن سليم الطائفي قال: سمعت جعفر بن محمد يحدث عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن أفضل الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثتها وكل بدعة ضلالة .
نعم الله أكبر كل كلمة من الكلمات الثلاثة يا إخواني اجعلوها منهاجا لنا، اجعلوها دائما بين أعيننا كل واحدة من الثلاثة، إن أفضل الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - إن أفضل الهدي هدي محمد، وكما قلت البارحة، وأقول ويقول أهل العلم: لا نقصد أن هديه أفضل من هدي المبتدعة والفساق، بل حتى لو جاءك من الصحابة، لو جاءك الصديق والفاروق ومن دونهم، وهديهم يخالف هديه فخير الهدي هدي محمد، لو نقلوا لك أخبارا، عن سفيان الثوري، ولا عن أحمد بن حنبل، ولا ابن تيمية، ولا ابن عبد الوهاب، ولا من قبلهم، ولا من بعدهم، والهدي يخالف هدي محمد، أحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - مع أن هؤلاء أحرص، الذين سميتهم، أحرص الناس على هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس أحد معصوما، دائما رد الناس إلى هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه واحدة.
شر الأمور محدثاتها في الدين، ها نقول الدنيا النبي - صلى الله عليه وسلم - يتكلم في الدين إنما بعث لإقامة الدين ليس لإقامة الدنيا، شر الأمور في الدين المحدثات.
الطريق واضح أمامنا أعلام وأمامنا علامات، والصحابة سبقونا بس نمسك طريقهم فقط لا نحدث.
والثالثة: كل بدعة ضلالة بدون استثناء كل بدعة ضلالة، ما في بدعة حسنة ولا سيئة في الشرع، أما في اللغة، حتى السنة في، اللغة فيه سنة حسنة وفيه سنة سيئة من سن في الإسلام سنة حسنة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، سماه سنة سيئة السنة من حيث اللغة فيها سيئ وحسن، والبدعة من حيث اللغة فيها سيئ وحسن، أما في الشرع السنة كلها حسنة، والبدعة كلها ضلالة، هذه تقيد وتفهم، وتكرر حتى تكون يقينا حتى تكون بعين عينيك دائما هذه الثلاث، نعم.
بابُ تَغييرِ البِدَع
تغيير البدع من أعظم الجهاد
حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا إسْمَاعيلُ بنُ عَيَّاشٍ عن عَقِيلِ بنِ مُدْرِكٍ السُّلَمِيِّ عَنْ لُقْمَانَ عَنْ أبي إدْرِيس الخَوْلاني أنَّه كانَ يَقُولُ: لأَنْ أَسْمَعَ بِنَاحِيَةِ المَسْجِدِ بِنَارٍ تَحْتَرِقُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أن أَسْمَعَ فيه بِبِدْعَةٍ لَيْسَ لَهَا مُغَيِّر، وما أَحْدَثَتْ أُمَّةٌ في دِينها بِدْعةً إلاّ رَفَعَ الله عنهم بها سُنَّةً. .
نعم. هذا أيضا كلام حسن، يقول أبو إدريس الخولاني: لأن أرى ناحية من المسجد تحترق أهون علي أو أحب إلي من أن أرى فيه بدعة ليس لها مغير؛ لأن النار إذا احترقت في المسجد كل الناس عامتهم وكبارهم وصغارهم سيسعون في إطفائها بسرعة، ويطفئها الماء.
أما البدعة إذا كانت في المسجد من يطفئها إلا أهل العلم وقليل ما هم، تحتاج إلى مثل ابن مسعود يقف على الحلق التي كانت في المسجد، ويقول: إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة.
فهذا معنى كلامه أن النار أهون، النار الحقيقية أهون، الناس بسرعة بغرائزهم يتجهون للماء ويطفئونه على المسجد، لكن البدعة قد يستحسنها الناس، وتنتشر، ولا يوجد لها مغير، وهذا يهدم الدين، النار تهدم الخشب وتهدم الطين، لكن البدع تهدم الدين؛ يستمرئها الناس ثم لا يوجد لها مغير.
فهذا كلام حسن، وهذا يدل على تعظيم السلف في مسألة تغيير البدع، وأنها من أعظم الجهاد.
قال: وما أحدثت أمة في دينها بدعة إلا رفع الله عنها بها سنة. وهذا أمر مهم وسيأتينا آثار تؤكد هذا، وهو أن الإنسان لا يستطيع أن يفعل كل شيء، الإنسان لا بقوته ولا بوقته ولا بعمره لا يستطيع أن يستوعب السنن والبدع، يستحيل هذا، فإذا ابتدع بدعة، أو عمل ببدعة فليتأكد أنها على حساب غيرها من السنة.
وإذا أن أمة من الأمم استمرأت بدعة فلا تظن أنها بدعة بجانب سنة، لا. هي على حساب السنة، وهذا أمر عظيم، هذا الذي يحذر منه السلف. إذا أحدثوا عيدا -كما ذكر شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم- أن الناس لا يستطيعون أن يقوموا بحق الأعياد كلها المشروعة والممنوعة، فإذا أحدثوا أعيادا مبتدعة فإنهم سيضعفون عن الأعياد الشرعية، وهذا أمر لا بد منه.
العلم. لا يظن الشخص أنه يستطيع أن يقرأ كتب أهل الرأي والقياس والأهواء وكتب السنن، كتب الآثار، ويستوعب هذا، لا يستطيع؛ العمر قصير، فليعلم أن كل وقت يصرفه في كتب البشر غير ما يدل على الآثار أنه على حساب الآثار، كل وقت كل شهر كل ساعة كل دقيقة تأخذها في مجال العلم في غير الكتاب والسنة وما يعين عليها، اعرفوا أنه على حسابها، واضح هذا؟ هذا واضح. لا في العلم، ولا في التعبد.
العبادة إذا استفرغت جهدك في عبادة مبتدعة لا تظن إنك ستستطيع أن تستوعب العبادات المشروعة والممنوعة، وإنما الأشياء المبتدعة على حساب السنة، وعلى هذا قس. وهذا خطورة البدع؛ أنها تأكل من السنن تهدم السنن.
الآن- كما ذكر أهل العلم- خطب الجمعة مثلا اهتم بها الشرع اهتماما عظيما؛ أوصى أهل الإسلام أن يبكروا، وأن يغتسلوا، وأن يتطيبوا، وأن يقتربوا من الإمام، وأن يسكتوا، لا يقل لصاحبه أنصت، وأن يقرأ القرآن قبله، يعني بمعنى أنه يجهز الناس للخطيب. الشرع جهز الناس للخطيب، ولا يوجد هذا لا في المحاضرة ولا في غيرها، أن الناس يكونوا على هذه الصفة من التهيؤ النفسي والاغتسال، والتبكير والتطهر والتطيب حتى يأتي الخطيب ويذكر الله عز وجل ويعظهم: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ، وليس إلى شيء آخر.
فإذا الناس فُتح لهم أشياء غير الجمعة، ضعف الاهتمام بالخطبة، لا من الخطيب ولا من السامع؛ لأنه حصل ما يشغلهم، البارحة، وقبل البارحة، وقبله، حصل مثلا قصص، أو حصل أشياء تشغلهم عن الجمعة.
كذلك دروس العلم، لماذا ماتت دروس العلم؟ لأنه وجد ما يصرف عنها، وجد الناس قصصا أريح عليهم، وأسهل عليهم من دروس العلم، أما لو ما في إلا هذه السنن، وهذا العلم، ما حصل شيء ينازعه؛ فإنه يكون هو الأقوى، وهذا ملحظ السلف. وذكرناه مرارا؛ أنهم إنما حذروا من قصاص مخصوصين، كما قال أبو قلابة: ما أمات العلم إلا القصاص؛ بمعنى أنهم يصرفوا الناس عن الوحي، وعلى هذا قس.
وأنا أوصي طلاب العلم دائما أن يكون أكثر جهده مثل الصحابة؛ ماذا قال ربنا، وما معناه؟ وما تأويله على وجهه؟ ماذا قال رسولنا صلى الله عليه وسلم، وما معناه؟ ماذا قال الصحابة، وما معناه؟
العلـم مـا كـان فيـه قـال حـدثنا
وما سوى ذاك وسـواس الشـياطين
كـل العلـوم سـوى القـرآن مشغلة
إلا الحـديث وعلـم الفقه فـي الدين
وقال الآخر:
العلـم قـال اللـه قال رسوله
قـال الصحـابة هم أولي التنبيه
مـا العلم جمعك للخلاف سفاهة
بيـن الرسـول وبيـن قول فقيه
باب هل لصاحب بدعة توبة؟
حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا رُدَيْح بنُ عَطِيَّةَ، عَنْ يَحيى بنِ أبي عمرو السَّيْبَانِيِّ قالَ: كانَ يُقالُ: يَأبى الله لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ تَوْبَةً، وما يَنْتَقِلُ صَاحِبُ بِدْعَةٍ إلاّ إلى شَرٍّ منها.
حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بنُ خَالِدٍ عن بَقِيَّة قالَ: حَدَّثَني رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، عن عَمْرِو بنِ قَيْسٍ، عَنِ الأَصْبَغِ بنِ نُباتَةَ، عن عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ قالَ: ما كانَ رَجُلٌ على رأيٍ مِنَ البدعةِ فَتَركَهُ إلاّ إلى ما هو شَرٌّ منه.
حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا ضَمْرَةُ، عَنِ ابنِ شَوْذَبَ قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ القَاسِمِ وهو يَقُولُ: ما كانَ عَبْدٌ على هوىً فَتَركَهُ إلاّ إلى ما هو شَرٌّ مِنْهُ.
قالَ: فَذَكَرْتُ هذا الحديثَ لبعضِ أصحابنا فقالَ: تَصْدِيقُه في حديثٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لا يَرْجِعُونَ إليه حتى يَرْجِعَ السَّهْمُ إلى فَوْقِهِ .
حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا مُؤَمَّل بنُ إسْمَاعيلَ، عن حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، عن أَيُّوبَ قالَ: كانَ رَجُلٌ يرى رأيًا فَرَجَعَ عنه، فأتيتُ مُحَمّدًا فَرِحًا بذلك أُخْبِرُهُ، فَقُلْتُ: أَشَعَرْتَ أنَّ فُلانًا تَرَكَ رَأْيَهُ الَّذي كانَ يرى؟ فقالَ: انظروا إلى مَنْ يَتَحَوَّل، إنَّ آخِرَ الحديثِ أَشَدُّ عَلَيْهِم مِنْ أَوَّلِهِ: يَمْرُقُونَ مِنَ الإسلامِ ثُمَّ لا يَعُودُونَ فيه .
حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا بَقِيَّةُ بنُ الوليدِ، عَنْ صَفْوانَ بنِ عَمْروٍ، عَنْ سُليمِ بنِ عامرٍ الخَبَائِريِّ، عن رَجُلٍ مِنْ أصحابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كانَ يقولُ: إنَّ أَشَدُّ النَّاسِ عِبَادَةً مَفْتُونٌ. يعني صاحِبَ بِدْعَةٍ.
نعم، هذه كلمة شديدة لكن لها فهم عند السلف، يكون أشد الناس عبادة مفتونا، بمعنى أن يكون عنده عبادة بدون علم، لا تصل إلى قلبه، فيكون مفتونا، كما كان الخوارج هم أشد الناس عبادة، ولكنهم مفتونون، نسأل الله العافية والسلام، كما قال: " يعني صاحب بدعة " كما قال عليه الصلاة والسلام: تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، وصيامكم عند صيامهم ... لكن مفتون، وكما في قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا، في الصحيحين، ثم أتى إلى عابد، انظروا كيف إذا افترق العلم والعبادة تحصل فتنة " أتى إلى عابد وقال: أنا قتلت تسعة وتسعين نفسا، وأريد الآن التوبة، أريد الرجوع إلى ربي، فهل لي توبة، فانظروا الفتنة في العابد، قال: ليس لك توبة، ليس لك توبة خلاص، أغلق عليك نهائيا - نسأل الله العافية من الفتنة - فقال: الرجل ما دام ليس لي توبة أكمل بك العدد، فكمل به المائة، ثم ذهب إلى عالم فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة، انظروا الفرق " ومن يحول بينك وبين التوبة " والقصة معروفة لديكم.
فإذن إذا وصف لك رجل قيل: إنه متزهد ومتخشع ومشهور، ولا يعرف بعلم أو باتباع السنن أو باتباع العلماء، فاعرف أنه مظنة فتنة؛ ولذلك انظروا إلى علمائنا الذين أدركناهم فضلا عمن نعرف آثارهم، ما تجدوا عند هذا التكلف، كلكم أدركتم علماء السنة مثل الشيخ عبد العزيز رحمه الله، والشيخ محمد تجد حتى في عبادته ليس عليه هذا التكلف الزائد، وإنما على سجيته، الصحابة قبل ذلك لا يعرف عنهم هذا التكلف الزائد، وإنما كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: القصد القصد تبلغوا، لن يشاد الدين أحد إلا غلبه الدين، إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، واعلموا أنه لن يشاد الدين أحد إلا غلبه، وعليكم بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا ، ..وهذه نفائس من النبي - صلى الله عليه وسلم - أمور عظيمة، هدي، نور، هذا معنى كلامه أشد الناس عبادة مفتون، بمعنى عنده تعبد وتزهد، وليس عنده علم فيفتن، كما قلنا يكون عنده العبادة ما وصلت إلى قلبه، حتى تثمر فيه الخشوع والطمأنينة، وإنما صار عنده إدلال على الله بالعمل، وصار عنده عجب، وصار عنده احتقار للناس، وربما قاتلهم كما فعلت الخوارج.
ولهذا لو تقرءوا في سير عباد أهل المدينة، تجد أنهم أقرب للهدي النبوي من عباد العراق، حتى في الصدر الأول، اقرأ سيرة سالم بن عبد الله بن عمر، والقاسم محمد بن أبي بكر، وسعيد بن المسيب، وأمثالهم، واقرأ في عباد العراق تجدوا أولئك دخلوهم نسكا أعجميا، سموا سلف النسك الأعجمي، بمعنى أمر زائد عن الحد، وعلى كل حال كل من أقبل على شيء واشتد طلبه له فهو مفتون فيه، لكن بعض الفتنة محمودة، مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: جعلت قرة عيني في الصلاة بعض الناس يفتح له في الصلاة، ويحبها ويقبل عليها، هذا محمود إذا كان في حدود السنة، أو في العلم، بعض الناس يفتن في العلم، في الجهاد، في أمور كثيرة، إذا كان في حدود السنة محمود هذا.
لكنه فتنة في الحقيقة، يعني فتح له، بمعنى أما المذموم هنا هو كما قالوا: أن يكون هناك تعبد بدون علم؛ نعم.
قصة صبيغ العراقي
تصحيف المتن وتصحيحه
حَدَّثَني إبراهيمُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سحنونٍ، عَنِ ابنِ وهبٍ، عَنِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَجْلانٍ، عَنْ نافعٍ؛ أنَّ صَبِيغًا العِرَاقيَّ جعلَ يسألُ عن أشياءَ مِنَ القرآن في أجْنَادِ المُسلمين حتّى قَدِمَ مِصْرَ، فبعث به عمرو بنَ العاص إلى عمرَ بنَ الخطابِ، فَلمَّا أتاهُ الرَّسُول بالكتابِ فَقرأهُ قالَ: أين الرَّجُل؟ قالَ: في الرَّحْلِ. قالَ عمر: أَبْصِر أن يكونَ ذَهَبَ فَتُصيبكَ مِنِّي العُقوبةُ المُوجِعَةُ. فأتاهُ به فقالَ عمرُ: تسألُ محدثة! .
نعم، هذا من التصحيف، فقال: عم تسأل؟ بدل عمر عم؛ الراء هذه زائدة، عم تسأل؟ بدال محدثة فحدثه، فأتاه به فقال: عم؟ تسأل فحدثه، نعم، عدل التصحيف هذا في النسخ عندكم، نعم.
بابٌ في نَقْضِ عُرَى الإسلامِ ودَفْنِ الدِّينِ وإظهارِ البِدَعِ
السنة غريبة منذ وفاة الصحابة
نعم؛ وهذا باب نفيس، وعظيم القدر، حتى يعرف العبد أن السنة غريبة، منذ وفاة الصحابة - رضي الله عنهم - وأن الغربة هي الوضع الصحيح، أن الغربة هي الأساس، نعم، وهو عظيم القدر هذا الباب، وهذه الآثار الكثيرة التي فيه، نعم.
تعليق