قوارب النجاة
حياة المؤمن كلُّها صراعٌ بين الحق والباطل، والهدى والضلال، فإنْ هو استجاب للشيطان والهوى، تردَّى إلى المهالِك والخسران، وإنْ هو استجاب لداعي الحق والهدى، ارتَقَى إلى أعلى الدرجات، ولقد قيَّض الله للمؤمن قوارب للنجاة منَ المهالك، إن هو استجاب إليها أقلَّتْه إلى شاطئ الأمان، وأنْجتْه منَ الضَّياع والهلاك.
وإليكم بعضَ هذه القوارب التي أعَدَّها الله لعبادِه المتقِين:
1- قارب معرفة الله:
وهو قارب النجاة من كلِّ ضلالة وانحراف، فالذي يعرف الله تعالى، يعرف بالتالي الطريق إلى كل خير، ويجتنب بالتالي أسباب الوُقُوع في الشَّرِّ.
فمعرفة الله أول طريق السالكين، ومنطقة سبيل المسترشدين، والحصانة من كل سوء، والأمان من كلِّ زيغ.
ومعرفة الله - عز وجل - إنما تتحقق، وتتزايد، وتتعمق، بتزايد الاطلاع على خلقِه، والإدراك لصنعه، وقدرته، وفضله، وآياته البيانات، فيما كان ويكون.
والمؤمن الحقيقيُّ يجب أن يقدر الله حق قدره، ويعرفه حق معرفته، يعرف طريق الوصول إليه، والتقرب إلى جلاله، يعرف ما يرضيه، وما يسخطه، وما يدنيه منه، وما يبعده عنه، يعرف ذلك ليس لذات المعرفة؛ وإنما للتقيُّد والالتزام؛ لتزكية النفس، وتخليتها، وترقيتها، حتى تبلغ درجة الرَّبَّانيَّة؛ ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران: 79].
2- قارب عبادة الله:
وهو قارب النجاة من الغرَق في بحر الضلالات، وسبيل النجاة من الآفات والانحرافات، فالعبادة، وإحسانها، والدوام عليها، والإكثار منها - تُنَظِّم الصِّلَة بالله، وتُحسنها، وتديمها، والموصول بالله يبقى على مددٍ من الله، وعون منه وعناية، ومثل الموصول بالله كمَثَل الطائرة المستَرشدة في طيرانها ببرج المراقبة، فإذا انقطعتْ هذه الصلة، تاهتِ الطائرةُ في الفضاء، وانحَرَفَتْ عن خطِّ سيرها، وتعرَّضتْ للأخطار والمهالك، أو كمثل السفينة الموصلة بنقطة المراقَبة في الميناء، إذا انقطعت صلتها تاهتْ في البحار، وغرقتْ في لجَّة ليس لها قَرار.
ولهذا كان من عَطاء الله تعالى لخلْقه، ومن منِّه وكرمه عليهم، أن نظَّم لهم، وفرض عليهم خمسة مواعيد في اليوم والليلة؛ لتأكيد الصلة به، تحفظهم على تباعُد فتراتها من الضياع سحابة نهارهم، كما حثَّهم على الاستزادة من هذه الصلوات تنفُّلاً في الليل، صلاة وصيامًا وحجًّا، وإلى ذلك يشير الله تعالى على لسانِ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن عادى لِي وليًّا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضتُه عليه، وما يزال عبدي يتقَرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها، وإن سألَني لأعطينه، ولإن استعاذ بي لأعيذنه))؛ رواه البخاري في صحيحه.
3- قارب حب الله ورسوله:
وهو قارب النجاة من الغرَق في بحر حبِّ الدنيا، والتعلُّق بحطامها، واللهث وراء مُتَعِها وشهواتها، فالذي تعلَّق قلبُه بالله، لا يطغى عليه حب ما عداه، وإذا أحب أحب في الله، سواء أكان حبًّا لأخ، أو زوج، أو ولد، أو لأيِّ إنسان من الناس؛ ولقد كان من أدعية الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إني أسألك حبَّك، وحبَّ مَن يحبُّك، وحبَّ عمَل يُقربني إلى حبِّك)).
وإن من مُقتضيات حب الإنسان لربِّه انشغالَه به، وتلَذُّذه بعبادته، وتلهُّفه إلى مناجاته، وإن حب الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يدفع إلى تحرِّي سنَّته، وإلى الالتزام بشريعته، وإلى العيش معه - صلى الله عليه وسلم - في عسره ويسره، في حياته الخاصة والعامة، وإلى الاقتداء به؛ امتثالاً لقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].
إنَّ حبَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يكون لدى المؤمن أقوى من حبِّ الأهل والولد والناس أجمعين، وصدق الله تعالى حيث يقول: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 24].
ومعنى محبة الله ورسوله: تقديم مراد الله تعالى على مراد النفس، وتقديم طاعة الله ورسوله على طاعة الهوى والشيطان، فيطوع المسلم رغبته وهواه وَفْقَ ما جاء به الإسلام، ويكون مُحِبًّا لتعاليم الإسلام أكثر من حبه لنفسه وهواها، وبهذا يتَحَقَّق الإيمانُ الصحيح.
4- قارب الخوف من الله:
وهو قارب النجاة من الغرق في بحر الجبن، والخوف، والمعاصي، والآثام؛ كان قدوتنا الأول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((أنا أخوفكم لله))؛ البخاري - ويقول: ((والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له))؛ البخاري.
فالذي يخاف الله تعالى يتقي سخطه، ويخشى عذابه، ويتحاشَى الوقوع في محارمه، والذي يخاف الله تعالى يقذف الله في قلبه الجرأة، والشجاعة، والعزة، فلا يجبن عند لقاء العدو، ولا يتهَيَّب عند مُواجهة الطغاة، ولا يستحيي من الصدع بالحق، والذي يخالف الله تعالى يستديم مراقبته له، وحذره من التفريط في جنبه، ولا يأمن مكره؛ ﴿فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف: 99].
ولشدة الخوف من الله تعالى؛ كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً، ولبَكَيْتم كثيرًا)) .
وروي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يسقط من الخوف مغشيًّا عليه، إذا سمع آية من القرآن.
وسُئل ابن عباس - رضي الله عنهما - عن الخائفين، فقال: قلوبهم بالخوف وجلة، وأعينهم باكية، يقولون: كيف نفرح، والموت من ورائنا، والقبر من أمامنا، والقيامة موعدنا، وعلى جهنم طريقنا، وبين يدي الله ربنا موقفنا؟!
5- قارب مراقبة الله تعالى:
وهو قارب النجاة من الوقوع في الزلل، والعثرات، والانحرافات، وهو يجعل المسلم حاضر القلب، يستهدي بالله لا بهواه، ومراقبة الله تعالى تجعل المؤمن يستحضر تلك العين التي تراقبه في شتَّى أحواله وأعماله، وفي كل أقواله وأفعاله، بل وفي هواجسِه ومشاعرِه، كما يستحضر عظمة صاحب تلك العين - عز وجل - الذي لا تخفى عليه خافية؛ ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [لمجادلة: 7].
وإن مراقبة الله تعالى لكل شيء لَهُو أمر هائل وعظيم، فكيف ما بعدها من محاسبة دقيقة، وقضاء، وجزاء على الأعمال؟!
واعلم - يا أخي المسلم - أنَّ الأمورَ ثلاثةٌ:
الأول: أمر استبان رشده، فاتَّبعْه.
الثاني: أمر استبان غيُّه، فاجتنبْه.
الثالث: أمر أَشْكَل عليك، فاسأل عنه.
ومراقبة الله تعالى تتأَكَّد في النفس وتتعمَّق، مع تزايُد الشعور بقُرْب الله من الإنسان؛ ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزُّخرف: 80].
وقد روي أنَّ رجلاً جاء إلى إبراهيم بن آدهم، فقال له: يا أبا إسحاق إني مسرف على نفسي، فاعرض عليَّ ما يكون لها، زاجرًا، ومستنفذًا لقلبي، قال: إن قبلت خمس خصال، وقدرت عليها، لم تضرَّك ولم توبقك لذة، قال: هات يا أبا إسحاق، فقال: أما الأولى: إذا أردت أن تعصي الله - عز وجل - فلا تأكل رزقه، قال: فمن أين آكل، وكل ما في الأرض من رزقه؟! قال: يا هذا، أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟! قال: لا، هات الثانية، قال: إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئًا من بلاده، قال الرجل: هذه أعظم من الأولى، فإذا كان المشرق والمغرب، وما بينهما له، فأين أسكن؟! قال: يا هذا، أفيحسن أن تأكل رزقه، وتسكن بلاده، وتعصيه؟! قال: لا، هات الثالثة، قال: إذا أردت أن تعصيه، وأنت تأكل رزقه وفي بلاده، فانظر موضعًا لا يراك فيه مبارزًا له، فاعصه فيه، قال: يا إبراهيم، كيف هذا، وهو مطلع على ما في السرائر؟! قال: يا هذا، أفيحسن أن تأكل رزقه، وتسكن بلاده، وتعصيه، وهو يراك، ويرى ما تجاهر به؟! قال: لا، هات الرابعة، قال: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك، فقل له: أخِّرني حتى أتوب توبة نصوحًا، واعمل لله عملاً صالحًا، قال: لا يقبل مني، قال: يا هذا، أفأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه إذا جاءك، لم يمكن تأخيره، فكيف ترجو وجه الخلاص؟! قال: هات الخامسة، قال: إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة؛ ليأخذوك إلى النار، فلا تذهب معهم، قال: لا يدعونني، ولا يقبلون مني، قال: فكيف ترجو النجاة إذًا؟! قال الرجل: يا إبراهيم حسبي، حسبي، أنا أستغفر الله، وأتوب إليه، ولزمه في العبادة حتى فرَّق الموت بينهما.
6- قارب الإخلاص لله:
وهو قارب النجاة من الغرَق في بحر النِّفاق، والشرك، والرِّياء، وحب الظهور، وبوار الأعمال.
والمؤمن في عمله ونشاطه، وفي كتابته وخطابته، في جهاده وجلاده، أحوج ما يكون إلى الإخلاص؛ حِفاظًا على أعماله من البوار، وحتى لا يكون معنيًّا بقوله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان: 23].
فلا بدَّ للمؤمن بين يدي كل عمل من تصحيح النية، وتقويم القصد، وتصفية النفس، وليكن ذكراه في ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنِّيَّات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى))، فالإخلاصُ لله تعالى هو صِمام الأمان في حياة المؤمنين، به تزكو أعمالُهم، وتضاعف أجورهم، وترفع درجاتهم.
فبالإخلاص تكون الأعمالُ والأقوال، تكون العبادة، والتعليم والتعلم، يكون الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، يكون الإنفاق والإحسان، يكون الجهادُ والبذل والتضحية، يكون كل ذلك في ميزان العبد يوم القيامة.
فالمسلمون العاملون مدعوُّون للخروج من ذواتهم، وحظوظ أنفسهم، مدعوُّون إلى تنْقية السرائر قبل الظواهر، فكَمْ من أعمال كبيرة أفسدتها خواطِر صغيرة وحقيرة! وكم من مكابدة ومجاهدة، ضيعتها رغبات مشوبة فاسدة! روى البيهقي عن أبي الدرداء، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الاتقاء على العمل أشد من العمل، وإن الرجل ليعمل فيكتب له عمل صالح معمول به من السر، يضاعف أجره سبعين ضعفًا، فلا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ويعلنه، فيكتب علانية، ويُمحى تضعيف أجره كله، ثم لا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ثانية ويعلنه، فيكتب علانية فيمحى من العلانية ويكتب رِياء، فاتَّقى الله امرؤ صان دينه، وإن الرياء شرْك)) .
مِن قوارب النجاة: ذِكْر الله ومزاياه
وفي ذِكر الله أكثر من مائة فائدة، ذَكَرَها الإمامُ (ابن القيم)، نختصر منها ما يلي:
1- أنَّ ذكر الله يَطْرُد الشيطان.
2- أنه يرضي الرحمن.
3- يزيل الهم والغم عن القلب.
4- يجلب للقلب الفرح والسرور.
5- يُقَوِّي القلْب والبدن.
6- ينور الوجه والقلب.
7- يجلب الرزق.
8- يكسو الذاكر المهابة، والحلاوة، والنضْرة.
9- يورث محبة الله التي هي رُوح الإسلام.
10- أنه يُورث المراقبة، والإنابة، والقرْب من الله.
11- أنه يفتح للعبد أبواب المعرفة، ويورث الهيبة لربِّه، وإجلاله.
12- أن ذِكْر العبد ربه يورث ذكر الله له؛ كما قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152].
13- أنه يورث حياة القلب، وذكر الله للقلب كالماء للسمك.
14- أنه قوت القلب والروح؛ ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].
15- أنه يورث جلاء القلب من صدئِه.
16- أنه يحط الخطايا، ويرْفع الدرجات.
17- أنه يزيل الوحشة التي بين العبد وبين ربه.
18- أنه يذكر بصاحبه عند الشدة.
19- أن العبد إذا تعرف إلى الله بذكره في الرخاء، عرفه في الشدة.
20- أنه ينجي من عذاب الله تعالى.
21- أنه سبب تنزُّل السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذاكر.
22- أنه سبب اشتغال اللسان عن: الغيبة، والنميمة، والكذب، والفُحش، والباطل.
23- أنَّ مجالس الذِّكر مجالس الملائكة، كما أنَّ مجالس اللهْو، واللغو، والغفلة مجالس الشيطان، فاخترْ لنفسك أي المجلسين شئت.
24- أنه يسعد الذاكر، ويسعد به جليسه.
25- أن ذكر الله يؤمِّن العبد من الحسرة يوم القيامة.
26- أن ذكر الله مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال العبد يوم الحر الأكبر، في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
27- أن الاشتغال بالذكر سبب لإعطاء الله أفضل ما يعطي السائلين.
28- أنه أيسر العبادات، وهو من أجلِّها، وأفضلها.
29- أنه غِراسُ الجنة.
30- أن العطاء والفضل الذي رُتِّب على ذكر الله، لم يرتب على غيره من الأعمال.
31- أن دوام ذكر الرب - تبارك وتعالى - يوجب الأمان من نسيانه.
32- أن ذكر الله نور للعبد في دنياه، وفي قبره، ويوم حشره.
33- أن ذكر الله يعدل عتق الرِّقاب، ونفقة الأموال في سبيل الله.
34- أن الذكر رأس الشكر، فما شكر الله من لَم يذكر الله.
35- أن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين، من لا يزال لسانه رطبًا بذكر الله.
36- أن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله.
37- أن الذِّكر شفاء القلب ودواؤُه، كما أن الغفلة مرضه، فالقلوب مريضة، وشفاؤها في ذكر الله تعالى.
38- أنه ما استجلبت نعم الله واستدفعت نقمه بِمِثْل ذِكْرِه.
39- أن ذكر الله يوجب صلاة الله وملائكته على الذاكر.
40- أن من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا، فليستوطن مجالس الذكر، فإنها رياض الجنة.
41- أن جميع الأعمال إنما شرعت لإقامة ذكر الله تعالى.
42- أن أفضل أهل كل عمل أكثرهم فيه ذكرًا لله - عز وجل.
43- أن إدامة ذكر الله تنوب عن التطوُّعات، وتقوم مقامها، سواء كانت بدنية، أم مالية، أم مركبة منها.
44- أن ذكر الله من أكبر العون على طاعته.
45- أن ذكر الله يسهل الصعب، وييسر العسير، ويخفف المشاق.
46- أن ذكر الله يذهب عن القلب مخاوفه كلها.
47- أن عمال الآخرة كلها في ميدان السباق، والذاكرين الله أسبقهم في ذلك الميدان.
48- أن دور الجنة تبنى بالذِّكر، فإذا أمسك الذاكر عن الذكر أمسكوا عن البناء.
49- أن ذكر الله سدٌّ بين العبد وبين جهنم.
50- أن الملائكة تستغفر للذاكر، كما تستغفر للتائب.
51- أن الجبال والقفار تتباهى بمن يذكر الله عليها، وتستبشر به.
52- أن كثرة ذكر الله أمان من النفاق؛ فإن المنافقين ﴿لَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 142].
53- أن ذكر الله، وحمده، والثناء عليه، يجعل الدعاء مستَجابًا.
54- ومن ذكر الله ذكر أسمائه وصفاته، والثناء عليه بهما، وتنزيهه عما لا يليق به.
55- من ذكر الله ذكر أمره ونهيه بالامتثال.
56- من ذكر الله ذكر وعده، ووعيده، وثوابه، وعقابه، وخوفه، ورجاءه.
57- يكون ذكر الله بالقلب واللسان، وهو أكمل، ثم بالقلب وحده، ثم باللسان وحده.
58- أفضل أنواع الذِّكر: القرآن الكريم، ثم التسبيح، والتهليل، والثناء على الله، ثم أنواع الأدعية، وبالله التوفيق.
نماذج من الأذكار والأدعية الجامعة
1- سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فهي غراس الجنة.
2- سبحان الله وبحمده زنة عرشه، ورضاء نفسه، وعدد خلقه، ومعاني كلماته، ومنتهى رحمته، ويسمى الذكر المضاعف.
3- سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، لا إله إلا أنت سبحانك، إنِّي كنتُ من الظالمين.
4- لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملْك، وله الحمد، وهو على كلِّ شيء قدير، كلمة الإخلاص.
5- ربنا آتنا في الدنيا حسَنة، وفي الآخرة حسَنة، وقنا عذاب النار، تشمل خير الدنيا والآخرة.
6- ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب.
7- ربنا فاغفر لنا ذنوبنا، وكفِّر عنَّا سيئاتنا، وتوفَّنا مع الأبرار.
8- ربنا ظلَمنا أنفسنا، وإن لَم تغفرْ لنا وترحمنا لنكونن منَ الخاسرين، وهي الكلمات التي تلقَّاها آدم وحواء فتاب الله عليهما.
9- أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، من أسباب المغفرة.
10- سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد الأمين.
حياة المؤمن كلُّها صراعٌ بين الحق والباطل، والهدى والضلال، فإنْ هو استجاب للشيطان والهوى، تردَّى إلى المهالِك والخسران، وإنْ هو استجاب لداعي الحق والهدى، ارتَقَى إلى أعلى الدرجات، ولقد قيَّض الله للمؤمن قوارب للنجاة منَ المهالك، إن هو استجاب إليها أقلَّتْه إلى شاطئ الأمان، وأنْجتْه منَ الضَّياع والهلاك.
وإليكم بعضَ هذه القوارب التي أعَدَّها الله لعبادِه المتقِين:
1- قارب معرفة الله:
وهو قارب النجاة من كلِّ ضلالة وانحراف، فالذي يعرف الله تعالى، يعرف بالتالي الطريق إلى كل خير، ويجتنب بالتالي أسباب الوُقُوع في الشَّرِّ.
فمعرفة الله أول طريق السالكين، ومنطقة سبيل المسترشدين، والحصانة من كل سوء، والأمان من كلِّ زيغ.
ومعرفة الله - عز وجل - إنما تتحقق، وتتزايد، وتتعمق، بتزايد الاطلاع على خلقِه، والإدراك لصنعه، وقدرته، وفضله، وآياته البيانات، فيما كان ويكون.
والمؤمن الحقيقيُّ يجب أن يقدر الله حق قدره، ويعرفه حق معرفته، يعرف طريق الوصول إليه، والتقرب إلى جلاله، يعرف ما يرضيه، وما يسخطه، وما يدنيه منه، وما يبعده عنه، يعرف ذلك ليس لذات المعرفة؛ وإنما للتقيُّد والالتزام؛ لتزكية النفس، وتخليتها، وترقيتها، حتى تبلغ درجة الرَّبَّانيَّة؛ ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران: 79].
2- قارب عبادة الله:
وهو قارب النجاة من الغرَق في بحر الضلالات، وسبيل النجاة من الآفات والانحرافات، فالعبادة، وإحسانها، والدوام عليها، والإكثار منها - تُنَظِّم الصِّلَة بالله، وتُحسنها، وتديمها، والموصول بالله يبقى على مددٍ من الله، وعون منه وعناية، ومثل الموصول بالله كمَثَل الطائرة المستَرشدة في طيرانها ببرج المراقبة، فإذا انقطعتْ هذه الصلة، تاهتِ الطائرةُ في الفضاء، وانحَرَفَتْ عن خطِّ سيرها، وتعرَّضتْ للأخطار والمهالك، أو كمثل السفينة الموصلة بنقطة المراقَبة في الميناء، إذا انقطعت صلتها تاهتْ في البحار، وغرقتْ في لجَّة ليس لها قَرار.
ولهذا كان من عَطاء الله تعالى لخلْقه، ومن منِّه وكرمه عليهم، أن نظَّم لهم، وفرض عليهم خمسة مواعيد في اليوم والليلة؛ لتأكيد الصلة به، تحفظهم على تباعُد فتراتها من الضياع سحابة نهارهم، كما حثَّهم على الاستزادة من هذه الصلوات تنفُّلاً في الليل، صلاة وصيامًا وحجًّا، وإلى ذلك يشير الله تعالى على لسانِ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن عادى لِي وليًّا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضتُه عليه، وما يزال عبدي يتقَرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها، وإن سألَني لأعطينه، ولإن استعاذ بي لأعيذنه))؛ رواه البخاري في صحيحه.
3- قارب حب الله ورسوله:
وهو قارب النجاة من الغرَق في بحر حبِّ الدنيا، والتعلُّق بحطامها، واللهث وراء مُتَعِها وشهواتها، فالذي تعلَّق قلبُه بالله، لا يطغى عليه حب ما عداه، وإذا أحب أحب في الله، سواء أكان حبًّا لأخ، أو زوج، أو ولد، أو لأيِّ إنسان من الناس؛ ولقد كان من أدعية الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إني أسألك حبَّك، وحبَّ مَن يحبُّك، وحبَّ عمَل يُقربني إلى حبِّك)).
وإن من مُقتضيات حب الإنسان لربِّه انشغالَه به، وتلَذُّذه بعبادته، وتلهُّفه إلى مناجاته، وإن حب الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يدفع إلى تحرِّي سنَّته، وإلى الالتزام بشريعته، وإلى العيش معه - صلى الله عليه وسلم - في عسره ويسره، في حياته الخاصة والعامة، وإلى الاقتداء به؛ امتثالاً لقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].
إنَّ حبَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يكون لدى المؤمن أقوى من حبِّ الأهل والولد والناس أجمعين، وصدق الله تعالى حيث يقول: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 24].
ومعنى محبة الله ورسوله: تقديم مراد الله تعالى على مراد النفس، وتقديم طاعة الله ورسوله على طاعة الهوى والشيطان، فيطوع المسلم رغبته وهواه وَفْقَ ما جاء به الإسلام، ويكون مُحِبًّا لتعاليم الإسلام أكثر من حبه لنفسه وهواها، وبهذا يتَحَقَّق الإيمانُ الصحيح.
4- قارب الخوف من الله:
وهو قارب النجاة من الغرق في بحر الجبن، والخوف، والمعاصي، والآثام؛ كان قدوتنا الأول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((أنا أخوفكم لله))؛ البخاري - ويقول: ((والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له))؛ البخاري.
فالذي يخاف الله تعالى يتقي سخطه، ويخشى عذابه، ويتحاشَى الوقوع في محارمه، والذي يخاف الله تعالى يقذف الله في قلبه الجرأة، والشجاعة، والعزة، فلا يجبن عند لقاء العدو، ولا يتهَيَّب عند مُواجهة الطغاة، ولا يستحيي من الصدع بالحق، والذي يخالف الله تعالى يستديم مراقبته له، وحذره من التفريط في جنبه، ولا يأمن مكره؛ ﴿فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف: 99].
ولشدة الخوف من الله تعالى؛ كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً، ولبَكَيْتم كثيرًا)) .
وروي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يسقط من الخوف مغشيًّا عليه، إذا سمع آية من القرآن.
وسُئل ابن عباس - رضي الله عنهما - عن الخائفين، فقال: قلوبهم بالخوف وجلة، وأعينهم باكية، يقولون: كيف نفرح، والموت من ورائنا، والقبر من أمامنا، والقيامة موعدنا، وعلى جهنم طريقنا، وبين يدي الله ربنا موقفنا؟!
5- قارب مراقبة الله تعالى:
وهو قارب النجاة من الوقوع في الزلل، والعثرات، والانحرافات، وهو يجعل المسلم حاضر القلب، يستهدي بالله لا بهواه، ومراقبة الله تعالى تجعل المؤمن يستحضر تلك العين التي تراقبه في شتَّى أحواله وأعماله، وفي كل أقواله وأفعاله، بل وفي هواجسِه ومشاعرِه، كما يستحضر عظمة صاحب تلك العين - عز وجل - الذي لا تخفى عليه خافية؛ ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [لمجادلة: 7].
وإن مراقبة الله تعالى لكل شيء لَهُو أمر هائل وعظيم، فكيف ما بعدها من محاسبة دقيقة، وقضاء، وجزاء على الأعمال؟!
واعلم - يا أخي المسلم - أنَّ الأمورَ ثلاثةٌ:
الأول: أمر استبان رشده، فاتَّبعْه.
الثاني: أمر استبان غيُّه، فاجتنبْه.
الثالث: أمر أَشْكَل عليك، فاسأل عنه.
ومراقبة الله تعالى تتأَكَّد في النفس وتتعمَّق، مع تزايُد الشعور بقُرْب الله من الإنسان؛ ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزُّخرف: 80].
وقد روي أنَّ رجلاً جاء إلى إبراهيم بن آدهم، فقال له: يا أبا إسحاق إني مسرف على نفسي، فاعرض عليَّ ما يكون لها، زاجرًا، ومستنفذًا لقلبي، قال: إن قبلت خمس خصال، وقدرت عليها، لم تضرَّك ولم توبقك لذة، قال: هات يا أبا إسحاق، فقال: أما الأولى: إذا أردت أن تعصي الله - عز وجل - فلا تأكل رزقه، قال: فمن أين آكل، وكل ما في الأرض من رزقه؟! قال: يا هذا، أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟! قال: لا، هات الثانية، قال: إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئًا من بلاده، قال الرجل: هذه أعظم من الأولى، فإذا كان المشرق والمغرب، وما بينهما له، فأين أسكن؟! قال: يا هذا، أفيحسن أن تأكل رزقه، وتسكن بلاده، وتعصيه؟! قال: لا، هات الثالثة، قال: إذا أردت أن تعصيه، وأنت تأكل رزقه وفي بلاده، فانظر موضعًا لا يراك فيه مبارزًا له، فاعصه فيه، قال: يا إبراهيم، كيف هذا، وهو مطلع على ما في السرائر؟! قال: يا هذا، أفيحسن أن تأكل رزقه، وتسكن بلاده، وتعصيه، وهو يراك، ويرى ما تجاهر به؟! قال: لا، هات الرابعة، قال: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك، فقل له: أخِّرني حتى أتوب توبة نصوحًا، واعمل لله عملاً صالحًا، قال: لا يقبل مني، قال: يا هذا، أفأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه إذا جاءك، لم يمكن تأخيره، فكيف ترجو وجه الخلاص؟! قال: هات الخامسة، قال: إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة؛ ليأخذوك إلى النار، فلا تذهب معهم، قال: لا يدعونني، ولا يقبلون مني، قال: فكيف ترجو النجاة إذًا؟! قال الرجل: يا إبراهيم حسبي، حسبي، أنا أستغفر الله، وأتوب إليه، ولزمه في العبادة حتى فرَّق الموت بينهما.
6- قارب الإخلاص لله:
وهو قارب النجاة من الغرَق في بحر النِّفاق، والشرك، والرِّياء، وحب الظهور، وبوار الأعمال.
والمؤمن في عمله ونشاطه، وفي كتابته وخطابته، في جهاده وجلاده، أحوج ما يكون إلى الإخلاص؛ حِفاظًا على أعماله من البوار، وحتى لا يكون معنيًّا بقوله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان: 23].
فلا بدَّ للمؤمن بين يدي كل عمل من تصحيح النية، وتقويم القصد، وتصفية النفس، وليكن ذكراه في ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنِّيَّات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى))، فالإخلاصُ لله تعالى هو صِمام الأمان في حياة المؤمنين، به تزكو أعمالُهم، وتضاعف أجورهم، وترفع درجاتهم.
فبالإخلاص تكون الأعمالُ والأقوال، تكون العبادة، والتعليم والتعلم، يكون الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، يكون الإنفاق والإحسان، يكون الجهادُ والبذل والتضحية، يكون كل ذلك في ميزان العبد يوم القيامة.
فالمسلمون العاملون مدعوُّون للخروج من ذواتهم، وحظوظ أنفسهم، مدعوُّون إلى تنْقية السرائر قبل الظواهر، فكَمْ من أعمال كبيرة أفسدتها خواطِر صغيرة وحقيرة! وكم من مكابدة ومجاهدة، ضيعتها رغبات مشوبة فاسدة! روى البيهقي عن أبي الدرداء، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الاتقاء على العمل أشد من العمل، وإن الرجل ليعمل فيكتب له عمل صالح معمول به من السر، يضاعف أجره سبعين ضعفًا، فلا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ويعلنه، فيكتب علانية، ويُمحى تضعيف أجره كله، ثم لا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ثانية ويعلنه، فيكتب علانية فيمحى من العلانية ويكتب رِياء، فاتَّقى الله امرؤ صان دينه، وإن الرياء شرْك)) .
مِن قوارب النجاة: ذِكْر الله ومزاياه
وفي ذِكر الله أكثر من مائة فائدة، ذَكَرَها الإمامُ (ابن القيم)، نختصر منها ما يلي:
1- أنَّ ذكر الله يَطْرُد الشيطان.
2- أنه يرضي الرحمن.
3- يزيل الهم والغم عن القلب.
4- يجلب للقلب الفرح والسرور.
5- يُقَوِّي القلْب والبدن.
6- ينور الوجه والقلب.
7- يجلب الرزق.
8- يكسو الذاكر المهابة، والحلاوة، والنضْرة.
9- يورث محبة الله التي هي رُوح الإسلام.
10- أنه يُورث المراقبة، والإنابة، والقرْب من الله.
11- أنه يفتح للعبد أبواب المعرفة، ويورث الهيبة لربِّه، وإجلاله.
12- أن ذِكْر العبد ربه يورث ذكر الله له؛ كما قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152].
13- أنه يورث حياة القلب، وذكر الله للقلب كالماء للسمك.
14- أنه قوت القلب والروح؛ ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].
15- أنه يورث جلاء القلب من صدئِه.
16- أنه يحط الخطايا، ويرْفع الدرجات.
17- أنه يزيل الوحشة التي بين العبد وبين ربه.
18- أنه يذكر بصاحبه عند الشدة.
19- أن العبد إذا تعرف إلى الله بذكره في الرخاء، عرفه في الشدة.
20- أنه ينجي من عذاب الله تعالى.
21- أنه سبب تنزُّل السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذاكر.
22- أنه سبب اشتغال اللسان عن: الغيبة، والنميمة، والكذب، والفُحش، والباطل.
23- أنَّ مجالس الذِّكر مجالس الملائكة، كما أنَّ مجالس اللهْو، واللغو، والغفلة مجالس الشيطان، فاخترْ لنفسك أي المجلسين شئت.
24- أنه يسعد الذاكر، ويسعد به جليسه.
25- أن ذكر الله يؤمِّن العبد من الحسرة يوم القيامة.
26- أن ذكر الله مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال العبد يوم الحر الأكبر، في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
27- أن الاشتغال بالذكر سبب لإعطاء الله أفضل ما يعطي السائلين.
28- أنه أيسر العبادات، وهو من أجلِّها، وأفضلها.
29- أنه غِراسُ الجنة.
30- أن العطاء والفضل الذي رُتِّب على ذكر الله، لم يرتب على غيره من الأعمال.
31- أن دوام ذكر الرب - تبارك وتعالى - يوجب الأمان من نسيانه.
32- أن ذكر الله نور للعبد في دنياه، وفي قبره، ويوم حشره.
33- أن ذكر الله يعدل عتق الرِّقاب، ونفقة الأموال في سبيل الله.
34- أن الذكر رأس الشكر، فما شكر الله من لَم يذكر الله.
35- أن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين، من لا يزال لسانه رطبًا بذكر الله.
36- أن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله.
37- أن الذِّكر شفاء القلب ودواؤُه، كما أن الغفلة مرضه، فالقلوب مريضة، وشفاؤها في ذكر الله تعالى.
38- أنه ما استجلبت نعم الله واستدفعت نقمه بِمِثْل ذِكْرِه.
39- أن ذكر الله يوجب صلاة الله وملائكته على الذاكر.
40- أن من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا، فليستوطن مجالس الذكر، فإنها رياض الجنة.
41- أن جميع الأعمال إنما شرعت لإقامة ذكر الله تعالى.
42- أن أفضل أهل كل عمل أكثرهم فيه ذكرًا لله - عز وجل.
43- أن إدامة ذكر الله تنوب عن التطوُّعات، وتقوم مقامها، سواء كانت بدنية، أم مالية، أم مركبة منها.
44- أن ذكر الله من أكبر العون على طاعته.
45- أن ذكر الله يسهل الصعب، وييسر العسير، ويخفف المشاق.
46- أن ذكر الله يذهب عن القلب مخاوفه كلها.
47- أن عمال الآخرة كلها في ميدان السباق، والذاكرين الله أسبقهم في ذلك الميدان.
48- أن دور الجنة تبنى بالذِّكر، فإذا أمسك الذاكر عن الذكر أمسكوا عن البناء.
49- أن ذكر الله سدٌّ بين العبد وبين جهنم.
50- أن الملائكة تستغفر للذاكر، كما تستغفر للتائب.
51- أن الجبال والقفار تتباهى بمن يذكر الله عليها، وتستبشر به.
52- أن كثرة ذكر الله أمان من النفاق؛ فإن المنافقين ﴿لَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 142].
53- أن ذكر الله، وحمده، والثناء عليه، يجعل الدعاء مستَجابًا.
54- ومن ذكر الله ذكر أسمائه وصفاته، والثناء عليه بهما، وتنزيهه عما لا يليق به.
55- من ذكر الله ذكر أمره ونهيه بالامتثال.
56- من ذكر الله ذكر وعده، ووعيده، وثوابه، وعقابه، وخوفه، ورجاءه.
57- يكون ذكر الله بالقلب واللسان، وهو أكمل، ثم بالقلب وحده، ثم باللسان وحده.
58- أفضل أنواع الذِّكر: القرآن الكريم، ثم التسبيح، والتهليل، والثناء على الله، ثم أنواع الأدعية، وبالله التوفيق.
نماذج من الأذكار والأدعية الجامعة
1- سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فهي غراس الجنة.
2- سبحان الله وبحمده زنة عرشه، ورضاء نفسه، وعدد خلقه، ومعاني كلماته، ومنتهى رحمته، ويسمى الذكر المضاعف.
3- سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، لا إله إلا أنت سبحانك، إنِّي كنتُ من الظالمين.
4- لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملْك، وله الحمد، وهو على كلِّ شيء قدير، كلمة الإخلاص.
5- ربنا آتنا في الدنيا حسَنة، وفي الآخرة حسَنة، وقنا عذاب النار، تشمل خير الدنيا والآخرة.
6- ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب.
7- ربنا فاغفر لنا ذنوبنا، وكفِّر عنَّا سيئاتنا، وتوفَّنا مع الأبرار.
8- ربنا ظلَمنا أنفسنا، وإن لَم تغفرْ لنا وترحمنا لنكونن منَ الخاسرين، وهي الكلمات التي تلقَّاها آدم وحواء فتاب الله عليهما.
9- أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، من أسباب المغفرة.
10- سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد الأمين
تعليق