ومع ذلك فقد أسلموا !
قال تعـالى :-
{ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ... }
سورة الأنعام
سُهيل بن عمرو ..
الحارث بن هشام ..
صفوان بن أمية ...
ما شأن هؤلاء الثلاثة ؟!!
لقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عليهم واحدًا واحدًا والدماء تسيل على وجهه فى غزوة أحد، والمشركون قد شددوا وطأتهم وحرصوا على قتله بصفة خاصة حتى يستأصلوا دعوته وكُسرت رباعيته ، وكاد أن يُقتل لولا أن الله تعالى ساق أبطال المسلمين يقدمون أنفسهم رخيصة فداءًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
و قُتل عمه الحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ومُثِّل به ...
أثناء ذلك كله أخذ النبى صلى الله عليه وسلم يلعن أئمة الكفر يوم ذاك.
وعين النبى صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة بصفة خاصة ...
وإلى هنا فلا لوم ولا عتاب على النبى صلى الله عليه وسلم أن يدعوا على أعدائه فقد دعا النبى صلى الله عليه وسلم على أعدائه قائلا : ( اللهم احصهم عددًا ، واقتلهم بددًا، ولا تبق عليها منهم أحدًا .. ) وقنت النبى صلى الله عليه وسلم شهرًا كاملاً فى صلاته يدعوا على رعل وذكوان ويحددهم ..
لكن النبى صلى الله عليه وسلم أضاف الى دعائه هنا أمرًا آخر ، ألا وهو أنه قال متعجبًا صلى الله عليه وسلم : كيف يهدى الله قومًا خضبوا وجه نبيهم ؟!
إن هؤلاء لا يمكن أن يؤمنوا ولا يمكن أن تنالهم هداية الله ..
عندئذٍ نزل القرآن الكريم قائلا لرسوله :
{ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ. وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } سورة آل عمران
وكأن الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم إن الهدايةلم يجعلها الله بيد أحدٍ من البشر حتى أنت يا رسول الله ليس لك من الأمر شيئ ، إنما جُعلت الهداية بيد الله سبحانه يهدى من يشاء ويضل من يشاء .
أما أنت أيها الرسول الكريم فما عليك إلا البلاغ . أما الهداية فهى بيد صاحبها وهو الله تعالى ، يمنحها لمن يشاء ويمنعها عمن يشاء ..
ولكن ماذا كان من هؤلاء الثلاثة بعد دعاء النبى صلى الله عليه وسلم عليهم ونزول القرآن فى حقهم ؟!
سهيل بن عمرو فسيدٌ من سادات قريش وخطيبها المفوه وكان يؤلب الناس على المسلمين ويحاربهم بكل ما أوتى من قوة. وكانت حرارة كلماته تصل إليهم فتؤذيهم مما جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين رأى سهيل فى الأسر يوم بدر أن يشير على النبى صلى الله عليه وسلم قائلا : ( دعنى أنزع ثَنِيَّتى سهيل ، فلا يقوم علينا خطيبًا، فقال صلى الله عليه وسلم : دعها ، فلعلها أن تسُرَّك يومًا ) .
الى هذا الحد كانت فصاحة سهيل تؤلم عمر ، حتى أراد أن يخلع بعض أسنانه حتى تُشوه الحروف فلا يستطيع أن يخطب فى المحافل .
ورفض النبى صلى الله عليه وسلم أن يتم التمثيل بوجه الرجل ، وأطلق سراح سهيل ..
وعاش سهيل يحارب بسلاحين ( بالسيف واللسان ) حتى كان دورهُ الأكبر يوم الحديبية إذ جاء سهيل بن عمرو رسولاً من قِبَلِ قريش ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم متفائلاً : (لقد سهل لكم أمركم) .
وقال : ( قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل) ، وكانت قريش قد قالت لسهيل بن عمرو : ائت محمدًا فصالحه ، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا ، فوالله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبدًا . فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فأطال الكلام ، وتراجعا ، ثم جرى بينهما الصلح.
وعندما بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في إملاء شروط الصلح على الصحابى الجليل علي بن أبي طالب ، كاتب الصحيفة ، اعترض سهيل على كتابة كلمة (الرحمن) في البسملة ، وأراد بدلاً عنها أن يكتب (باسمك اللهم)، لأنها عبارة الجاهليين ، ورفض المسلمون ذلك ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وافق على اعتراض سهيل. ثم اعترض سهيل على عبارة (محمد رسول الله) ، وأراد بدلاً عنها عبارة : ( محمد بن عبد الله) ، فوافقه أيضًا على هذا الاعتراض.
وعندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به) اعترض سهيل قائلاً : لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة قهرًا ولكن ذلك في العام المقبل ، فنخرج عنك فتدخلها بأصحابك فأقمت فيها ثلاثًا معك سلاح الراكب لا تدخلها بغير السيوف في القرب . فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الشرط .
ثم قال سهيل : وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله ! كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟! فبينما هو كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده ، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل : هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إنا لم نقض الكتاب بعد) ، فقال سهيل : والله إذًا لم أصالحك على شيء أبدًا.
وألح الرسول صلى الله عليه وسلم على سهيل أن يستثني أبا جندل ، فرفض وتمسك بذلك ، ولم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم بدًا من إمضاء ذلك لسهيل.
ثم بعد هذا تم الاتفاق على بقية الشروط وهي : ( على وضع الحرب عشر سنين ، يأمن فيها الناس ، ويكف بعضهم عن بعض ، وأن بينهم عيبة مكفوفة ، فلا إسلال ولا إغلال ، وأن من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه).
وظل سهيل على موقفه تجاه الإسلام إلى يوم فتح مكة ، ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخل البيت ثم خرج فوضع يده على عضادتى الباب ، فقال : " ماذا تقولون ؟ " فقال سهيل بن عمرو : نقول خيرًا، ونظن خيرًا ، أخ كريم وابن أخ كريم ، وقدرت .
فقال : (أقول كما قال أخى يوسف : لا تثريب عليكم اليوم ) .. أخرجه البيهقى فى الدلائل 5/58 وأورده السيوطى فى الدر المنثور 4/34 ..
فذاب سهيل ومن معه خجلاً وحياءًا من أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم ورحمته التى تجعل العقول تطيش من الحيرة وتجعل الألسنة لا تملك أن تقول كلمة واحدة .
امتلأ قلب سهيل بحب النبى صلى الله عليه وسلم والرغبة فى الإسلام فأرسل سهيل إلى ابنه عبد الله (أبو جندل) ليستأمِن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه فخرج إلى حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على شركه حتى أسلم بمنطقة تسمى الجعرانة ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ مائة من الإبل من غنائم حنين.
وما أن لامس الإسلام شغاف قلب سهيل حتى حاول أن يعوض ما فاته وقلبه يعتصر ألمًا على كل لحظة قضاها بعيدًا عن طاعة الله ، إن العناد والمكابرة والحرب قد غطوا أعين هؤلاء القوم فلما أزيل الغطاء انكشفت حقيقة الإيمان أمام أعينهم وشعروها فى قلوبهم .
وشهد له الصحابة ومن بعدهم قائلين فى حقه : ( لم يكن أحد من كبراء قريش الذين تأخر إسلامهم فأسلموا يوم فتح مكة ، أكثر صلاة ولا صومًا ولا صدقة ولا أقبل على ما يعنيه من أمر الآخرة، من سهيل ابن عمرو ، حتى إن كان لقد شحب لونه، وكان كثير البكاء رقيقًا عند قراءة القرآن ، لقد رُئى يختلف إلى معاذ بن جبل حتى يقرئه القرآن وهو بمكة ، فقال له رجل : تذهب إلى معاذ ؟!
أفلا ذهبت الى رجل من أهل قريش يعلمك ؟
فقال سهيل : هذا الذى صنع بنا ما صنع حتى سبقنا كل السبق ، أى لعمرى اختلف إليه لقد وضع الإسلام أمر الجاهلية ،ورفع الله بالإسلام قومًا كانوا لا يُذكرون فى الجاهلية فليتنا كنا مع أولئك فتقدمنا) .
ومضى سهيل يشق طريقه الى جنة الرحمن ، وإلى تعويض ما فاته .. وإذا به يقول قولته الشهيرة : ( والله لا أدع موقفًا وقفته مع المشركين إلا وقفت مع المسلمين مثله، ولا نفقةً أنفقتها مع المشركين إلا أنفقتُ على المسلمين مثلها، لعل أمرى أن يتلو بعضه بعضًا) ..الإصابة للحافظ ابن حجر 3/178 ..
ولما مات النبى صلى الله عليه وسلم وأخذت القبائل ترتد عن الإسلام فأراد أهل مكة أن يحاكوا هذه البلاد المرتدة فقام سُهيل بن عمرو يثبت قومه وقال لهم يا أهل مكة كنتم آخر الناس دخولا فى دين محمد فلا تكونوا أول الناس خروجًا منه ... ثم قال لهم : ( مَنْ كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومَنْ كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت) .. رواه البيهقى فى الدلائل – نقلا من الإصابة لابن حجر 3/178 ..
وظل سهيل على الخير والإيمان كثير الصلاة والصيام والصدقة بكاء عند كتاب الله ، وخرج بجماعته الى الشام مجاهدًا ، يضرب أعداءه وكان فى اليرموك أميرًا على كُرْدُوسٍ.
وظل مرابطًا بأرض الشام متذكرًا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مقام أحدكم فى سبيل الله ساعة من عُمره خيرٌ من عمله عمره فى أهله ) قال سهيل : فإنما أرابط حتى أموت ، ولا أرجع إلى مكة ، فلم يزل مقيمًا بالشام حتى مات فى طاعون عمواس. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الطاعون شهادة لكل مسلم ) .. متفق عليه عن أنس – في صحيح الجامع 3947.
فرضى الله عن سهيل بن عمرو ..
الحارث بن هشام فظل محاربًا للمسلمين حتى يوم فتح مكة، إذ علم أنه من أوائل المطلوبين فاستجار بأم هانئ بنت أبى طالب فأجارته فأراد أخوها قتله فذكرت ذلك للنبى قائلة : زعم فلان- تقصد أخاها - ألا إجارة لى ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ) .
وكانت دهشته لا تقدر إذ صعد بلال بن رباح رضي الله عنه فوق الكعبة قارعًا أذانهم بقوله : جاء الحق وزهق الباطل .. إن الباطل كان زهوقا .
وكان الحارث يقول : يا ليتنى مت قبل هذا ولم أشهد هذا اليوم .
ولما قيل للحارث بن هشام : ألا ترى ما يصنع محمد من كسر الآلهة ونداء هذا العبد الأسود على الكعبة ؟!
فقال الحارث : إن كان الله يكره هذا ، فسيغيره ..
وأخذت قلوب أئمة الكفر تفكر فى الإسلام خاصة وإن النبى صلى الله عليه وسلم عفا عنهم وأعطى الكثير منهم الأمان فى داره وفى المسجد ..
وكان الحارث ممن أسلم يومذاك ، ثم كانت غزوة حنين بعدها فتألف النبى صلى الله عليه وسلم قلوب هؤلاء القوم فأعطاهم حتى رضوا. وأعطى للحارث يومها مائة من الإبل فكُسرت شوكة العداء والعناد فى قلبه ثم رويدًا رويدًا أخذت تعاليم الإسلام تشق طريقها الى قلب الرجل فنما زرع الإيمان فى قلبه فحسن إسلامه رضي الله عنه ثم هاجر الحارث إلى الشام فى عصر عمر رضي الله عنه ، فلم يزل مجاهدا ، حتى كان يوم اليرموك فقال عكرمة بن أبى جهل : من يبايع على الموت فبايعه مائتان من الرجال على الشهادة فى سبيل الله . وأخذ الأبطال يتساقطون على الأرض وتصعد أرواحهم الى السماء ...
وكان من بين هؤلاء الحارث بن هشام استشهد باليرموك وسجل التاريخ له موقفًا عظيمًا فى الإيثار قبل موته ، إذ جاءه رجل يريد أن يسقيه ماءً - وهو فى النزع الأخير - فسمع أنين عكرمة فآثره على نفسه وقال اذهبوا الى عكرمة . فذهبوا إلي عكرمة بالماء فسمع أنين عياش بن ربيعة فأشار أن اذهبوا الى عياش ، فذهبوا الى عياش فوجدوه قد فارق الحياة ، ثم رجعوا الى عكرمة فوجدوه قد فارق الحياة ، ثم رجعوا الى الحارث فوجدوه قد مات .
فرضى الله عن الحارث بن هشام ...
صفوان بن أمية فلم يزل محاربًا لله ورسوله فى سره وعلانيته خاصةً وأن أباه أميّة بن خلف قد لقي مصرعه في بدر ..
وبلغ من عداء صفوان للنبى صلى الله عليه وسلم أن جلس يومًا مع عمير بن وهب فتذاكرا قتلى بدر . فقال صفوان : والله ما في العيش خير بعدهم .
وقال له عمير: صدقت، ووالله لولا دينٌ عليّ لا أملك قضاءه، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت الى محمد حتى أقتله.
ثم أتبع عمير قائلا : أقول لمحمد قدمت من أجل ابني الأسير عندكم.
فاغتنمها صفوان وقال : عليّ دينك، أنا أقضيه عنك ، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا ..
فقال له عمير: إذن فاكتم شأني وشأنك ...
ثم أمر عمير بسيفه فشُحذ له وسُمّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة.
فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ما جاء بك يا عمير..؟؟
قال : جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم.
قال النبي: فما بال السيف في عنقك ؟
قال عمير : قبّحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئا ؟
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : أصدقني يا عمير، ما الذي جئت له ؟
قال : ما جئت الا لذلك.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : بل قعدت أنت وصفوان بن أميّة في الحِجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت، لولا دينٌ عليّ، وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدًا، فتحمّل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك ..
وعندئذ صاح عمير : أشهد أن لا اله الا الله، وأشهد أنك رسول الله، هذا أمر لم يحضره الا أنا وصفوان، فوالله ما أنبأك به الا الله، فالحمد لله الذي هداني للاسلام .
وأمر النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه قائلا : فقّهوا أخاكم في الدين ، وعلموه القرآن، وأطلقوا أسيره ..
ولا يزال صفوان على عناده حتى يوم الفتح العظيم، راح عمير بن وهب يُناشد صفوان الإسلام ويدعوه إليه، بيْد أن صفوان شدّ رحاله صوب جدّة ليبحر منها إلى اليمن ، فذهب عمير الى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له : ( يا نبي الله، إن صفوان بن أمية سيد قومه ، وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر ، فأمِّـنه ) .
فقال النبي : ( هو آمن ) .
قال : ( يا رسول الله أعطني آية يعرف بها أمانك ) ، فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل فيها مكة .
فخرج بها عمير حتى أدرك صفوان فقال : ( يا صفوان فِداك أبي وأمي، الله الله فى نفسك أن تُهلكها، هذا أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به) .
قال له صفوان : ( وَيْحَك ، اغْرُب عني فلا تكلمني ) .
قال : ( أيْ صفوان فداك أبي وأمي ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضـل الناس وأبـر الناس ، وأحلـم الناس وخيـر الناس ، عِزَّه عِزَّك ، وشَرَفه شَرَفـك ) قال : ( إنـي أخاف على نفسـي ) .
قال : هو أحلم من ذاك وأكرم ) .
فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صفوان للنبي صلى الله عليه وسلم : (إن هذا يزعم أنك قد أمَّـنْتَني ) .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( صدق ) .
قال صفوان : ( فاجعلني فيها بالخيار شهرين ) .
فقـال الرسول صلى الله عليه وسلم : أنت بالخيار فيه أربعة أشهر .
و لمّا أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى هوازن ليلقاهم ، ذُكِرَ له أن عند صفوان بن أمية أدراعًا له وسلاحًا ، فأرسل إليه وهو يومئذ مشرك، فقال : ( أعرنا سلاحك هذا نلقَ فيه عدونا غدًا ) .
فقال صفوان : ( أغصبًا يا محمد ؟) .
قال : ( بل عارِيَةٌ ومضمونة حتى نؤديها إليك ) .
قال : ( ليس بهذا بأس ) .
وقد هلك بعضها فقال رسول الله : ( إن شئت غَرِمتُها لك ؟) .
قال : لا .
وبعد غزوة حنين كانت الغنائم هائلة ، فأخذ صفْوان ينظر إلى شِعْبٍ ملآن نَعماً وشاءً ورعاءَ ، فلمحه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
( يُعْجِبُـكَ هذا الشّعْبُ ؟)
قال : ( نعم ) .
قال : ( هو لك وما فيه ) .
فقبض صفوان ما في الشّعْب و قال :
( ما طابتْ نفسُ أحدٍ بمثل هذا إلا نفسُ نبيّ ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا عبدُهُ ورسوله ). وأسلم في مكانه .
وأقام صفوان بمكة مسلمًا بعد عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة .
فقيل له : ( لا إسلام لمن لا هجرة له ) .
فقدم المدينة فنزل على العباس، فقال : ( ذاك أبرَّ قريش بقريش، ارجع الى مكة ، فإنه لا هجرة بعد الفتح . ومن لأباطحِ مكة ؟! ) .
فرجع صفوان فأقام بمكة فكان صفوان رضي الله عنه أحد كرماء مكة المطعمين، وكان يُقال له : ( سِداد البطحاء) . وحسن إسلامه واستخدم لسانه الفصيح الذى لطالما آذى به المسلمين ، فاليوم هو يستخدمه فى نصرة دين الله ، وظل الرجل على دينه القويم حتى مات رضي الله عنه كريمًا حميدًا .
فرضى الله عن صفوان بن امية ...
وهكذا أسلم الثلاثة رجال وحسن إسلامهم وتاب الله عليهم لتتقرر القاعدة أن الله يهدى من يشاء ويضل من يشاء ..
وإن العجب ليشتد فى أمر هؤلاء ...
كيف كان البدء ..
ثم كيف صار الختام .
تعليق