خمسة مسميات لأماكن فيه وردت في قصةالزير سالم
دلائل على أن وادي الخيطان بالباحة ضم ديار بكر وتغلب وبه دارت حرب البسوس
المخواة : ناصر الشدوي
يوحي وادي الخيطان جنوب الباحة بالكثير من الحكايات، كأن التاريخ شاخص يتحدث عن الجليلة وأبو ليلى المهلهل وكليب والبسوس، وأنت تتجول بين أشجار الوادي العملاقة، وتستمع إلى أصوات السباع ليلا في واد مازال قاطنوه تحت خيام العرب الأوائل، أكثر من خمسة مسميات لأماكن موجودة اليوم في الوادي ورد ذكرها في مسلسل "أبو ليلى المهلهل" وفي الكتب التي ألفت عن الزير سالم لكفيلة بإثبات أن الديار هناك ديار بكر وتغلب، في وادي الخيطان ذي الغابات الكثيفة والمياه المتدفقة التي حفرت الصخور وحفرت أخاديد عميقة جراء التدفق المستمر طوال السنين، وهو الوادي الذي ينزل إليه التلفريك من غابة القمع في بلجرشي، وردت مسميات في هذا الوادي تطابق ما ورد من مسميات لأماكن ذكرت في الكتب التي ألفت في الزير سالم وكليب وقصتهما المشهورة.
في وادي الخيطان وجدنا هذه المسميات، بالإضافة إلى ما توارثه بدو هذا الوادي مثل قصة حرب البسوس، فمن المسميات الواردة وادي البسوس، حدبة كليب، قبر كليب، وادي الحصى والجندل، والذناب وهو اسم لموضع هناك، وقد ورد الاسم في أبيات للمهلهل يرثي بها أخاه كليب، يقول:
ولو نُبش المقابر عن كليب فيخبر بالذنائب أي زير
وفي لسان العرب "الذناب مسيل ما بين كل تلعتين، وهي الذنائب وهي مسيل السيل " وفي الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني قال "مقتل كليب بالذنائب عن يسار فلجة مصعدا إلى مكة وقبره بالذنائب"، وقد ورد اسم فاجه في الوادي، فربما هو" فلجة "الذي ذكره أبو الفرج، ولكن حدث للاسم تصحيف، وقوله مصعدا إلى مكة فيه مقاربة، فالطريق من هناك صعودا إلى جبال السراة ومنها الطائف ثم مكة.
وهناك أكثر من مكان ورد بهذا الاسم، ففي الأغاني ورد أن الذنائب ثلاث هضاب في نجد ، وقيل قرية قبل زبيد وزبيد قريبة من المظيلف التي تبعد عن وادي الخيطان بنحو 50 كيلو متراً، وزبيد في اليمن أيضا، وأما قول صاحب الأغاني : الذنائب هضاب في نجد، فلم يرد في لسان العرب معنى ذنائب أنها هضاب .
وفي قول المهلهل الذي أورده صاحب كتاب "صفة جزيرة العرب" ما يدل على أنه حل في أرض تهامية فهو يقول:
عمرت دارنا تهامة في الدهر وفيها بنو معد حلولا
كما أن قصة أبو ليلى المهلهل مع الأسود تدل على أن كليبا والمهلهل لم يسكنا نجد فنجد لا يوجد بها أسود، كما ورد في الكتاب، حيث أورد المؤلف ذكر مواضع الأسود في الجزيرة العربية، ونفى أن تكون الأسود قد استوطنت وعاشت في ضواحي نجد،" فأما تبالة وترج وبيشة فهي من أعراض نجد ولا يكون بهذا أُسد، ولم يكن "وقال" فما انحدر من جبال السراة إلى تهامة فالأسد فيها".
وهذا التعريف ينطبق تماما على وادي الخيطان الذي يقع أسفل منحدر جبال السراة، وهو واد فيه الكثير من السباع إلى يومنا هذا، كما أن أهل الأغنام هناك يسمعون صوت النمر بين وقت وآخر، خاصة في جبل أثرب ذي الغابات الكثيفة والذي يقع شرق الوادي .
ومن الدلائل أيضا ـ على صدق الاعتقاد ـ ما ورد في نهاية قصة الزير سالم أن عائلة وائل بن ربيعة أخرت أحد أبنائها ويسمى عامر حل الديار هناك، وهناك قبيلة وديار أسفل الوادي تدعى (العوامر) وقبيلتها العامري نسبة إلى عامر.
يقول يعن الله الغامدي (من سكان المنطقة) "الوادي فيه الكثير من الأماكن المسماة بأسماء نحن نعرفها منذ زمن تنوقلت بين الأجيال حتى وصلت إلينا، ولكن لم نعرف أن لهذه الأسماء والأماكن قيمة تاريخية إلا أخيرا، فالكثير من زوار جبال السراة التي تعلو الوادي يستغربون عندما يذكر لهم أن هذه حدبة كليب، وأن هذا قبر كليب، وذاك وادي البسوس، فكانوا يقولون إن هذه الأسماء تعني أن الديار ديار بكر وتغلب أشهر قبائل العرب قبل الإسلام، وأن المكان أن صح القول هو المكان الذي دارت فيه حرب البسوس التي دامت 40 سنة بين قبيلتي بكر وتغلب" .
ويضيف "نعرف أن حربا دارت هنا، وأن صاحب القبر كليب بن وائل بن ربيعة والوادي وادي البسوس، وأن المرأة التي جاءت من اليمن وطلبت الجيرة من جساس، هي سبب اشتعال الحرب بين القبيلتين، وهناك الكثير من المقابر التي تملأ الحِداب أسفل الوادي وأعلاه، لكن كثرة أسئلة الناس وانبهارهم بالمعلومات التي ننقلها إليهم عما سمعناه من الآباء في قصة أبو ليلى المهلهل وكليب أخيه والبسوس جعلتنا نستشعر اليوم قيمة هذا المكان".
أما العم عبد الله بن حمدان فيقول "نقف الآن في وادي البسوس الذي يقع أسفل وادي الخيطان وبالقرب من مصب شلالات وادي الخيطان، والكثير من الزوار كانوا يسألون عن صدق الحكايات التي يسمعونها من أن قبيلتي بكر وتغلب عاشتا هنا، وأن ما يعرف بحرب البسوس كانت في هذا الوادي".
وعند إحدى الخيام التقينا بغلامين، سألناهما عن اسم هذا المكان الذي نقف فيه، قالوا هذا وادي البسوس، وهنا عاشت الجليلة، وقد تزوجت من كليب بن وائل، وكان يسكن أعلى الوادي، وعندما سألناهم عن قصة الزير سالم، قالوا إنهم يسمعون هذه الحكايات من آبائهم وجداتهم .
اصطحبنا العم عبد الله في جولة على طول الوادي، وعندما توجهنا شرق الوادي صعدنا على هضبة مرتفعة تغطيها الغابات وتقف بجوارها إلى الشرق أيضا جبال شاهقة تغطيها غابات كثيفة، قال العم عبد الله " هذه هي حدبة كليب، ثم تقدم بنا كيلو مترا واحدا تقريبا، وإذ بنا داخل سور من الأسلاك الشائكة يحيط بالمكان الذي يحط فيه تلفريك غابة القمع في بلجرشي، ثم قال " هذا هو قبر كليب، كانت الشركة المنفذة لمشروع التلفريك قد عزمت على قلع هذا القبر والمقابر الأخرى هنا، ولكننا تدخلنا لمنعهم من ذلك".
توجهنا بعد ذلك إلى أسفل الوادي، وأرانا حصونا قديمة وأربع آبار لم يبق منها سوى ما يسمى "بالقف"، وهو المكان الذي يصب فيه الغرب الماء، وقد دفنت الآبار بفعل السيول منذ مئات السنين، ثم صعد بنا رفيقنا إلى ربوة سوداء كأنها حرة تغطيها قطع كثيرة من بقايا الحديد الذي كانوا يصنعون منه السلاح والأواني أو ما يسمى بخبث الحديد، ويلاحظ أن هناك مساحات كبيرة من المقابر سواء في حدبة كليب إلى الشمال من الوادي أو في جنوب الوادي شرق وادي البسوس، وتوجهنا إلى حدبة حمراء في الجنوب من مصنع الحديد، وهناك أطلعنا على نحت في إحدى الصخور الدائرية كتب عليها بخط المسند الذي يزيد عمره عن ألفي سنة .
تعليق