مدونة ليبية تعنى بالاثار والفنون القديمة
كوردستان فردوس علماء الآثار
الاركيولوجيا او علم الآثار علم حديث نسبيا" لايزيد عمره عن مائتي عام. ويعني بالكشف عن مخلفات الماضي ودراستها وتحليلها سواء أكانت هذه المخلفات مادية ام فكرية والتي تعكس تطور الحياة البشرية والمعارف والتقنيات عبر العصور.(( اننا نملك وسيلتين لمعرفة الماضي : اولاهما علم الآثار و ثانيهما علم اللغات والعلاقة بينهما وثيقة. حيث يهتم الاول بالاشياء المادية والثاني بالنصوص ان النصوص المحفورة او المنقوشة تتضمن كثيرا" من الاشارات والدلالات التي لايمكن لعالم الآثار ان يستغني عنها. فبعضها يسمح بالقاء الضوء على تاريخ الابنية الاثرية بشكل افضل، والبعض الاخر يقدم له معلومات عن نشاط بشري لم يبق له اي اثر مادي. وعالم اللغات بدوره يستفيد من نتائج دراسة وتحليل الآثار المادية المكتشفة والرموز التاريخية والفنية لحضارات الماضي. ويستعين علم الآثار بعدد من العلوم التطبيقية والانسانية، وفي مقدمتها علم الانثروبولوجيا الذي يعني بدراسة الهياكل العظمية المكتشفة لتحديد العرق او الاعراق التي تنتمي اليها تلك الآثار .
اما الجيولوجيا والجغرافيا فانهما تساعدان على تحديد الوسط الطبيعي او البيئة التي مارس الانسان فيها نشاط عبر العصور. كما يستعين علم الآثار بعلوم اخرى عديدة مثل الطوبوغرافيا والاثنوغرافيا والفيزياء والكيمياء والذرة وغيرها.ان كل فئة من الآثار المكتشفة تجمع وتفحص وتحلل على حدة، لان لكل منها اساليب وطرقا" خاصة تختلف عن تلك التي تستخدم للفئات الاخرى (( الاواني الخزفية، التماثيل، الرسوم المحفورة والناتئة، الحلي والمصوغات وفئات اخرى كثيرة ))، بيد ان اللقى قد لاتكون ذات فائدة علمية بدون معرفة تسلسلها التاريخي وتحديد العصور او الحضارات التي تعزي اليها. ان مجموعة من الاواني الخزفية ( ذات نمط معين )، تقدم دلالات قيمة لتحديد الزمن الذي كان فيه موقع اكتشافها مسكونا".لقد كان الهدف الرئيسي من التنقيب عن الآثار في بداياته الاولى الحصول على اكبر عدد ممكن من اللقى الاثرية والقطع الفنية والكنوز المطمورة في باطن الارض، وباسرع وارخص الوسائل، اي عن طريق النبش والحفر العشوائيين دون برنامج علمي مسبق او الاهتمام بمواقع اكتشاف تلك الآثار او رسمها وتصويرها ودراستها لمعرفة تسلسل تواجدها الطبقي او الزمني ودون الالتفاف الى الدلائل الاثرية وتفسيراته.
بيد ان الآثار المكتشفة سواء اكانت لقى او قطعا" فنية او ابنية او نصوصا" لاتاخذ قيمتها الحقيقية الا اذا تم ايصالها الى مكانها الصحيح في سلسلة الانماط والاساليب التقنية. وكان التنقيب في الماضي يعتمد في معظم جوانبه على الخبرة وقوة الملاحظة والقدرة على الاستنتاج الصحيح وباستخدام بعض الادوات البسيطة. بيد ان اساليب التنقيب قد تطورت كثيرا" بمضي الزمن وتم ابتكار الات واجهزة خاصة بالتنقيب عن الآثار من اهمها المثقب الآلي لاجراء تنقيب اختباري سريع قبل الشروع باعمال التنقيب المنظم الواسع وذلك لمعرقة ماهو مدفون في الموقع من بقايا بنائية ولقى آثرية. وجهاز المقاومة الكهربائية الذي يستخدم للتعرف على مكونات التربة غير المتجانسة من صخور وحجارة ومواد بناء اخرى. اما جهاز مقياس المغناطيسية فانه يساعد المنقب الآثاري في البحث عن القطع المعدنية المطمورة.
وتستخدم أجهزة التصوير الشعاعي لمعرفة مادة الاثر وتحديد ابعاده الحقيقية بصرف النظر عن الصدأ او التراكمات الاخرى الموجودة عليه. والبحث الآثاري وفق الطرق العلمية الحديثة لايكتمل الا باجراء الفحوصات والتحليلات المختبرية مثل تحليل المواد العضوية المكتشفة ( العظام والجلود والقرون والخشب القديم المتفحم والحبوب…. الخ ) لتحديد اعمارها وازمانها باستخدام اجهزة متطورة، بالغة الدقة ( جهاز كاربون 14 المشع وجهاز تحديد نسب مركبات الفلور وغيرها من الاجهزة ).
يتبين لنا فيما تقدم ان علم الآثار ليس علما" مكتبيا" أو وصفيا" بل علم ميداني في معظم جوانبه لان البحث الآثاري العلمي يبدأ بالمسح والاكتشاف ويمر عبر التنقيب وينتهي باجراء التحليلات المختبرية واستنباط النتائج ونشرها. وهنا تتوقف مهمة عالم الآثار وعندئذ يتدخل مؤرخ التاريخ القديم الذي يدرس نتائج البحث الآثاري لمعرفة ماضي الانسان ونشاطه عبر العصور المختلفة.ان الآمال المعقودة على قسم علم الآثار في كلية الآداب بجامعة صلاح الدين كبيرة وثمة مهمات جسيمة بانتظار خريجي هذا القسم،لان تدوين التاريخ القديم لاي شعب يعتمد في المقام الاول على دراسة وتحليل نتائج البحث الآثاري الذي يشكل التنقيب العلمي باستخدام الآلات والاجهزة الحديثة حلقته الاساسية. وعلى الرغم من ان كوردستان من اقصاها الى اقصاها زاخرة بآثار عصور ما قبل التاريخ والعصور التاريخية حيث يقدر عدد المواقع الاثرية فيها بحوالي ( 3150 ) موقعا" في كوردستان العراق وحدها، الا ان التنقيبات لم تجر الا في مواقع محددة، فقلعة اربيل التي تقع عند اقدام جبال زاطروس، لم يجر فيها التنقيب لحد الآن.ويكاد يجمع المؤرخون الكورد والاجانب على ان العقبة الرئيسية التي تحول دون تدوين تاريخ الكورد القديم هي قلة التنقيبات الاثرية التي جرت في كوردستان بالقياس الى المناطق المجاورة لها.ومع ذلك فان بعض التنقيبات التي جرت في فترات متباعدة في كوردستان بالرغم من قلتها، قد كشفت عن حقائق مدهشة.ففي ربوع كوردستان تعلم الانسان الزراعة وتدجين الحيوان وبناء الاكواخ والمساكن البدائية التي هيأت له أسباب الاستقرار والعمل المنتج وادت في نهاية المطاف الى نشوء القرى الزراعية ومراكز المدن القديمة. وقد استطاعت بعثة اركيولوجية اجنبية في السنوات الاخيرة من اكتشاف اقدم قطعة قماش صنعها الانسان بواسطة الة نسج تعد النموذج البدائي الاول لمكائن النسيج الحالية في احدى قرى كوردستان الشمالية عند منابع نهر دجلة. وقد اثبتت الفحوصات المختبرية التي جرت في مختبرات الغربية ان عمر قطعة النسيج المكتشفة لا يقل عن تسعة الاف سنة، وانها من نسيج الكتان. كما اكتشفت بعثة اركيولوجية بولونية في اواخر الثمانينات قرية في محافظة دهوك يعتقد انها من اقدم القرى الزراعية في العالم وتحتوي على بيوت قوية البنيان، كما عثرت البعثة على قطعة نحت رائعة تمثل رأس طير وقطع فنية اخرى.ان ارض كوردستان زاخرة بالرموز التاريخية والفنية والاشكال الملموسة والمنظورة للحضارات القديمة وهي بحق – كما يقول الباحثون الآثاريون – فردوس علماء الآثار. ولاشك ان توسيع نطاق التنقيبات الاثرية سوف تكشف النقاب عن صفحات مهمة من تاريخ الكورد وكوردستان القديم .
تعليق