السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما المقصود بعبارة " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " ؟
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ ونفع بعلمكم
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .
أي : أن الْمُعتَبَر عموم اللفظ الوارِد ، وليس خصوص السبب الذي نَزَلت بِسببه الآية ، أو وَرَد بسببه الحديث .
مثاله :
قوله تعالى : (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ) نَزَلَت في شأن كعب بن عجرة رضي الله عنه ، والُحُكم فيها للناس كافّة .
قال كعب بن عجرة رضي الله عنه : وَقَف عَليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ورأسي يَتَهَافَتْ قَمْلا ، فقال : يُؤذيك هَوامّك ؟ قلت : نعم ، قال : فاحْلِق رأسك ، أو قال : احْلِق ، قال : فِيّ نَزَلَت هذه الآية : (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ) إلى آخرها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صُم ثلاثة أيام ، أو تَصَدّق بِفَرَق بين سِتّة ، أو انسك بما تيسّر . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للبخاري : قال كعب بن عجرة رضي الله عنه : نَزَلَتْ فِي خَاصَّةً ، وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً .
قال الشيخ السعدي رحمه الله في " القواعد الحسان في تفسير القرآن " :
القاعدة الثانية : العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب
وهذه القاعدة نافعة جدًا ، بِمُراعاتها يحصل للعبد خير كثير وعِلم غزير ، وبإهْمَالِها وعدم ملاحظتها يَفوته عِلم كثير ، ويقع الغَلط والارتباك الخطير .
وهذا الأصل اتفق عليه المحققون مِن أهل الأصول وغيرهم ، فمتى رَاعَيْتَ القاعدة حق الرعاية وعَرَفْتَ أن ما قالَه المفسرون مِن أسباب النُّزُول إنما هو على سبيل المثال لتوضيح الألفاظ ، وليست معاني الألفاظ والآيات مقصورةً عليها . فقولهم : نَزلت في كذا وكذا ، معناه : أن هذا مما يَدخل فيها ، وَمِن جُمْلة ما يُراد بها ، فإن القرآن -كما تقدم - إنما نزل لهداية أول الأمة وآخرها ، حيث تكون وأنى تكون .
والله تعالى قد أمَرَنا بالتفكر والتدبر لِكِتابه ، فإذا تدبّرنا الألفاظ العامة ، وفهمنا أن معناها يتناول أشياء كثيرة ، فلأي شيء نُخْرِج بعض هذه المعاني ، مع دخول ما هو مثلها ونظيرها فيها ..
إلى أن قال الشيخ :
وإذا أمَرَ بشيء نَظَرْتَ إلى معناه ، وما يدخل فيه وما لا يَدخل ، وعَلِمْتَ أن ذلك الأمر مُوَجّه إلى جميع الأمة ، وكذلك في النهي .
ولهذا كانت معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله أصلَ كل الخير والفلاح ، والجهل بذلك أصل كل الشر والخسران .
فمراعاة هذه القاعدة أكبر عون على معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله والقيام بها. والقرآن قد جمع أجل المعاني وأنفعها وأصدقها بأوضح الألفاظ وأحسنها . اهـ .
وقد يكون العكس في بعض الحالات ؛ فتكون العِبرَة بِخصوص السبب ، وهذا قليل ، وهو خلاف الأصل .
كما في قصة أُضحية أبي بُرْدَة بن نِيَار رضي الله عنه . وسبق شرح الحديث ضمن شرح أحاديث عمدة الأحكام .
ومِن باب العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب : الاقتباس والتضمين والاستشهاد في بعض المواطِن ببعض ما وَرَد في واقعة مُعيّنة ، كأن يقول شخص لآخر : وما أريد أن أشقّ عليك .. أو يقول له : ستجدني إن شاء الله صابِرا .
وسبق :
ما حكم إنزال الآيات التي نزلت في حق اليهود والنصارى والمنافقين على المسلمين؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=10096
هل صحيح أنه لا فضْل للعُمرة في رمضان ، وأن الأفضلية تكون في ذي القِعدة ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=18754
مِن الْمُخاطَب في قوله تعالى : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ) ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13029
شرح عمدة الأحكام – ح 146 في وقت الأضحية
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=11849
التضمين والاقتباس القرآني في الشِّعر
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=36
استعمال آيات القرآن في ضَرب الأمثال للأمور الدنيوية
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=4017
والله تعالى أعلم .
منتديات الارشاد للفتاوي الشرعية
تعليق