السؤال:
لماذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفكر في سؤال " من خلق اللهَ " ،
مع أنه يمكن الإجابة على هذا السؤال إجابات منطقية مقنعة بأنه ليس للخالق خالق ؟
الجواب:
سؤال جميل جدا ، بارك الله فيك
الفكرة ان الفطرة والعقل والبديهة تخبرنا أنه من غير الممكن ان يكون خالق كل شيء مفتقرا إلى من يخلقه ،
فمن يشغل هذا السؤال عقله ، فليس علاجه هو الاجابات العقلية المطولة والردود الفلسفية العميقة ،
بل مشكلته تكمن في فساد آلة العقل نفسها ،
ويشبّه ابن تيمية من يسأل هذا السؤال بأنه مثل المريض العقلي الذي لا نعالجه بالحوار والاقناع ، بل بالأدوية والعقاقير
كذلك من يأتيه وسواس هذا السؤال لا يكون علاجه هو سرد الأدلة والبراهين ومحاولة إقناعه !
لأن كثرة التفكير في السؤال والإجابة عنه ستزيد من وروده على عقله وتجعله يولد الشبهات والشكوك أكثر وأكثر ،
بل الحل الصحيح هو أن يقطع حبل الأسئلة تماما ويوقفها ويستعذ بالله ويستنجد به سبحانه وتعالى.
فالتشكيك في البديهيات لا يكون جوابه بمحاولة إثبات صدق هذه البديهيات ، بل بأن يفيق المرء ويرجع إلى رشده ،
وليس هذا في البديهيات العقلية المحضة فحسب مثل السببية وعدم التناقض ، بل في كل ما يطلق عليه بديهيات في الحياة ،
كأن يأتيك مثلا أحدهم بعد أن بلغت الأربعين من العمر ويسألك : ما هو الدليل على أن أباك وأمك هما أبواك حقا ؟
ساعتها لن تجيبه بالأدلة العقلية والعلمية والإثباتات والأوراق الرسمية ،
بل ستشك في قواه العقلية وستأمره ألا يسأل هذه الأسئلة السخيفة ، والله أعلم .
د. هشام عزمي - المصدر
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ الله؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله، ولينته» .
وفي لفظ «فليقل: آمنت بالله ورسله» متفق عليه. وَفِي لَفْظٍ «لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يقولوا: من خلق الله؟"
.
احتوى هذا الحديث على أنه لا بد أن يلقي الشيطان هذا الإيراد الباطل: إما وسوسة محضة، أو على لسان شياطين الإنس وملاحدتهم.
وقد وقع كما أخبر، فإن الأمرين وقعا، لا يزال الشيطان يدفع إلى قلوب من ليست لهم بصيرة هذا السؤال الباطل،
ولا يزال أهل الإلحاد يلقون هذه الشبهة التي هي أبطل الشبه، ويتكلمون عن العلل وعن مواد العالم بكلام سخيف معروف.
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العظيم إلى دفع هذا السؤال بأمور ثلاثة: بالانتهاء، والعوذ من الشيطان، وبالإيمان.
أما الانتهاء - وهو الأمر الأول -:
فإن الله تعالى جعل للأفكار والعقول حدا تنتهي إليه، ولا تتجاوزه. ويستحيل لو حاولت مجاوزته أن تستطيع، لأنه محال،
ومحاولة المحال من الباطل والسفه، ومن أمحل المحال التسلسل في المؤثرين والفاعلين، فإن المخلوقات لها ابتداء، ولها انتهاء.
وقد تتسلسل في كثير من أمورها حتى تنتهي إلى الله الذي أوجدها وأوجد ما فيها من الصفات والمواد والعناصر
{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم: 42]
فإذا وصلت العقول إلى الله تعالى وقفت وانتهت،فإنه الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء.
فأوليته تعالى لا مبتدأ لها مهما فرضتالأزمان والأحوال، وهو الذي أوجد الأزمان والأحوال والعقول التي هي بعض قوى الإنسان.
فكيف يحاول العقل أن يتشبث في إيراد السؤال الباطل. فالفرض عليه المحتم في هذه الحال: الوقوف، والانتهاء.
الأمر الثاني:
التعوذ بالله من الشيطان، فإن هذا من وساوسه وإلقائه في القلوب ; ليشكك الناس في الإيمان بربهم.
فعلى العبد إذا وجد ذلك: أن يستعيذ بالله منه،
فمن تعوذ بالله بصدق وقوة أعاذه الله وطرد عنه الشيطان، واضمحلت وساوسه الباطلة.
الأمر الثالث:
أن يدفعه بما يضاده من الإيمان بالله ورسله، فإن الله ورسله أخبروا بأنه تعالى الأول الذي ليس قبله شيء،
وأنه تعالى المتفرد بالوحدانية، وبالخلق والإيجاد للموجودات السابقة اللاحقة.
فهذا الإيمان الصحيح الصادق اليقيني يدفع جميع ما يضاده من الشبه المنافية له، فإن الحق يدفع الباطل، والشكوك لا تعارض اليقين.
فهذه الأمور الثلاثة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم تبطل هذه الشبه التي لا تزال على ألسنة الملاحدة، يلقونها بعبارات متنوعة.
فأمر بالانتهاء الذي يبطل التسلسل الباطل، وبالتعوذ من الشيطان الذي هو الملقي لهذه الشبهة، وبالإيمان الصحيح الذي يدفع كل ما يضاده من الباطل.
والحمد لله (فبالانتهاء) : قطع الشر مباشرة،
(وبالاستعاذة) : قطع السبب الداعي إلى الشر،
(وبالإيمان) اللجأ والاعتصام بالاعتقاد الصحيح اليقيني الذي يدفع كل معارض.
وهذه الأمور الثلاثة هي جماع الأسباب الدافعة لكل شبهة تعارض الإيمان.
فينبغي العناية بها في كل ما عرض للإيمان من شبهة واشتباه يدفعه العبد مباشرة بالبراهين الدالة على إبطاله،
وإثبات ضده وهو الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، وبالتعوذ بالله من الشيطان الذي يدفع إلى القلوب فتن الشبهات،
وفتن الشهوات، ليزلزل إيمانهم، ويوقعهم بأنواع المعاصي.
فبالصبر واليقين: ينال العبد السلامة من فتن الشهوات، ومن فتن الشبهات. والله هو الموفق الحافظ.
من كتاب - بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
للشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله .
تعليق