أهم الأمور التي تعين الداعية إلى الله على فهم وتدبر القرآن الكريم جبريل إسماعيل البركة علي: نوع الدراسة: Masters |
البلد: ماليزيا |
الجامعة: الجامعة الوطنية الماليزية |
الكلية: كلية الدراسات الإسلامية |
التخصص: الدعوة والقيادة |
المشرف: د. أحمد إرضاء مختار |
العام: 2015 / 2016 |
ملخص الرسالة
أهم الأمور التي تعين الداعية إلى الله
على فهم وتدبر القرآن الكريم
إعداد
الدكتور أحمد إرضاء مختار & جبريل إسماعيل البركة علي
الملخص:الدكتور أحمد إرضاء مختار & جبريل إسماعيل البركة علي
الدعاةُ إلى الله تعالى هم ورثةُ الأنبياء، وحمَلة لواءِ الدعوة، ينبغي أن يكونوا مناراتٍ للعلم؛ يُهتدَى ويقتدى بهم، ولا سبيلَ إلى ذلك إلا بتحصيل العلمِ الشرعي، وقوة الإيمان بالله تعالى، من خلالِ الاعتناءِ بدراسة القرآنِ الكريم وفهمِه وتدبُّرِه، وتوثيق الصِّلةِ به؛ لتحقيق الهدايةِ وتحصيل العلمِ النافعِ الذي يُثمِرُ العملَ الصالحَ النابعَ من خشيةِ اللهِ تعالى؛ فبالقرآن يَعْظُمُ الثوابُ، ويُرزَقُ العبدُ مناجاةَ الله تعالى، وبه تُشفَى أمراضُ القلوب والأبدان، وسعادةُ العبد في الدنيا والآخرة وفلاحُه تكون على قَدْر عَلاقته بهذا القرآن العظيم، واتِّباع نَهْجِه القويمِ، وجعلِه دستورَ الحياة.
المقدمة:
الداعيةُ إلى الله لا بدَّ له من ثقافةٍ إيمانيَّة، مُستمدَّة من أصول الإسلام الذي يدعو إليه، وأن يَعْرفَ الإسلام معرفةً حقيقيَّة يقينيَّة عميقةً نابعة من تعاليمِه ومصادره الأصليَّة، ليست معرفةً سطحيَّةً قائمة على الفهم الجزئي للنصوصِ، وأن يكون على بيِّنة من ربِّه فيما يدعو إليه، وأن يُحسِن التعاملَ مع القرآن الكريم من خلال دراستِه وحفظه؛ ليكون قادرًا على استحضارِ آياتِه للاستدلال والاستشهادِ بها؛ فهو ذخيرتُه ومِدادُه ومَعِينُه الذي لا يَنفَدُ ولا ينضبُ، وأن يُداوِمَ على ترتيله وتلاوته بخشوعٍ وتدبُّرٍ وتمعُّنٍ؛ ليفتحَ به أقفالَ قلبِه، ويشرحَ صدرَه، ويُنيرَ عقلَه بأنوار المعارف القرآنيَّة؛ فالقرآنُ لم يَنزِلْ إلا لتدبُّرِ آياتِه وفهم معانيه؛ فلا خيرَ في عبادةٍ ليس فيها تفقُّه، ولا علمٍ ليس فيه تفهُّم، ولا قراءةٍ ليس فيها تدبُّر؛ ولهذا سعى الباحثُ في هذه الورقة إلى بيان المقاصدِ التي يَنشُدها الداعي في تلاوته لكلام ربِّه، والسُّبُل التي يسلكُها في فهم وتدبُّر القرآن الكريم، وذلك وَفْقَ الآتي بيانُه:
أولًا: قراءة القرآن طلبًا للعلم:
على الداعيةِ أن يُخلِصَ نيَّته في قراءته وتلاوته للقرآن الكريم؛ حتى يَظْفرَ بمراده، فعلى نيَّتِه يرزقُه اللهُ ما يَنشُده ويَطلبُه من تلاوتِه، يقول ابن تيميةَ رحمه الله: "مَن تدبَّر القرآنَ طالبًا منه الهدى، تبيَّن له طريقُ الحق".ويقول القرطبيُّ رحمه الله: "فإذا استمَعَ العبدُ إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بنيَّةٍ صادقةٍ على ما يُحبُّ اللهُ، أفهمَه كما يحبُّ، وجعل في قلبه نورًا".ويقول ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه: "مَن أراد العلمَ فليُثوِّرِ القرآنَ؛ فإن فيه علمَ الأولين والآخرين"، ورُوِي عنه أيضًا أنه قال: "إن هذا القرآنَ مَأْدُبةُ الله، فتعلَّموا مَأْدُبةَ اللهِ ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل اللهِ والنور المبين النافع، عصمةٌ لمن تمسَّك به، ونجاة لمن تَبِعه...".والعلم الذي يجبُ على الداعية أن يطلبَه من القرآن الكريم هو العلمُ بالله تعالى واليوم الآخر، العلمُ الذي يُحقِّقُ الحياةَ الطيبة، والنفس المطمئنة، والرزقَ الحلال الواسع، العلمُ الذي يولد العزيمةَ والإرادةَ، المقتضي للاستغفارِ والعمل وخشيةِ اللهِ تعالى، علمٌ يَنفع به نفسَه ومَن حوله من عباد الله المؤمنين.قال تعالى:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [محمد: 19]،
وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، ويقول ابن مسعود رضي الله عنه:
"كفى بخشيةِ الله علمًا، وكفى بالاغترارِ بالله جهلًا".
والداعيةُ إلى الله تعالى عليه أن يعودَ إلى القرآنِ، وأن يجعلَه المرجعَ الأولَ في كل موقفٍ يُواجهُه في دعوته؛ بغيةَ الحصول على البيان الذي تضمَّنه القرآنُ الكريم في علاج الكثير من التساؤلات التي تواجه الدُّعاةَ، مُقتديًا برسل اللهِ والصالحين من بعدِهم؛ ليقتبِسَ من هَدْيهم ما يعينُه في دعوته، فإذا نظرنا إلى جواب الرسولِ صلى الله عليه وسلم لصاحبِه أبي بكر في الغارِ، في لحظات الخوفِ والقلقِ الشديدَيْنِ في قوله تعالى:﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، نرى ثقةَ الداعيةِ الرسولِ بربِّه وقوة الصِّلة بكتابه.ويتجلَّى هذا في جواب موسى عليه السلام لبني إسرائيل عندما يَئسوا وأيقنوا من إدراك فرعون لهم في البحر فقال:
﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62]، ونجدُ ذلك أيضًا في ردِّ يوسفَ عليه السلام لامرأةِ العزيز لما دعتْه إلى الفحشاءِ، فقال: ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [يوسف: 23].
فاستحضارُ هذه الآيات القرآنيَّة، والردود السريعة في أصعب المواقف التي يمرُّ بها الداعية، بحاجةٍ إلى ثباتٍ ورسوخ لا يمكن أن تَصدُرَ إلا ممَّن وَثَّق صلتَه بكتاب الله تعالى، وتدبَّره بصدقٍ وإخلاصٍ، وفَهِمَ معانيه.
ثانيًا: قراءةُ القرآن بقَصْد العمل به:
فالقرآنُ الكريمُ كتابُ علمٍ وعملٍ، وذلك بجَعْله منهاجَ حياةٍ، وإمامًا ودليلًا يقودُنا إلى الخيراتِ، يقول تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155]، والداعيةُ مُطالبٌ بالوقوف مع كلِّ آيةٍ؛ لينظرَ ماذا تأمرُ به من خيرٍ؛ ليتَّبِعَه، أو فضيلةٍ يتحلَّى بها، أو شرٍّ تنهى عنه؛ ليَجتَنِبَه، وأن يتزوَّد بما فيها من مواعظَ وأخبار وتوجيهاتٍ وتشريعاتٍ تتجلَّى فيها الحكمةُ والمصلحةُ والعدلُ والرحمةُ، وتَحمِلُ الكثيرَ من الحلول لمشاكلِ الحياة التربويَّة، فإذا قرأ قولَه تعالى:
﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82]، عرفَ بأن المغفرةَ لا بدَّ أن تكون مقرونةً بأربعة شروط، هي:
التوبة، وتحقيقُ الإيمان، والعمل الصالح، واتِّباعُ طريق الهداية، فعند الوعيدِ وذكر شروط المغفرة يتضاءلُ قدرُه حتى يكادَ يموتُ، وعند التوسُّع وذكر الرحمة يستبشِرُ كأنه يطيرُ من الفرح، ولقد وردَتِ الكثيرُ من الآثار التي تشير إلى ضرورة الاعتناءِ بالجانب العملي والتطبيق لمعاني القرآن الكريم، فيقول عليٌّ رضي الله عنه: "يا حملةَ القرآن - أو يا حملة العلم - اعملوا به؛ فإنما العالمُ مَن عمِل بما علم، ووافقَ علمَه عملُه، وسيكون أقوامٌ يحملون العلمَ لا يُجاوِزُ تَراقيَهم، يخالُف عملُهم علمَهم، وتُخالِفُ سَريرتُهم علانيتَهم، يجلسون حِلقًا، يباهي بعضُهم بعضًا، حتى إن أحدَهم ليغضبُ على جليسه أن يجلسَ إلى غيره ويدعَه، أولئك لا تصعدُ أعمالُهم في مجالسِهم تلك إلى الله تعالى"، ويقول الحسن البصري: "أُمِر الناسُ أن يعملوا بالقرآنِ، فاتَّخذوا تلاوتَه عملًا".
ورُوِي عن أُبَيِّ بنِ كعبٍ رضي الله عنه: "أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يُقرِئهم العَشْرَ، فلا يُجاوزونها إلى عَشْرٍ أخرى حتى يتعلَّموا ما فيها من العمل، قال: فتعلَّمنا القرآنَ والعملَ جميعًا".
وعن حذيفةَ بنِ اليَمانِ رضي الله عنهما قال: "يا معشرَ القراءِ، استقيموا؛ فقد سبقتم سبقًا بعيدًا، فإن أخذتم يمينًا وشمالًا، لقد ضلَلْتم ضلالًا بعيدًا".
ثالثًا: قراءة القرآن بقَصْد مناجاة الله تعالى:على الداعية عند قراءتِه للقرآن الكريم أن يستحضرَ ويستشعرَ بأن الله سبحانه وتعالى يسمع تلاوتَه حين يقرأ، وأنه يَمدَحُه ويباهي به ملائكتَه؛ لذلك إذا مرَّ بآية تسبيحٍ سبَّح، أو آية وعيد استعاذَ، أو آية سؤالٍ سأل ربَّه من خيرَيِ الدنيا والآخرة؛ مقتديًا في ذلك برسولِه صلى الله عليه وسلم؛ فقد رُوِي عن حذيفةَ بنِ اليمان رضي الله عنهما أنه قال: (صلَّيْتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلة، فافتتَحَ البقرةَ، فقلت: يركعُ عندَ المائة، ثم مضى، فقلت: يُصلِّي بها في ركعة، فمضى، فقلتُ: يركَعُ بها، ثم افتَتَح النساءَ، فقرأها، ثم افتتح آلَ عمران، فقرأها، يقرأُ مُترسِّلًا، إذا مرَّ بآيةٍ فيها تسبيح سبَّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذٍ تعوَّذ).
ويقول ابن القيِّم رحمه الله تعالى: "إذا أردتَ الانتفاعَ بالقرآنِ فاجمَعْ قلبَك عند تلاوته وسماعِه، وألقِ سمعَك، واحضُرْ حضورَ مَن يخاطبُه به مَن تكلَّم به سبحانه منه إليه؛ فإنه خطابٌ منه إليك على لسانِ رسولِه صلى الله عليه وسلم".
وعن البياضيِّ رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يُصلُّون وقد علَت أصواتهم بالقراءة، فقال: ((إن المصلي يناجي ربَّه عز وجل؛ فليَنظُرْ ما يناجيه، ولا يجهَرْ بعضُكم على بعضٍ بالقرآنِ))، فالداعيةُ إذا مرَّ بآية فيها صفات النجاح والسعادة حَرِيٌّ به أن يسأل الله تعالى إيَّاها، وإذا مرَّ بآية فيها صفةٌ من صفات الشقاء والضِّيق، فعليه أن يستعيذَ بالله من شرِّها وعواقبِها.
رابعًا: قراءة القرآن الكريم لقصد الثواب:إن تلاوةَ القرآن لها ثوابٌ جزيل وفضل كبيرٌ، لا يُعدُّ ولا يُحصى؛ فعن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن قرَأَ حرفًا من كتابِ اللهِ، فله به حسنة، والحسنةُ بعشر أمثالِها، لا أقولُ: ﴿ الم ﴾ حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ))، وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((الماهرُ بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأُ القرآنَ ويَتَتعْتَعُ فيه، وهو عليه شاقٌّ، له أجران)).
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعلَّموا القرآنَ، فاقرؤوه وأقرِئوه؛ فإن مثلَ القرآن لمن تعلَّمه، فقرأَه، وقام به، كمثلِ جرابٍ محشوٍّ مِسْكًا يفوح بريحِه كلُّ مكان، ومثلُ مَن تعلَّمه، فيرقُدُ وهو في جوفِه، كمثلِ جرابٍ أوكِئَ على مسكٍ))، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآنَ؛ فإنه يأتي يومَ القيامة شفيعًا لأصحابه)).
فعلى الداعية أن يكون سبَّاقًا إلى تلاوة القرآنِ الكريم، وأن يُوطِّن نفسَه على رفقتِه وصُحْبته في يومه وليلِه، وحِلِّه وترحالِه؛ حتى لا يتفلَّتَ منه، ويكون قادرًا على أن يستحضرَ آياته متى شاء؛ ليتعرَّض لنوره ونفحاته العظيمة، وخيرُ عونٍ على ذلك أن يَعِيَ القرآنَ ويجمعَه في صدره؛ ليقرَأه حيثما كان.
خامسًا: قراءة القرآن لقصدِ الشفاء:
القرآنُ شفاءٌ للقلوب من أمراض الشُّبهات والشهوات، وشفاءٌ للأبدان من الأسقامِ، وهو شفاءٌ للقلوب من الضَّلالةِ، والعقول من العمى، يحملُ الهدايةَ للضالِّين، والنورَ للمُتخبِّطين، وإذا استحضَرَ الداعيةُ هذا المقصدَ العظيمَ عند تلاوته، حصل له الشفاء المادي والمعنوي، وحمل نفسَه على اللجوءِ إلى الله تعالى في كل أوجاعِه وأسقامِه، مما يعينُه على تقويةِ الصِّلة بينَه وبينَ القرآنِ الكريم؛ فعن عليٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيرُ الدواء القرآنُ)).
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: (انطلق نفرٌ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سَفْرَةٍ سافروها، حتى نزلوا على حيٍّ من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبَوْا أن يضيفوهم، فلُدِغَ سيِّدُ ذلك الحي، فسَعَوْا له بكل شيء، لا ينفعُه شيءٌ، فقال بعضُهم: لو أتيتم هؤلاء الرَّهْطَ الذين نزلوا؛ لعلَّه أن يكون عند بعضِهم شيء، فأتوهم، فقالوا: يا أيها الرَّهْطُ، إن سيدَنا لُدِغ، وسعَيْنا له بكل شيء، لا ينفعُه، فهل عند أحدٍ منكم من شيء؟ فقال بعضُهم: نعم، والله إني لأرقي، ولكن واللهِ لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلًا، فصالحوهم على قطيعٍ من الغنم، فانطلق يَتْفُلُ عليه، ويقرأ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .... ﴾ [الفاتحة: 2]، فكأنما نُشِطَ من عِقالٍ، فانطلق يمشي وما به قَلَبَةٌ، قال: فأوفوهم جُعْلَهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتيَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرُنا، فقَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال: ((وما يُدريك أنها رقية؟!))، ثم قال: ((قد أصبْتم، اقسموا، واضربوا لي معكم سهمًا)).
فقد أثَّر القرآنُ الكريم على الداء وأزالَه كأَنْ لم يكن، ولكن ينبغي للداعية أن يعرفَ أن تأثيرَ الآيات القرآنية والأدعية النبوية يستدعي قبولَ المحلِّ، وهمَّةَ الفاعل، وقوةَ إيمانه ويقينه بها، فمتى تخلَّف الشفاء كان بسبب ضعفٍ في المحل، أو تأثيرِ الفاعل، والداعيةُ حَرِيٌّ به أن يُعالِجَ نفسه حتى يبلغ بها درجة اليقين والتصديق لآيات ربِّه سبحانه وتعالى، فلم ينزل الله سبحانه وتعالى دواءً ولا شفاءً أعظمَ ولا أنفع من القرآن الكريم.
الخاتمة:تبيَّن لنا مما سبق أهمُّ الأمور التي ينبغي للداعية قصدُها في تدبُّر وفهم كتاب الله تعالى وأثرها في نجاح الدعوة؛ فهو كلامُ الله الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفِه، فالعلمُ الذي يعودُ بالنفع على صاحبهِ في الدنيا والآخرة هو علمُ الشرع النابع من كتاب الله تعالى وسنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، العلمُ الذي يُورِثُ الخشيةَ،ويُثمِرُ العملَ الصالح، العلمُ الذي يُصحِّح سلوكَ الإنسان ويهديه للتي هي أقومُ، وينير له سبل الاستقامة والفلاح، وجَعْلِ القرآن الكريم دستورَ حياةٍ، ودواءً لعلاج جميع أمراضنا النفسيَّة والاجتماعية، ولا سبيل إلى تحقيق ذلك إلا بقوَّة الصِّلة بالقرآن الكريم، فعلى قَدْر مصاحبتِك له يعطيك من كنوزِه وأسرارِه، فإذا أردنا بناءَ جيلٍ من الدعاة الصادقين، يجب علينا تنشِئتهم على حبِّ القرآن الكريم.
تعليق