إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

لغز المدينة الضائعة تحت الرمال

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لغز المدينة الضائعة تحت الرمال




    لغز المدينة الضائعة تحت الرمال


    يوما ما كانت هناك ارض خضراء جميلة تتلألأ في أرجائها مياه البحيرات الزرقاء حيث تلعب أفراس النهر و ‏تتقافز الغزلان على الضفاف تحت ظلال الأشجار المورفة والباسقة , ثم فجأة حدث شيء رهيب أحال تلك الآجام ‏الخضراء إلى صحاري قاحلة فاختفت الأعشاب و الزهور البرية الجميلة و حلت مكانها الرمال الحارقة التي ‏قضت تدريجيا على كل أشكال الحياة فاستحقت تلك الأرض عن جدارة تسمية الربع الخالي , صحراء رهيبة تجثم ‏تحت رمالها الكثير من الألغاز و الأسرار , لعل أشهرها هو لغز "عبار" المدينة الضائعة و التي تسمى ‏‏"اطلانطس الصحراء".‏
    عاد كانت أمة عظيمة اختفت فجأة مع مدنها الغنية تحت رمال الصحراء الحارقة

    صورة للكثبان الرملية المنتشرة في صحراء الربع الخالي و في الخلفية صورة لأعمدة مدينة مأرب اليمنية التاريخية و هي بلا شك الاقرب من الناحية الحضارية لما كانت عليه "عبار"


    صحراء الربع الخالي هي اكبر صحراء رملية في العالم تقع في الجزء الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية و تغطي مساحة 650000 كم مربع أي ما يعادل مساحة فرنسا و بلجيكا و هولندا مجتمعة , و تتقاسم رقعة هذه الصحراء أربعة دول هي المملكة العربية السعودية التي يقع القسم الأكبر من الصحراء داخل حدودها و الإمارات العربية المتحدة و سلطنة عمان و الجمهورية اليمنية , و قد سميت هذه الصحراء بالربع الخالي لخلوها من الحياة تقريبا فهي من أكثر بقاع الأرض قسوة من حيث الظروف المناخية إذ تبلغ درجة الحرارة في الصيف أكثر من 55 درجة مئوية و تغطيها كثبان رملية يصل ارتفاع بعضها إلى أكثر من 200 متر , الشكل الوحيد للحياة في هذه الصحراء يتمثل في بعض النباتات و العناكب و الطيور و القوارض الصغيرة , أما بالنسبة للإنسان فلا توجد سوى بعض القبائل البدوية التي تعيش على أطراف الصحراء و تتحاشى التوغل داخلها.

    ظلت أرجاء هذه الصحراء مجهولة لقرون طويلة تدور حولها الأساطير و الخرافات و لا يجرؤ احد على اقتحام بواباتها الجهنمية , لكن في عام 1932 قام الانكليزي برترام توماس بأول رحلة موثقة لعبور الصحراء قام خلالها باكتشاف بعض أرجائها و دراسة نباتاتها و المخلوقات الصغيرة التي تعيش فيها , و خلال هذه الرحلة سمع توماس لأول مرة بقصة " عبار " المدينة الضائعة أثناء ضيافته في خيم البدو الساكنين في أطراف الصحراء , و مع أن برترام ذكر هذه القصة في كتابه حول الصحراء إلا انه على الأرجح لم يأخذها على محمل الجد , لكن هذه القصة أثارت الحماسة و الطمع في نفس رجل انكليزي اخر هو عميل المخابرات البريطانية جون فليبي الذي قام بعدة رحلات استكشافية للبحث عن "عبار" منذ عام 1932 , و لسوء حظ فلبي او الشيخ عبد الله كما كان يطلق على نفسه فأنه لم يجد أي اثر للمدينة الضائعة لكنه عوضا عن ذلك اكتشف أمرا مهما , فبين الكثبان الرملية شاهد آثار طبقات جيرية بيضاء بدت كما لو انها ترسبات مسطحات مائية قديمة و اكتشف بقايا عظمية لحيوانات من بينها أسنان لحيوان فرس النهر و هو أمر أثار استغرابه , فماذا تفعل أفراس النهر التي تعيش في المياه و قربها في صحراء الربع الخالي القاحلة ؟ لم يكن لهذا السؤال المحير سوى جواب واحد و هو ان هذه الطبقات الجيرية البيضاء ما هي إلا بقايا لبحيرات مائية كانت موجودة في الصحراء في عصور سحيقة القدم , و قد اكد هذا الاستنتاج الكثير من العلماء و الجيولوجيين الذين درسوا المنطقة خلال العقود التالية , كما ان اكتشاف كميات هائلة من النفط وسط الصحراء دعمت هذه الفرضية , فالنفط يتكون من بقايا المواد العضوية المدفونة تحت الأرض و هذا يؤكد غنى صحراء الربع الخالي بالحياة النباتية و الحيوانية في العصور القديمة.



    احدث النظريات حول تاريخ الربع الخالي تؤكد ان المنطقة مرت بفترتين تميزتا بدرجات حرارة معتدلة و تزايد نسبة هطول الأمطار مما أدى إلى ازدهار الحياة النباتية و الحيوانية , الفترة الأولى استمرت من 37000 الى 17000 ألف سنة ماضية و الفترة الثانية استمرت من 10000 الى 5000 سنة ماضية , أي ان الجفاف الكبير حدث في حدود عام 3000 قبل الميلاد , و لو صدقت هذه النظرية فأنها ستحل لغزا تاريخيا كبيرا حول هجرة الأقوام السامية , فمع بداية الألف الثالث قبل الميلاد حدثت هجرة بشرية كبيرة من الجزيرة العربية تمثلت في الأقوام الاكدية و الامورية التي توجهت شمالا نحو سوريا و العراق , و نحن هنا لسنا بصدد مناقشة الأحداث التاريخية التي صاحبت هذه الهجرات لكن ما يهمنا في الموضوع هو التساؤل عن السبب الذي دفع الى هجرة كل هذه الجموع البشرية الضخمة فجأة و في وقت واحد و الجواب يكمن بدون شك في الطقس و المناخ الذي تبدل بشكل كبير منذ خمسة ألاف سنة , فتحولت الأراضي الخضراء التي كانت أشبه ما تكون بغابات الهند المطرية و التي كانت تغطي ارض الجزيرة العربية الى صحاري قاحلة اضطرت بسببها نسبة كبيرة من السكان الى الهجرة نحو الشمال , و ربما لم يتبقى من حياتهم في شبه الجزيرة العربية سوى ذكريات تداولها العرب على شكل قصص حول القبائل العربية المنقرضة او ما يعرف بالعرب البائدة , و مهما حاول علماء التاريخ الغربيين التدليس حول أصل الأقوام السامية الا ان الفرضية المنطقية الوحيدة هي انهم هاجروا من جنوب الجزيرة العربية فلا يعقل ان يكونوا أتوا من مصر عبر سيناء فالفراعنة كانوا حاميين و لم يكونوا ساميين , و لا يعقل ان يكونوا اتوا من جهة الشرق او الشمال أي إيران و تركيا فهذه المناطق كانت تسكنها قبائل و شعوب هندو – أوربية , و لا يبقى الا خيار الجنوب او أن يكونوا أتوا من كوكب أخر !!



    إحدى أشهر القبائل العربية المنقرضة هي عاد و التي ذكرها القرآن الكريم :

    فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ {15} فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُم عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ {16} سورة فصلت

    و عاد كانت مساكنهم في الجهة الجنوبية من الربع الخالي , اي شمال حضرموت , و قد كانوا في غنى و ثراء فاحش , و هذه ليست أسطورة فالثروة لم تهبط عليهم من السماء و لكن بسبب تحكمهم بتجارة اللبان العربي (العلكة) التي كانوا يصدرونها الى الشام و مصر عبر طرق تجارية كانت تمر في صحراء الربع الخالي , و كانت لهم عدة مدن كبيرة ربما تكون أشهرها هي "عبار" او ارم ذات العماد "ذات الألف عمود" و قد ورد ذكرها في الكتابات التاريخية القديمة في اليمن و بعض الكتب القديمة للمؤرخين الإغريق و هو ما يؤكد صحة وجودها , و قد اختفى قوم عاد من على وجه السطيحة فجأة في حوالي القرن الرابع قبل الميلاد و اختفت مدنهم المزدهرة معهم و لم يتبقى منهم سوى قصص أسطورية تناقلتها الألسن اعتبرها علماء التاريخ مجرد خرافات لا أساس من الصحة لها , لكن ما حدث في ثمانينيات القرن المنصرم جعل هذه الخرافات تتحول الى حقيقة ماثلة للعيان , فقد رصدت الأقمار الصناعية طرق القوافل القديمة التي كانت تمر عبر الربع الخالي باتجاه الشمال , و عندما تتبع العلماء مسير هذا الطريق المؤدي من الجنوب الى سلطنة عمان وصلوا الى واحة صغيرة و بالقرب منها شاهدوا بقايا حصن قديم , في البداية ظنوا ان الحصن حديث البناء يعود الى عدة قرون خلت , لكن عندما بدءوا ينقبون في الموقع اخذوا يكتشفون أواني و جرار فخارية إغريقية و رومانية و فرعونية تعود الى ألاف السنين , و بدئت تنتابهم الحيرة , هل اكتشفوا "عبار" المدينة الضائعة ؟ كانت جدران الحصن سميكة و بارتفاع ثلاثة أمتار مع ثمانية أبراج ضخمة للمراقبة , و يبدو ان الحصن او المدينة الصغيرة لاقت نهاية مأساوية في زمن ما بعد ميلاد المسيح بقرن او قرنين , لقد خسفت الأرض بها , اذ يبدو انها بنيت فوق طبقة صخرية كلسيه تغطي تحتها كهف مائي ضخم كان السكان و القوافل تستعمل مياهه للشرب , لكن حدث ان جف او قل منسوب المياه في هذا الخزان المائي الطبيعي مما أدى الى ان تخسف الأرض بالحصن على حين غرة , و رغم أهمية هذا الاكتشاف الا ان اغلب العلماء اليوم لا يعتقدون بأن هذا الحصن هو بقايا مدينة "عبار" او "إرم ذات العماد" , بل يذهبون الى انه كان مجرد استراحة للقوافل أثناء مرورها بالصحراء , و ان ارض شعب عاد كانت تحتوي على العديد من الحصون و المدن , شأنها في ذلك شأن جميع الحضارات العظيمة , و ان اغلب هذه المدن العظيمة لازالت قابعة تحت أطنان من رمال الصحراء بانتظار من ينتشلها من هناك و لا يعلم سوى الله ما تخبئه من كنوز و أسرار.

    هل تعلم أن اكبر صحارى العالم هي القطب المتجمد الجنوبي!! لا تتعجب , فلا يشترط في الصحراء أن تكون حارة لكنها يجب أن تكون مقفرة و ليس للقطب الجنوبي منافس في هذا المجال , أما اكبر الصحارى الحارة فهي الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا و لكن صحراء الربع الخالي هي الأكبر من حيث حجم الرمال الموجودة فيها.

    العرب البائدة هم أقوام و قبائل قديمة اندثرت و انقرضت بعد ان كانت تشكل السكان الأصليين للجزيرة العربية و من أشهر هذه الشعوب الذي ذكرها النسابون و المؤرخون العرب هم عاد وثمود والعماليق وجرهم وطسم وجديس و أميم و عبيل و وبار ، و قد انقرضت جميعها قبل الإسلام بزمن طويل و من نسل امرأة من جرهم تزوجها النبي إسماعيل (سرياني) ولد عدنان الذي تنتسب له اغلب قبائل العرب و شعوبها اليوم (العرب المستعربة).

    حول أصل الفراعنة او المصريين القدماء هناك لغط و جدل تاريخي مستمر منذ فترة طويلة و هو ليس محل للبحث في هذه العجالة , لكن للتوضيح ينبغي ان نذكر ان الفراعنة و الامازيغ (البربر) هم من الجنس الأبيض أي أنهم ليسوا أفارقة لذلك فالرأي الغالب هو أنهم يرجعون في أصولهم إلى هجرات قديمة دخلت الى مصر عبر سيناء قبل أكثر من عشرة ألاف سنة , مع التأكيد مرة أخرى بأن هذا الرأي ليس قاطعا و لا مؤكدا و ان الهجرات و الغزوات المستمرة من قبل أمم و شعوب مختلفة احتلت مصر على مر العصور قد أثرت على تركيبتها السكانية بشدة حالها في ذلك حال العراق و الشام و شمال أفريقيا.

    ينبغي التنويه ان المملكة العربية السعودية نظمت عدة رحلات استكشافية للصحراء في السنوات الأخيرة و قد تم اكتشاف أنواع جديدة من النباتات و الطيور خلالها.


    التعديل الأخير تم بواسطة محمدعامر; الساعة 2013-10-14, 07:37 PM.

  • #2

    " ألم تر كيف فعل ربك بعاد ٭ إرم ذات العماد ٭ التي لم يخلق مثلها في البلاد ٭ " الفجر 86.

    ظلت قصة مدينة أوبار المفقودة طوال قرون أكبر أسرار الشرق الأوسط الغامضة. أوبار، التي كانت مادة حكايا لا تنتهي يتناقلها عرب الصحراء، أتى ذكرها في حكايا "ألف ليلة وليلة"، كما أسماها لورانس العرب "أطلنطس الرمال". وفوق كل ذلك أتى ذكر هذه المدينة في القرآن الكريم، الذي سميت فيه نتيجة لعمارتها المدهشة "إرم ذات العماد".

    تفاصيل الحكاية

    كانت أوبار، التي دفنتها الرمال قروناً عديدة، مدينة تضج بالحياة ذات يوم. مَلِكُها شدّاد، سليل حضارة عاد القديمة، بنى المدينة قبل حوالي 5 آلاف سنة من الآن لصبح سريعاً مركزاً تجارياً نشطاً. سر رخاء أوبار كان البخور –تلك المادة الثمينة التي تضاهي الذهب بقيمتها في غابر الأزمان. البخور الذي كان يتطور من إفرازات أشجار جبل قارة المجاورة والذي يتميز برائحته الزكية وكان يستخدم سابقاً كقرابين وفي الجنازات وفي المراسم الملكية، كان مادة يطلبها الأشراف والعامة أيضاً لما يعزى له من فوائد علاجية.وبلغ حب الناس للبخور في السابق حداً جعل حتى ملكة سبأ تتردد على منطقة أوبار لشرائه ويقال إنها أعطته لاحقاً للنبي سليمان.ومع تزايد شعبية البخور في العالم، تزايدت أيضاً ثروة أوبار. وأصبحت المدينة، التي يعتقد أنها كانت أهم مراكز طريق تجارة البخور، هدفاً للقوافل التي تنقله إلى الاسكندرية والقدس ودمشق وروما والصين. في زمن أوبار كانت تجارة البخور بالغة الأهمية للعالم شأن تجارة الحرير من الشرق بعدها بحوالي ألف سنة. لكن المفارقة هي أن ثروة المدينة الفاحشة هي التي أصبحت لاحقاً سبب نهايتها المخيفة.

    حسبما يذكر القرآن، لم يوفر الملك شداد الذهب ولا الفضة ولا اللؤلؤ ولا العقيق ولا غيرها من المواد الثمينة وهو يبني المدينة في مسعى منه لتقليد فكرة الفردوس. غير أن المدينة والدروب المؤدية إليها أصبحت دفينة رمال الصحراء حين غضب الله على قوم عاد وفسادهم الذي تمادوا فيه حباً بالثروة والمتع الدنيوية.

    البحث عن المدينة المفقودة

    طوال قرون استحوذ لغز أوبار على أذهان المستكشفين وعلماء الآثار. وهناك عدة حملات موثقة خرجت بحثاً عن المدينة. أولى هذه المحاولات تعود إلى الثلاثينيات من القرن الماضي وقادها البريطاني بيرترام توماس. هذا المستكشف الذي كان أول من يعبر الربع الخالي عقب مجموعة من الحملات بين 1925 و1932، وجد دليلاً على درب للقوافل عبر هذه الصحراء إضافة لبقايا فخارية على امتداد هذا الدرب، لكن هذا كل ما استطاع تحقيقه بعد أن غلبته طبيعة الصحراء القاسية. لورانس العرب أيضاً حلم بالعثور على هذه المدينة، غير أنه فشل.في الخمسينيات، خرجت حملة قادها عالم الآثار الأمريكي ويندل فيليبس استطاعت أن تعثر على درب القوافل الذي وجده توماس، غير أنها لم تتمكن من العثور على المدينة في هذا البحر الشاسع من كثبان الرمل.
    غير أن باحث آثار أمريكي هاوٍ كان هو من حل لغز المدينة الضائعة. فقد خرج نيكولاس كلاب، المخرج السينمائي الحائز على جوائز عدة والذي عمل مع ديزني وجمعية ناشنال جيوغرافيك وشركة كولومبيا للإنتاج السينمائي، في حملات سابقة للعثور على أوبار. وفي أوائل الثمانينيات، وبعد دراسات معمقة للخرائط القديمة والأدبيات والسجلات عن المدينة، توصل لنتيجة مفادها أن أوبار موجودة في جنوب سلطنة عمان. غير أن الأمر كان بحاجة لتضييق مساحة البحث أكثر من ذلك لأن هذه المنطقة تمتد مئات من الكيلومترات. وهنا كان الحل يتمثل بالتقنية المتطورة.



    الاستشعار عن بعد


    إن فكرة تضييق مساحة البحث قبل استثمار المال والجهد في عملية تنقيب كبرى ليست شيئاً جديداً على التقنية. فمنذ أوائل القرن العشرين، كان علماء الآثار يأخذون صوراً جوية للمواقع التاريخية وأول هذه المواقع كان ستونهنج في إنجلترا.من هذه الصور الجوية الأولى تطورت وسيلة جديدة تسمح للعلماء بتحليل سطح الأرض وتمييز معالمه الجغرافية بشكل لا يمكن استيعابه عادة بالعين المجردة. وتقوم تقنية الاستشعار عن بعد على استخدام الأقمار الصناعية المجهزة بحساسات خاصة تسجل الأمواج الكهرومغنطيسية المختلفة التي تنبعث من سطح الأرض. ثم تغذى هذه المعلومات لاحقاً إلى شبكات قوية من الكمبيوترات لتعالجها وتسمح للعلماء بأن يروا من الفضاء ما هو غير مرئي لهم عادة على الأرض وتحديد المواقع الأثرية.
    بعد صياغة صورة عامة عن المنطقة التي يحتمل وجود أوبار فيها، اتصل كلاب بالدكتورنالد بلوم من وكالة ناسا الأمريكية. وهكذا استخدمت تقنية التصوير بالرادار لدراسة الجزء الجنوبي من الصحراء العمانية. والتصوير الراداري مفيد جداً عموماً حين مسح مناطق قاحلة لأن الرادار يستطيع اختراق الرمال الجافة. أمل كلاب وبلوم أن يمكنهما الرادار من "الرؤية" غير أن هذه الطريقة لم تعط النتائج المرجوة.وحين اتضح عدم جدوى أولى الصور الفضائية التي التقطت في العثور على موقع المدينة الضائعة، برزت تقنية استشعار جديدة. إذ يستطيع القمر الصناعي لاند سات، المزود بتقنية تصوير قوية تدعى "راسم الخرائط المفهومي" أن يقدم صوراً للمعالم الطبوغرافية للأرض بشكل لا تستطيع العين المجردة تمييزه.واستطاع كلاب وبلوم بالاعتماد على بيانات لاند سات وأخرى من القمر الصناعي الفرنسي سبوت أن يضيقا من مساحة البحث، ملغيين أنحاء شاسعة من الصحراء، وفي النهاية حدد الباحثان مجموعة من الدروب عبر الصحراء، وصفاها بأنها دروب قديمة للقوافل. النقطة التي تلتقي عندها هذه الدروب كانت موجودة على بعد 180 كيلو متر من مدينة صلالة، قرب شزر على حافة الربع الخالي.تحت الرمالبعد حملتين عام 1990 و1991، بدأت عمليات التنقيب مرة أخرى في الأيام الأخيرة من عام 1991. وإلى جانب كلاب وبلوم، ضمت العمليات أيضاً عالم الآثار الأمريكي جوريس زارينس والمستكشف رانولف فينيس. وفينيس، الذي يشتهر بأنه أول من يزور القطبين الجنوبي والشمالي، كان قد حضر عمليات بحث سابقة عن أوبار. وكان قائد الحملة هو جورج هيدجز، الخبير القانوني الأمريكي والمستكشف المتحمس في عمان واليمن.ما اكتشفته الحملة تحت الرمال تحول إلى خبر الصفحات الأولى حول العالم وسمي لاحقاً أحد أهم عشرة اكتشافات في العام من قبل مجلات ديسكفر وتايم ونيوزويك.كشفت عمليات التنقيب سور قلعة بسمك 90 سنتمتراً مبنياً من الحجر الكلسي. الحصن يأخذ شكل خماسي الأضلاع ويتمتع بإشراف على الأراضي من حوله. وأمكن تمييز الأبراج الثمانية الضخمة السابقة بوضوح. كما كان هناك بئر قديم، لا بد وأنه كان يمد المدينة بالماء. سماكة جدار الحصن تشير على الأغلب إلى رخاء المدينة داخلها. وباعتبار أن المدينة كانت مركزاً لتجارة البخور، فإنه يعني أنه كان لدى أهلها الكثير من المال ليخزنوه، والأسوار كانت رادعاً للغزاة من خارج المدينة. كما كان الهدف من السور أيضاً حماية مورد المدينة المائي لأن الماء لم يكن متوفراً في المنطقة.
    في هذا الموقع، وجد الباحثون أيضاً أواني زجاجية ومباخر يعود تاريخها إلى ما بين ألف سنة قبل الميلاد والفترة الإسلامية بين 900 و1400 للميلاد، إضافة لفخاريات يونانية ورومانية وسورية أقدمها يعود إلى اربعة الاف سنة .


    واكتشاف قطع أتت من أماكن بعيدة كهذه يعني شيئاً واحداً لا ثاني له –المكان كان مركزاً تجارياً كبيراً.كما عثر الباحثون أيضاً على قطع من البخور. ويبدو أن المدينة كانت محاطة بمخازن لحفظ هذه السلعة الثمينة فيها. كما ينتشر حولها أيضاً وإلى مسافات تصل حتى ستة أميال داخل الصحراء، عدد من القرى الصغيرة ومضارب الخيام. وهذه كانت تستخدم كأماكن استراحة للقوافل العديدة التي تعبر المنطقة. وربما كانت إطلالة من فوق أسوار تكشف للناظر يومها بحراً من خيام ونيران تجار البخور.

    وجود مخازن البخور والقطع الأثرية الأجنبية جعل العلماء يعتقدون أن هذه ربما تكون على الأغلب مدينة أوبار الضائعة. والنقطة الأخرى التي توحي بذلك هو أن القلعة فعلاً تبدو وكأنها لاقت مصيراً غير طبيعي. وتبين للعلماء أن أسوار القلعة قد بنيت فوق كهف ضخم من الحجر الكلسي. لكن الكهف انخسف فانهارت فوقه القلعة على نحو دفن المدينة تحت الرمال.واستطاعت الحملة أن تجمع أدلة توضح كيفية عيشة أهل أوبار. فهؤلاء كانوا يزرعون الشعير والنخيل وهما نباتان تقليديان بالنسبة للمنطقة.

    والزراعة كانت ممكنة لوجود الماء للسقاية. ومن بقايا العظام المكتشفة في الموقع، وجد العلماء أن أهل المدينة كانوا يربون الحيوانات الداجنة، مثلما كان السمك الآتي من المحيط الهندي جزءاً من موائدهم اليومية. والاكتشاف المفاجئ هو تبين أن أهل أوبار كانوا أيضاً تجار خيل إضافة لكونهم تجار بخور.

    ويبدو أن أوبار كانت أكثر من مجرد مدينة. فاسم أوبار، حسب زارينس، كما يرد في النصوص القديمة والمصادر التاريخية العربية كان يستخدم عادة للإشارة إلى منطقة ومجموعة من البشر. والإشارة لأوبار كمدينة لا تأتي إلا لاحقاً في نسخ العصور الوسطى من "ألف ليلة وليلة" فأوبار كانت واحدة من ثلاثة أو أربعة مراكز رئيسية لمملكة ظهرت في المنطقة توسعت حتى بلغت أجزاء من اليمن.أوبار، نافذة على الماضياكتشاف أوبار شيء له مضامينه الكبيرة لشعب الجزيرة العربية وخارجها. فقصة المدينة المفقودة، التي عثر عليها تحت الرمال أخذت تتناقلها وسائل الإعلام في كل أنحاء العالم مما زاد الوعي بما يوجد في سلطنة عمان.بالنسبة لعلماء الآثار، تمثل الفترة اللاحقة لأوبار فهماً جديداً للماضي القديم في المنطقة العربية.

    واكتشاف المدينة أعقبته ثلاث سنوات من التنقيب في المنطقة استطاع العلماء خلالها تحديد عدد من المواقع كانت لها كلها صلاتها بأوبار وتجارة البخور. وأحد الاكتشافات الرئيسية كانت مدينة سفارا على الساحل العماني التي ذكرتها الخرائط الرومية القديمة.في عام 1997، مضى زارينس وهيدجيس إلى اليمن للكشف عن المزيد من أسرار طريق البخور القديم. وبدأو البحث في منطقة المهرة التي وجدوا فيها أكثر من 60 موقعاً أثرياً في أقل من شهر. بعدها بعام، خرج العالمان إلى ساحل اليمن.

    وهناك استطاعا إثبات أن شجر البخور كان يوجد أيضاً في اليمن وأن هناك صلة بين المنطقتين. ويبدو أن زارينس ورفاقه لم ينتهوا بعد ولا تزال هناك اكتشافات عديدة مدهشة تنتظرنا في باقي الأيام.

    التعديل الأخير تم بواسطة محمدعامر; الساعة 2013-10-16, 02:55 PM.

    تعليق


    • #3
      تسلم ايديك اخى على طرحك الرائع

      قال إبن القيم
      ( أغبي الناس من ضل في اخر سفره وقد قارب المنزل)

      تعليق

      يعمل...
      X