إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أساطيرة من بابل ,,, ملف متجدد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أساطيرة من بابل ,,, ملف متجدد

    ملف متجدد

    أساطيرة من بابل


    أسطورة إلاله مردوخ أو مرْدُوك

    مردوخ أو مرْدُوك كان كبير آلهة قدماء البابليين، وكان أساسًا إلهًا لمدينة بابل. ولما كانت بابل أهم وأقوى مدينة في العصور القديمة، فقد أصبح مرْدُوك أهم إله في هذه الحقبة، وقد سمَّاه أصحاب السِّيادة المولى الأعظم، مولى السماء والأرض، وزعموا أن قوته كانت تكمن في حكمته التي كان يستخدمها لمساعدة النَّاس الأخيار على معاقبة النَّاس الأشرار.

    وبسبب العلاقات السياسية بين بابل واريدو، كان مردوك يُعتبر بكر انكي أو آيا رب المياه السفلى (كأوقيانوس تحت الأرض يسمى افسو) الذي يُعبد في اريدو. حين أسّس الأموريون حوالي سنة 1830 ق.م أول سلالة بابلية ستسيطر في ايام حمورابي على كل بلاد الرافدين، صار الاله مردوك اله المملكة. وكان لهذا التبديل نتائج على اللاهوت. فاستطاع علماء بابل أن يبرِّروا ارتفاع مردوك.


    =

    مردوخ والتنين

    فحسب فاتحة شريعة حمورابي، اعطى انو (الاله السامي في البنتيون الاكادي منذ زمن السومريين) وانليل (بالو اي بعل أي السيد) مردوك المُلك الابدي على كل المائتين، ومنحاه المقام الأول بين كل آلهة السماء.

    وتعطي السببَ لذلك مَلحمةُ الخلق إنوما إليش أي قصة الخلق البابلية : تجرّأ مردوك وحده على صراع تيامات (تشخيص الشواش والفوضى الأولى) وانتصر عليه. فنال مردوك لقب انليل (بالو أو السيّد). وارتبطت به هذه الصفةُ بحيث سمّي مرارا بال "اي ساغ ايلا" (البيت الذي يرفع الرأس) في بابل مع البرج المشهور "اي تمن أن كي" (بيت أساس السماء والأرض برج بابل) وباب الشرق المقدس الذي كان مقفلا طوال السنة، ولكن كان يُفتح بضعة ايام خلال الشهر السادس من اجل الطواف مع مردوك ونبو.

    =

    في القرن 12 ق.م.، صار نبو (أو "المدعّو") ابن مردوك الذي كان في الأصل إلهًا من الدرجة الثانية في بابل، إله بوسيفة. عُرف هذا الاله كشفيع لفن الكتابة وللكتبة. في القرن 6 ق.م. كاد يكسف أباه مردوك، بل منذ بداية القرن 8 ق.م إذ نقرأ مدوّنة أشورية : "أيًا كنتَ في المستقبل، إتَّكلْ على نبو، ولا تتكل على إله آخر". زوجة نبو هي "تشماتو" أي الاستجابة. أكبر أعياد مردوك كان عيد السنة الجديدة التي يُحتفل بها في الربيع (نيسان) وتتميّز بطواف احتفالي إلى اكيتو (بيت الاعياد) الواقع خارج المدينة. وكان يتم الاحتفال بتلاوة ملحمة الخلق وتنصيب مردوك كخالق الكون وملكه. وكانوا يعلنون أن هذا اليوم يثبّت مصير البشر والالهة للسنة القادمة. وان الذكر القديم لعيد السنة الجديدة كعيد الخصب، ظلّ حيا في طقس زواج مردوك مع زوجته صرفانيتو (يجمع تمثاله وتمثالها أو يتجامع الملك مع إحدى الكاهنات). وكان هذا الطقسُ الشرطَ الضروري لحفظ الحياة على الأرض.






    التاريخ بدأ في بابل وسينتهي في بابل

    يعتبر الإله مردوخ أو مردوك من أشهر الآلهة الباقية لغاية عصرنا التي احتلت مواضع مهمة جدا في التراث الثقافي العالمي بجانب آلهة أخرى مهمة مثل ( عشتار ) و ( زيوس ) و ( إيزيس ) و ( فينوس ) و ( كالي ) و ( بعل ) وغيرها ، مردوك في القرن العشرين هو بقايا تراث يهودي قديم يرتبط أسمه بالسحر أساسا فأشهر جمعيات السحر الأسود العالمية مرتبطة بعبادة هذا الإله ، فعلى الرغم من كونه بابلي الأصلي فقد جاءنا عبر التراث اليهودي القادم من بابل من حادثة السبي المشهورة في النصوص الأثارية والكتاب المقدس .. وبعض أحياء نيويورك اليهودية سميت بأسم ( مردوك ) ..





    ورد أسم ( مردوك) في النصوص السومرية بصيغة AMAR-UTU وما يقابلها باللغة الاكدية marduk. كما أطلقت أسماء نادرة جدا للإله مردوك ومنها تسمية
    (MES-SA-ZU-SV) ، والتي وردت في مقاطع شعرية من عصور مختلفة خصصت للإله مردوك . وفيما عرف مردوك بتسمية (Bel) و(معناه السيد) .
    إما نسب الإله مردوك استنادا إلى نصوص الأساطير فينحدر من الإله "انكي" أو "ايا" وأمه " دامكينا " ، وكانت زوجته تدعى "صرباتنيوم" ومن ذريته الإله نابو أله الكتابة ، وعدت الآلهة "عشتار" شقيقته ، كما كان يعتقد انه يتبعه عدة من الآلهة الصغار الذين يعملون في قصره .. وأنكي أبو مردوك أله المياه العذبة الباطنية وكان يمثل أله المكر والدهاء تشبها بالماء الذي يجري بين الصخور متحايلا على كل الحواجز والعوائق ، كما انه أله الحكمة والمعرفة تشبها بالماء الساكن ..




    وقصة مردوك الشهيرة مع الأم الأولى ( تيامات ) التي شطرها لنصفين فخلق من النصف الأول السماء وخلق من النصف الثاني الأرض ، أنتصر مردوك على جيش تيامات الذي تكون من الآلهة الفتية ، كانت تيامات تمثل العماء أو الهيولي ، انتصار مردوك عليها كان محط احتفال مقدس لدى الكهنة البابليين ..
    ولقد ورث مردوك عن أبيه العلم والسحر ، وان علاقته بالسحر قد تعززت من خلال تشابه صفاته مع صفات اله التعاويذ السومري "رسالوخي" .
    الذي كان بمثابة أبيه ، على الرغم من تبعيته لأبيه بهذا الخصوص وهو ما يبدو واضحا من خلال عبارة وردت في نص بهذا الشأن عندما يسال مردوك أباه عن الأمور المتعلقة بالسحر .




    لقد اختص الإله مردوك بشؤون الشفاء أيضا فقد جاء في احد النصوص ما نصه : "مردوك الذي يداوي كل ويلات المرضى" . إذ كان ينوب عن والده في الاستجابة لدعاء المرضى والاستماع إلى تعاويذ الكهنة فيتلقاها ويوصلها إلى اله "ايا" وقد تلقب بنفس ألقاب والده وهو اله الحياة وسيد فن التعاويذ ورئيس السحرة بين الآلهة . كما كان بعد الإله مردوك إلى حد ما . اله الخصب والرعي أحيانا . هذا ويثير اسم الإله مردوك لغزا يتمثل في ماهية العلاقة بينه وبين اله الشمس ومهما كانت مبررات العلاقة بينهما فالذي لاشك فيه انه من خلال معنى اسمه الذي يربطه باله الشمس اكتسب معظم خصائص وصفات الإله ) شمش (مثلما اكتسب عن طريق الورثة كثيرا من خصائص وصفات والده الإله "انكي/ايا" اله المياه والأعماق والحكمة .
    =

    ومن الألقاب التي لقب بها الإله مردوك لقب بـ"خالق الكون" والذي يعود في الأصل للإله (انليل) ، ومن الألقاب الأخرى التي أخذها الإله مردوك من الإله "انليل" لقب"kur-gal" الجبل العظيم .
    هذا وكان الإله مردوك يعد الإله الحامي لمدينة بابل على الأقل منذ الفترة المبكرة لسلالة أور الثالثة وثبت عبادته منذ عصر فجر السلالات على الرغم من عدم انتشارها في هذه المنطقة ، أي أن عبادته كانت تقتصر على مناطق محدودة . وقد ارتبط انتشار عبادة الإله مردوك بصورة وثيقة مع الظهور السياسي لبابل في زمن سلالة بابل الأولى. وتبؤا مكانة رفيعة بين الآلهة في إمبراطورية حمورابي ويتضح ذلك من خلال مقدمة قانون حمورابي الذي ورد فيه "عندما أعطي انو ملك الانوناكي وانليل سيد السماء والأرض السيادة المقدسة على الشعب الكبير للإله مردوك الابن الأول للإله "انكي/ايا" فقد عظمه بين الايكيكي" .

    =

    ومما يثير الدهشة إن مردوك اله بابل لم يكن قبل عهد حمورابي ولا الملوك الذين خلفوه مباشرة قد عدّ في المركز الأول بين الآلهة البابلية حتى في مقدمة القانون الذي دون في أواخر عهد حمورابي فقد ابرز الإلهان انو وانليل في المقدمة . ولم يرفع الإله مردوك إلى مركز رئيس في مجمع الآلهة خلال العصر البابلي الوسيط أيضا ، وربما تبؤا في عهد نبوخذ نصر الأول إلى درجة رفيعة ورئيسة ولعل هذه الحركة كانت الغاية منها منح بابل التي أصبحت العاصمة السياسية للبلاد هالة السلطة الملكية .
    وان النجاح الكبير الذي حاز عليه الإله مردوك كان من أهم التطورات الدينية في الإلف الثاني ق.م . وبهذا احتل الإله مردوك موقعا مهما . بل انه عد بطل قصة الخليقة البابلية وأصبح ينظر إليه ملك الآلهة وتقمصت بعض الآلهة بعضا من صفاته . وهكذا ارتفع شان الإله مردوك في أسطورة الخليقة البابلية حيث أعطي المركز الأول بين الآلهة . واخذ جميع واجبات وخواص الإله "انليل" وعد في اعتقاد البابليين بطل قصة الخليقة وصاحب اللوح المحفوظ ومقسم الآجال بين البشر وبيده مصير الملوك والحكام .

    =


    كذلك احتل الإله مردوك مكانة مهمة في بلاد أشور منذ حوالي القرن الرابع عشر ق.م إذ قدسه الملوك الآشوريون أنفسهم بعد دخولهم العاصمة بابل وابدوا اهتماما خاصا بعبادته وبلغت شهرته ذروتها عند الآشوريين تحت حكم ( توكلني ننورتا ) الأول وادخل أخيرا ضمن التقديس الملكي الآشوري في بداية القرن التاسع قبل الميلاد .
    وفي العصر البابلي الحديث لم يكن للإله مردوك منافسا بين الآلهة لذا كان يعد الإله الوطني للبلاد وأبو البشر ، واستمر الإله "مردوك" محتفظا بمكانته حتى نهاية العصر البابلي الحديث .
    وفقا لما ورد في ملحمة الخليقة نجد أن الآلهة انتخبت الإله مردوك ملكا لها وأعلنت له " الأسماء الخمسين" أو أنها جعلت أخر أسمائه لذا لقب بلقب (الخمسين) ، كما أن مجلس الآلهة ادمج مهامه رسميا بـ ( انليل ) الذي يعود إليه ذلك الرقم المميز وقد دعي مردوك بحق انليل الآلهة. أي أن قائمة الآلهة التي يعود تاريخها إلى هذا العصر قد خصت الرقم "50" المقدس إلى الإله مردوك والذي كان إلى ذلك الحين خاصا بالإله "انليل" .
    لقد ارتبط ذكر الإله مردوك بمدينة بابل وكان له معبدا خاصا فيها يدعى بـ(ايساكيلا) والذي يعني بالسومرية " البيت الرفيع" .
    كما أن هناك عدة من النصوص المسمارية ولاسيما العائدة منها إلى نبوخذنصر تنص على فخامة معبد هذا الإله وشهرته وثرائه ، إذ كان يودع فيه من النفائس الكثير مما يؤكد ذلك أن بعض المؤرخين اليونان وبالأخص منهم هيرودوتس قد ذكر عن تماثيل الذهب المصنوعة للإله مردوك وكيف أن الملك الفارسي احشويرش سلبها بعد ثورة بابل .
    لقد كان لهذا الإله دورا مهما في عدة أساطير ومن أهمها أسطورة الخليقة البابلية التي تدور أحداثها بصورة رئيسة حول معتقدات العراقيين القدماء بخصوص خلق الكون والآلهة وخلق مختلف الظواهر الكونية والطبيعية ولهذا فهي تعد من المصادر الأساسية عن المفاهيم الدينية والفكرية لسكان بلاد الرافدين آنذاك .. مردوخ في قصة الخليقة البابلية نراه البطل الأوحد ، واي شخص راجع تلك الأسطورة نراى الوضوح الشديد بين طقوس الكهنة البابليين وطقوس عاشوراء الشيعية مع اشتراكهم في مدة العشر وبعض الطقوس الأخرى !!!



    شخصية مردوخ تكمن قوتها بأنه أله فرعي وتمت ترقيته كأله رئيسي بعد ملحمة الخلق البابلي وقتله لتيامات ، المهم هنا نلاحظ التشابه بينه وبين الأمام علي ، فالأمام علي هو شخصية فرعية في شجرة النبوة لكن مع مرور القرون أصبح سيد المجمع العلوي وخصوصا بعد القرن الرابع الهجري !!!

    رموز الإله مردوك

    1. المجرفة

    عدت المجرفة أو الفأس ذات الرأس المثلث رمزا للإله مردوك مما يشير إلى ارتباط هذا الإله بشؤون الزراعة .
    إن رمز المجرفة أو نموذجها كان يوضع على قاعدة في المشاهد الفنية ولاسيما على سطوح الفخاريات ، ويبين مشهد ختم اسطواني لعله يعود إلى عصر أور الثالثة رمز المجرفة مطروحا بشكل مستقيم ، كما يظهر هذا الرمز محمولا من قبل مخلوقات مركبة بجسد إنسان وراس الثور . كذلك يبرز رمز المجرفة على بعض مشاهد الأختام الاسطوانية بشكل عمود ينتهي براس مجرفة ولاسيما في عصر سلالة أور الثالثة وبدايات العصر البابلي القديم، كما يبدو هذا الرمز موضوعا على محرقة البخور في بعض المشاهد المكتشفة في منطقة بابل، ويتوضح الرمز في مشاهد أخرى ومن ذلك يظهر على مشهد ختم زوجين من الإشكال المركبة بجسم إنسان وراس الثور وهي تحمي مدخل المعبد وتحمل زوجا من الأعمدة الشبيهة بالمجرفة ..

    2. التنين ذو القرون

    ورد اسم هذا الحيوان في النصوص السومرية بصيغة MESRU ، كما ورد ما يقابله بالاكدية بتسمية MeSHUSH. وشكل هذا الحيوان عبارة عن تنين ذي قرون وهو يعد رمزا للإله مردوك. وقد عرفه احد الباحثين بقوله انه يمثل حيوانا مركبا وان أعضاءه مأخوذة أو مجمعة من أعضاء حيوانات عدة.




    وان أفضل شكل لهذا الحيوان تم التعبير عنه بصورة دقيقة وواضحة عندما برز نحت شكله من الأجر المزجج على بوابة عشتار وعلى جانبي شارع الموكب في مدينة بابل.


    وكما هو معروف من بقايا شارع الموكب وبوابة عشتار انه تم تزيينها بشكل ثور "ادد" يليه من الأسفل شكل هذا الحيوان الغريب والخرافي والذي يتكرر مشهد شكله على بوابة ليرمز للإله مردوك .


    =

    3. الهيئة البشرية للإله

    هذا ومما يلاحظ على بعض المشاهد الفنية أيضا ظهور شخصية الإله (مردوك) الإله البابلي الأعظم بهيئة بشرية وبيده العصا والحلقة وفي أكثر الأحيان معه التنين هذا المخلوق الخرافي وهو ممدد .




    يتبع




  • #2


    أساطيرة من بابل
    ملف متجدد
    (2)

    أسطورة أدبا

    أُسطورة أدَبا أو آدابا (بالإنكليزية: Adapa)، الإنسان الذي فقد الخلود هي من الأساطير البابلية المتأخرة، ومن ضمن الميثولوجيا السورية، يوجد منها أربع نسخٍ أطولها وجد بين رسائل تل العمارنة في مصر، وهي تعود للقرن الرابع عشر قبل الميلاد.



    تروي الأسطورة قصة أدَبا/آدابا، الإنسان العاقل الحكيم الذي كان يُقيم في مدينة إريدو، مدينة إيا إله الحكمة، إله المياه الذي علَّم الإنسان علوم الحياة؛ لكن بخطأٍ من إيا ومن طاعةٍ عمياء من أدَبا مما أدى إلى فقد الإنسان الحياة الخالدة التي أراد أن يمنحها له الإله آنو إله السماء.


    =


    وقد ذكر في الأسطورة بأن أدبا الإنسان الذي خلقه الإله إيا ليحكم جنس البشر كان ملكا على مدينة إريدو وفي إحدى الأيام تسببت الريح بوقوع أدبا من قاربه إلى أعماق البحر الأمر الذي جعله يلعن الريح التي أوقعته مما تسبب بتوقف هبوبها الأمر الذي أثار فيما بعد غضب الإله آنو وجعله يقرر قتل أدبا ولكن أدبا وبمساعدة من إيا استطاع أن يدخل إلى حرم الإله آنو الأمر الذي حال دون قتل آنو لأدبا ونتيجة لنصيحة كان قد قدمها له الإله إيا رفض أدبا تناول الطعام الذي قدمه له إياه الإله آنو ظنا منه بأن هذا الطعام هو طعام الموت ومفوتا بذلك على نفسه فرصة الخلود إذ أن الطعام المقدم كان طعام الحياة الأبدية.





    نص الأسطورة

    ... الحكمة قد أعطاه، فصار أمره كأمر إيا، أتم له سِعةَ الفهم ليكشف نُظُم البلاد. لقد منحه الحكمة لكنه لم يمنحه الخلود في تلك الأيام، في تلك السنين خلقه إيا، حكيم اِريدو نموذجًا للبشر... أوامر الحكيم لا أحد يمكن أن يعيبها فهو المقتدر والأحكم بين الأنوناكي والكاهن الذي لا عيب فيه، صاحب اليدين النظيفتين الذي يمسح بالزيت ويحافظ على الطقوس، مع الخبَّازين يخبز مع خبَّازي إريدو يُحَضِرُ الخبز. ويُمَونُ إريدو كل يومٍ بالخبز والماء. بيديه النظيفتين يُرَتِبُ مائدة القرابين. وبدونه لا تُحَضَرُ المائدة يطوف بمركبه ليصطاد حاجة إريدو، وفي تلك الأيام، أدبا رجل إريدو الذي يحضر إلى معبد إيا كل يومٍ أَقلع في قاربه من قُرب رصيف الهلال، الرصيف المقدس وإذا بِريحٍ تنفخ هناك وتقذف قاربه وبالمجداف أخذ يسير قاربه على مياه البحر الواسع نَفَخَ ريح الجنوب فدفعه في قلب الماء. جعله يهبط إلى حيث موطن الأسماك ـ يا ريح الجنوبِ، أَعَلَيَّ تنفث سمومك؟ بل سأكسرُ جناحك وما إن خرجت الكلمة من فيه حتى اِنكسر جناح الريح. ولسبعة أيامٍ لم تنفخ ريح الجنوب على البلاد: نادى آنو على وزيره البرات لماذا لم تنفخ ريح الجنوب على البلاد هذه الأيام السبعة؟،

    أجابه وزيره البرات: مولاي إن أدبا بن إيا كسر جناحه، صرخ آنو ونهضَ عن عرشه ـ رحمة، فليحضروه إلى هنا ولكن إيا الذي يعرف ما يختص بالسماء جعل أدبا يلبس ثوب الحداد وينكش شعره ـ أدبا، إنك ذاهبٌ لحضرة آنو، الملك وستأخذ طريق السماء عندما تقترب من بوابة آنو تموز وجيزيدا سيكونان هناك، سيسألانك ـ أيها الإنسان، علامَ تظهر هكذا لم أنت لابسٌ ثوب الحداد؟ ـ لقد اِختفى من بلادنا إلهانِ، فعملت هكذا ـ مَنْ الإلهان اللذان اِختفيا من البلاد؟

    =


    ـ تَموز وجيزيدا سيرمق الواحد الآخر بنظرةٍ ويبتسم سيقولان عنك ما هو حسنٌ في حضرة آنو وسيريانك وجهيهما الكريم وبينما تقف في حضرة آنو عندما يُقَدمون لك خبز الموت. سوف لا تأكله عندما يقدمون لك ماء الموت. سوف لا تشربه عندما يقدمون لك كسوةً تلبسه، وعندما يعطونك زيتًا، تدهن به جسدك نصحي الذي أُسديك إياه لا تهمل وكلامي الذي قلت، عليه تحافظ وصل رسول آنو






    =



    =








    =




    =




    =















    ==







    وقال ـ يا أدبا، لقد اِنكسر جناح ريح الجنوب أحضره أمامي جعله يتخذ طريق السماء وإلى السماء صعد ولما اِرتفع، اِقترب من بوابة آنو. وأمامها كان يقف الإلهان تموز وجيزيدا لما رأيا أدبا صرخا ـ رحمةً، أيها الرجل لماذا تبدو هكذا؟ ـ أدبا، من أجل من تلبس ثوب الحداد؟ ـ لقد اِختفى إلهان من البلاد فلبسته ـ من يكون الإلهان اللذان اِختفيا؟

    =


    ـ تموز وجيزيدا فنظر كلُ واحدٍ منشرحًا واِبتسم: اِقترب أدبا من آنو الملك فناداه ـ تعال يا أدبا، لِمَ كسرت جناح ريح الجنوب؟ ـ مولاي، في وسط البحر كنت أصطاد لسيدي كان البحر كالمرآة لكن ريح الجنوب نفخ عليَّ وكاد يُغرقني كدت أغوص إلى حيث موطن الأسماك وفي غضب قلبي لعنته فتكلم عنه تموز وجيزيدا حسنًا: فهدأ قلب آنو وتساءل ـ لماذا كشفَ إيا لبَشَرِيٍّ فانٍ خطط السماء والأرض؟

    =


    ، لقد أبرزه وجعله ذا اِسمٍ وأما نحن فماذا نعمل به؟. حضروا له خبز الحياة وسيأكله ولما أحضروا له خبز الحياة لم يأكله ولما قدموا له ماء الحياة لم يشربه ولما أُحضرت له كسوةً لبسها. ولما أحضروا له زيتًا، دهن به جسده: سخر آنو وضحك عاليًا على نصيحة إيا ـ من كل آلهة السماء والأرض، مهما كان عددهم، من يُعطي أمرًا كهذا، ليكون أمره فوق أمر آنو وأنت يا أدبا، لماذا لم تأكل ولم تشرب؟.

    =
    سوف لن تفوز بالحياة الأبدية آه، أيها الجنسُ البشري الفاسد ـ إيا سيدي أمرني أن لا آكل ولا أشرب وأما أدبا فقد نظر من أُفق السماء إلى قبتها فرأى ذلك المنظر المهيب وحكم آنو بإطلاق أدبا من أجل مدينة إيا ـ خذوه كم هنا وألقوا به إلى الأرض وقدر لكهنوته العز على مر الأجيال وأما أدبا اِبن البشر الذي كسر جناح الريح وصعد إلى السماء أيُّ وَيْلٍ جَلَبَهُ للبشرية؟ وأيُّ أمراضٍ أحضرَ لأجساد الناس؟ نينكراك ـ إلهة الشفاء ـ ستخفف منها تنزع المرض وتهون الآلام.




    هي أسطورة سومرية مغرقة في القدم، وربما تعود في أصولها إلى مرحلة ما قبل الكتابة، رغم أن نصها المكتوب قد جاءنا من العصر البابلي. تجري أحداث الأسطورة في مدينة إريدو التي كانت أهم مركز من مراكز الحضارة العبيدية السابقة على الحضارة السومرية، ومقر عبادة الإله أنكي إله الماء والحكمة، والمعبود الأول لتلك الحضارة الرائدة في جنوب وادي الرافدين، ففي الأزمان الأولى، قام الإله أيا (أنكي) بخلق الإنسان الأول آدابا، وجعله قيماً على هيكله في المدينة ليحفظ شعائره ويخبز الخبز ويصطاد السمك من أجل القربان المقدس لإلهه. ولقد وهبه الحكمة والفطنة.‏



    ولكنه لم يمنحه نعمة الحياة الأبدية. وذات يوم، وبينما هو يصطاد السمك في عرض الخليج هبت ريح الجنوب وقلبت مركبته، فلعنها في ثورة غضبه ودعا أن تكسر منها الجناح. وما أن نطق آدابا بلعنته، حتى كسر جناح الريح وجثمت عاجزة عن الحركة. وبعد سبعة أيام لاحظ آنو إله السماء غياب ريح الجنوب، ولما سأل عن السبب قيل له أن آدابا ابن إيا قد كسر جناح الريح وأقعدها عن الحركة، فأمر آنو بأن يمثل آدابا بين يديه. وهنا علم إيا بالأمر قبل وصول تعليمات آنو، وهو المطلع على خبايا صدور الآلهة، فاستدعى آدابا وشرح له أسرار السماء ومعارجها، ثم زوده بتعليمات مفصلة عن كيفية سلوكه هناك، فكان عليه أن يطلق شعره ويضع عليه عباءة المأتم، فإذا وصل بوابة سماء آنو السابعة سيسأله حارساها تموز وننجيزيدا عن سبب ظهوره في هذه الهيئة،




    فيجيبهما وكأنه لا يعرفهما بأنه حزين على الإلهين تموز وننجيزيدا اللذين غابا عن الأرض، وبذلك يستميلهما إلى جانبه. كما حذره إيا ألا يقرب ما يقدم إليه من طعام وشراب في حضرة آنو، لأن ما سيقدم إليه هو طعام الموت وشراب الموت. ولقد سار كل شيء على ما يرام في معراج آدابا، فبعد استجواب قصير سانده فيه كل من تموز وننجيزيدا اللذين سرا من إجابته عند البوابة، قرر الإله آنو أن يعفو عن آدابا، ولكنه لم يكن راضياً عن قيام إيا بكشف أسرار السماء للإنسان الفاني، فالتفت إلى أهل السماء قائلاً:‏

    =


    لماذا كشف إيا لإنسان غير مقدس‏

    مكنونات السماء والأرض‏

    لقد جعله قوياً وجعل له اسماً‏

    فما عسانا نصنع به الآن؟‏

    وبعد تأمل يقرر آنو أن يسبغ على آدابا نعمة الخلود، فيطلب إليه طعام الحياة ليأكل منه ولكنه لا يقربه تنفيذاً لتعليمات إيا، ثم يطلب إليه ماء الحياة فيعف عنه. فيأمر آنو بإعادته إلى الأرض بعد مسحه بالزيت وإلباسه عباءة جديدة، فهبط منها وقد خسر الخلود، يحمل معه بذور الأمراض المهلكة له ولذريته من بعده.‏
    ولكن السماء ترفقت بالإنسان فبعثت وراءه بآلهة الشفاء نن كارا لتخفف من شرور الأوبئة والأمراض.


    تعليق


    • #3


      اساطير بابل و سومر

      تتخذ أساطير الخلق والتكوين مكان المركز والبؤرة في أي منظومة ميثولوجية. فهي التي تتحدث عن أصل الكون وكيف ظهر العالم إلى الوجود، وعن أصل الآلهة وأنسابها ومراتبها وعلائقها مع بعضها بعضاً. وهذا ما سوف نلتفت إليه فيما يلي، متخذين من ميثولوجيا التكوين الرافدينية نموذجاً .
      في الأساطير السومرية، وهي أول الأساطير المدونة في تاريخ الحضارة الإنسانية، تبدأ عملية خلق وتكوين العالم انطلاقاً من مادة بدئية أزلية هي المياه الأولى، التي دعاها السومريون «نمّو». ففي أعماق هذه المياه تشكلت بذرة الكون الأولى على هيئة جبل قبته هي السماء، وقاعدته هي الأرض، وكانا ملتصقين. بعد ذلك أخذ الهواء بالتشكل في داخل هذه الكتلة اليابسة، الأمر الذي أحدث فجوة في داخلها. وكلما أخذ الهواء بالتزايد والتمدد كلما توسعت هذه الفجوة، إلى أن باعدت بين الأرض المنبسطة وقبة السماء التي تغطيها من كل جهاتها. ثم أن هذا العنصر الغازي الذي يملأ المسافة بين الأرض والسماء أنتج القمر والشمس وبقية الأجرام المضيئة. وكان من نتيجة فصل السماء عن الأرض إتاحة الشروط المناسبة لظهور الحياة الطبيعية والكائنات الحية.

      ولكن العقل الأسطوري لم يكن يعالج الأمور بهذه الطريقة العلمية التي بسطناها، بل بلغته الخاصة التي تُحول الظواهر الكونية والطبيعية إلى شخصيات إلهية. ففي البدء، على ما نفهم من شذرات نصوص سومرية لم تصلنا كاملة، كانت الإلهة نمو، المياه الأولى. ثم إن هذه الإلهة البدئية أنجبت ولداً وبنتاً، الأول هو«آن» إله السماء المذكر، والثانية هي «كي» إلهة الأرض المؤنثة. وكان الاثنان ملتصقين ببعضهما بعضاً في كتلة تهيم في الأعماق المائية. ثم إن آن تزوج كي وأنجبا بكرهما إله الهواء إنليل الذي باعد بينهما فرفع السماء نحو الأعلى وبسط الأرض تحتها. بعد ذلك أنجب إنليل إله القمر «نانا»، وإله القمر أنجب إله الشمس «أوتو». وبعد ذلك انطلقت عملية التكوين التدريجي، عن طريق زواج الآلهة وتناسلهـا .
      بعد أن أخذ الكون شكله وانتظمت دورة النهار والليل وحركة الفصول؛ وبعد أن أخرجت الأرض زرعها وشجرها وتفجرت ينابيعها؛ وبعد أن ظهرت الحيوانات بأنواعها، صار المسرح مهيئا لظهور الإنسان، الذي ترى الأسطورة السومرية أنه خلق لكي يحمل عبء العمل ويرفعه عن كاهل الآلهة. فقبل ظهور الإنسان على الأرض كان الآلهة يقومون بكل الأعمال التي تحفظ حياتهم وتُيسر معاشهم، من فلاحة وزراعة وحصاد، وما إليها. ولكنهم تعبوا من ذلك ورفعوا عقيرتهم بالشكوى إلى إله الماء والحكمة «إنكي»، عله يجد لهم مخرجاً. ولكنه، وهو المضطجع في الأعماق المائية، لم تصله شكواهم، فمضوا إلى أمه الإلهة نمو، المياه البدئية التي أنجبت الجيل الأول من الآلهة، لتكون واسطتهم إليه. فمضت إليه قائلة:
      أي بني، انهض من مضجعك، واصنع أمراً حكيماً .
      اجعل للآلهة عبيداً يخدمونهم ويقومون بأوَدهم .
      فتأمل إنكي مليا في الأمر، ثم دعا الحرفيين الإلهيين المهرة ليقوموا بتشكيل البشر انطلاقا من عجينة من طين، وقال لأمه نمو :
      إن الكائنـات التـي ارتأيتِ خلقــها ستوجـــد،
      وسوف نصنعهــا علـى شبـــه الآلهـــة.
      اغرفـي حفنة من طيـن من فوق ميـاه الأعماق،
      وأعطها للحرفيين الإلهيين ليعجنوا الطين ويكثفوه.
      وبعد ذلك قومي أنت بتشكيل الأعضاء،
      بمعونة ننماخ، الأم - الأرض.
      عندها ستقف إلى جانبك ربات الولادة،
      وتُقَدِّرين للمولود الجديد يا أماه مصيره،
      وتعلق ننماخ عليه صورة الآلهة
      إنه الإنسان .
      هذا وتتكرر قصة خلق الإنسان في نص سومري آخر يتحدث عن خلق إله الماشية «لهار» وإلهة الحبوب «أشنان» لإطعام الآلهة التي لا تشبع، والتي كانت في مطلع الأزمان أشبه بالإنسان البدائي:
      كالبشر عندما خلقوا في الماضي البعيد،
      لم يعرف الآلهة أكل الخبز،
      لا ولم يعرفوا لُبس الثياب،
      بل التقطوا النباتات بأفواههم،
      ومدوا رؤوسهم لشرب الماء من الجداول.
      في تلك الأيام، وفي «دولكوج» بيت الآلهة،
      في حجرة الخلق، جرى خلق لهار وأشنان،
      ومما أنتج لهار وأشنان،
      أكل الآنوناكي ولم يكتفوا،
      ومن الحظائر المقدسة شربوا اللبن،
      ولكنهم أيضاً لم يرتووا
      لذا، ومن أجل العناية بطيبات حظائرهما،
      جرى خلق الإنسان.
      لقد تحدثت الأساطير السومرية عن خلق البشر الأوائل دفعة واحدة، ولكن الأساطير البابلية اللاحقة تحدثت عن خلق زوجين أوليين تناسل منهما بقية الجنس البشري. وقد جرى خلق هذين الزوجين من عجينة طينية ممزوجة بدم إله (أو أكثر) تم تقديمه قرباناً لعملية الخلق. وكما هو الحال في الميثولوجيا السومرية، فإن الإله إنكي (أو إيا، كما يدعوه البابليون). نقرأ في نص لم يصلنا كاملاً ما يلي:
      عندما خَلق الآلهة في مجمعهم كل الأشياء،
      بعد أن شكلوا الأرض وكوّنوا السماء؛
      بعد أن أخرجوا للوجود الكائنات الحية؛
      قام إيا بخلق زوجين شابين،
      وأعلى من شأنهما فوق جميع المخلوقات.
      وفي نص آخر نجد الآلهة وقد تعبوا من عناء الكدح والعمل، يستعطفون الأم - الأرض «مامي» (أو ننتو) لكي تخلق لهم كائنات تحمل عنهم نير العمل:
      «أنت عون الآلهة، مامي، أيتها الحكيمة.
      أنت الرحم الأم أيتها الخالقة.
      اخلقي لنا الإنسان فيحمل العبء،
      ويأخذ عن الآلهة عناء العمل.
      فتحت ننتو فمها وقالت للآلهة الكبار:
      «لن يكون لي أن أنجز ذلك وحدي،
      ولكن بمعونة إنكي سوف يُخلق الإنسان،
      الذي سوف يخشى الآلهة ويعبدها.
      فليعطني إنكي طينا أعجنه وأسويه بشراً».
      فتح إنكي فمه قائلاً للآلهة العظام:
      «في الأول والسابع والخامس عشر من الشهر،
      سوف أُجهز مكاناً طهوراً،
      وسيُذبح هناك أحد الآلهة.
      عندها فليتعمد بدمه بقية الآلهة،
      وبلحمه ودمائه سوف تعجن ننتو طيناً.
      إله وإنسان معاً،
      سيتحدان في الطين إلى الأبد.
      ولدينا نص بابلي ثالث يقدم نفس القصة مع تنويعات طفيفة:
      بعد أن شُكلت الأرض وسُوّيت،
      بعد أن تحددت مصائر الأرض والسماء،
      بعد أن استقرت شطآن دجلة والفرات،
      عندها، الآلهة الكبار آنو وإنليل وإيا،
      وبقية الآلهة المبجلين،
      جلسوا جميعاً في مجلسهم المقدس،
      وتذاكروا ما قاموا به من أعمال الخلق:
      «أما وقد حددنا مصائر السماء والأرض،
      وجرت القنوات في مجاريها،
      واستقرت شطآن دجلة والفرات؛
      ماذا نستطيع بعد أن نفعل؟
      ماذا نستطيع بعد أن نخلق؟»
      ثم توجه الحضور من الآلهة المبجلين،
      توجهوا بالقول إلى إنليل:
      «لنذبح بعض آلهة الحِرف،
      ومن دمائهم فلنخلق الإنسان،
      فنوكله بخدمة الآلهة على مر الأزمان.
      سنضع في يديه السلة والمعول،
      فيبني للآلهة هياكل مقدسة تليق بمقامهم،
      ويسقي الأرض بأقاليمها الأربعة،
      ويُخرج من جوفها الخيرات الوافرة،
      ويستخرج الماء العذب ويحتفل بأعياد الآلهة.
      سنخلق زوجين ويكون اسمهما:
      أوليجار وألجار»
      انكي( اله الارض والسماء) ومنبع النهرين يمنح الخصب والحكمة الى تموز وعشتار
      على أن أجمل النصوص البابلية الأسطورية قد وصلنا منقوشاً على سبعة ألواح فخارية، وهو يحمل عنوان «إينوما إليش» أي «عندما في الأعالي»، وهي الجملة الاستهلالية التي ابتدأ بها. فعندما في الأعالي، لم يكن هنالك سماء، وفي الأسفل لم يكن هنالك أرض، لم يكن في الوجود سوى المياه الأولى ممثلة في ثلاثة آلهة مائية هم«تيامة» ماء المحيط البدئي المالح، التي أنجبت الماء العذب «أبسو» وتزوجته، وابنهما «ممو» الضباب المنتشر فوقهما. وكان هؤلاء الثلاثة يعيشون في تمازج وتناغم، وصمت وسكون مطلق. انطلاقا من هذه المادة المائية الهيولية ابتدأ الخلق والتكوين، عندما أنجب الآلهة الثلاثة الجيل الثاني من الآلهة:
      عندما في الأعالي لم يكن هنالك سماء،
      وفي الأسفل لم يكن هنالك أرض.
      لم يكن من الآلهة سوى أبسو أبوهم،
      وممو، وتيامة التي حملت بهم جميعاً،
      يمزجون أمواههم معاً.
      قبل أن تتشكل المراعي وسبخات القصب،
      قبل أن يظهر للوجود الآلهة الآخرون،
      قبل أن تُمنح لهم أسماؤهم وتُرسم أقدارهم.
      في ذلك الزمان خلق الآلهة الثلاثة في أعماقهم
      «لخمو» و«لخامو» ومنحوا لهما اسميهما
      ومن لخمو ولخامو تناسل الجيل الثاني من الآلهة البدئية، وصولاً إلى آنو وابنه إيا الذي صار سيداً لآبائه وأسلافه بسبب قوته وحكمته وسعة إدراكه. ولكن الجيل الجديد من الآلهة كان كثير النشاط والحركة. وبما أنهم ما زالوا في جوف المياه البدئية، فإن هذه الحركة أقلقت الآلهة القديمة الميالة إلى الراحة والسكون، فاقترح أبسو على تيامة القضاء على الآلهة الشابة، وأيده في ذلك ممو:
      فتح أبسو فمه قائلاً لتيامة بصوت مرتفع:
      «لقد غدا سلوكهم مؤلماً لي.
      في النهار لا أستطيع راحة وفي الليل لا يحلو لي رقاء.
      لندمرنًّهم ونضع حداً لفعالهم،
      فيخيم الصمت، ونخلد عندها للنوم»
      فلما سمعت منه ذلك،
      ثار غضبها وصاحت بزوجها:
      «لماذا ندمر من وهبناهم نحن الحياة؛
      إن سلوكهم لمؤلم حقاً، ولكن دعونا نلجأ إلى اللين»
      ثم نطق ممو ناصحاً أبسو،
      وفي غير صالح الآلهة جاءت نصيحة ممو:
      «نعم يا والدي، دمّرهم وخلصنا من فوضاهم،
      لكي تستريح في النهار وترقد في الليل»
      غير أن ما دار بين المتآمرين قد وصل بشكل ما إلى الآلهة الشابة التي تجهزت للمعركة وعينت إيا قائداً عليها. وعندما التقى الطرفان قام إيا بقتل أبسو وأسر ممو. وفوق أبسو - الماء العذب - أقام مسكنا له، ومنذ ذلك الوقت صار إلهاً للماء العذب الباطني، يمسك بممو الأسير بحبل، أي بالرطوبة والضباب الملازمين للماء أنى وجد.
      ولكن المعركة لم تُحسم بعد، وكان على الآلهة الشابة خوض معركة فاصلة بقيادة ابن للإله إيا، بكره الذي دعاه مردوخ، والذي كان أعظم آلهة الجيل الثالث من الآلهة:
      تخلب الألباب قامته، تلمع كالبرق عيناه،
      يخطو بعنفوان ورجولة، إنه زعيم منذ البداية.
      بفن بديع تشكلت أعضاؤه،
      لا تدركه الأفهام، ولا يحيط به خيال.
      أربعة كانت آذانه، أربعة كانت عيونه،
      تتوهج النيران كلما تحركت شفتاه.
      كان الأعلى بين الآلهة وما لهيئته من نظير،
      هائلة أعضاؤه، سامقة قامته.
      ثم خلق آنو الرياح الأربعة وسيَّرها،
      وأسلم قيادها لسيد الجماعة،
      لمردوخ الذي أحدث بها الأمواج فاضطربت لها تيامة؛
      قلقه صارت، تجول على غير هدى.
      أتت بأسلحة لا تقاوَم؛ أفاع هائلة
      حادة أسنانها، مريعة أنيابها،
      مُلئت أجسادها سماً بدل الدم.
      أتت بتنانين ضارية تبعث الهلع،
      توجتها بهالة من الرعب وألبستها جلال الآلهة.
      أحد عشر نوعاً من الوحوش أظهرت إلى الوجود،
      ومن الجيل الأول من الآلهة الغاضبة في مجلسها،
      اختارت الإله كينغو ووضعته أمام جيشها قائداً».
      الثور المجنح، رمز القوة والفحولة والاله آشور
      وصلت أنباء الاستعدادات الجديدة أسماع الآلهة الشابة، فمضى جدهم أنشار يبحث عن قائد يتصدى للإلهة الغضبى وحشْدِها، ولكن الجميع تقاعس عن المهمة إلا مردوخ الذي جاء إلى أنشار في عدة الحرب الكاملة وانتصب أمامه معلناً عن قبوله لمنصب القيادة. فدعا أنشار الآلهة إلى مأدبة فشربوا وأكلوا حتى نسوا مخاوفهم، ولمردوخ البطل أسلموا مصائرهم، وأعطوه أعلى قوة إلهية وهي قوة الكلمة الخالقة. ولكي يتأكدوا من قوة كلمته جاؤوا إليه بثوب وضعوه في وسطهم وقالوا له:
      سلطانك أيها الرب هو الأقوى بين الآلهة.
      ليفن الثوب بكلمة من فمك،
      وليرجع سيرته الأولى بكلمة أخرى.
      فأمر مردوخ بفناء الثوب فزال،
      ثم أمر به فعاد ثانية.
      فلما رأى آباؤه الآلهة قوة كلمته،
      ابتهجوا وأعطوه ولاءهم: مردوخ ملكاً.
      وها هو يستعد للمعركة:
      صنع قوساً وأعلنه سلاحاً له،
      جعل للسهام رؤوساً مسنونة وشد لقوسه وتراً؛
      رفع الهراوة وأمسكها بيمينه؛
      وربط القوس والجعبة إلى جنبه،
      ثم أرسل البرق أمامه،
      وملأ جسده بالشعلة اللاهبة.
      صنع شبكة يوقع بها تيامة،
      وصرَّف الرياح الأربعة تُمسك بأطرافها لاحتواء تيامة.
      أطلق فيضان المطر، سلاحه الهائل،
      ثم اعتلى مركبة لا تُقهر، مركبة العاصفة؛
      وقد حفت به الآلهة، حفت به الآلهة؛
      وقد تدافعت حوله الآلهة، تدافع آباؤه الآلهة.
      وعندما التقى الجمعان دعا مردوخ تيامة إلى منازلة فردية بينهما
      تقدما من بعضهما، تيامة ومردوخ أحكم الآلهة؛
      اشتبكا في قتال فردي والتحما في عراك مميت.
      نشر الرب شبكته واحتواها في داخلها،
      وفي وجهها أفلت الرياح الشيطانية التي تهب وراءه،
      وعندما فتحت فمها لابتلاعه،
      دفع في فمها الرياح الشيطانية فلم تقدر على إطباقه،
      وامتلأ جوفها بالرياح الصاخبة،
      فبطنها منتفخ وفمها فاغر على اتساعه.
      ثم أطلق الرب من سهامه واحداً مزق أعماقها،
      تغلغل في الحشا وشطر منها القلب.
      فلما تهاوت أمامه أجهز على حياتها؛
      طرح جثتها أرضاً واعتلى عليها؛
      وقف على جزئها الخلفي،
      وبهراوته العتية فصل رأسها،
      وقطع شرايين دمائها،
      التي بعثرتها ريح الشمال إلى الأماكن المجهولة.
      ثم اتكأ الرب يتفحص جثتها المسجاة،
      ليصنع من جسدها أشياء رائعة؛
      شقها نصفين فانفتحت كما الصدفة،
      ثم نزع شبكته عنها وقد تحولت إلى سماء وأرض.
      اله السماء(آنو) يمنح شمس الحياة الى البشر
      بعد ذلك يعمد مردوخ إلى خلق هيئات ومظاهر الطبيعة من جسد تيامة القتيلة، فمن لعابها صنع الضباب والغيوم المحملة بالمطر، ومن رأسها صنع التلال، ومن ثدييها الجبال، وفجر من أعماقها المياه فاندفع من عينيها نهرا دجلة والفرات. ومن جزئها العلوي صنع النجوم والسيارات، قسَّم الوقت فرسم خط السمت وحدود السنة التي قسمها إلى أشهر وأيام. أمر القمر بالسطوع وأوكله بالليل وبشهور السنة، وخلق الشمس التي تحدد الأيام. بعد ذلك أنبت من الأرض الزرع والشجر، ولم يبق سوى خلق الإنسان. وكما كان الأمر في الأسطورة السومرية القديمة، فقد كان لا بد من التضحية بأحد الآلهة ليُصنع من دمه الإنسان. وهنا يؤتى إليه بالإله كينغو زوج تيامة، والمتهم بتحريضها على شن الحرب، فقُطعت شرايين دمائه، ومن دمائه قام إيا بخلق البشر الذين أسكنهم مردوخ مدينة بابل التي رفع بنيانها أمهر الحرفيين الإلهيين، فأوكل البشر بالعمل وحرر الآلهة من عبئه. بعد الانتهاء من كل ذلك اجتمع كل الآلهة في معبد مردوخ الذي بنوه في بابل واحتفلوا بانتهاء أعمال الخلق والتكوين، وأعلنوا لمردوخ خمسين اسماً مقدساً، يشف كل واحد منها عن صفة من صفاته أو فاعلية من فاعلياته التي تطال الأرض والسماء

      نقلا عن كتاب فراس السواح مغامرة العقل الاولى


      تعليق

      يعمل...
      X