السؤال :
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
بارك الله فيك يا فضيلة الشيخ ووفقك لكل خير
هل ما فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في عدم المعاقبة في حد السرقة وفى الطلاق يعتبر تغيير للفتوى باختلاف الزمان والمكان ؟
أرجو إزالة هذه الشبهة التي يدندن بها أصحاب العقول .
وجزاك الله خير
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيراً .
وبارك الله فيك
ووفقك الله لما يُحب ويَرضى
ليس هذا تغييرا للْحُكْم الشرعي ، وإنما هذا من باب السياسة الشرعية .
وعمر رضي الله عنه كان من سياساته الْحَزْم في الأمور ، فلما رأى الناس تَسَاهَلُوا وتَوسّعوا في أمْرِ الطلاق ألزَمهم ببعض الْحُكم ، أي جَعل الثلاث طلقات ثلاثا ، أي : يَقَع بها الطلاق البائن .
وهذا له أصل في السُّنّة ، وهو أن يأخذ الإمام أو الحاكم والقاضي ببعض الْحُكم .
بوّب الإمام البخاري : باب مَن تَرك بعض الاختيار مَخَافة أن يَقْصُر فهم بعض الناس عنه فَيَقَعُوا في أشَدّ منه .
ثم روى بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : يا عائشة لولا قومك حديث عهدهم بِكُفْر لَنَقَضْتُ الكعبة فَجَعَلْتُ لها بابين : باب يَدخل الناس ، وباب يَخْرُجُون .
هذا مِن جِهة
ومِن جهة أخرى فإن عمر رضي الله عنه هو الْمُحَدَّث الْمُلْهَم ، وهو الخليفة الراشد ، وقد أُمِرْنا أن نَـقتدي به ونأخذ بِسُنّتِه ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : عليكم بِسُنّتِي ، وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عَضّوا عليها بالنواجذ . رواه الإمام أحمد وغيره .
وفي قولِه صلى الله عليه وسلم : اقتدوا باللذين مِن بَعدي : أبي بكر وعمر . رواه أحمد والترمذي ، وهو حديث صحيح .
أما في حَدّ السرقة فإن الإسلام جاء بِدرء الحدود ، أي أنها تُدْفَع إلى أن تَثْبُت ثباتا بيِّنا .
والْمَجَاعَة التي كانت في زمان عمر رضي الله عنه شُبْهَة تُدفَع بها تُهمة السرقة ؛ لأن السارق في سِنِيّ المجاعة إنما ألجأه إلى السرقة الجوع والفاقة .
وهذا أيضا له أصل في سُنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعْرَض عن ماعِز رضي الله عنه لما جاء مُعتَرِفا بِذَنْبِه ، وصَدّ عنه ، وردّده مِرارا لعله يتوب ويستتر ، حتى سأله : أبِكَ جُنون ؟ وأمَرَ عليه الصلاة والسلام أن يُشَمّ ، فلو كان شارِبا للخمر فإنه يُحَدّ حدّ الخمر دون الرَّجم .
بل يُشرَع في مثل هذا أن يُلقّن الحجة ، فقد قال عليه الصلاة والسلام لِماعِز رضي الله عنه : لعلك قَبّلْت ، أو غَمَزْت ، أو نَظَرت ؟ رواه البخاري .
وكل ما فعله الخلفاء مِن بعده صلى الله عليه وسلم هو موُافِق لِسُنَّتِه عليه الصلاة والسلام .
فسُنّة الخلفاء الراشدين لا تَخْرَج عن سُنّـة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل هي موافقة لِسُنّة النبي صلى الله عليه وسلم ، دائرة معها حيث دارَتْ ، كما بيّن ذلك ابن حزم في " الإحكام " .
ولا يُعرَف في الصحابة رضي الله عنهم مُبْتَدِع ، فإنه كانوا على الْهُدَى المستقيم . كما قال ابن مسعود رضي الله عنه .
وليس هذا من باب تغيّر الفتوى بتغيّر الزمان ، بل هو تقدير الحال .
ثم لو كان هذا من باب تغير الفتوى أو اختلافها ، فَمَن هو الذي سيكون مثل عُمر رضي الله عنه يُقدِّر الأمور كتقدير عُمر ؟
وسبق التفصيل في مسألة تغيّر الفتوى هنا :
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?threadid=45909
وأما قولك – وفقك الله وأعانك – : [أرجو إزالة هذه الشبهة التي يدندن بها أصحاب العقول]
أما أصحاب العقول السليمة فلا يَرَون ذلك !
وأما أصحاب العقول التي رأوا أنها تُقَدَّم على الشَّرع فهم أصحاب عقول مريضة !
لأن الشَّرْع يأتي بما تَحار فيه العُقول لا بِما تُحيله العقول ، كما قال ابن القيم .
وقرّر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا تَعارُض بين نصّ صحيح وعَقْل صريح .
والله تعالى أعلم .
عبدالرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض
http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/fatwa/217.htm
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
بارك الله فيك يا فضيلة الشيخ ووفقك لكل خير
هل ما فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في عدم المعاقبة في حد السرقة وفى الطلاق يعتبر تغيير للفتوى باختلاف الزمان والمكان ؟
أرجو إزالة هذه الشبهة التي يدندن بها أصحاب العقول .
وجزاك الله خير
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيراً .
وبارك الله فيك
ووفقك الله لما يُحب ويَرضى
ليس هذا تغييرا للْحُكْم الشرعي ، وإنما هذا من باب السياسة الشرعية .
وعمر رضي الله عنه كان من سياساته الْحَزْم في الأمور ، فلما رأى الناس تَسَاهَلُوا وتَوسّعوا في أمْرِ الطلاق ألزَمهم ببعض الْحُكم ، أي جَعل الثلاث طلقات ثلاثا ، أي : يَقَع بها الطلاق البائن .
وهذا له أصل في السُّنّة ، وهو أن يأخذ الإمام أو الحاكم والقاضي ببعض الْحُكم .
بوّب الإمام البخاري : باب مَن تَرك بعض الاختيار مَخَافة أن يَقْصُر فهم بعض الناس عنه فَيَقَعُوا في أشَدّ منه .
ثم روى بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : يا عائشة لولا قومك حديث عهدهم بِكُفْر لَنَقَضْتُ الكعبة فَجَعَلْتُ لها بابين : باب يَدخل الناس ، وباب يَخْرُجُون .
هذا مِن جِهة
ومِن جهة أخرى فإن عمر رضي الله عنه هو الْمُحَدَّث الْمُلْهَم ، وهو الخليفة الراشد ، وقد أُمِرْنا أن نَـقتدي به ونأخذ بِسُنّتِه ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : عليكم بِسُنّتِي ، وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عَضّوا عليها بالنواجذ . رواه الإمام أحمد وغيره .
وفي قولِه صلى الله عليه وسلم : اقتدوا باللذين مِن بَعدي : أبي بكر وعمر . رواه أحمد والترمذي ، وهو حديث صحيح .
أما في حَدّ السرقة فإن الإسلام جاء بِدرء الحدود ، أي أنها تُدْفَع إلى أن تَثْبُت ثباتا بيِّنا .
والْمَجَاعَة التي كانت في زمان عمر رضي الله عنه شُبْهَة تُدفَع بها تُهمة السرقة ؛ لأن السارق في سِنِيّ المجاعة إنما ألجأه إلى السرقة الجوع والفاقة .
وهذا أيضا له أصل في سُنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعْرَض عن ماعِز رضي الله عنه لما جاء مُعتَرِفا بِذَنْبِه ، وصَدّ عنه ، وردّده مِرارا لعله يتوب ويستتر ، حتى سأله : أبِكَ جُنون ؟ وأمَرَ عليه الصلاة والسلام أن يُشَمّ ، فلو كان شارِبا للخمر فإنه يُحَدّ حدّ الخمر دون الرَّجم .
بل يُشرَع في مثل هذا أن يُلقّن الحجة ، فقد قال عليه الصلاة والسلام لِماعِز رضي الله عنه : لعلك قَبّلْت ، أو غَمَزْت ، أو نَظَرت ؟ رواه البخاري .
وكل ما فعله الخلفاء مِن بعده صلى الله عليه وسلم هو موُافِق لِسُنَّتِه عليه الصلاة والسلام .
فسُنّة الخلفاء الراشدين لا تَخْرَج عن سُنّـة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل هي موافقة لِسُنّة النبي صلى الله عليه وسلم ، دائرة معها حيث دارَتْ ، كما بيّن ذلك ابن حزم في " الإحكام " .
ولا يُعرَف في الصحابة رضي الله عنهم مُبْتَدِع ، فإنه كانوا على الْهُدَى المستقيم . كما قال ابن مسعود رضي الله عنه .
وليس هذا من باب تغيّر الفتوى بتغيّر الزمان ، بل هو تقدير الحال .
ثم لو كان هذا من باب تغير الفتوى أو اختلافها ، فَمَن هو الذي سيكون مثل عُمر رضي الله عنه يُقدِّر الأمور كتقدير عُمر ؟
وسبق التفصيل في مسألة تغيّر الفتوى هنا :
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?threadid=45909
وأما قولك – وفقك الله وأعانك – : [أرجو إزالة هذه الشبهة التي يدندن بها أصحاب العقول]
أما أصحاب العقول السليمة فلا يَرَون ذلك !
وأما أصحاب العقول التي رأوا أنها تُقَدَّم على الشَّرع فهم أصحاب عقول مريضة !
لأن الشَّرْع يأتي بما تَحار فيه العُقول لا بِما تُحيله العقول ، كما قال ابن القيم .
وقرّر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا تَعارُض بين نصّ صحيح وعَقْل صريح .
والله تعالى أعلم .
عبدالرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض
http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/fatwa/217.htm