إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وليام بولك ووليام مارز

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وليام بولك ووليام مارز


    في كتابهما رحلة إلى الماضي العربي، يشير وليام بولك ووليام مارز إلى ذلك التباين بين المنزل العربي، وخاصة ما يدعى بقسم الحريم فيه، وبين صورة هذا المنزل كما رسمتها الوسائل الثقافية الغربية المختلفة، فيقولان: (أما بقية المنزل فهو الحرم. وللأسف فإنه ليس من الحرم الذي تصوره أشرطة هوليوود في شيء. إِذْ هو ببساطة، المكان المخصَّص للعائلة، غرف نوم وحمامات ومطبخ..)


    غير أنّ مثل هذه النظرة المنطقية التي ينمّ عنها كلّ من بولك ومارز هي نظرة بالغة الندرة في الأدبيات الغربية التي تناولت النساء في بلاد العرب، سواء كانت هذه الأدبيات كتب رحلات، أو فنّاً استشراقياً أو أفلاماً سينمائية أو حتى دراسات أنثروبولوجية علمية.


    ومع أننا لا نريد في هذا المقام أن نصوّر وضع المرأة العربية بأنه الوضع الذي لا يمكن أن يطوله النقد، فإنَّ من الضروري الإشارة إلى أنّ الأمر يختلف كلّ الاختلاف تبعاً للأسس التي يقوم عليها هذا النقد والغايات المتوخّاة منه، وتبعاً لما إذا كان قادراً على تبيّن الظواهر التي ينتقدها أنّى رآها (في الشرق أو في الغرب) أم لا.



    والحال أنّ النظرة الغربية إلى النساء العربيات غالباً ما انطلقت من تحيّز مسبق مفاده أنّ النساء العربيات يعانين من الاضطهاد ما لا تعانيه غيرهن من النساء، وأن سبب هذا الاضطهاد هو الدين الإسلامي.




    فلطالما اعتبرت أوروبا أنها متأكدة من ذلك واثقة منه كلّ الثقة.


    فهذا ما وصفته كتب الرحلات الغربية والأدب الغربي وما صوّره الفن الغربي على مرّ فترة طويلة من الزمن.


    ولذا فقد أخذ الأمر على أنه واقعة لاشكّ فيها، ويمكن للجميع أن يروها متجليةً في الحجاب وفي الحريم، هاتان الظاهرتان اللتان لاتزالان تثيران اليوم ردود فعل قوية لدى العقل الغربي شأنهما في أي وقت مضى.


    فطوال قرون كانت أوروبا قد سُحِرَت بالحجاب وبالحريم ونفرت منهما في آنٍ معاً.


    فقد عمل هذان الرمزان، من جهة أولى، على الحيلولة بين المراقب الغربي ورؤية النساء أو الاتصال بهنّ مما أوقظ لديه مشاعر الإحباط والسلوك العدواني. كما وفّرا للرجال، من جهة أخرى، فرصة الجموح بالخيال والتلويح بتجارب غريبة وشهوانية مع (الجميلة المتحجبة) و(ودرّة نساء الحريم)، وذلك في الوقت الذي أبدت فيه المراقبات من النساء ما أبداه الرجال من التباس وعداء ومركزية أوروبية، وإِنْ يكن لأسباب مختلفة عن أسباب الرجال.



    ويمكن لمن يودّ العودة إلى ردود الأفعال هذه بتفاصيلها أن يقرأ ما جمعته جودي مابرو من أقوال الرحّالة الغربيين عن النساء العربيات في كتابها (أنصاف حقائق محجّبة: تصورات الرحالة الغربيين عن النساء في الشرق الأوسط)، وخاصة إلى مقدمتها الممتازة حيث تسلّط سهام نقدها على هذه النظرة الغربية وتقوم بمقارنة بين وضع النساء العربيات في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ووضع النساء الغربيات في هذه الفترة ذاتها.



    لتخرج بنتيجة مفادها أنّ هذين الوضعين لم يكونا مختلفين ذلك الاختلاف الذي صوّره الرحالة الغربيون، لمصلحة نسائهم بالطبع.


    [CENTER] [/CENTER]

  • #2
    والحال أنّ الرحالة الغربيين، بتركيزهم على الحجاب والحريم، غالباً ما أخفقوا في فهم أوجه حياة النساء العربيات التي هي أوجه متعددة ومتنوعة. وعلى سبيل المثال، فإنّ الحريم كما فُهِمَ في الغرب بتأثيرٍ من كتب الرحّالة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كان نادراً إلى أبعد الحدود وكان ليبدو غريباً كلّ الغرابة بالنسبة لغالبية نساء المنطقة اللواتي يعشن في مناطق ريفية، ويعانين من الفقر، وينهضن بقسط وافر من أعباء العمل الزراعي. وهو ما يصحّ أيضاً على المدن التي اضطر فيها كثير من النساء إلى العمل بغية المساهمة في زيادة دخل العائلة.



    وما يلفت الانتباه أيضاً هو تلك العناية التي يبذلها الرحّالة الغربيون بالنساء الشرقيات بوصفهن موضوعات جنسية على وجه التحديد. فالارتكاس المباشر، الذي يتلو الإثارة الناجمة عن كون هؤلاء الكتّاب قد عادوا في الزمن إلى أيام ألف ليلة وليلة، هو ارتكاس عدوانيّ، غالباً ما يتجلّى في سلوك بعيد كلّ البعد عن التحضّر، كأن ينتهكوا حرمات البيوت، أو يسترقوا النظر إلى النساء المستلقيات على المصاطب أو المستحمّات في الأنهار، أو يسوّدوا صفحة ثقافة كاملة على أنها منحطّة ومتفسّخة. كما نجد لدى هؤلاء الكتّاب شعوراً بالعداء تجاه البيوت المغلقة والمدن المغلقة والنساء المحجَّبات.



    وحين درس مالك علولة في كتابه (الحريم الكولونيالي) عدّة آلاف من البطاقات البريدية التي أنتجها الفرنسيون في الجزائر وقيل إنها تصور النساء والعادات والتقاليد هناك، وجد أنّ صورة النوافذ ذات القضبان تتكرر كثيراً في هذه البطاقات بحيث يتضح للناظر من غير شكّ أنَّ نساء الجزائر يعشن في سجون.



    أما صور النساء العاريات فتجردهن من أية طبيعة ما عدا الطبيعة الجنسية في الوقت الذي تخلّف فيه انطباعاً راسخاً بأنّ المصوِّر قد نجح في مهنته، إذْ رفع الحجاب عن المحجَّب، على الرغم من أنّ هذه الصور مأخوذة في الاستوديوهات لموديلات من النساء. يقول علولة: وعلى هذا النحو فإن فكرة المرأة الحبيسة في دارها لابدّ أن تفرض نفسها بطريقة طبيعية... فإذا لم تكن رؤية النساء متاحة، فذلك لأنهن سجينات. وهذه الموازاة الدرامية بين التحجّب والحبس ضرورية لبناء سيناريو متخيَل يفضي إلى تصفية المجتمع الفعلي الواقعي، هذا المجتمع الذي يسبب الإحباط، واستبداله بوهم (وهم الحريم).



    وعلى غرار هذه البطاقات البريدية، كانت كتابة الرحّالة الغربيين في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين (ولاتزال إلى اليوم بدرجة كبيرة) مسكونة بالحجاب وبالحريم.



    فصور السجون والأغلال في كلّ مكان، مهما تكن بعيدة عن الموضوع ورؤية جدار أو مصراع نافذة أو سماع رنين خلخال، كانت تثير لدى هؤلاء الرحّالة أفكاراً عن نساء حبيسات وردود أفعال عدوانية تجاه نظام الحياة المغلق في الشرق، ذلك النظام الذي يرون أنه يختلف كثيراً عن حياة الغرب الودودة المنفتحة. ونظراً لتعذّر دخول هؤلاء الكتّاب إلى حياة العائلة، فقد انهمر من أقلامهم وابل من الأحكام الأخلاقية المتعلقة بتعدد الزوجات وفجور النساء وغياب المبادئ الاخلاقية لديهن، وموقفهن البائس من الامومة، وغبائهن.. الخ.
    [CENTER] [/CENTER]

    تعليق


    • #3
      والحقّ ان ما يثير الانتباه هو تلك الكثرة الكاثرة من كتب الرحلات التي انهمرت من المطابع الأوروبية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين مما دبّجه كتّاب مغمورون تعوزهم الشهرة. فلقد أبدى الغرب فضولاً لمعرفة الشعوب الأخرى كان مرتبطاً بلا شكّ، وكما بيّن إدوارد سعيد في كتابيه الاستشراق والثقافة والإمبريالية، باستعمار هذه الشعوب وفتحها. ولذا لم تكن هذه المعرفة إلا على مستوى يرسّخ اقتناع الأوروبيين بتفوق ثقافتهم على غيرها من الثقافات، على الرغم من جميع الفوائد التي انطوت عليها تلك المعرفة مما لا يجوز نكرانه بأي حال من الأحوال.




      فقد وجد عدد هائل من الكتب عن العالم العربي طريقه إلى النشر في تلك الفترة، لدرجة أنَّ كثيراً من المؤلّفين كانوا يستهلّون كتبهم بمسوّغات تبرّر إصدارها، إِذْ كان ثمة قدر كبير من التكرار والانتحال في هذه الكتب. فتنوّع الحياة في المنطقة العربية كان مجهولاً، شأنه اليوم في كثير من الحالات. كما اتّخذ هؤلاء الكتّاب مواقف تعميمية وشمولية، نظراً لما أملاه الخوف مما هو مختلف والجهل به والرغبة في استعماره من مقاربة تركّزت على المظاهر الخارجية وحدها.


      يقع الكتاب في ( 270) صفحة من القطع العادي.
      [CENTER] [/CENTER]

      تعليق

      يعمل...
      X