إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

علاامات الساعه بعضها تحقق وبعضها لم يتحقق ادخل هنا واقرأ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • علاامات الساعه بعضها تحقق وبعضها لم يتحقق ادخل هنا واقرأ




    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.. أدَّى الأمانةَ، وبَلَّغَ الرسالةَ، ونَصَحَ الأمةَ، وكشف الله به الغمة ، جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصلى اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين...

    أما بعـد:-

    فحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وذكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور.
    طبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا.
    حياكم الله جميعاً وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنى وإياكم في الدنيا دائما وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار كرامته.
    إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شىء قدير..

    أما بعـد:-

    فإن أصدق الحديث كتاب الله ،وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

    أحبتى في اللـه :

    فى رحاب الدار الآخرة

    سلسلة علمية هامة تجمع بين المنهجية والرقائق، وبين التأصيل العلمي والأسلوب الوعظي، تبدأ بالموت وتنتهي بالجنة أسأل اللـه أن يجعلني وإياكم من أهلها.

    وهذا هو لقاءنا الثالث من لقاءات هذه السلسلة المباركة، وكنا قد أنهينا الحديث في اللقاء الأول وتوقفنا مع الجنازة وهى في طريقها إلى القبر تتكلم، ثم توقفنا في اللقاء الماضي مع الجنازة وقد أغلق عليها القبر، ليعيش صاحبها في نعيم مقيم، أو في عذاب أليم إلى قيام الساعة، وكان من الحكمة والمنطق قبل أن أتكلم عن مراحل الساعة أن أتحدث عن علامات الساعة الصغرى والكبرى، ولذا فإن حديثنا اليوم مع حضراتكم عن العلامات الصغرى بين يدى الساعة.

    وكعادتنا سوف ينتظم حديثنا اليوم مع حضراتكم في العلامات الصغرى في العناصر التالية :

    أولاً: الساعة آتية لاريب فيها

    ثانياً: العلامات الصغرى التي وقعت وانقضت

    ثالثاً: العلامات الصغرى التي وقعت ولم تنقضِ

    رابعاً: العلامات الصغرى التي لم تقع بعد

    فأعرني قلبك وسمعك أيها الحبيب، واللـه أسأل أن يجعلني وإياكم جميعا ممن: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللـه وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ [الزمر:18].

    أولاً: الساعة آتية لا ريب فيها:

    أحبتي في اللـه:

    إن الحديث عن اليوم الآخر ليس من باب الترف العلمي ولا من باب الثقافة الذهنية الباردة التي لا تتعامل إلاَّ مع العقول فحسب، بل إن الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان باللـه جل وعلا لا يصح إيمان العبد إلا به أصلا وابتداءً، كما في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب وفيه أن جبريل عليه السلام سأل الحبيب المصطفى ما الإيمان؟ فقال الحبيب : ((الإيمان أن تؤمن باللـه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره)) .

    لا يمكن أن يستقر الإيمان باليوم الآخر في قلب عبد من العباد إلا إذا وقف على حقيقة هذا اليوم وعرف أحواله وكروبه وأهواله.

    ومن ناحية ثالثة إذا استقرت حقيقة الإيمان باليوم الآخر في قلب عبد صادق، دفعه هذا العلم بهذا اليوم إلى الاستقامة على منهج اللـه وعلى طريق الحبيب رسول اللـه ، لأنه سيعلم يقينا أنه غدا سيقف بين يدى اللـه جل وعلا ليكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ليقول له الملك: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الَيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14].

    فالهدف من هذه السلسلة تذكير المسلمين للاستيقاظ من غفلتهم ورقدتهم الطويلة، وإيقاظ المسلمين بالتوبة والإنابة إلى اللـه جل و علا قبل أن تأتيهم الساعة بغتة وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون.

    أيها المسلمون قال اللـه جل وعلا: ذَلِكَ بِأَنَّ اللـه هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللـه يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [الحج:6-7].

    وإذا كان البشر يرون الساعة بعيدة فإن خالق البشر يرى الساعة قريبة قال جل وعلا: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا [ المعارج: 6- 10].

    وقال سبحانه: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ [القمر:1].

    وقال جل وعلا: أَتَى أَمْرُ اللـه فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل:1].

    وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللـه إِنَّ اللـه خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    أما عن وقت قيام الساعة فإن هذا من خصائص علم اللـه جل وعلا لا يعلم وقت قيام الساعة ملك مقرب أو نبي مرسل.

    قال سبحانه في سورة الأعراف: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرض لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللـه وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:187].

    وقال سبحانه في سورة الأحزاب: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللـه وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا [ الأحزاب: 63 ].

    وقال سبحانه في سورة النازعات: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:42-46].

    فلا يعلم وقت قيام الساعة إلا اللـه.

    إن جبريل عليه السلام هو أعلى الملائكة ومحمد هو أعلى الخلق منزلة ومع ذلك جاء جبريل إلى النبي فقال له: متى الساعة؟

    فقال المصطفى : ما المسئول عنها بأعلم من السائل!! وهو جبريل والمسئول هو البشير النذير، لا يعلمان وقت قيام الساعة... أفيتجرأ عاقل بعد ذلك ليقول بأنه على علم بوقت قيام الساعة. في صحيح البخاري من حديث ابن عمر أن النبي قال: ((مفاتح الغيب خمس لايعلمهن إلا اللـه وتلى النبي قول اللـه تعالى: إِنَّ اللـه عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللـه عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34].

    وإذا كان اللـه عز وجل قد أخفى وقت قيام الساعة، فقد أخبر سبحانه وتعالى ببعض العلامات والأمارات التي تكون بين يدي الساعة، لينتبه الخلق بالإنابة والتوبة إلى اللـه جل وعلا، وقد سمى القرآن هذه العلامات والأمارات بالأشراط فقال سبحانه: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد:18].

    أي فقد جاءت علاماتها وأماراتها وهاأنا ذا أقسم العلامات إلى ثلاثة أقسام:

    أولا: علامات صغرى وقعت وانتهت.

    ثانيا: علامات صغرى وقعت ولم تنقضِ مازالت مستمرة.

    ثالثا: علامات صغرى لم تـقع بعد.

    أولا: علامات صغرى وقعت وانتهت.

    وأول هذه العلامات بعثة الحبيب المصطفى .

    ففـي الصحيحين أنه قال: ((بعثـت أنـا والساعـة كهاتيـن وأشـار بالسبابة والوسطى))([1]) فبعثة النبي علامة صغرى وموت النبي أيضا وكلاهما مضيتا.

    كما في صحيح البخاري من حديث عوف بن مالك قال: ((أعدد ستاً بين يدى الساعة...)) ([2]) وذكر النبي أولها موته .

    ومن هذه العلامات الصغرى أيضا التي وقعت وانقضت انشقاق القمر قال سبحانه: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ ، وقد وردت الأحاديث الكثيرة الصحيحة عن رسول اللـه رواها الإمام مسلم في صحيحه أذكر حضراتكم بحديث واحد من هذه الأحاديث.

    من حديث أنس قال: طلب أهل مكة من رسول اللـه أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر.

    فقال: ((ماذا تريدون؟))، قالوا: نريد أن تشق لنا القمر في السماء نصفين فسأل الحبيب ربه فاستجاب اللـه للمصطفى وشق له القمر في السماء نصفين فقال المصطفى : ((اشهدوا.. اشهدوا))([3]). ومع ذلك أنكروا وأعرضوا وقالوا: سحر مستمر.

    ومن هذه العلامات الصغرى أيضا خروج نار في أرض الحجاز روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللـه : ((لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببُصْرَى))([4]).

    وبُصْرَى بلد تسمى حوران في ديار الشام، ولقد وقعت هذه الآية بمثل ما حَدَّث الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى.

    قال الإمام القرطبي في التذكرة: ولقد وقعت هذه الآية بمثل ما حدث الصادق المصدوق . ففي يوم الأربعاء في الثالث من شهر جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة خرجت نار من أرض الحجاز كانت لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته رآها من أرض الحجاز جميع أهل الشام.

    ثانياً: العلامات الصغرى التي وقعت ومازالت مستمرة لم تنقض بعد، جاء في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان قال: ((قام فينا رسول اللـه مقاماً ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حَدَّث به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه ))([5]).

    أخبر النبي بالفتن التي ستقع وقال كما في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة وغيره قال : ((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا))([6]).

    فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل على الإيمان فلا يأتى الليل عليه إلا وقد كفر بالرحيم الرحمن!

    ويمسي على الإيمان فلا يأتى الصباح عليه إلا وقد كفر بالله عز وجل!!

    ومن الفتن التي يتعرض لها المسلم اليوم فتنة الغربة: فالمسلم الصادق يعيش الآن فتنة قاسية ألا وهي فتنة الغربة قال الحبيب كما في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة: ((بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء))([7]).

    فأهل الغربة الآن يفرون بدينهم من الفتن بل لقد روى الترمذي في سننه بسند حسن أن النبي صلى اللـه عليه وآله وسلم قال: ((سيأتي على الناس زمان القابض فيه على دينه كالقابض على جمر بين يديه((

    ومن الفتن التي تعرض لها المسلم فتنة الشهوات: وفي الصحيحيـن مـن حديـث المسـور بـن مخرمة أنه قال: قال المصطفى : ((فواللـه ما الفقـر أخشـى عليكـم ولكنـي أخشـى أن تبسط عليكم الدنيـا فتنـافسـوهـا كما تنافس فيها من كان قبلكم فتهلككم كما أهلكتهـم))([8]).

    إذ يرى المسلم واقع أمته مرُُ أليم في الوقت الذي يرى فيه أمم الكفر ودول الكفر قد قفزت قفزات سريعة جدا في عالم الحضارة والرقي والتطور والمدنية. فينظر المسلم الشاب الغيور إلى واقع الأمة فيرى الأمة ذليلة كسيرة مبعثرة كالغنم في الليلة الشاتية الممطرة، وتعصف الفتنة بقلبه ويتساءل مع نفسه أهذه هي الأمة التي دستورها هو القرآن ونبيها محمد عليه الصلاة والسلام وربها هو الرحيم الرحمن، ما الذي بدل عزها إلى ذل؟! ما الذي غير علمها إلى جهل؟! ما الذي حول قوتها إلى ضعف وهوان؟!

    وهناك فتنة الأولاد وفتنة الزوجات قال جل وعلا: إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَولادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحذَرُوهُمْ [التغابن:14].

    فتـن كثيـرة قـال المصطفى كمـا في الصحيحيـن مـن حديـث أنـس قال : ((إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال وتكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد))([9]).

    بل لقد ورد في سنن الترمذي بسند صحيح أن النبي قـال: ((يتقارب الزمان بين يدي الساعة فتكون السنة كالشهر ويكون الشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كاحتراق السعفة))([10]) احتراق جريدة من النخيل.

    ومن علامات الساعة الصغرى التي وقعت ولم تنقض إسناد الأمر إلى غير أهله.

    ففـي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة : أن أعرابيا دخل على النبي وهو يحدث الناس فقال الأعرابي: يا رسول اللـه متى الساعة؟ فمضى النبي في حديثه ولم يجب الأعرابي على سؤاله فلما أنهى النبي حديثه قال: ((أين السائل عن الساعة آنفا؟)).. فقال الأعرابى: ها أنا ذا يا رسول اللـه. قال: ((إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة)). فقال الأعرابي الفقيه: وكيف إضاعتها يا رسول اللـه؟ قال: ((إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ))([11]).

    تدبر معي حديث النبي الذي رواه أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع من حديث أبي هريرة قال : ((سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذَّب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويُخَوَّن فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة)) قيل من الرويبضة يا رسول اللـه؟ قال: ((الرجل التافه يتكلم في أمر العام)).

    ومنها تداعي الأمم على أمة الحبيب المحبوب ، ففي الحديث الذي رواه أبو داود من حديث ثوبان وهو حديث صحيح بمجموع طرقه أنه قال: ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)) قالوا أو من قلة نحن يومئذ يا رسول اللـه؟ قال: ((كلا.. إنكم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل... وليوشكن اللـه أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم وليقذفن في قلوبكم الوهن)) قيل: وما الوهن يا رسول اللـه؟ قال: ((حب الدنيا وكراهية الموت))([12]).

    واقع نعيش فيه.. واقع تحياه الأمة !! تداعت أذل أمم الأرض من اليهود ومن عباد البقر و الملحدين على أمة الإسلام في كل مكان، وطمع في الأمة الذليل قبل العزيز، والضعيف قبل القوى، والقاصي قبل الداني، وأصبحت الأمة قصعة مستباحة لأمم الأرض!!

    ومن العلامات: كما في الحديث الذي رواه أحمد والطبراني في الكبير بسند صحيح من حديث أبي أمامة رضي اللـه عنه أنه قال: ((بين يدي الساعة رجال معهم سياط كأنها أذناب البقر يغدون في سخط الله ويروحون في غضب اللـه))([13]).

    وفى صحيـح الإمـام مسـلم مـن حديـث أبي هريرة قال المصطفى : ((صنفان من أهل النار لم أرهما رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسمنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))([14]).

    أيها الأحبة الكرام لا أريد أن أطيل عليكم أكثر من ذلك، وأرجيء الحديث عن العلامات الصغرى التي لم تقع بعد إلى ما بعد جلسة الاستراحة. واللـه أسأل أن يجعلني وإياكم جميعا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه

    أقول قولي هذا وأستغفر اللـه لى ولكم

    الخطبة الثانية

    الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله اللـهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

    أما بعـد:

    ثالثاً: علامات صغرى لم تقع بــعد

    من هذه العلامات التي أخبر عنها النبي ولم تقع ما رواه البخاري ومسلم أنه صلى اللـه عليه وآله وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض حتى يخرج الرجل زكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها))([1]).

    من أهل العلم من قال: إن هذا قد وقع على عهد عمر بن عبد العزيز رضي اللـه عنه.

    ومن العلامات التي لم تظهر ما أخبر عنه الصادق المصدوق كما جاء في البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة رضي اللـه عنه قال: قال رسول اللـه : ((لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، فيقول كل رجل منهم: لعلى أكون أنا الذي أنجو((

    وفى رواية قال : ((يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً))([2]).

    ومن العلامات أيضاً التي لم تظهر بعد: ظهور المهدي رضي اللـه عنه فعن عبد اللـه بن مسعود رضي اللـه عنه قال: قال رسول اللـه : ((لـو لـم يبـق مـن الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللـه ذلك اليـوم حتـى يبعـث اللـه فيه رجلاً منى - أو من أهل بيتي - يواطيئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبـي يملأ الأرض قسطاً وعـدلاً كمـا ملئـت ظلماً وجوراً))([3]).

    يخرج هذا الرجل يؤيد اللـه به الدين يملك سبع سنين ([4]) يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً تنعم الأمة في عهده نعمة لم تنعمها قط، تخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء قطرها، ويعطى المال بغير عدد.

    قال ابن كثير: في زمانه تكون الثمار كثيرة، والزروع غزيرة، والمال وافر، والسلطان قاهر، والدين قائم، والعدد راغم، والخير في أيامه دائم.أ.هـ([5]).

    وقد تواترت الأحاديث في المهدي تواتراً معنوياً، وقد نص على ذلك الأئمة والعلماء.

    ونكتفي بذلك القدر ونسأل اللـه أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    --------------------------------------------------------------------------

    ([1]) رواه البخارى رقم (6503) في الرقاق ، باب قول النبي صلى اللـه عليه وسلم : ((بعثت أنا والساعة كهاتين)) ومسلم رقم (2950) في الفتن ، باب قرب الساعة .

    ([2]) أخرجه البخارى رقم (3176) في الجهاد ، باب مايحذر من الغدر .

    ([3]) رواه مسلم رقم (2800) في صفات المنافقين ، باب انشقاق القمر .

    ([4]) رواه البخـارى رقم (7118) في الفتن ، باب خروج النار ، ومسلم رقم (2902) في الفتن ، باب لا تقوم االساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز .

    ([5] ) رواه مسلم رقم (2891) في الفتن وأشراط الساعة ، باب إخبار النبي صلى اللـه عليه وسلم فيما يكون.

    ([6] ) رواه مسلم رقم (118) في الإيمان ، باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن والترمذى رقم (3196) في الفتن .

    ([7] ) رواه مسلم رقم (145) في الإيمان ، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً .

    ([8]) أخرجه البخارى رقم (6425) في الرقاق ، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها ، ومسلم رقم (2961) في الرقاق ، والترمذى رقم (2464) في صفة القيامة.

    ([9]) رواه البخارى رقم (80 ، 81) ، في العلم ، باب رفع العلم وظهور الجهل ، ومسلم رقم (2671) ، والترمذى رقم (2301) ، وابن ماجة (40405) .

    ([10]) رواه الترمذى رقم (2434) وصححه شيخنا الألبانى في المشكاة (5389) .

    ([11]) رواه البخارى رقم (59) في العلم ، باب من سئل علماً وهو مشتغل في حديثة فأتم الحديث ثم أجاب السائل .

    ([12]) رواه أبو داود رقم (4297) في الملاحم ، باب تداعى الأمم على الإسلام وفي سنده أبو عبد السلام صالح بن رستم الهاشمى ، وهو مجهول لكن قد رواه أحمد رقم (22296) من طريق آخر بسند قوى وصححه شيخنا الألبانى في الصحيحة رقم (956) .

    ([13]) رواه مسلم رقم (2857) في الجنة ، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء.

    ([14]) رواه مسلم رقم (2128) في الجنة ، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء.

    =================================

    ([1]) رواه البخارى رقم (7121) في الفتن ، باب خروج النار ، ومسلم رقم (157) في الزكاة ، باب الترغيب في الصدقة قبل أن لا يوجد من يقبلها.

    ([2]) رواه البخارى رقم (7119) في الفتن ، باب خروج النار ، ومسلم رقم (2894) في الفتن باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب ، وأبو داود رقم (4313:4314) في الملاحم ، والترمذى رقم (2572 : 2573) في صفة الجنة .

    ([3]) رواه أبو داود رقم (4282) في المهدى ، والترمذى رقم (2231 : 2232) في الفتن باب ما جاء في المهدى وقال : هذا حديث حسن صحيح وهو كما قال .

    ([4]) رواه أبو داود رقم (4265) في المهدى ، والحاكم في المستدرك (4/ 557) وحسنه الألبانى في صحيح الجامع رقم (6612) .

    ([5]) النهاية في الفتن والملاحم . يتبع
    يتبع
    التعديل الأخير تم بواسطة الفقير الى رب العالمين; الساعة 2010-01-12, 03:42 PM.




  • #2
    ظهور الفتن



    إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد :

    فحياكم الله جميعا أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا، وأسأل الله الكريم – جل وعلا – الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفي r في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك ومولاه ..

    ولا زلنا بحول الله وطوله نواصل دروس العقيدة لمعهد إعداد الدعاة ولا زال الحديث ممتداً عن أركان الإيمان بالله – جل وعلا – فنحن ما فارقنا دروس العقيدة.

    ونحن الليلة على موعد مع الدرس السادس من دروس الإيمان بالله واليوم الآخر، وتكلمت في المحاضرة الماضية عن علامات الساعة الصغرى التي وقعت وانقضت وانتهت.

    ونحن الليلة إن شاء الله – تعالى – على موعد مع العلامات الصغرى التي وقعت ولا زالت، ومن الجائز أن يتكرر وقوعها قبل أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذه العلامات التي سأشرع في الحديث عنها الليلة إن شاء الله تعالى، وقد يطول حديثنا في هذا القسم من العلامات الصغرى ، إذ إنني سأتعرض في حديثي عن الفتن والملاحم، التي أخبر عنها الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى r والتي لا يعرفها كثير من أبناء الأمة الآن.

    أول هذه العلامات التي وقعت ولا زالت وستكرر، أول هذه العلامات كما أخبر الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى r. ظهور الفتن هذه أول علامة من العلامات الصغرى التي أخبر النبي r عن وقوعها ، فوقعت ولما تنقض بعد، ولا زلنا نرى من هذه الفتن في كل يوم أنواعاً وأشكالا، نسأل الله أن يحفظنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه على كل شيء قدير.

    قال ابن منظور في ((لسان العرب)): الفتن جمع فتنة، الفتن جمع فتنة وهي الابتلاء والامتحان والاختبار ، ثم كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار للمكروه، ثم انطلقت على كل مكروه، أو آيل إلى مكروه كالإثم والكفر والقتل والتحريق وغير ذلك من الأمور المكروهة هذا هو التأصيل اللغوي لمعنى كلمة الفتن .

    وقد أخبر النبي r أن من أشراط الساعة ظهور الفتن العظيمة، التي يلتبس فيها الحق بالباطل فتزلزل هذه الفتن الإيمان في القلوب، حتى يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، كلما ظهرت فتنة من الفتن قال المؤمن: هذه مهلكتي، هذه الفتنة مهلكتي، ثم تنكشف فيظهر غير هذه الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف فتظهر فتنة جارية أخرى، وهكذا لا تزال الفتن تظهر إلى قيام الساعة كما أخبر الصادق r.

    ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي r قال: ((بادروا بالأعمال)) ((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم)) أي: تقدموا بالأعمال الصالحة بين يدي الفتن التي ستكون كقطع الليل المظلم ((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً)) ((يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا))(1).

    ها نحن الآن نرى مصداق كلام النبي r، فكم من أناس يبيعون دينهم، بعرض من الدنيا حقير، من أجل كرسي في مجلس الشعب، أو كرسي في مجلس شورى، أو كرسي في منصب من المناصب، أو وظيفة من الوظائف ، ربما لا يتورع الرجل أن يكذب، وأن ينافق وأن يخادع، وأن يماليء ، وأن ينافق بل وأن ينفق كل ما يملك، للوصول لهذه الغاية فإذا ما وصل إلى الغاية التي أراد تنكر لجل وعوده إن لم أقل : لكل وعوده التي وعد الناس بها .

    فالناخب يكذب على ناخبيه ، المرشح يكذب على ناخبيه ، والحاكم يكذب على محكوميه، والعالم – إلا من رحم ربي – قد يزل فْي الكذب فيزور الفتاوى العرجاء ، لذوي السلطان ، وهكذا – ((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمناً، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا)).

    ولذا حذر النبي r من فتنة الدنيا كما في الصحيحين من حديث عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه أنه r قال : (( والله ما الفقر أخشى عليكم والله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم )) ([1]).

    وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ، وأبو داود في سننه وابن ماجه كذا في السنن والحاكم في المستدرك ، وصححه على شرط الشيخين وأقره الذهبي والألباني من حديث أبي موسى الأشعري أن الحبيب النبي r قال: ((إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً القاعد فيها)) – أي : في هذه الفتن – ((خير من القائم ، القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي فكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا بسيوفكم الحجارة فإن دُخِل على أحدكم فليكن كخير ابني آدم))([2]) – أي : الذي قُتل.

    وفي الحديث الذي رواه البخاري من حديث أم سلمة زوج النبي r رضوان الله عليها قالت : استيقظ رسول الله r ليلة فزعاً – في ليلة أم سلمة استيقظ النبي ليلة من لياليها فزعاً وهو يقول : (( سبحان الله ! سبحان الله ! ماذا أنزل الله من الخزائن ؟ وماذا أنزل الله من الفتن ؟ من يوقظ صواحب الحجيرات ؟ - أي من يوقظ زوجات النبي الطاهرات – من يوقظ صواحب الحجيرات ؟ لكي يصلين فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة))([3]).

    استيقظ الني r وهو يقول: (( سبحان الله ماذا أنزل الله من الفتن)) رأى النبي r في هذه الليلة الفتن الكثيرة التي وصفها كأنها كقطع الليل الأسود ، المظلم لذا فهو يأمر أو يريد أن يوقظ نساءه – رضوان الله عليهن– ليصلين لله – جل وعلا – ثم قال: ((رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)) .

    وذكر الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى – أقوالاً كثيرة في تفسير هذه الكلمة الأخيرة ((رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة )) فقال (( رب كاسية في الدنيا وهي عارية في الآخرة )) أي تلبس لباساً ضيقاً أي تلبس ثياباً شفافة، تظهر هذه الثياب عورتها، إما بضيقها وإما بشفافيتها هذه يظهر الله – جل وعلا – عورتها في الآخرة، جزاءً وفاقاً لإظهارها لعورتها في الدنيا.

    وأنتم تعلمون الحديث الصحيح الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة انه r قال: ((صنفان من أمتي من أهل النار )) – أرجو أن تنتبه المسلمات إلى هذا الحديث – يقول النبي r : (( صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما بعد )) وهذه أيضا من معجزات النبي r الخالدة ومن علامات الساعة كما سأبين إن شاء الله – تعالى .

    ((صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما بعد : رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس)) وأنتم ترون الآن السياط التي تصنع من أذيال البقر وأذناب البقر ! ليلهب بها الظالمون والطغاة ظهور كثير من الناس من المظلومين والمؤمنين في السجون، هنا وهنالك ((رجال معهم سياط كأذناب البقر ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها – أي وإن ريح الجنة – ليوجد من مسيرة كذا وكذا ))([4])

    فالنبي r يقول: ((رب كاسية في الدنيا بالنعم وهي عارية عن شكر المنعم – تبارك وتعالى.

    وهناك من يقول : رُب كاسية في الدنيا بالثياب لغناها ، ولكنها عارية من الثياب يوم القيامة، لتجردها في الدنيا من العمل الصالح ، الذي تكسي بفضله عند الله في الآخرة.

    إذن يقول النبي – عليه الصلاة والسلام: ((سبحان الله ! سبحان الله ! ماذا أنزل الله من الخزائن ؟ وماذا أنزل الله من الفتن ؟ من يوقظ صواحب الحجيرات ؟ - أي من يوقظ زوجات النبي الطاهرات – من يوقظ صواحب الحجيرات ؟ لكي يصلين)) ثم قال (( رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة )) نسأل الله أن يستر نساءنا في الدنيا والآخرة، إنه ولي ذلك ومولاه .

    وفي الحديث الذي رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما قال – تدبر هذا الحديث – نادى منادي رسول الله r : الصلاة جامعة، الصلاة جامعة – وإذا نادى المنادي بهذا النداء ، يعلم أصحاب النبي r إن أمراً قد وقع وأن النبي r يريد أن يخبر بشيء قد تمن ، أو بتشريع قد نزل فنادى المنادي: الصلاة جامعة ، الصلاة جامعة.

    يقول عبد الله بن عمرو : فاجتمعنا لرسول الله r فقال – بأبي هو وأمي: ((إنه لم يكن نبي من قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم)) تدبر كلام النبي r ((إنه لم يكن نبي من قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها)) فخير القرون قرن النبي r ثم الذي يليه ثم الذي يليه.

    يقول – عليه الصلاة والسلام: ((وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء ، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها ، وتجيء الفتنة وتجيء الفتنة فيرقق بعضها بعضا)) ([5]).

    يا إلهي !! تعبير نبوي في غاية البلاغة، والله كأن النبي r يجسد فتن هذا الواقع المعصر – ((فيرقق بعضها بعضا)) ما معنى ذلك؟ معنى ذلك أنه قد تقع الفتنة العظيمة التى تخلع القلوب وتصيب المؤمن بالذهول، فسرعان ما تقع فتنة أخرى أعصف، فتنسي الفتنة الثانية الفتنة الأولى، فيرقق بعضها بعضا، فينظر المسلم إلى الفتنة الجديدة، إلى هولها وفظاعتها ، وبشاعتها ، فيرى أن الفتنة الأولى ، التى سبقت ما هي إلا بسيطة، ورقيقة إلى جوار الفتنة الجديدة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    تدبر كلام النبي r الذي يقول: ((وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء الفتنة وتجيء الفتنة فيرقق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه)) أي: هذه مهلكتي هذه مهلكتي اسمع ((فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته، وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليهم )).

    يقول الله – جل وعلا : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } [آل عمران/102] .

    أي في ظل هذه الفتن يجب عليك أن تجدد الإيمان أن تجدد الإيمان ، فإن الإيمان يخلق فإن الإيمان يضعف كما في الحديث الذي رواه الطبراني في ((معجمه الكبير)) والحاكم في ((المستدرك)) من حديث عبد الله بن عمرو وحسنه الألباني أن النبي r قال : (( إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب – أي كما يبلى الثوب- فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ))([6]).

    فالأمر يحتاج في ظل هذه الفتن – كما سنبين إن شاء الله – تعالى – إلى أن يجدد الإنسان المسلم إيمانه بالله – جل وعلا – وباليوم الآخر وأن يتعوذ بالله من شر هذه الفتن ما ظهر منها وما بطن .

    يقول النبي r : (( فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته، وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليهم ))([7]).

    وفي الحديث الذي رواه مسلم من حديث حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – أن النبي r قال: ((من الفتن ثلاث لا يذرن شيئاً)) وفي لفظ ((لا يكدن يذرن شيئا ومنهن)) يعني: النبي r يبين أن الفتن منها ما هو كبير وضخم ، ومنها ما هو صغير ((ثلاث لا يكدن يذرن شيئا ومنهن فتن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار))([8]) يبقى الفتن متدرجة منها ما هو شديد ، ومنها ما هو كرياح الصيف ، ومنها ما هو صغير

    ولذلك أخبر النبي r أن الفتن قد تشتد ، وأن البلاء قد يزيد ، لدرجة أن يتمنى العبد المؤمن ، إذا مر على قبر رجل من الصالحين ، يتمنى العبد المسلم ، أن لو كان مكانه كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الحديث الذي رواه الإمام مسلم يقول النبي r - بل ورواه أيضا الإمام البخاري يقول النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم من حديث أبي هريرة : (( لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل على قبر الرجل فيقول : ياليتني كنت مكانه ؟ )) ([9]).

    ألم نسمع هذه الكلمة مراراً وتكراراً من كثير من الناس ، يتمنى كثير من الناس من شدة الفتن والبلاء – نسأل الله – عز وجل – أن يختم لنا ولكم بالصالحات .

    مع أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد حذر أن يتمنى أو نهى أن يتمنى العبد الموت لضر وقع به ([10]).

    والجمع بين الحديثين – إذ لا تعارض أبداً – أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يتمنى العبد الموت من الله – عز وجل – من باب القنوط أو اليأس أو الإحباط من الحياة وإنما لا حرج أن يقول العبد (( اللهم أحيني ما دامت الحياة خيراً لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي )) نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالإيمان .

    والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يتمنى العبد الموت من الله عز وجل من باب القنوط أو اليأس أو الإحباط ، من الحياة وإنما لا حرج أن يقول العبد: (( اللهم أحيني ما دامت الحياة خيراً لي ، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي )) ([11]) نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالإيمان .

    إذن أيها الأحبة الكرام : هذه أحاديث ذكرتها تبين أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد بين أن ظهور الفتن من أشراط وعلامات الساعة ومن أكثر الفتن التي ظهرت في المسلمين ، وتعوذ النبي r منها ، بل وبين مصدرها كانت من المشرق ، قف لتقف على عظمة النبي محمد r وعلى أنه لا ينطق عن الهوى ، قف مع هذه اللقطة المهمة .

    أقول: معظم الفتن التي بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقوعها ، بين أنها ستقع في المشرق أو ستخرج من المشرق فقال – عليه الصلاة والسلام – كما في الحديث الذي رواه مسلم من حديث ابن عمر ورواه البخاري أيضاً يقول النبي – عليه الصلاة والسلام – وهو يستقبل المشرق: (( ألا إن الفتنة ها هنا ألا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان )) .

    حديث رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر: ((ألا إن الفتنة ها هنا )) ويشير النبي r إلى جهة المشرق ((ألا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان ))([12]).

    ويقول – عليه الصلاة والسلام – كما في رواية مسلم: (( رأس الكفر من ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان )) يعني : من المشرق .

    وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي r دعا فقال : (( اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا ، اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا )) قال رجل من القوم : يا رسول الله ، وفي عراقنا ؟ تدبر، وفي عراقنا ؟ فقال الني عليه الصلاة والسلام : (( إن بها قرن الشيطان وتهيّج الفتن وإن الجفاء بالمشرق))([13]).

    ((إن بها قرن الشيطان وتهيّج الفتن وإن الجفاء بالمشرق )) .

    وهذا الحديث رواه الطبراني ورواة هذا الحديث ثقات ورواته ثقات قال عليه الصلاة والسلام : (( إن بها قرن الشيطان وتهيّج الفتن وإن الجفاء بالمشرق )) .

    قال ابن حجر : وأول الفتن كان منبعها من قبِل المشرق، تدبر! لتقف على صدق من لا ينطق عن الهوى r يقول ابن حجر: وأول الفتن كان منبعها من المشرق، فكان ذلك سبباً لفرقة المسلمين وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به، وكذلك البدع، نشأت من تلك الجهة.

    فمن العراق ظهر الخوارج – تدبر ! لتقف على بداية الفتن، كما قال النبي r - من العراق ظهرت الخوارج، ظهر الشيعة والروافض، وظهرت الباطنية والقدرية، كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، هذه فتنة عاصفة والقدرية والمعتزلة، الفتنة العاصفة التي ابتلي فيها الأئمة ، كانت في العراق، وأكثر مقالات الكفر كان منشؤها من المشرق من جهة الشرق يعني من جهة الفرس، من جهة الصين، من جهة روسيا هذا هو المشرق، وأكثر الفتن ، وأكثر مقالات الكفر، التي بدأت وخرجت، خرجت من جهة المشرق، كما قال الصادق الذي لا ينطق عن الهوى .

    فمن جهة الفرس المجوس، خرجت كل فرق الكفر والضلال كالزرداشتية، والقاديانية، والبهائية، والهندوسية، والبوذية، كل هذه الفرق من فرق الكفر والضلال خرجت من جهة المشرق كما قال النبي – عليه الصلاة والسلام .

    وأيضا ظهر التتار في القرن السابع الهجري، كان ظهور التتار من قبل المشرق وقد حدث على أيديهم من الدمار والقتل ما تعلمونه ، حتى وصلت برك الدماء في بلاد المشرق المسلم العربي في بلاد العراق ، في بغداد على وجه التحديد ، وصلت برك الدماء وأكوام الأشلاء إلى منتصف ساق الخيول ، من كثرة القتل والدم ، ومنعت صلاة الجماعة في بلاد العراق أربعين يوماً ، لا يستطيع أحد أن يخرج من بيته ، ليصلي الجماعة في المسجد.

    فتن وإلى يومنا هذا لا يزال المشرق منبع كل فتنة ، لنعلم أن النبي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فالشيوعية الملحد في المشرق والصين ، الشيوعية التي تهدد الأرض في المشرق والفاتيكان وكل فرق الضلال وكل فرق الكفر ى زالت إلى يومنا هذا من قبل المشرق وتخرج ابتداء من المشرق كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

    وأحاديث الفتن أيها الأحبة كثيرة كثيرة جدا ، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، والنبي r قد حذر الأمة من هذه الفتن وأخبر أن هذه الأمة ستصاب بهذه الفتن وهذا البلاء العظيم ، وليس هناك عاصم يا إخوة من كل هذه الفتن ، كما سأفرد لهذا محاضرة مستقلة بإذن الله – تعالى – وأنا أتكلم في آخر محاضرة عن الفتن ، لأن الحديث طويل جدا – سأفرد محاضرة للنجاة من هذه الفتن ، أسأل الله – عز وجل – أن يعصمنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن .

    وبالجملة أقول : لا عاصم أبدا من هذه الفتن إلا الإيمان بالله – جل وعلا – إلا الإيمان بالله – جل وعلا – وباليوم الآخر ولزوم جماعة المسلمين من أهل السنة ، ولو كانوا قلة والابتعاد عن الفتن والتعوذ منها ، كما قال النبي – عليه الصلاة والسلام: ((تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن تعوذا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن)).

    والحديث رواه مسلم من حديث زيد بن ثابت – رضي الله عنه – قال عليه الصلاة والسلام : (( تعوذا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ))(1) .

    وكان النبي r يتعوذ في صلاته من فتنة المحيا وفتنة الممات ومن فتنة المسيح الدجال(2) وهي أعصف وأخطر فتنة سيتعرض لها من يعيش في الأرض في هذه اللحظات التي يخرج فيها الدجال والعياذ بالله يقول النبي عليه الصلاة والسلام – كما في رواية الطبراني عن عصمة بن قيس وهو صاحب للنبي عليه الصلاة والسلام : أنه كان يتعوذ في صلاته من فتنة المغرب ، ومن فتنة المشرق ، وكان يتعوذ من فتنة المشرق ، فسئل النبي r يوما كيف فتنة المغرب يا رسول الله ؟

    اسمع لتجمع بين الفتنتين (أحسن حد يُخْرج أمريكا من الفتنة وهي أم الفتنة الآن) يقول: النبي عليه الصلاة والسلام كان يتعوذ من فتنة المشرق فقيل له: فكيف فتنة المغرب يا رسول الله ؟ قال: ((تلك أعظم وأعظم)) وفي لفظ ((تلك أعظم وأطم تلك أعظم وأطم ))(3) .

    وأظنكم ترون الآن صدق كلام النبي r الذي لا ينطق عن الهوى ، وربما تتضح الصورة أكثر ، وأنا أتحدث عن الملاحم إن شاء الله – تعالى .

    وعن زيد بن عبد الرحمن بن أبي سلامة عن أبي الرباب ، وصاحب له أنهما سمعا أبا ذر – رضي الله عنه – يدعو الله – عز وجل – ويتعوذ في صلاة صلاها فأطال قيامها وأطال ركوعها ، وأطال سجودها فلما أنهى أبو ذر الصلاة قال : فسألناه مم تعوذت ؟ وفيم دعوت ؟ فقال : تعوذت بالله من يوم البلاء ويوم العورة أن يدركني ، قلنا : وما ذاك ؟ ما يوم البلاء وما يوم العورة ؟ فقال أبو ذر – رضي الله عنه : أما يوم البلاء فتلتقي فئتان مسلمتان ، أو فئتان من المسلمين – فيقتل بعضهم بعضا ( وقع ولا لأ ؟ ) فتنة علي ومعاوية رضي الله عنهما ، وعن جميع أصحاب النبي r وغفر الله لنا ولهم وجمعنا معهم في جنة النعيم ، وتجاوز عنا وعنهم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .

    سأل رجل خبيث عالماً من العلماء يوماً عن الفتنة بين علي ومعاوية – رضي الله عنهما – وقد فصلت ذلك في شريطي : عثمان وعلي رضي الله عنهما ، وبينت أنه لا يجوز لمسلم ، أو أي أحد أن يتكلم في أصحاب النبي r إلا بشروط ، وهذا من أعظم ما أؤصله لكم الآن أيها الأحبة الكرام هذا من أغلى ما أذكره في محاضرة الليلة .

    أقول: إن الحديث عن أصحاب النبي r يتطلب : صفاء في العقيدة وإخلاصا في النية وأمانة في النقل ودقة في الفهم ، ونظرة فاحصة ومدققة لأراجيف المغرضين والكذابين والوضاعين .

    قف على هذه الأصول، فهي من أنفس ما أعلمه الليلة، لإخواننا وأحبائنا الطلاب.

    إن الحديث عن أصحاب النبي r يتطلب: صفاء في العقيدة وإخلاصا في النية وأمانة في النقل ودقة في الفهم ، ونظرة فاحصة ومدققة لأراجيف المغرضين والكذابين والوضاعين .

    فسأل خبيث عالماً من العلماء عن الفتنة بين علي ومعاوية فقال له: يا أخي إن أخطأ معاوية ، فإن عليا كريم ، وإن رب علي ومعاوية لغفور رحيم إن أخطأ معاوية ، فإن عليا كريم ، وإن رب علي ومعاوية لغفور .

    ولله در الذهبي إذ يقول : تلك فتنة ، نعم فتنة بكل المقاييس – فتنة سلمت منها أيدينا فلتسلم منها ألستنا وعند الله تجتمع الخصوم نسأل الله – عز وجل – أن يغفر لنا ولهم وأن يجمعنا بهم في جنة النعيم .

    فأبو ذر يقول : يوم البلاء فئتان من المسلمين ، يقتل بعضهم بعضا ، وأما يوم العورة فإن نساء من المسلمات يسبين فيكشف عن سوقهن ، فأيتهن كانت أعظم ساقا اشتريت على عظم ساقها فدعوت الله ألا يدركني هذا الزمان(1) .

    ولعلكما تدركانه ، هكذا يقول أبو ذر لصاحبيه – رضوان الله عليهم جميعا .

    وأقول: لقد وقع ما خشيه أبو ذر من يوم العورة ، فلقد كشفت الآن عورات المسلمات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وأنتم ترون المسلمات قد انطلقن في الشوارع هائمات، وقد كشفت المرأة التي تنتمي إلى الإسلام عن صدرها، وعن شعرها، وعن ساقيها، وعن ذراعيها كشفت عن فتنتها ، وعن عورتها، كشفت عن ساقيها كما قال أبو ذر رضوان الله عليه – بل زكما قال أبو ذر: فأيتهن كانت أعظم، كانت أعظم ساقا اشتريت على عظم ساقها وقع ورب الكعبة ما قاله أبو ذر كيف وأين ؟! .

    ألم تقرؤوا أيها الأحبة وتسمعوا عن حفلات اختيار ملكات جمال العالم ؟ ألم تختر ملكة جمال العالم بمثل هذه المواصفات التي ذكر؟ ينظر إلى كل تفاصيل جسدها، ثم تقدم من تنال النصيب الأوفر من هذه المواصفات، وكذلك في حفلات عروض الأزياء.

    ولم أبعد النجعة، بل إننا نرى ذلك في شوارعنا وطرقاتنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، نسأل الله أن يرد المسلمات إلى الحق ردا جميلا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    فهذه – ورب الكعبة – أيام العورة على حقيقتها كما قال أبو ذر – رضي الله عنه وأرضاه – فإننا نرى عورات المسلمات بل نرى عورات المسلمات المغلظة ، نرى العورات المغلظة على الشواطىء العارية ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

    وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي r قال : (( اللهم لا يدركني زمان أو لا أدرك زمان قوم لا يتبعون العليم ولا يستحيون من الحليم قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب )) .

    وصف عجيب ، والحديث رواه الحاكم في ((المستدرك)) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، يقول النبي – عليه الصلاة والسلام : (( اللهم لا يدركني زمان أو لا أدرك زمان قوم لا يتبعون العليم ولا يستحيون من الحليم قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب ))([14])

    وإن جل الأمة الآن لا يتبعون العلماء ، بل يتبعون السفهاء ، بل يتبعون الروبيضات ، يتبعون الروبيضات الذين أخبر عنهم النبي r كما في حديثه الصحيح الذي رواه أحمد في مسنده ، والحاكم في ((مستدركه)) من حديث أبي هريرة ، قال – عليه الصلاة والسلام : (( سيأتي على الناس سنوات خداعات ، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الروبيضة )) قيل : من الروبيضة يا رسول الله ؟ قال : (( الرجل التافه يتكلم في أمر العامة )) ([15]).

    هذا هو الذي يتكلم الآن، الروبيضة، فالأمة لا تتبع الآن العلماء بل تتبع السفهاء، بل تكُرم السفهاء ، ما لو أقاموا لله شرعاً لأقاموا عليهم الحد، والله تكرم الأمة الآن من يجب أن يقام عليهم الحد ، هذا واقع أليم ، لا تتبع الأمة العلماء، ولا تستحي من أهل العلم أبداً قلوبهم قلوب الأعاجم ، قلوب الغرب ألسنتهم ألسنة الغرب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ويزداد الأمر خطراً يا شباب ، إذا علمنا أن النبي r قد أخبر أن الفتن تُعرض على القلوب ، وهذا مكمن الخطر ، أن الفتن تعرض على القلوب ، كما في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – أن النبي r قال : (( تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تعود القلوب على قلبين : قلب أسود مربادا كالكوز مجخياً لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه وقلب أبيض لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض)) ([16]) .

    اللهم اجعلنا من أصحاب هذه القلوب البيضاء التقية النقية التي لا تضرها الفتن ما دامت السماوات والأرض برحمتك يا أرحم الراحمين .

    يقول ابن مسعود – رضي الله عنه وأرضاه : أخاف عليكم فتناً كأنها الليل – تدبر – أخاف عليكم فتنا كأنها الليل يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه – يا الله !! أخاف عليكم فتنا كأنها الليل يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه ، إيه ورب الكعبة / كم من قلوب ماتت الآن في الصدور ، كما تموت الأبدان وأصحابها لا يشعرون ، يموت القلب تحجب الفتن القلوب عن أنوار الإيمان عن علام الغيوب {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ{14} كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}[المطففين/14] .

    يقول : أخاف عليكم فتنا كأنها الليل من سوادها وظلامها ، يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه والعياذ بالله تنكت الفتنة في القلب ، إن تشرب القلب الفتنة تنكت في القلب نكتة سوداء ، فإن لم يتب العبد إلى الله ويرجع يتشرب قلبه فتنة أخرى تزيد بقعة السواد في قلبه ، فإن لم يرجع إلى الله – جل وعلا – بالتوبة والأوبة تعرض على قلبه فتنة ثالثة ، فيشربها القلب فتزيد بقعة السواد وهكذا ، حتى يحجب سواد الفتن نور الإيمان في القلوب كما قال النبي r في الحديث الذي ذكرت مرارا وهو حديث صحيح رواه أبو نعيم والديلمي وصححه الألباني من حديث علي رضي الله عنه – أن الحبيب النبي r قال : (( ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر فبينما القمر مضيء فعلته سحابة فأظلم ، فإذا تجلت عنه أضاء القمر في كبد السماء ينير ، فإذا تحركت سحابة كثيفة وحالت بين القمر وبين الأرض حجبت السحابة نور القمر عن الأرض ))(1).

    كذلك القلب يا إخوة إذا تكون الران في القلب وإذا تكاثفتت سحب المعصية والذنوب على القلب ، حجبت هذه السحب الكثيفة المظلمة نور الإيمان في القلوب ، فإن تاب العبد إلى علام الغيوب وعاد إلى الله – جل وعلا – ورجع انقشعت تلك السحب أنقشعت سحب المعصية بماذا ؟ بالتوبة فيجع القلب يرجع الإيمان في القلب إلى حالته من النور والتلألؤ والإشراق .

    أيها الأحبة الكرام : سأكتفي بهذا القدر لأعاود الحديث إن شاء الله تعالى في اللقاء المقبل عن الفتن مع حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأرضاه وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وجزاكم الله خيرا .

    (1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن ( 186،118) ، والترمذي في كتاب الفتن ، باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم (2495) ، وقال : هذا حديث حسن صحيح )) ، وأحمد في المسند (2/523،304) ، وابن حبان في صحيحه في كتاب الفتن باب فيما يكون من الفتن (1868) .

    (1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي ، باب 12 رقم (4015) ، ومسلم في كتاب الزهد والرقائق ، باب أوله (2961/6) .

    (2) [صحيح] : أخرجه أبو داود في كتاب الفتن والملاحم ، باب في النهي عن السعي في الفتنة (4259) ، والترمذي في كتاب الفتن ، باب ما جاء في اتخاذ سيف من خشب في الفتنة (2204) ، وابن ماجه في كتاب ، باب التثبيت في الفتنة (3961) ، وأحمد في المسند (4/408) ، والحاكم في المستدرك (3/525) .

    (1) أخرجه البخاري في كتاب الفتن ، باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه (7069) ، والترمذي في كتاب الفتن ، باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم (2196) .

    (1) أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة ، باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات (2128/125) ، وأحمد في المسند (2/440،356) .

    (1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة ، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول (1844/47،46) ، وأبو داود في كتاب الفتن والملاحم ، باب ذكر الفتن ودلائلها (4248) مختصراً ، والنسائي في كتاب البيعة ، باب ذكر ما على من بايع الإمام وأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه (4202) ، وابن ماجه في كتاب الفتن ، باب ما يكون من الفتن (3956) ،ـ وأحمد في المسند (2/161) .

    (1) {صحيح} : أخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب الإيمان (1/4) ، وقال : (( حديث لم يخرج في الصحيحين ، ورواته مصريون ثقات ووافقه الذهبي ، والطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (1/52) ، وقال الهيثمي : (( وإسناده حسن )) .

    (2) انظر التخريج السابق .

    (3) أخرجه مسلم في كتاب الفتن ، باب إخبار النبي r فيما يكون إلى قيام الساعة (2891/22) .

    (4) أخرجه البخاري في كتاب الفتن ، باب لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور (7115) ، ومسلم في كتاب الفتن ، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ، فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء (157/54،53) ، وأحمد في المسند (2/530) .

    (1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات ، باب الدعاء بالموت والحياة (6351) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ، باب تمني كراهة الموت لضر نزل به (2680/10) ، وأبو داود في كتاب الجنائز باب كراهية تمني الموت (3108) ، والترمذي في كتاب الجنائز ، باب ما جاء في النهي عن التمني للموت (971) ، والنسائي في كتاب الجنائز ، باب تمني الموت (1820) ، وابن ماجه في كتاب الزهد باب ذكر الموت والاستعداد له (4265) ، وأحمد في المسند (3/103) من حديث أنس بن مالك .

    (2) انظر التخريج السابق .

    (1) أخرجه البخاري في كتاب الفتن ، باب قول النبي r : (( الفتنة من قبل المشرق )) (7093) ، ومسلم في كتاب الفتن ، باب الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان (2905/45-50) ، وأحمد في المسند (2/111،92) .

    (2) [صحيح] : أخرجه الطبراني في الكبير (12/85) ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2/227) ، وقال : (( رواه الطبراني في الكبير رواته ثقات )) .

    (1) أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه (2867/67) .

    (2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان ، باب الدعاء قبل السلام (832) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب ما يستعاذ منه في الصلاة (589/129) ، وأبو داود في كتاب الصلاة ، باب الدعاء في الصلاة (880) ، والنسائي في كتاب السهو ، باب التعوذ في الصلاة باب 64(1308) ، وأحمد في المسند (6/201،89) كلهم من حديث عائشة – رضي الله عنها .

    (3) – [صحيح] : أخرجه الطبراني في الكبير (17/187) من حديث عصمة بن قيس السلمي ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/220) ، وقال : (( رواه الطبراني ، ورجاله ثقات )) .

    (1) أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب (1/161)

    (1) أخرجه أحمد في المسند (5/340) ، وذكره المنذري فب الترغيب والترهيب (1/65) ، وقال : (( رواه أحمد وفي إسناده ابن لهيعة )) ، والديلمي في الفردوس (2009) ، وانظر : مجمع الزوائد (1/183) من حديث سهل بن سعد الساعدي ، وأخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب الفتن والملاحم (4/555) ، وقال : (( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) ، والبيهقي في شعب الإيمان (7740) من حديث أبي هريرة .

    (2) [حسن] أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن ، باب شدة الزمان (4036) ، وفي الزوائد : (( في إسناده إسحاق بن أبي الفرات ، وقال الذهبي في الكاشف : مجهول : وقيل : منكر . وذكره ابن حبان في الثقات )) ، وأحمد في المسند (2/338،291) ، والحاكم في المستدرك في كتاب الفتن والملاحم (4/512) ، وقال : (( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي )) .

    (1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً ، وإنه يأرز بين المسجدين (144/231) ، وأحمد في المسند (5/405،386) .

    (1) [ صحيح] : أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (2/196) ، والديلمي في الفردوس (4/6173) .



    تعليق


    • #3
      ظهور الفتن



      إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله.

      أما بعد :

      فحياكم الله جميعا أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا، وأسأل الله الكريم – جل وعلا – الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفي r في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك ومولاه ..

      ولا زلنا بحول الله وطوله نواصل دروس العقيدة لمعهد إعداد الدعاة ولا زال الحديث ممتداً عن أركان الإيمان بالله – جل وعلا – فنحن ما فارقنا دروس العقيدة.

      ونحن الليلة على موعد مع الدرس السادس من دروس الإيمان بالله واليوم الآخر، وتكلمت في المحاضرة الماضية عن علامات الساعة الصغرى التي وقعت وانقضت وانتهت.

      ونحن الليلة إن شاء الله – تعالى – على موعد مع العلامات الصغرى التي وقعت ولا زالت، ومن الجائز أن يتكرر وقوعها قبل أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذه العلامات التي سأشرع في الحديث عنها الليلة إن شاء الله تعالى، وقد يطول حديثنا في هذا القسم من العلامات الصغرى ، إذ إنني سأتعرض في حديثي عن الفتن والملاحم، التي أخبر عنها الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى r والتي لا يعرفها كثير من أبناء الأمة الآن.

      أول هذه العلامات التي وقعت ولا زالت وستكرر، أول هذه العلامات كما أخبر الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى r. ظهور الفتن هذه أول علامة من العلامات الصغرى التي أخبر النبي r عن وقوعها ، فوقعت ولما تنقض بعد، ولا زلنا نرى من هذه الفتن في كل يوم أنواعاً وأشكالا، نسأل الله أن يحفظنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه على كل شيء قدير.

      قال ابن منظور في ((لسان العرب)): الفتن جمع فتنة، الفتن جمع فتنة وهي الابتلاء والامتحان والاختبار ، ثم كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار للمكروه، ثم انطلقت على كل مكروه، أو آيل إلى مكروه كالإثم والكفر والقتل والتحريق وغير ذلك من الأمور المكروهة هذا هو التأصيل اللغوي لمعنى كلمة الفتن .

      وقد أخبر النبي r أن من أشراط الساعة ظهور الفتن العظيمة، التي يلتبس فيها الحق بالباطل فتزلزل هذه الفتن الإيمان في القلوب، حتى يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، كلما ظهرت فتنة من الفتن قال المؤمن: هذه مهلكتي، هذه الفتنة مهلكتي، ثم تنكشف فيظهر غير هذه الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف فتظهر فتنة جارية أخرى، وهكذا لا تزال الفتن تظهر إلى قيام الساعة كما أخبر الصادق r.

      ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي r قال: ((بادروا بالأعمال)) ((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم)) أي: تقدموا بالأعمال الصالحة بين يدي الفتن التي ستكون كقطع الليل المظلم ((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً)) ((يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا))(1).

      ها نحن الآن نرى مصداق كلام النبي r، فكم من أناس يبيعون دينهم، بعرض من الدنيا حقير، من أجل كرسي في مجلس الشعب، أو كرسي في مجلس شورى، أو كرسي في منصب من المناصب، أو وظيفة من الوظائف ، ربما لا يتورع الرجل أن يكذب، وأن ينافق وأن يخادع، وأن يماليء ، وأن ينافق بل وأن ينفق كل ما يملك، للوصول لهذه الغاية فإذا ما وصل إلى الغاية التي أراد تنكر لجل وعوده إن لم أقل : لكل وعوده التي وعد الناس بها .

      فالناخب يكذب على ناخبيه ، المرشح يكذب على ناخبيه ، والحاكم يكذب على محكوميه، والعالم – إلا من رحم ربي – قد يزل فْي الكذب فيزور الفتاوى العرجاء ، لذوي السلطان ، وهكذا – ((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمناً، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا)).

      ولذا حذر النبي r من فتنة الدنيا كما في الصحيحين من حديث عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه أنه r قال : (( والله ما الفقر أخشى عليكم والله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم )) ([1]).

      وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ، وأبو داود في سننه وابن ماجه كذا في السنن والحاكم في المستدرك ، وصححه على شرط الشيخين وأقره الذهبي والألباني من حديث أبي موسى الأشعري أن الحبيب النبي r قال: ((إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً القاعد فيها)) – أي : في هذه الفتن – ((خير من القائم ، القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي فكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا بسيوفكم الحجارة فإن دُخِل على أحدكم فليكن كخير ابني آدم))([2]) – أي : الذي قُتل.

      وفي الحديث الذي رواه البخاري من حديث أم سلمة زوج النبي r رضوان الله عليها قالت : استيقظ رسول الله r ليلة فزعاً – في ليلة أم سلمة استيقظ النبي ليلة من لياليها فزعاً وهو يقول : (( سبحان الله ! سبحان الله ! ماذا أنزل الله من الخزائن ؟ وماذا أنزل الله من الفتن ؟ من يوقظ صواحب الحجيرات ؟ - أي من يوقظ زوجات النبي الطاهرات – من يوقظ صواحب الحجيرات ؟ لكي يصلين فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة))([3]).

      استيقظ الني r وهو يقول: (( سبحان الله ماذا أنزل الله من الفتن)) رأى النبي r في هذه الليلة الفتن الكثيرة التي وصفها كأنها كقطع الليل الأسود ، المظلم لذا فهو يأمر أو يريد أن يوقظ نساءه – رضوان الله عليهن– ليصلين لله – جل وعلا – ثم قال: ((رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)) .

      وذكر الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى – أقوالاً كثيرة في تفسير هذه الكلمة الأخيرة ((رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة )) فقال (( رب كاسية في الدنيا وهي عارية في الآخرة )) أي تلبس لباساً ضيقاً أي تلبس ثياباً شفافة، تظهر هذه الثياب عورتها، إما بضيقها وإما بشفافيتها هذه يظهر الله – جل وعلا – عورتها في الآخرة، جزاءً وفاقاً لإظهارها لعورتها في الدنيا.

      وأنتم تعلمون الحديث الصحيح الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة انه r قال: ((صنفان من أمتي من أهل النار )) – أرجو أن تنتبه المسلمات إلى هذا الحديث – يقول النبي r : (( صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما بعد )) وهذه أيضا من معجزات النبي r الخالدة ومن علامات الساعة كما سأبين إن شاء الله – تعالى .

      ((صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما بعد : رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس)) وأنتم ترون الآن السياط التي تصنع من أذيال البقر وأذناب البقر ! ليلهب بها الظالمون والطغاة ظهور كثير من الناس من المظلومين والمؤمنين في السجون، هنا وهنالك ((رجال معهم سياط كأذناب البقر ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها – أي وإن ريح الجنة – ليوجد من مسيرة كذا وكذا ))([4])

      فالنبي r يقول: ((رب كاسية في الدنيا بالنعم وهي عارية عن شكر المنعم – تبارك وتعالى.

      وهناك من يقول : رُب كاسية في الدنيا بالثياب لغناها ، ولكنها عارية من الثياب يوم القيامة، لتجردها في الدنيا من العمل الصالح ، الذي تكسي بفضله عند الله في الآخرة.

      إذن يقول النبي – عليه الصلاة والسلام: ((سبحان الله ! سبحان الله ! ماذا أنزل الله من الخزائن ؟ وماذا أنزل الله من الفتن ؟ من يوقظ صواحب الحجيرات ؟ - أي من يوقظ زوجات النبي الطاهرات – من يوقظ صواحب الحجيرات ؟ لكي يصلين)) ثم قال (( رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة )) نسأل الله أن يستر نساءنا في الدنيا والآخرة، إنه ولي ذلك ومولاه .

      وفي الحديث الذي رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما قال – تدبر هذا الحديث – نادى منادي رسول الله r : الصلاة جامعة، الصلاة جامعة – وإذا نادى المنادي بهذا النداء ، يعلم أصحاب النبي r إن أمراً قد وقع وأن النبي r يريد أن يخبر بشيء قد تمن ، أو بتشريع قد نزل فنادى المنادي: الصلاة جامعة ، الصلاة جامعة.

      يقول عبد الله بن عمرو : فاجتمعنا لرسول الله r فقال – بأبي هو وأمي: ((إنه لم يكن نبي من قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم)) تدبر كلام النبي r ((إنه لم يكن نبي من قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها)) فخير القرون قرن النبي r ثم الذي يليه ثم الذي يليه.

      يقول – عليه الصلاة والسلام: ((وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء ، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها ، وتجيء الفتنة وتجيء الفتنة فيرقق بعضها بعضا)) ([5]).

      يا إلهي !! تعبير نبوي في غاية البلاغة، والله كأن النبي r يجسد فتن هذا الواقع المعصر – ((فيرقق بعضها بعضا)) ما معنى ذلك؟ معنى ذلك أنه قد تقع الفتنة العظيمة التى تخلع القلوب وتصيب المؤمن بالذهول، فسرعان ما تقع فتنة أخرى أعصف، فتنسي الفتنة الثانية الفتنة الأولى، فيرقق بعضها بعضا، فينظر المسلم إلى الفتنة الجديدة، إلى هولها وفظاعتها ، وبشاعتها ، فيرى أن الفتنة الأولى ، التى سبقت ما هي إلا بسيطة، ورقيقة إلى جوار الفتنة الجديدة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

      تدبر كلام النبي r الذي يقول: ((وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء الفتنة وتجيء الفتنة فيرقق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه)) أي: هذه مهلكتي هذه مهلكتي اسمع ((فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته، وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليهم )).

      يقول الله – جل وعلا : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } [آل عمران/102] .

      أي في ظل هذه الفتن يجب عليك أن تجدد الإيمان أن تجدد الإيمان ، فإن الإيمان يخلق فإن الإيمان يضعف كما في الحديث الذي رواه الطبراني في ((معجمه الكبير)) والحاكم في ((المستدرك)) من حديث عبد الله بن عمرو وحسنه الألباني أن النبي r قال : (( إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب – أي كما يبلى الثوب- فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ))([6]).

      فالأمر يحتاج في ظل هذه الفتن – كما سنبين إن شاء الله – تعالى – إلى أن يجدد الإنسان المسلم إيمانه بالله – جل وعلا – وباليوم الآخر وأن يتعوذ بالله من شر هذه الفتن ما ظهر منها وما بطن .

      يقول النبي r : (( فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته، وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليهم ))([7]).

      وفي الحديث الذي رواه مسلم من حديث حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – أن النبي r قال: ((من الفتن ثلاث لا يذرن شيئاً)) وفي لفظ ((لا يكدن يذرن شيئا ومنهن)) يعني: النبي r يبين أن الفتن منها ما هو كبير وضخم ، ومنها ما هو صغير ((ثلاث لا يكدن يذرن شيئا ومنهن فتن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار))([8]) يبقى الفتن متدرجة منها ما هو شديد ، ومنها ما هو كرياح الصيف ، ومنها ما هو صغير

      ولذلك أخبر النبي r أن الفتن قد تشتد ، وأن البلاء قد يزيد ، لدرجة أن يتمنى العبد المؤمن ، إذا مر على قبر رجل من الصالحين ، يتمنى العبد المسلم ، أن لو كان مكانه كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الحديث الذي رواه الإمام مسلم يقول النبي r - بل ورواه أيضا الإمام البخاري يقول النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم من حديث أبي هريرة : (( لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل على قبر الرجل فيقول : ياليتني كنت مكانه ؟ )) ([9]).

      ألم نسمع هذه الكلمة مراراً وتكراراً من كثير من الناس ، يتمنى كثير من الناس من شدة الفتن والبلاء – نسأل الله – عز وجل – أن يختم لنا ولكم بالصالحات .

      مع أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد حذر أن يتمنى أو نهى أن يتمنى العبد الموت لضر وقع به ([10]).

      والجمع بين الحديثين – إذ لا تعارض أبداً – أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يتمنى العبد الموت من الله – عز وجل – من باب القنوط أو اليأس أو الإحباط من الحياة وإنما لا حرج أن يقول العبد (( اللهم أحيني ما دامت الحياة خيراً لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي )) نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالإيمان .

      والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يتمنى العبد الموت من الله عز وجل من باب القنوط أو اليأس أو الإحباط ، من الحياة وإنما لا حرج أن يقول العبد: (( اللهم أحيني ما دامت الحياة خيراً لي ، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي )) ([11]) نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالإيمان .

      إذن أيها الأحبة الكرام : هذه أحاديث ذكرتها تبين أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد بين أن ظهور الفتن من أشراط وعلامات الساعة ومن أكثر الفتن التي ظهرت في المسلمين ، وتعوذ النبي r منها ، بل وبين مصدرها كانت من المشرق ، قف لتقف على عظمة النبي محمد r وعلى أنه لا ينطق عن الهوى ، قف مع هذه اللقطة المهمة .

      أقول: معظم الفتن التي بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقوعها ، بين أنها ستقع في المشرق أو ستخرج من المشرق فقال – عليه الصلاة والسلام – كما في الحديث الذي رواه مسلم من حديث ابن عمر ورواه البخاري أيضاً يقول النبي – عليه الصلاة والسلام – وهو يستقبل المشرق: (( ألا إن الفتنة ها هنا ألا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان )) .

      حديث رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر: ((ألا إن الفتنة ها هنا )) ويشير النبي r إلى جهة المشرق ((ألا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان ))([12]).

      ويقول – عليه الصلاة والسلام – كما في رواية مسلم: (( رأس الكفر من ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان )) يعني : من المشرق .

      وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي r دعا فقال : (( اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا ، اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا )) قال رجل من القوم : يا رسول الله ، وفي عراقنا ؟ تدبر، وفي عراقنا ؟ فقال الني عليه الصلاة والسلام : (( إن بها قرن الشيطان وتهيّج الفتن وإن الجفاء بالمشرق))([13]).

      ((إن بها قرن الشيطان وتهيّج الفتن وإن الجفاء بالمشرق )) .

      وهذا الحديث رواه الطبراني ورواة هذا الحديث ثقات ورواته ثقات قال عليه الصلاة والسلام : (( إن بها قرن الشيطان وتهيّج الفتن وإن الجفاء بالمشرق )) .

      قال ابن حجر : وأول الفتن كان منبعها من قبِل المشرق، تدبر! لتقف على صدق من لا ينطق عن الهوى r يقول ابن حجر: وأول الفتن كان منبعها من المشرق، فكان ذلك سبباً لفرقة المسلمين وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به، وكذلك البدع، نشأت من تلك الجهة.

      فمن العراق ظهر الخوارج – تدبر ! لتقف على بداية الفتن، كما قال النبي r - من العراق ظهرت الخوارج، ظهر الشيعة والروافض، وظهرت الباطنية والقدرية، كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، هذه فتنة عاصفة والقدرية والمعتزلة، الفتنة العاصفة التي ابتلي فيها الأئمة ، كانت في العراق، وأكثر مقالات الكفر كان منشؤها من المشرق من جهة الشرق يعني من جهة الفرس، من جهة الصين، من جهة روسيا هذا هو المشرق، وأكثر الفتن ، وأكثر مقالات الكفر، التي بدأت وخرجت، خرجت من جهة المشرق، كما قال الصادق الذي لا ينطق عن الهوى .

      فمن جهة الفرس المجوس، خرجت كل فرق الكفر والضلال كالزرداشتية، والقاديانية، والبهائية، والهندوسية، والبوذية، كل هذه الفرق من فرق الكفر والضلال خرجت من جهة المشرق كما قال النبي – عليه الصلاة والسلام .

      وأيضا ظهر التتار في القرن السابع الهجري، كان ظهور التتار من قبل المشرق وقد حدث على أيديهم من الدمار والقتل ما تعلمونه ، حتى وصلت برك الدماء في بلاد المشرق المسلم العربي في بلاد العراق ، في بغداد على وجه التحديد ، وصلت برك الدماء وأكوام الأشلاء إلى منتصف ساق الخيول ، من كثرة القتل والدم ، ومنعت صلاة الجماعة في بلاد العراق أربعين يوماً ، لا يستطيع أحد أن يخرج من بيته ، ليصلي الجماعة في المسجد.

      فتن وإلى يومنا هذا لا يزال المشرق منبع كل فتنة ، لنعلم أن النبي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فالشيوعية الملحد في المشرق والصين ، الشيوعية التي تهدد الأرض في المشرق والفاتيكان وكل فرق الضلال وكل فرق الكفر ى زالت إلى يومنا هذا من قبل المشرق وتخرج ابتداء من المشرق كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

      وأحاديث الفتن أيها الأحبة كثيرة كثيرة جدا ، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، والنبي r قد حذر الأمة من هذه الفتن وأخبر أن هذه الأمة ستصاب بهذه الفتن وهذا البلاء العظيم ، وليس هناك عاصم يا إخوة من كل هذه الفتن ، كما سأفرد لهذا محاضرة مستقلة بإذن الله – تعالى – وأنا أتكلم في آخر محاضرة عن الفتن ، لأن الحديث طويل جدا – سأفرد محاضرة للنجاة من هذه الفتن ، أسأل الله – عز وجل – أن يعصمنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن .

      وبالجملة أقول : لا عاصم أبدا من هذه الفتن إلا الإيمان بالله – جل وعلا – إلا الإيمان بالله – جل وعلا – وباليوم الآخر ولزوم جماعة المسلمين من أهل السنة ، ولو كانوا قلة والابتعاد عن الفتن والتعوذ منها ، كما قال النبي – عليه الصلاة والسلام: ((تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن تعوذا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن)).

      والحديث رواه مسلم من حديث زيد بن ثابت – رضي الله عنه – قال عليه الصلاة والسلام : (( تعوذا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ))(1) .

      وكان النبي r يتعوذ في صلاته من فتنة المحيا وفتنة الممات ومن فتنة المسيح الدجال(2) وهي أعصف وأخطر فتنة سيتعرض لها من يعيش في الأرض في هذه اللحظات التي يخرج فيها الدجال والعياذ بالله يقول النبي عليه الصلاة والسلام – كما في رواية الطبراني عن عصمة بن قيس وهو صاحب للنبي عليه الصلاة والسلام : أنه كان يتعوذ في صلاته من فتنة المغرب ، ومن فتنة المشرق ، وكان يتعوذ من فتنة المشرق ، فسئل النبي r يوما كيف فتنة المغرب يا رسول الله ؟

      اسمع لتجمع بين الفتنتين (أحسن حد يُخْرج أمريكا من الفتنة وهي أم الفتنة الآن) يقول: النبي عليه الصلاة والسلام كان يتعوذ من فتنة المشرق فقيل له: فكيف فتنة المغرب يا رسول الله ؟ قال: ((تلك أعظم وأعظم)) وفي لفظ ((تلك أعظم وأطم تلك أعظم وأطم ))(3) .

      وأظنكم ترون الآن صدق كلام النبي r الذي لا ينطق عن الهوى ، وربما تتضح الصورة أكثر ، وأنا أتحدث عن الملاحم إن شاء الله – تعالى .

      وعن زيد بن عبد الرحمن بن أبي سلامة عن أبي الرباب ، وصاحب له أنهما سمعا أبا ذر – رضي الله عنه – يدعو الله – عز وجل – ويتعوذ في صلاة صلاها فأطال قيامها وأطال ركوعها ، وأطال سجودها فلما أنهى أبو ذر الصلاة قال : فسألناه مم تعوذت ؟ وفيم دعوت ؟ فقال : تعوذت بالله من يوم البلاء ويوم العورة أن يدركني ، قلنا : وما ذاك ؟ ما يوم البلاء وما يوم العورة ؟ فقال أبو ذر – رضي الله عنه : أما يوم البلاء فتلتقي فئتان مسلمتان ، أو فئتان من المسلمين – فيقتل بعضهم بعضا ( وقع ولا لأ ؟ ) فتنة علي ومعاوية رضي الله عنهما ، وعن جميع أصحاب النبي r وغفر الله لنا ولهم وجمعنا معهم في جنة النعيم ، وتجاوز عنا وعنهم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .

      سأل رجل خبيث عالماً من العلماء يوماً عن الفتنة بين علي ومعاوية – رضي الله عنهما – وقد فصلت ذلك في شريطي : عثمان وعلي رضي الله عنهما ، وبينت أنه لا يجوز لمسلم ، أو أي أحد أن يتكلم في أصحاب النبي r إلا بشروط ، وهذا من أعظم ما أؤصله لكم الآن أيها الأحبة الكرام هذا من أغلى ما أذكره في محاضرة الليلة .

      أقول: إن الحديث عن أصحاب النبي r يتطلب : صفاء في العقيدة وإخلاصا في النية وأمانة في النقل ودقة في الفهم ، ونظرة فاحصة ومدققة لأراجيف المغرضين والكذابين والوضاعين .

      قف على هذه الأصول، فهي من أنفس ما أعلمه الليلة، لإخواننا وأحبائنا الطلاب.

      إن الحديث عن أصحاب النبي r يتطلب: صفاء في العقيدة وإخلاصا في النية وأمانة في النقل ودقة في الفهم ، ونظرة فاحصة ومدققة لأراجيف المغرضين والكذابين والوضاعين .

      فسأل خبيث عالماً من العلماء عن الفتنة بين علي ومعاوية فقال له: يا أخي إن أخطأ معاوية ، فإن عليا كريم ، وإن رب علي ومعاوية لغفور رحيم إن أخطأ معاوية ، فإن عليا كريم ، وإن رب علي ومعاوية لغفور .

      ولله در الذهبي إذ يقول : تلك فتنة ، نعم فتنة بكل المقاييس – فتنة سلمت منها أيدينا فلتسلم منها ألستنا وعند الله تجتمع الخصوم نسأل الله – عز وجل – أن يغفر لنا ولهم وأن يجمعنا بهم في جنة النعيم .

      فأبو ذر يقول : يوم البلاء فئتان من المسلمين ، يقتل بعضهم بعضا ، وأما يوم العورة فإن نساء من المسلمات يسبين فيكشف عن سوقهن ، فأيتهن كانت أعظم ساقا اشتريت على عظم ساقها فدعوت الله ألا يدركني هذا الزمان(1) .

      ولعلكما تدركانه ، هكذا يقول أبو ذر لصاحبيه – رضوان الله عليهم جميعا .

      وأقول: لقد وقع ما خشيه أبو ذر من يوم العورة ، فلقد كشفت الآن عورات المسلمات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وأنتم ترون المسلمات قد انطلقن في الشوارع هائمات، وقد كشفت المرأة التي تنتمي إلى الإسلام عن صدرها، وعن شعرها، وعن ساقيها، وعن ذراعيها كشفت عن فتنتها ، وعن عورتها، كشفت عن ساقيها كما قال أبو ذر رضوان الله عليه – بل زكما قال أبو ذر: فأيتهن كانت أعظم، كانت أعظم ساقا اشتريت على عظم ساقها وقع ورب الكعبة ما قاله أبو ذر كيف وأين ؟! .

      ألم تقرؤوا أيها الأحبة وتسمعوا عن حفلات اختيار ملكات جمال العالم ؟ ألم تختر ملكة جمال العالم بمثل هذه المواصفات التي ذكر؟ ينظر إلى كل تفاصيل جسدها، ثم تقدم من تنال النصيب الأوفر من هذه المواصفات، وكذلك في حفلات عروض الأزياء.

      ولم أبعد النجعة، بل إننا نرى ذلك في شوارعنا وطرقاتنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، نسأل الله أن يرد المسلمات إلى الحق ردا جميلا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

      فهذه – ورب الكعبة – أيام العورة على حقيقتها كما قال أبو ذر – رضي الله عنه وأرضاه – فإننا نرى عورات المسلمات بل نرى عورات المسلمات المغلظة ، نرى العورات المغلظة على الشواطىء العارية ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

      وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي r قال : (( اللهم لا يدركني زمان أو لا أدرك زمان قوم لا يتبعون العليم ولا يستحيون من الحليم قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب )) .

      وصف عجيب ، والحديث رواه الحاكم في ((المستدرك)) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، يقول النبي – عليه الصلاة والسلام : (( اللهم لا يدركني زمان أو لا أدرك زمان قوم لا يتبعون العليم ولا يستحيون من الحليم قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب ))([14])

      وإن جل الأمة الآن لا يتبعون العلماء ، بل يتبعون السفهاء ، بل يتبعون الروبيضات ، يتبعون الروبيضات الذين أخبر عنهم النبي r كما في حديثه الصحيح الذي رواه أحمد في مسنده ، والحاكم في ((مستدركه)) من حديث أبي هريرة ، قال – عليه الصلاة والسلام : (( سيأتي على الناس سنوات خداعات ، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الروبيضة )) قيل : من الروبيضة يا رسول الله ؟ قال : (( الرجل التافه يتكلم في أمر العامة )) ([15]).

      هذا هو الذي يتكلم الآن، الروبيضة، فالأمة لا تتبع الآن العلماء بل تتبع السفهاء، بل تكُرم السفهاء ، ما لو أقاموا لله شرعاً لأقاموا عليهم الحد، والله تكرم الأمة الآن من يجب أن يقام عليهم الحد ، هذا واقع أليم ، لا تتبع الأمة العلماء، ولا تستحي من أهل العلم أبداً قلوبهم قلوب الأعاجم ، قلوب الغرب ألسنتهم ألسنة الغرب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ويزداد الأمر خطراً يا شباب ، إذا علمنا أن النبي r قد أخبر أن الفتن تُعرض على القلوب ، وهذا مكمن الخطر ، أن الفتن تعرض على القلوب ، كما في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – أن النبي r قال : (( تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تعود القلوب على قلبين : قلب أسود مربادا كالكوز مجخياً لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه وقلب أبيض لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض)) ([16]) .

      اللهم اجعلنا من أصحاب هذه القلوب البيضاء التقية النقية التي لا تضرها الفتن ما دامت السماوات والأرض برحمتك يا أرحم الراحمين .

      يقول ابن مسعود – رضي الله عنه وأرضاه : أخاف عليكم فتناً كأنها الليل – تدبر – أخاف عليكم فتنا كأنها الليل يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه – يا الله !! أخاف عليكم فتنا كأنها الليل يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه ، إيه ورب الكعبة / كم من قلوب ماتت الآن في الصدور ، كما تموت الأبدان وأصحابها لا يشعرون ، يموت القلب تحجب الفتن القلوب عن أنوار الإيمان عن علام الغيوب {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ{14} كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}[المطففين/14] .

      يقول : أخاف عليكم فتنا كأنها الليل من سوادها وظلامها ، يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه والعياذ بالله تنكت الفتنة في القلب ، إن تشرب القلب الفتنة تنكت في القلب نكتة سوداء ، فإن لم يتب العبد إلى الله ويرجع يتشرب قلبه فتنة أخرى تزيد بقعة السواد في قلبه ، فإن لم يرجع إلى الله – جل وعلا – بالتوبة والأوبة تعرض على قلبه فتنة ثالثة ، فيشربها القلب فتزيد بقعة السواد وهكذا ، حتى يحجب سواد الفتن نور الإيمان في القلوب كما قال النبي r في الحديث الذي ذكرت مرارا وهو حديث صحيح رواه أبو نعيم والديلمي وصححه الألباني من حديث علي رضي الله عنه – أن الحبيب النبي r قال : (( ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر فبينما القمر مضيء فعلته سحابة فأظلم ، فإذا تجلت عنه أضاء القمر في كبد السماء ينير ، فإذا تحركت سحابة كثيفة وحالت بين القمر وبين الأرض حجبت السحابة نور القمر عن الأرض ))(1).

      كذلك القلب يا إخوة إذا تكون الران في القلب وإذا تكاثفتت سحب المعصية والذنوب على القلب ، حجبت هذه السحب الكثيفة المظلمة نور الإيمان في القلوب ، فإن تاب العبد إلى علام الغيوب وعاد إلى الله – جل وعلا – ورجع انقشعت تلك السحب أنقشعت سحب المعصية بماذا ؟ بالتوبة فيجع القلب يرجع الإيمان في القلب إلى حالته من النور والتلألؤ والإشراق .

      أيها الأحبة الكرام : سأكتفي بهذا القدر لأعاود الحديث إن شاء الله تعالى في اللقاء المقبل عن الفتن مع حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأرضاه وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وجزاكم الله خيرا .

      (1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن ( 186،118) ، والترمذي في كتاب الفتن ، باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم (2495) ، وقال : هذا حديث حسن صحيح )) ، وأحمد في المسند (2/523،304) ، وابن حبان في صحيحه في كتاب الفتن باب فيما يكون من الفتن (1868) .

      (1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي ، باب 12 رقم (4015) ، ومسلم في كتاب الزهد والرقائق ، باب أوله (2961/6) .

      (2) [صحيح] : أخرجه أبو داود في كتاب الفتن والملاحم ، باب في النهي عن السعي في الفتنة (4259) ، والترمذي في كتاب الفتن ، باب ما جاء في اتخاذ سيف من خشب في الفتنة (2204) ، وابن ماجه في كتاب ، باب التثبيت في الفتنة (3961) ، وأحمد في المسند (4/408) ، والحاكم في المستدرك (3/525) .

      (1) أخرجه البخاري في كتاب الفتن ، باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه (7069) ، والترمذي في كتاب الفتن ، باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم (2196) .

      (1) أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة ، باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات (2128/125) ، وأحمد في المسند (2/440،356) .

      (1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة ، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول (1844/47،46) ، وأبو داود في كتاب الفتن والملاحم ، باب ذكر الفتن ودلائلها (4248) مختصراً ، والنسائي في كتاب البيعة ، باب ذكر ما على من بايع الإمام وأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه (4202) ، وابن ماجه في كتاب الفتن ، باب ما يكون من الفتن (3956) ،ـ وأحمد في المسند (2/161) .

      (1) {صحيح} : أخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب الإيمان (1/4) ، وقال : (( حديث لم يخرج في الصحيحين ، ورواته مصريون ثقات ووافقه الذهبي ، والطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (1/52) ، وقال الهيثمي : (( وإسناده حسن )) .

      (2) انظر التخريج السابق .

      (3) أخرجه مسلم في كتاب الفتن ، باب إخبار النبي r فيما يكون إلى قيام الساعة (2891/22) .

      (4) أخرجه البخاري في كتاب الفتن ، باب لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور (7115) ، ومسلم في كتاب الفتن ، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ، فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء (157/54،53) ، وأحمد في المسند (2/530) .

      (1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات ، باب الدعاء بالموت والحياة (6351) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ، باب تمني كراهة الموت لضر نزل به (2680/10) ، وأبو داود في كتاب الجنائز باب كراهية تمني الموت (3108) ، والترمذي في كتاب الجنائز ، باب ما جاء في النهي عن التمني للموت (971) ، والنسائي في كتاب الجنائز ، باب تمني الموت (1820) ، وابن ماجه في كتاب الزهد باب ذكر الموت والاستعداد له (4265) ، وأحمد في المسند (3/103) من حديث أنس بن مالك .

      (2) انظر التخريج السابق .

      (1) أخرجه البخاري في كتاب الفتن ، باب قول النبي r : (( الفتنة من قبل المشرق )) (7093) ، ومسلم في كتاب الفتن ، باب الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان (2905/45-50) ، وأحمد في المسند (2/111،92) .

      (2) [صحيح] : أخرجه الطبراني في الكبير (12/85) ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2/227) ، وقال : (( رواه الطبراني في الكبير رواته ثقات )) .

      (1) أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه (2867/67) .

      (2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان ، باب الدعاء قبل السلام (832) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب ما يستعاذ منه في الصلاة (589/129) ، وأبو داود في كتاب الصلاة ، باب الدعاء في الصلاة (880) ، والنسائي في كتاب السهو ، باب التعوذ في الصلاة باب 64(1308) ، وأحمد في المسند (6/201،89) كلهم من حديث عائشة – رضي الله عنها .

      (3) – [صحيح] : أخرجه الطبراني في الكبير (17/187) من حديث عصمة بن قيس السلمي ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/220) ، وقال : (( رواه الطبراني ، ورجاله ثقات )) .

      (1) أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب (1/161)

      (1) أخرجه أحمد في المسند (5/340) ، وذكره المنذري فب الترغيب والترهيب (1/65) ، وقال : (( رواه أحمد وفي إسناده ابن لهيعة )) ، والديلمي في الفردوس (2009) ، وانظر : مجمع الزوائد (1/183) من حديث سهل بن سعد الساعدي ، وأخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب الفتن والملاحم (4/555) ، وقال : (( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) ، والبيهقي في شعب الإيمان (7740) من حديث أبي هريرة .

      (2) [حسن] أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن ، باب شدة الزمان (4036) ، وفي الزوائد : (( في إسناده إسحاق بن أبي الفرات ، وقال الذهبي في الكاشف : مجهول : وقيل : منكر . وذكره ابن حبان في الثقات )) ، وأحمد في المسند (2/338،291) ، والحاكم في المستدرك في كتاب الفتن والملاحم (4/512) ، وقال : (( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي )) .

      (1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً ، وإنه يأرز بين المسجدين (144/231) ، وأحمد في المسند (5/405،386) .

      (1) [ صحيح] : أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (2/196) ، والديلمي في الفردوس (4/6173) .



      تعليق


      • #4
        الكاسيات العاريات



        إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وضفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم أجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبة وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

        أما بعد ... فحياكم الله جميعاً أيها الأخوة الفضلاء، وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء. وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الحليم الكريم جل وعلا الذى جمعنا فى هذا البيت المبارك الطيب على طاعته أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار كرامته، إنه ولى ذلك والقادر عليه.

        أحبتى فى الله ... مازلنا نواصل حديثنا بفضل الله ومدده وتوفيقه عن علامات الساعة الصغرى ضمن سلسلة الحديث عن الإيمان باليوم الآخر كركن من أركان الإيمان بالله عز وجل وعلا، أواصل هذه العلامات وأستهل العلامات الليلة بهذه العلامة ألا وهى ظهور الكاسيات العاريات كعلامة من العلامات الصغرى التى أخبر عنها الصادق المصدوق الذى لا ينطق عن الهوى ، وقد وقعت العلامة بمثل ما أخبر به المصطفى وأرجو أن تركز معى فى هذا الحديث الذى ربما يسمعه كثير منكم لأول مرة، فإن النبى الصادق يصف الحال وصفاً فى غاية الدقة، وكأنما يعيش المصطفى معنا فى هذه الأيام ويصف أحوال نسائنا إلا من رحم ربك جل وعلا.

        يقول النبى كما فى الحديث الذى رواه أحمد وغيره بسند صححه العلامة أحمد شاكر رحمه الله من حديث عبد الله بن عمرو- رضى الله عنهما:" سيكون فى آخر أمتى"- وأرجو أن تدقق فى لفظة "آخر" – سيكون فى آخر أمتى رجالا يركبون عل سروج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهم كأسنمة البخث العجاف العنوهن، فإنهن ملعونات لوكانت وراءكم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم كما يخدمنكم نساء الأمم قبلكم"([1]) تدبر هذا اللفظ النبوى المعجز !!



        سروج: جمع سرج، والسرج: هو رحل الدابة، الذى يوضع على ظهر الدابة. والرحال: جمع رحل، والرحل هو مركب يوضع على ظهر البعير ويقال لمنزل الإنسان وسكنه: رحل.

        فالنبى يصف حال ما يركب عليه الناس أو يجلس فيه الآن كأشباه الرحال أى هذه الفرش الوثيرة الجميلة التى يجلس فيها المرء ويركب ويرحل من مكان إلى آخر، وهذا هو ما ينطبق على السيارات، يصف النبى هذه الصنة العجيبة بهذا الوصف النبوى المعجز أى كأشباه البيوت، وأنت الآن تركب السيارة وكأنها حجرة خاصة لك إن كانت سيارتك الخاصة، فهى لا تختلف كثيراً عن حجرة خاصة لك تجلس فيها أنت وأهلك وربما تتناول أنت وأهلك الطعام بل الشراب بأنواعه وأنت فى طريق أو آخر، بل نحن نرى فى كثير من السيارات التى أعدت إعداداً نرى فى السيارة- أعزك الله- حماماً أو مكاناً لقضاء الحاجة، وتجد فيها مكاناً لثلاجة صغيرة تشرب منها الماء البارد بل وأحياناً ترى الماء الساخن الذى تحتاج إليه لأى نوع من أنواع الشراب هذا ما نراه فى السيارات الكبيرة الخاصة وفى "الباصات" الكبيرة المكيفة التى تسافر المسافات الطويلة بين الدول، ومن سافر منكم للعمرة عن طريق هذه "الباصات" يعلم هذا الوصف النبوى المعجز، بل وهناك من السيارات الخاصة الآن تصنع فيها الكراسى بحيث تستدير بطريقة أو بأخرى بحيث تتحول هذه الكراسى إلى شبه "أنترية" داخل غرفة صالون أو غرفة "أنترية" فى البيت فالوصف لا يحتاج إلى مزيد بيان، لكن تدبر قول النبى : "سيكون فى آخر أمتى رجال يركبون سروجا كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهم كأسنمة البخت العجاف" فرسول الله يخبرنا أنه من بين هؤلاء الرجال الذين ينزلون على أبواب المساجد بسروجهم أو برحالهم من بينهم رجال لهم نساء فى البيوت مع أنهم يحضرون إلى بيت الله جل وعلا لكن نساؤهم يخرجن نساء كاسيات عاريات !!!! صلى الله على من لا ينطق عن الهوى.

        أسأل الله ألا يكون أحدنا منهم بمنه وكرمه، وأنا إن شاء الله تعالى أنزه هذا الجمع الكريم الطيب عن أن يكون احد حضورنا الكرام فى دروس العقيدة من ترك أمراته تخرج بعد ذلك إلى العمل أو إلى الشارع وهى كاسية عارية، أسأل الله أن يطهرنا جميعاً
        من هذا الوصف.

        اللهم أستر نساءنا وبناتنا. اللهم حبب إليهن الحجاب وزينه فى قلوبهن برحمتك يا أحرم الراحمين "نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهم كأسنمة البخت العجاف" وفى لفظ سيأتى الآن إن شاء الله تعالى :رؤوسهم كأسنمة البخث المائلة". البخث نوع من أنواع الجمال الخرسانية التى كانت تعد من أغنى ما يمتلكة العربى من الجمال العربية، وتمتاز بطول الأعناق يعرف هذا البعير بالقوة والجودة وغلو ثمنه، فإذا مال السنام دل ذلك على ضعف هذا البعير وعلى عدم رغبة صاحبه فيه غبة كبيرة يصبح بعيراً مهملا لا يقوى على الخدمة ولا يقوى على العمل، فالنبى يشبه رؤوس النساء الكاسيات العاريات معينة فترفع المرأة شعرها على رأسها كما رفع السنام على ظهر البعير سبحان الله، وهذا ما يسمى الأن بقصة الأسد عند النساء، وهناك قصات مختلفة تخرج من آن لآخر بحسب أحدث الموضات والموديلات، وأصبحنا نرى الآن ولتصفيف شعرها محلات خاصة بذلك تسمى بمحلات "الكوافير" . تذهب المسلمة لهذا المحل لتجلس طائعة مختارة غير كارهة ولا مضطرة بين يدى رجل أجنبى ليصفف لها هذا الأجنبى شعرها أو ربما ليصل لها شعراً آخر يخالف شعرها الحقيقى، فالنبى يصف أحوال النساء فى عصرنا الآن وصفاً دقيقاً كأنما يعيش المصطفى بيننا ويصف حالة رآها بعينه "على رؤوسهم كأسنمة البخث العجاف".

        يقول :"العنوهن فإنهن ملعونات" وأرجو أن أقف عند هذه اللفظة لأبين قاعدة أصولية فى غابة الدقة ألا وهى الحكم على الإطلاق، والحكم على التعيين فلا ينبغى أن تأتى لامرأة متبرجة بعينها وتقول: أنت ملعونة . لا . لا يجوز ذلك، بل يجب أن تقيم عليها الحجة الخاصة وأن تبين لها الحق بالحكمة والرحمة والأدب والتواضع، فشتان شتان بين أن تقول: لعن الله الكاسيات العاريات هذا حكم على الإطلاق، وبين أن تقول: فلانه الكاسية العارية ملعونة فرق كبير بين الحكم على الإطلاق والحكم على التعيين، فالحكم على معين من الناس سواء كان رجلاً أو امرأة لابد فيه من تحقيق شروط وانتقاء موانع هذا درس مهم أو لطيفة لا ينبغى أبداً أن نتجاهلها، فإننى أسمع كثيراً من إخواننا وطلابنا يقول: فلان شهيد . لا ينبغى أن تحكم له بالشهادة وإنما قل: أرجو الله أن يكون شهيداً أو أن يكتبه عنده فى الشهداء.. وفلان فى جهنم لا تتألى على الله ما أدراك أنه فى جهنم، فإن بين الله وبين عبادة من الأمور والأحوال ما لا يعلمها إلا الكبير المتعال من المصائب المكفرة ومن الرحمة التى لا يعلمها إلا هو إلى أخره.. وفلان فى الجنة ما يدريك فلا ينبغى أبداً أن نحكم لأحد بالشهادة، أو أن نحكم لأحد يجنة، أو أن نحكم لأحد بنار أو أن نلعن أحداً من الناس بعينه دون أن نقيم الحجة عليه بالضوابط المعلومة التى فصلتها قبل ذلك فى الفصل الأول وأنا أشرح كتاب حقيقة التوحيد. فالنبى يقول: " نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهم كأسنمة البخث العجاف العنوهن فإنهن ملعونات .. لو كانت وراءهم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم" ([2]) أى لبعدكم عن الله وعن منهج الله وهذه ثمرة حتمية



        مرة للبعد عن منهج الله جل وعلا وهى ثمرة الذل والهوان، وأنا أعلم يقيناً أن الأمة الآن تعيش هذه المرحلة تجنى ثمرة البعد عن الله تعالى وهى ثمرة مرة، فلقد أذل الله الأمة لمن كتب عليهم الذل والذلة من إخوان القردة والخنازير من أبناء اليهود ولا حول ولا قوة إلا بالله. فالنبى يقول:" لو كانت وراءكم امة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم كما يخدمنكم نساء الأمم قبلكم" هذه علامة من العلامات التى ظهرت الآن. وفى رواية للحاكم " سيكون فى أخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر"([3]) والمياثر جميع ميثرة بكسر الميم وهى الثوب الذى تجاله الثياب، وتطلق المياثر على مراكب الأعاجم التى تعمل من حرير أو ديباج، والمراد بها هنا السروج العظام وهى تطلق الآن كما ذكرت على السيارات الأنيقة، وللأمانة العلمية التى عاهدنا الله عليها فإن فى رواية الحاكم التى ذكرت عبد الله القتبانى وقد ضعفه أبو داود والنسائى رحمهما الله تعالى وقال فيه أبو حاتم: هو قريب من ابن لهيعة ومعلوم أن ابن لهيعة ضعيف، إلا أن الحديث يقوى بالحديث الذى ذكرت أو بالطريق الذى ذكرت من مسند أحمد رحمه الله تعالى، واللفظ المشهور الذى رواه مسلم، من حديث أبى هريرة أن النبى قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كاذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ، ليوجد من مسيرة كذا وكذا"([4]) ، صنفان من أهل النار.. هذه شهادة من الصادق الذى لا ينطق عن الهوى، فالنبى هو الذى يحكم الآن بالنار على امرأة كاسية عارية .. وقد فصلت القول فى الصنف الأول رجال معهم سياط كأذناب البقر.

        وأفصل فى الشق الثانى "نساء كاسيات عاريات" ما معنى قوله (كاسيات عاريات) فى ذلك أقوال لأهل العلم:

        الأول: كاسيات عاريات اى تلبس المرأة ثيابا شفافة خفيفة تشف هذه الثياب ما تحتها فتظهر المرأة وكأنها عارية، وأظن أن هذا الوصف النبوى تراه الآن منتشرا عند عدد كثير من النساء ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل – والله – قد ترى الثوب الداخلى الملتصق بالجسد سواء فى الجزء العلوى عند الصدر أو فى الجزء السفلى الذى يستر عورة المرأة قد تراه ظاهراً بارزا من جراء هذه الثياب الشفافة التى تظهر المرأة وكأنها عارية، بل أنا أقول قد تظهر المرأة بهذه الثياب وهى أشد فتنة من العارية تماماً، لأن الممنوع مرغوب ولأن المرء دائماً بفطرته مجبول على أن يعرف ما وراء الحجب والجدران، فتلبس المرأة ثياباً شفافة فتظهر هذه الثياب المرأة وكأنها عارية هذا تفسير..

        التفسير الآخر: أن المرأة تلبس ثياباً ضيقة فتظهر تلك الثياب مفاتن المرأة تماماً وكأنها عارية تظهر كل مفاتن المرأة وساء من الأمام أو من الخلف. أسأل الله أن يستر نسائنا وبناتنا إنه على كل شىء قدير فتظهر المرأة مع أنها تلبس الثياب لكنها تظهر وكأنها عارية، إما للثياب الشفافة التى تظهر ما تحتها وإما للثوب الضيق الذى أظهر كل مفاتن المرأة بصورة تجعل المرأة أشد فتنة من المرأة العارية. النبى يحكم على هؤلاء بأنهن من أهل النار فهل تقوى المرأة المسلمة التى ظهرت كاسية عارية هل تقوى على النار.

        أختاه أيتها الأخت المسلمة هل تقدرين وتصبرين على حر النار؟ يا من خرجت بالثياب الشفافة، ويا من خرجت بالثياب الضيقه هل تصبرين على حر النار؟ هل تعلمين أن الطعام فى النار نار؟ هل تعلمين أن الشراب فى النار نار؟ هل تعلمين أن الثياب فى النار نار؟ طعام أهل النار نار وشراب أهل النار نار وثياب أهل النار نار قتا تعالى:" {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ* وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ* تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ} (1 ، 6) سورة الغاشية هل تعلمين ما الضريع أيتها الأخت {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ} (30 ، 36) سورة الحاقة هل تعلمين ما الغسلين؟ وهل تعلمين ما الضريع؟ الضريع نوع من أنواع الشوط ينبت فى أرض الجزيرة، والغسلين عصارة أهل النار من قيح وصديد هذا طعام أهل النار وقال تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ* إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}
        (62 ، 66) سورة الصافات فهل تقدرين على الزقوم والغسلين والضريع، ثم إذا أكل أهل النار هذه النار وتأججت النار فى بطونهم استغاثوا بالعزيز الغفار يريدون الماء فيغاث أهل النار بماء كالزيت الذى يغلى من شدة الغليان: { وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} (15) سورة محمد وقا تعالى: { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ} (29) سورة الكهف أى كالزيت المغلى { يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا} (29) سورة الكهف {وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ * {يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} (15 ، 17) سورة إبراهيم حتى الثياب، الثياب التى تتفنن المرأة المتبرجه الكاسية العارية الآن فى إظهارها ولبسها لتفتن قلوب الشباب والرجال ستبدل هذه الثياب بثياب من النار إن لم تتب إلى العزيز الغفار. قال ربنا جل وعلا: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} (20 ، 23) سورة الحـج فالطعام فى النار نار والشراب فى النار نار والثياب فى النار نار فهل تصبرين أختى المسلمة على حر النار؟ ..

        الله الله فى الحجاب الشرعى الله الله فى الستر والعفاف والله لا تقدر المرأة على حرارة حر الشمس فى يوم شديد الحرارة ولا تقدر على أن أن تمس يدها نار "البوتوجاز". اعلمى أيتها الأخت أيتها الأخت الفاضلة المسلمة أن هذه النيران التى لا تصبرين على حرها فى الدنيا إنما هى جزء من سبعين جزءاً من جهنم قالوا: يا رسول الله، والله إن كانت لكافية . فقال: " ولكن نار الآخرة فضلت – أى زادت- على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً كلها مثل حرها".

        فيا أيتها الأخت أنادى عليك وأنا والله الذى لا إله غيره أحب لك الخير الذى أحبه لآبنتى، وأحب لك الستر الذى أحبه لزوجتى، وأحب لك العفاف الذى أحبه لأمى وعمتى وخالتى، فأنت درة مصونة وأنت جوهرة ثمينة وأنت لؤلؤة مكنونة، ومحال لأى عاقل أن يلقى بدرته وجوهرته لكل عين خائنة، ولكل يد آثمة لتصل إليها بالباطل والإثم والعدوان، فلا تقولى أبداً: اقنعنى بالحجاب وإنما إن أردت السؤال فأنا أصحح لك السؤال وهو: اقنعنى بالإسلام!! فإن كنت مسلمة فالذى أمرك بالحجاب هو الله فما عليك إلا أن تقولى: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.

        أسأل الله أن يستر نساءنا وبناتنا وأن يشرح صدورهن للإسلام، إنه على كل شئ قدير .. يقول : " صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات" تتمايل المرأة فى مشيتها وتتبختر يمنة ويسرة فتجذب إليها قلوب الشباب بل والرجال فلا حول ولا قوة إلا بالله، فإن أعظم فتنة تركها النبى فى الأمة هى فتنة النساء الكاسيات العاريات كما قال فى الصحيحين من حديث أسامة:" ما تركت فتنة بعدى أضر على الرجال من النساء .. رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" ([5]) وعن أبى هريرة – رضى الله عنه – أن النبى قال: " من أشراط الساعة أن تظهر ثياب تلبسها نساء كاسيات عاريات" أنظر إلى لفظ: " أن تظهر ثياب" فالمراد بالوصف هذه الثياب، (أن تظهر ثياب)، تلبس هذه الثياب نساء كاسيات عاريات، وأنا أعلم يقيناً أنه لا يخالف مسلم الآن أن الثياب التى نراها الآن من قصات مختلفة عارية مفتحة من كل الجوانب لم تكن البتة على عهد المصطفى .

        فهذه الأحاديث إخوتى الكرام من معجزات النبى فقد وقع ما أخبر به المصطفى فى عصرنا بصورة دقيقة بمثل ما قال.

        أما سؤال الأخت الفاضلة عن النقاب فالنقاب نوع من أنواع الحجاب صورة من صور الحجاب فى قوله تعالى: { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا} (53) سورة الأحزاب والنقاب صورة من صور الحجاب، والنقاب لغة هو غطاء الوجه الذى ينقب بمحاذاة العينين لترى المرأة من هذين النقبين الطريق، ولذا سمى بالنقاب وهو غطاء الوجه، ولا ينبغى أبداً أن يهزأ به، وإنما ينبغى أن نعلم أن النقاب أو غطاء الوجه قال بوجوبه لفيف من أهل العلم والفضل، والأدلة على وجوب تغطية الوجه كثيرة، وأنا أدين لله بهذا.

        لقد نقل الإمام الشوكانى اتفاق المسلمين على وجوب أن تغطى المرأة المسلمة وجهها فى زمن يكثر فيه الفساق، فما رأيكم فى زماننا يكثر فيه الأولياء؟!! وأنا أعتقد الآن أننا نعيش زمانا تخشى فيه الفتنة على الرجال وعلى الشباب وعلى النساء فأنا أدين لله بهذا، وإليكم الأدلة:

        الدليل الأول: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (59) سورة الأحزاب يقول الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمة الله- : أمر الله- سبحانة وتعالى- جميع نساء المؤمنين بإدناء جلابيبهن على محاسنهن من الشعور والوجه وغير ذلك حتى يعرفن بالعفة.

        قال الشيخ أبو الأعلى المودودى رحمة الله تعالى فى كتاب الحجاب: نزلت الآية خاصة فى ستر الوجه ثم يقول: فمعنى الآية أن يرخين جانباً من خمرهن أو ثيابهن على أنفسهن، وهذا هو المفهوم من ضرب الخمار على الوجه، والمقصود به ستر الوجه وإخفاؤه سواء كان ذلك بضرب الخمار أو بلبس النقاب أو بطريقة أخرى تختلف عن ذلك.

        يقول الإمام الطبرى شيخ المفسرين- رحمة الله تعالى- فى آية الإدناء فى سورة الأحزاب يقول عن أبن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن فى حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب وأن يبدين عينا واحدة: يقول: وهذا الإسناد صح عن ابن سيرين سألت عبيدة السلمانى التابعى الفقية العلم الذى آمن فى حياة النبى ونزل بالمدينة فى زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولم يزل بالمدينة حتى مات وهو يصف حال نساء.

        يقول ابن سيرين: سألت عبيدة السلمانى- رحمة الله تعالى- عن قوله- {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ الآية فقال بثوبه فغطى رأسه ووجهه وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه، وبين بصورة عملية معنى الآية كما كان يفعل نساء الصحابة رضوان الله عليهن .. وقال الإمام الرازى: فى هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين وقال بوجوب تعطية الوجه، ولا أتوقف عند الأقوال وإنما أذكر بالمصادر لمن أراد أن يرجع إليها، قال بوجوب تغطية الوجه للمرأة المسلمة الإمام القرطبى فى الجامع لأحكام القرآن الكريم، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام البغوى فى معالم التنزيل فى تفسير سورة الأحزاب، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام الزمخشرى فى الكشاف، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام ابن العربى المالكى فى تفسير سورة الأحزاب فى تفسير أحكام القرآن، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام ابن الجوازى فى زاد المسير فى علم التفسير، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام البيضاوى فى أنوار التنزيل وأسرار التأويل، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام النسفى فى مدارك التنزيل وحقائق التأويل، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام ابن على بن حيان الأندلسى فى البحر المحيط فى تفسير سورة الأحزاب، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام الخطيب الشربينى فى السراج المنير فى تفسير سورة الأحزاب، وقال بوجوب تغطية الوجه شيخ الإسلام ابن تيمية فى تفسير سورة النور، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام أبن القيم فى مرجعة القيم إعلام الموقعين، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام ابن حزم فى المحلى فى الجزء الثالث بتحقيق الشيخ أحمد شاكر، وقال بوجوب تغطية الوجه شيخنا الفاضل محمد بن صالح العثيمين يقول: وقد دلت الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله والنظر الصحيح والاعتبار والميزان على أنه يجب على المرأة أن تستر وجها عن الرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمها، ولاشك عاقل أنه إذا كان على المرأة أن تستر رأسها وتستر رجليها وألا تضرب الأرض برجليها حتى يعلم ما يخفى من زينتها وأن هذا واجب، فإن وجوب ستر الوجه أوجب وأعظم وذلك أن الفتنة الحاصلة بكشف الوجه أعظم بكثير من الفتنة الحاصلة بظهور شعره من شعر رأسها أو بظهور من أظافر رجليها، وإذا تأمل العاقل المؤمن من هذه الشريعة وحكمها وأسرارها تبين أنه لا يمكن أن تلزم الشريعة المرأة بستر الرأس والعنق والذراع والساق ثم تبيح الشريعة للمرأة أن تخرج كفيها وأن تخرج وجهها الذى ملأ جمالا وتحسينا.. وبوجوب تغطية الوجه قال الإمام الشوكانى فى فتح القدير الجامع بين فنى الرواية والدراية فى علم التفسير. قال العلامة الألوسى فى تفسير القرآن العظيم فى السبع المثانى فى سورة الأحزاب، وفى وجوب تغطية الوجه قال العلامى علامة الشام محمد جمال الدين القاسمى فى محاسن التأويل، وفى وجوب تغطية الوجه قال علامة القصيم الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدى فى تفسير القرآن الكريم فى تيسير الكريم الرحمن فى تفسير كلام المنان، وفى وجوب تغطية الوجه قال الدكتور محمد محمود حجازى فى التفسير الواضح فى سورة الأحزاب، وفى وجوب تغطية الوجه قال الشيخ أبو بكر الجزائرى حفظة الله فى أيسر التفاسير لكلام العلى الكبير بوجوب تغطية الوجه قال الشيخ صالح عبد الوهاب البليهى فى كتابه الطيب يا فتاة افسلام اقرأى حتى لا تخدعى، بوجوب تغطية الوجه، قال الشيخ عبد العزيز بن خلف، بوجوب تغطية الوجه قال كثير من أهل الفضل والعلم ويكفى هذا الكم الكبير الهائل من الذين ذكرت أسماءهم وذكرت مراجعهم.

        الآن الدليل الثانى: بإيجاز يقول الله تعالى: "{ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } (53) سورة الأحزاب وهذه الآية وقد نزل فى شهر ذى القعدة فى السنة الخامسة من الهجرة، وهى نص واضح فى وجوب تحجب الرجال عن النساء فى هذه الآية الكريمة كما يقول العلامة الشنقيطى رحمه الله تعالى وفى هذه الآيات الكريمة دليل على وجوب الحجاب، ولكن وجوب الحجاب حكم على الناس وليس خاصا بأزواج النبى وإن كان أصل اللفظ خاصاً بأزواج النبى : لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه ومسلك العلة. الذى دل عليه: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ هو علة قوله تعالى: فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ وهو المسلك المعروف عند العلماء مسلك الإيماء والتنبية، وكذلك قال بوجوب تغطية الوجه فى ألاية هذه الشيخ حسنين مخلوف مفتى مصر السابق، ويقول الأستاذ/ محمد أديب كلكل فى "فقة النظر فى الإسلام": إن هذه الآية خاصة بأمهات المؤمنين وقد نزلت فى حقهن ، وإن قال قائل بأن هذه الآية خاصة بأمهات المؤمنين وقد نزلت فى حقهن.

        قلت: وإن كانت خاصة بنساء النبى من جهة السبب فإنها عامة من جهة الأحكام، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ثم يقول : فإن الآدعاء أن هذه خاصة بامهات المؤمنين وقد نزلت فى حقهن لا ينهض حجة لأن الاستثناء فى الآية {لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ } (55) سورة الأحزاب إلى أخر الآية عامة وهو فرع عن الأصل وهو الأمر بالحجاب فدعوى تخصيص الأصل يستلزم تخصيص الفرع وهو غير مسلم فى الآية، ويقول الشيخ سعيد الجابى فى كتاب كشف النقاب: وغذا كانت نساء النبى هن المطهرات من السفاح المحرمات علينا بالنكاح، الموصوفات بأنهن أمهات المؤمنين قد أمرن بالحجاب طهارة لقلوبهن وقلوب أبنائهم المحرم عليهم نكاحهن، فما نقول فى غيرهن المحللات لنا بالنكاح المتطلع لهن أهل السفاح هل يجوز لهن أن يكن سافرات غير منتقبات وبارزات غير محجبات. ويقول الأستاذ محمد أديب كلكل حفظه الله فى قوله تعالى: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} (32) سورة الأحزاب إلى آخر الآيات الجميلة يقول: إنها وصايا ربانية وآيات إلهية فأى منها لا يتصل بعامة النساء المسلمات؟ وهل النساء المسلمات لا يجب عليهن أن يتقين الله؟ وهل أبيح لهن أن يتبرجن تبرج الجاهلية؟ ثم هل ينبغى لهن أن يتركن الصلاة ويمنعن الزكاة ويبعدن عن طاعة الله ورسوله؟ هل يريد الله أن يتركهن فى الرجس؟ فإذا كانت هذه الأوامر والإرشادات عامة بجميع المسلمات فما المبرر فى التخصيص؟

        نعم ما هى الدلائل والتكليفات على أن هذه الأوامر خاصة بزوجات النبى ؟ يقول الشيخ عبد العزيز بن خلف- رحمة الله-: لم يرد فى أيى النور وآية الأحزاب بما قضت به من أحكام عامة للمسلمات من أمة محمد النبى إلى يوم القيامة وإن من الزعم الباطل بأن آية الحجاب خاصة بأزواج النبى إلى آخر ما ذكر، وهناك أيضاً آيات فى سورة النور التى هى آية سورة النور الآية 31 {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ }ولكننى أود أن أقف على الأثر المنسوب لابن عباس هذا الأثر فى قوله تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ قال أبن عباس: الكحل الثياب. قال ابن عباس رضى الله عنه: الزينة زينتان: زينة ظاهرة وزينة غير ظاهرة ، وجوز لها إبداء الزينة غير الظاهرة للزوج وغير ذوى المحارم وأما الباطنة فلا تبديها إلا للزوج وذوى المحارم، يستدل بأثر ابن عباس بأنه اقل: الزينة الظاهرة وهى الكحل والثياب يعنى لا مانع أن تظهر المرأة الكحل لغير المحارم، لغير الزوج، وهذا من أبطل الباطل الأثر المروى عن ابن عباس رواه الإمام الطبرى رحمه الله تعالى فى التفسير ، ورواه البيهقى فى السنن الكبرى والإسنادان لا يصحان بحال.

        الإسناد الأول: قال ابن جرير الطبرى: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا مروان قال: حدثنا مسلم الملائى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (ولا يبدين زينتهن) قال: قال: الوجه والكفين. أقول : إسناده ضعيف جداً بل منكر، قال الإمام الذهبى فى ترجمة مسلم المولائى الكوفى متروك الحديث، وقال عنه يحيى بن معين: ليس بثقة، وقال البخارى: يتكلمون فيه، وقال يحيى أيضاً: زعموا أنه اختلط، وقال النسائى: متروك الحديث. وهذا إسناد ساقط لا يصلح أبدا للمتابعات ولا للشواهد، كما لا يخفى على أحد من طلاب علم الحديث.

        الإسناد الثانى: الذى رواه البيهقى فى السنن الكبرى قال البيهقى: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبى عمر قال: حدثنا أبو العباس محمد ابن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا حفص بن غياث، عن عبد الله بن مسلم بن هرمو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (ولا يبدين زينتهن) قال: الكف والوجه، قال : هذا الإسناد مظلم ضعيف جداً لضعف أحمد بن عبد الجبار العطاردى قال الذهبى: ضعفه غير واحد، وقال أبو حاتم: ليس بالقوى، وقال ابن عبد الرحمن: كتبت عنه وأمسكت عن التحديث عنه لما تكلم الناس فيه، وقال الحافظ فى التقريب: ضعيف.

        والراوى الثانى فى هذا السند هو عبد الله بن مسلم بن هرمز قال الإمام الذهبى: ضعفه ابن معين، وقال أبو حاتم: ليس بالقوى وضعفه النسائى، وقا الحافظ فى تقريب التهذيب: ضعيف.

        إذا يا أخوة الإسنادان كما رأينا لا يثبتان أبدا بحال عن ابن عباس رضى الله عنه، ويؤكد صحة ذلك ما ذكرناه عن ابن عباس رشى الله عنه قال فيما رواه عنه على بن أبى طلحة ثال: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن فى حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب هذا كلام ابن عباس رضى الله عنه، هناك أيضاً أدلة كثيرة فى السنة أكتفى بدليل واحد فقط ألا وهو حديث النبى كما فى صحيح البخارى وموطأ الإمام مالك وغيرهما من حديث النبى عن عبد الله بن عمر:" لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين"([6])



        قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن هذا يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين فى النساء اللاتى لا يحرمن، ولذلك يقتضى ستر وجوههن وأيديهن. قد يؤخذ بكلام الشيخ ناصر حفظة الله فى المسألة بجواز كشف الوجه، وأود أن أذكر بكلام الشيخ ناصر الدين الألبانى فى هذه المسألة فقد قرر الشيخ- رحمة الله- أن ستر الوجه والكفين له أصل فى السنة وأنه كان معهودا فى زمن النبى وساق الأدلة على ذلك، ثم قال: إن فى ذلك الحديث دلالة ظاهرة على أن حجاب الوجه كان معروفاً فى عهد النبى وأن نساءه كن يفعلن ذلك، والاستدلال بحديث أسماء لا يصح بحال فقد بينا قبل ذلك ضعف حديث أسماء من وجهين بل من ثلاثة وجوه والله تعالى أعلم.

        فأنا أقول: لا ينبغى على الإطلاق أن نسفه النقاب ولا ينبغى على الإطلاق أن نحتقر المنتقبات، وإنما أقول للأخت المنتقبة: أرفعى رأسك عالية واعلمى أنك على الحق إن شاء الله تعالى، وأعجب أشد العجب لامرأة سافرة عارية متبرجة تفتح لها الأبواب وتهتف لها الجماهير وتذلل لها الصعاب وتغلق الأبواب فى وجه المنتقبة العفيفة الطاهرة البريئة الشريفة، وفى الوقت ذاته من باب الأمانة العلمية لا ننكر على من يقول من أهل العلم جواز كشف الوجه بشروط الحجاب الشرعية المعروفة للمرأة المسلمة بشرط أن يكون الثوب طويلاً فضفاضا، ألا يكون الثوب مبخراً أو معطراً، ألا يكون الثوب ثوب شهرة إلى آخر هذه الشروط المعلومة فى لباس المرأة المسلمة. فهل من توبة أيتها الفتاة؟ هيا توبى إلى الله عز وجل واقلعى عن هذا الذنب وتضرعى إلى الله تبارك وتعالى أن يغفر ما قد سلف. واعلمى يقيناًُ بأن الله تعالى يفرح بالتائب إليه وهو الغنى عن العالمين، فهو سبحانه وتعالى الذى يفتح باب التوبة لعبادة ويقول سبحانة : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر وينادى سبحانه وتعالى على أهل الإيمان بالتوبة وتجديدها فإن الإنسان لا ينفك عن معصية صغيرة أو كبيرة، ومن ثم فالله جل وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (8) سورة التحريم ويقول سبحانه: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النــور وما من يوم يمر علينا إلا ورب العزة يتنزل إلى السماء الدنيا تنزلاً يليق بكماله وجاله ويقول: أنا الملك من ذا الذى يدعونى فأستجيب له، من ذا الذى يسألنى فأعطية، من ذا الذى يستغفرنى فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يضئ الفجر .. وقال النبى : " ما من يوم إلا ورب العزة يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل"([7]) وفى الصحيحين أيضاً أن النبى قال: " قال الله تعالى فى الحديث القدسى:



        أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خيراً منه، وإن تقرب منى شبراً تقربت إليه ذراعاً وإن تقرب إلى ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتانى يمشى أتيته هرولاً" ([8]) وفى صحيح مسلم من حديث أبى موسى أن النبى وأختم هذا اللقاء بهذا الحديث الجليل الكريم الذى رواه البخارى من حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن النبى رأى امرأة فى السبى تبحث عن ولدها، فلما وجدته ألصقته ببطنها وأرضعته، فأثر هذا المشهد الرقراق الحانى فى قلب النبى الكريم فقال:" هل ترون أن هذه الأم طارحة ولدها فى النار؟ قالوا لا يا رسول الله، فقال النبى :" لله أرحم بعباده من رحمة الأم بولدها"([9])



        فهيا أيتها الفتيات إلى التوبة إلى رب الأرض والسماء، وأسفاه إن دعيت اليوم إلى التوبة وما أجبت!! واحسرتاه إن ذكرت بالله الليلة وما أنبت !! ماذا ستقولين لربك غداً؟ تذكر أيها الشاب وتذكرى أيتها الفتاة تذكروا أيها المسلمون:

        تذكر وقوفك يوم العرض عريانا
        والنار تلهب من غيط ومن حنق
        اقرأ كتابك يا عبدى على مهل
        فلما قرأت ولم تنكر قراءته
        نادى الجليل خذوه يا ملائكتى
        المشركون غدا فى النار يلتهبوا






        مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا
        على العصاة ورب العرش غضبانا
        فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا
        وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا
        وامضوا بعبد عصا للنار عطشاناً
        والموحدون لدار الخلد سكانا

        عد إلى الله وتذكر ميت لا تغتر بشبابك ولا تفتر بصحتك ولا تغتر بقوتك، فالموت لا يترك صغيراً ولا كبيراً ولا شيخاً ولا شاباً ولا امرأة ، وأنت أيتها الفتاة لا تغترى بشبابك ولا بجمالك ولا بصحتك ولا بخديعتك لأسرتك ولا للمجتمع فستقفين يوماً بين يدى الله جل وعلا الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.

        أيها العاصى




        دع عنك ما قد فات فى زمن الصبا
        واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
        لم ينسها الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
        والروح منك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب
        وغرور دنياك التى تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب
        الليل فأعلم والنهار كلهما أنفاسنا فيهما تعد وتحسب







        وصدق ربى إذ يقول: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (26 ، 40) سورة القيامة



        أسأل الله جل وعلا أن يردنا إلى الحق ردا جميلاً. ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماماً اللهم استر نساءنا وبناتنا، واحفظ شبابنا وردنا إلى الحق رداً جميلاً برحمتك يا أرحم الراحمين.

        أحبتى فى الله هذه صرخة صيحة من أخ يحبكم فى الله. أسأل الله جل وعلا أن يجعلها خالصة لوجهة وأن ينفع بها المسلمين والمسلمات إنه ولى ذلك والقادر عليه.

        هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمنى ومن الشيطان . وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة ويلقى به فى جهنم. ثم أعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه .. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
        وسلم أجمعين.

        (*) محاضرة ألقيت ضمن دروس العقيدة بمسجد التوحيد بالمنصورة.

        (1) رواه أحمد (2/223).

        (1) سبق تخريجه.

        (1) رواه الحاكم (4/436) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وتعقبة الذهبى عبد الله بن عباش وإن كان قد احتج به مسلم فقد ضعفه أبو داود ولنسائى وقال أبو حاتم: هو قريب من ابن لهيعة.

        (2) رواه مسلم فى اللباس والزينة (2128 / 125) .

        (1) رواه البخارى فى النكاح (5096)، ومسلم فى الرقاق (2740 ، 2741).

        (1) رواه البخارى فى جزاء الصيد (1838)، ومالك فى الموطأ فى كتاب الحج (1/268) رقم (15)، وأحمد (2/119)، وأبو داود فى المناسك (1825 ، 1826).

        (1) رواه مسلم فى التوبة (2759)، وأحمد (4/395 ، 404).

        (2) رواه البخارى فى التوحيد (7405) ، ومسلم فى الذكر والدعاء (2675 ، 2686).

        (3) رواه البخارى فى الأدب (5999)، ومسلم فى التوبة (2754 / 202).



        تعليق


        • #5
          الكاسيات العاريات



          إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وضفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم أجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبة وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

          أما بعد ... فحياكم الله جميعاً أيها الأخوة الفضلاء، وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء. وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الحليم الكريم جل وعلا الذى جمعنا فى هذا البيت المبارك الطيب على طاعته أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار كرامته، إنه ولى ذلك والقادر عليه.

          أحبتى فى الله ... مازلنا نواصل حديثنا بفضل الله ومدده وتوفيقه عن علامات الساعة الصغرى ضمن سلسلة الحديث عن الإيمان باليوم الآخر كركن من أركان الإيمان بالله عز وجل وعلا، أواصل هذه العلامات وأستهل العلامات الليلة بهذه العلامة ألا وهى ظهور الكاسيات العاريات كعلامة من العلامات الصغرى التى أخبر عنها الصادق المصدوق الذى لا ينطق عن الهوى ، وقد وقعت العلامة بمثل ما أخبر به المصطفى وأرجو أن تركز معى فى هذا الحديث الذى ربما يسمعه كثير منكم لأول مرة، فإن النبى الصادق يصف الحال وصفاً فى غاية الدقة، وكأنما يعيش المصطفى معنا فى هذه الأيام ويصف أحوال نسائنا إلا من رحم ربك جل وعلا.

          يقول النبى كما فى الحديث الذى رواه أحمد وغيره بسند صححه العلامة أحمد شاكر رحمه الله من حديث عبد الله بن عمرو- رضى الله عنهما:" سيكون فى آخر أمتى"- وأرجو أن تدقق فى لفظة "آخر" – سيكون فى آخر أمتى رجالا يركبون عل سروج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهم كأسنمة البخث العجاف العنوهن، فإنهن ملعونات لوكانت وراءكم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم كما يخدمنكم نساء الأمم قبلكم"([1]) تدبر هذا اللفظ النبوى المعجز !!



          سروج: جمع سرج، والسرج: هو رحل الدابة، الذى يوضع على ظهر الدابة. والرحال: جمع رحل، والرحل هو مركب يوضع على ظهر البعير ويقال لمنزل الإنسان وسكنه: رحل.

          فالنبى يصف حال ما يركب عليه الناس أو يجلس فيه الآن كأشباه الرحال أى هذه الفرش الوثيرة الجميلة التى يجلس فيها المرء ويركب ويرحل من مكان إلى آخر، وهذا هو ما ينطبق على السيارات، يصف النبى هذه الصنة العجيبة بهذا الوصف النبوى المعجز أى كأشباه البيوت، وأنت الآن تركب السيارة وكأنها حجرة خاصة لك إن كانت سيارتك الخاصة، فهى لا تختلف كثيراً عن حجرة خاصة لك تجلس فيها أنت وأهلك وربما تتناول أنت وأهلك الطعام بل الشراب بأنواعه وأنت فى طريق أو آخر، بل نحن نرى فى كثير من السيارات التى أعدت إعداداً نرى فى السيارة- أعزك الله- حماماً أو مكاناً لقضاء الحاجة، وتجد فيها مكاناً لثلاجة صغيرة تشرب منها الماء البارد بل وأحياناً ترى الماء الساخن الذى تحتاج إليه لأى نوع من أنواع الشراب هذا ما نراه فى السيارات الكبيرة الخاصة وفى "الباصات" الكبيرة المكيفة التى تسافر المسافات الطويلة بين الدول، ومن سافر منكم للعمرة عن طريق هذه "الباصات" يعلم هذا الوصف النبوى المعجز، بل وهناك من السيارات الخاصة الآن تصنع فيها الكراسى بحيث تستدير بطريقة أو بأخرى بحيث تتحول هذه الكراسى إلى شبه "أنترية" داخل غرفة صالون أو غرفة "أنترية" فى البيت فالوصف لا يحتاج إلى مزيد بيان، لكن تدبر قول النبى : "سيكون فى آخر أمتى رجال يركبون سروجا كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهم كأسنمة البخت العجاف" فرسول الله يخبرنا أنه من بين هؤلاء الرجال الذين ينزلون على أبواب المساجد بسروجهم أو برحالهم من بينهم رجال لهم نساء فى البيوت مع أنهم يحضرون إلى بيت الله جل وعلا لكن نساؤهم يخرجن نساء كاسيات عاريات !!!! صلى الله على من لا ينطق عن الهوى.

          أسأل الله ألا يكون أحدنا منهم بمنه وكرمه، وأنا إن شاء الله تعالى أنزه هذا الجمع الكريم الطيب عن أن يكون احد حضورنا الكرام فى دروس العقيدة من ترك أمراته تخرج بعد ذلك إلى العمل أو إلى الشارع وهى كاسية عارية، أسأل الله أن يطهرنا جميعاً
          من هذا الوصف.

          اللهم أستر نساءنا وبناتنا. اللهم حبب إليهن الحجاب وزينه فى قلوبهن برحمتك يا أحرم الراحمين "نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهم كأسنمة البخت العجاف" وفى لفظ سيأتى الآن إن شاء الله تعالى :رؤوسهم كأسنمة البخث المائلة". البخث نوع من أنواع الجمال الخرسانية التى كانت تعد من أغنى ما يمتلكة العربى من الجمال العربية، وتمتاز بطول الأعناق يعرف هذا البعير بالقوة والجودة وغلو ثمنه، فإذا مال السنام دل ذلك على ضعف هذا البعير وعلى عدم رغبة صاحبه فيه غبة كبيرة يصبح بعيراً مهملا لا يقوى على الخدمة ولا يقوى على العمل، فالنبى يشبه رؤوس النساء الكاسيات العاريات معينة فترفع المرأة شعرها على رأسها كما رفع السنام على ظهر البعير سبحان الله، وهذا ما يسمى الأن بقصة الأسد عند النساء، وهناك قصات مختلفة تخرج من آن لآخر بحسب أحدث الموضات والموديلات، وأصبحنا نرى الآن ولتصفيف شعرها محلات خاصة بذلك تسمى بمحلات "الكوافير" . تذهب المسلمة لهذا المحل لتجلس طائعة مختارة غير كارهة ولا مضطرة بين يدى رجل أجنبى ليصفف لها هذا الأجنبى شعرها أو ربما ليصل لها شعراً آخر يخالف شعرها الحقيقى، فالنبى يصف أحوال النساء فى عصرنا الآن وصفاً دقيقاً كأنما يعيش المصطفى بيننا ويصف حالة رآها بعينه "على رؤوسهم كأسنمة البخث العجاف".

          يقول :"العنوهن فإنهن ملعونات" وأرجو أن أقف عند هذه اللفظة لأبين قاعدة أصولية فى غابة الدقة ألا وهى الحكم على الإطلاق، والحكم على التعيين فلا ينبغى أن تأتى لامرأة متبرجة بعينها وتقول: أنت ملعونة . لا . لا يجوز ذلك، بل يجب أن تقيم عليها الحجة الخاصة وأن تبين لها الحق بالحكمة والرحمة والأدب والتواضع، فشتان شتان بين أن تقول: لعن الله الكاسيات العاريات هذا حكم على الإطلاق، وبين أن تقول: فلانه الكاسية العارية ملعونة فرق كبير بين الحكم على الإطلاق والحكم على التعيين، فالحكم على معين من الناس سواء كان رجلاً أو امرأة لابد فيه من تحقيق شروط وانتقاء موانع هذا درس مهم أو لطيفة لا ينبغى أبداً أن نتجاهلها، فإننى أسمع كثيراً من إخواننا وطلابنا يقول: فلان شهيد . لا ينبغى أن تحكم له بالشهادة وإنما قل: أرجو الله أن يكون شهيداً أو أن يكتبه عنده فى الشهداء.. وفلان فى جهنم لا تتألى على الله ما أدراك أنه فى جهنم، فإن بين الله وبين عبادة من الأمور والأحوال ما لا يعلمها إلا الكبير المتعال من المصائب المكفرة ومن الرحمة التى لا يعلمها إلا هو إلى أخره.. وفلان فى الجنة ما يدريك فلا ينبغى أبداً أن نحكم لأحد بالشهادة، أو أن نحكم لأحد يجنة، أو أن نحكم لأحد بنار أو أن نلعن أحداً من الناس بعينه دون أن نقيم الحجة عليه بالضوابط المعلومة التى فصلتها قبل ذلك فى الفصل الأول وأنا أشرح كتاب حقيقة التوحيد. فالنبى يقول: " نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهم كأسنمة البخث العجاف العنوهن فإنهن ملعونات .. لو كانت وراءهم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم" ([2]) أى لبعدكم عن الله وعن منهج الله وهذه ثمرة حتمية



          مرة للبعد عن منهج الله جل وعلا وهى ثمرة الذل والهوان، وأنا أعلم يقيناً أن الأمة الآن تعيش هذه المرحلة تجنى ثمرة البعد عن الله تعالى وهى ثمرة مرة، فلقد أذل الله الأمة لمن كتب عليهم الذل والذلة من إخوان القردة والخنازير من أبناء اليهود ولا حول ولا قوة إلا بالله. فالنبى يقول:" لو كانت وراءكم امة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم كما يخدمنكم نساء الأمم قبلكم" هذه علامة من العلامات التى ظهرت الآن. وفى رواية للحاكم " سيكون فى أخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر"([3]) والمياثر جميع ميثرة بكسر الميم وهى الثوب الذى تجاله الثياب، وتطلق المياثر على مراكب الأعاجم التى تعمل من حرير أو ديباج، والمراد بها هنا السروج العظام وهى تطلق الآن كما ذكرت على السيارات الأنيقة، وللأمانة العلمية التى عاهدنا الله عليها فإن فى رواية الحاكم التى ذكرت عبد الله القتبانى وقد ضعفه أبو داود والنسائى رحمهما الله تعالى وقال فيه أبو حاتم: هو قريب من ابن لهيعة ومعلوم أن ابن لهيعة ضعيف، إلا أن الحديث يقوى بالحديث الذى ذكرت أو بالطريق الذى ذكرت من مسند أحمد رحمه الله تعالى، واللفظ المشهور الذى رواه مسلم، من حديث أبى هريرة أن النبى قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كاذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ، ليوجد من مسيرة كذا وكذا"([4]) ، صنفان من أهل النار.. هذه شهادة من الصادق الذى لا ينطق عن الهوى، فالنبى هو الذى يحكم الآن بالنار على امرأة كاسية عارية .. وقد فصلت القول فى الصنف الأول رجال معهم سياط كأذناب البقر.

          وأفصل فى الشق الثانى "نساء كاسيات عاريات" ما معنى قوله (كاسيات عاريات) فى ذلك أقوال لأهل العلم:

          الأول: كاسيات عاريات اى تلبس المرأة ثيابا شفافة خفيفة تشف هذه الثياب ما تحتها فتظهر المرأة وكأنها عارية، وأظن أن هذا الوصف النبوى تراه الآن منتشرا عند عدد كثير من النساء ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل – والله – قد ترى الثوب الداخلى الملتصق بالجسد سواء فى الجزء العلوى عند الصدر أو فى الجزء السفلى الذى يستر عورة المرأة قد تراه ظاهراً بارزا من جراء هذه الثياب الشفافة التى تظهر المرأة وكأنها عارية، بل أنا أقول قد تظهر المرأة بهذه الثياب وهى أشد فتنة من العارية تماماً، لأن الممنوع مرغوب ولأن المرء دائماً بفطرته مجبول على أن يعرف ما وراء الحجب والجدران، فتلبس المرأة ثياباً شفافة فتظهر هذه الثياب المرأة وكأنها عارية هذا تفسير..

          التفسير الآخر: أن المرأة تلبس ثياباً ضيقة فتظهر تلك الثياب مفاتن المرأة تماماً وكأنها عارية تظهر كل مفاتن المرأة وساء من الأمام أو من الخلف. أسأل الله أن يستر نسائنا وبناتنا إنه على كل شىء قدير فتظهر المرأة مع أنها تلبس الثياب لكنها تظهر وكأنها عارية، إما للثياب الشفافة التى تظهر ما تحتها وإما للثوب الضيق الذى أظهر كل مفاتن المرأة بصورة تجعل المرأة أشد فتنة من المرأة العارية. النبى يحكم على هؤلاء بأنهن من أهل النار فهل تقوى المرأة المسلمة التى ظهرت كاسية عارية هل تقوى على النار.

          أختاه أيتها الأخت المسلمة هل تقدرين وتصبرين على حر النار؟ يا من خرجت بالثياب الشفافة، ويا من خرجت بالثياب الضيقه هل تصبرين على حر النار؟ هل تعلمين أن الطعام فى النار نار؟ هل تعلمين أن الشراب فى النار نار؟ هل تعلمين أن الثياب فى النار نار؟ طعام أهل النار نار وشراب أهل النار نار وثياب أهل النار نار قتا تعالى:" {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ* وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ* تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ} (1 ، 6) سورة الغاشية هل تعلمين ما الضريع أيتها الأخت {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ} (30 ، 36) سورة الحاقة هل تعلمين ما الغسلين؟ وهل تعلمين ما الضريع؟ الضريع نوع من أنواع الشوط ينبت فى أرض الجزيرة، والغسلين عصارة أهل النار من قيح وصديد هذا طعام أهل النار وقال تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ* إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}
          (62 ، 66) سورة الصافات فهل تقدرين على الزقوم والغسلين والضريع، ثم إذا أكل أهل النار هذه النار وتأججت النار فى بطونهم استغاثوا بالعزيز الغفار يريدون الماء فيغاث أهل النار بماء كالزيت الذى يغلى من شدة الغليان: { وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} (15) سورة محمد وقا تعالى: { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ} (29) سورة الكهف أى كالزيت المغلى { يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا} (29) سورة الكهف {وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ * {يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} (15 ، 17) سورة إبراهيم حتى الثياب، الثياب التى تتفنن المرأة المتبرجه الكاسية العارية الآن فى إظهارها ولبسها لتفتن قلوب الشباب والرجال ستبدل هذه الثياب بثياب من النار إن لم تتب إلى العزيز الغفار. قال ربنا جل وعلا: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} (20 ، 23) سورة الحـج فالطعام فى النار نار والشراب فى النار نار والثياب فى النار نار فهل تصبرين أختى المسلمة على حر النار؟ ..

          الله الله فى الحجاب الشرعى الله الله فى الستر والعفاف والله لا تقدر المرأة على حرارة حر الشمس فى يوم شديد الحرارة ولا تقدر على أن أن تمس يدها نار "البوتوجاز". اعلمى أيتها الأخت أيتها الأخت الفاضلة المسلمة أن هذه النيران التى لا تصبرين على حرها فى الدنيا إنما هى جزء من سبعين جزءاً من جهنم قالوا: يا رسول الله، والله إن كانت لكافية . فقال: " ولكن نار الآخرة فضلت – أى زادت- على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً كلها مثل حرها".

          فيا أيتها الأخت أنادى عليك وأنا والله الذى لا إله غيره أحب لك الخير الذى أحبه لآبنتى، وأحب لك الستر الذى أحبه لزوجتى، وأحب لك العفاف الذى أحبه لأمى وعمتى وخالتى، فأنت درة مصونة وأنت جوهرة ثمينة وأنت لؤلؤة مكنونة، ومحال لأى عاقل أن يلقى بدرته وجوهرته لكل عين خائنة، ولكل يد آثمة لتصل إليها بالباطل والإثم والعدوان، فلا تقولى أبداً: اقنعنى بالحجاب وإنما إن أردت السؤال فأنا أصحح لك السؤال وهو: اقنعنى بالإسلام!! فإن كنت مسلمة فالذى أمرك بالحجاب هو الله فما عليك إلا أن تقولى: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.

          أسأل الله أن يستر نساءنا وبناتنا وأن يشرح صدورهن للإسلام، إنه على كل شئ قدير .. يقول : " صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات" تتمايل المرأة فى مشيتها وتتبختر يمنة ويسرة فتجذب إليها قلوب الشباب بل والرجال فلا حول ولا قوة إلا بالله، فإن أعظم فتنة تركها النبى فى الأمة هى فتنة النساء الكاسيات العاريات كما قال فى الصحيحين من حديث أسامة:" ما تركت فتنة بعدى أضر على الرجال من النساء .. رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" ([5]) وعن أبى هريرة – رضى الله عنه – أن النبى قال: " من أشراط الساعة أن تظهر ثياب تلبسها نساء كاسيات عاريات" أنظر إلى لفظ: " أن تظهر ثياب" فالمراد بالوصف هذه الثياب، (أن تظهر ثياب)، تلبس هذه الثياب نساء كاسيات عاريات، وأنا أعلم يقيناً أنه لا يخالف مسلم الآن أن الثياب التى نراها الآن من قصات مختلفة عارية مفتحة من كل الجوانب لم تكن البتة على عهد المصطفى .

          فهذه الأحاديث إخوتى الكرام من معجزات النبى فقد وقع ما أخبر به المصطفى فى عصرنا بصورة دقيقة بمثل ما قال.

          أما سؤال الأخت الفاضلة عن النقاب فالنقاب نوع من أنواع الحجاب صورة من صور الحجاب فى قوله تعالى: { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا} (53) سورة الأحزاب والنقاب صورة من صور الحجاب، والنقاب لغة هو غطاء الوجه الذى ينقب بمحاذاة العينين لترى المرأة من هذين النقبين الطريق، ولذا سمى بالنقاب وهو غطاء الوجه، ولا ينبغى أبداً أن يهزأ به، وإنما ينبغى أن نعلم أن النقاب أو غطاء الوجه قال بوجوبه لفيف من أهل العلم والفضل، والأدلة على وجوب تغطية الوجه كثيرة، وأنا أدين لله بهذا.

          لقد نقل الإمام الشوكانى اتفاق المسلمين على وجوب أن تغطى المرأة المسلمة وجهها فى زمن يكثر فيه الفساق، فما رأيكم فى زماننا يكثر فيه الأولياء؟!! وأنا أعتقد الآن أننا نعيش زمانا تخشى فيه الفتنة على الرجال وعلى الشباب وعلى النساء فأنا أدين لله بهذا، وإليكم الأدلة:

          الدليل الأول: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (59) سورة الأحزاب يقول الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمة الله- : أمر الله- سبحانة وتعالى- جميع نساء المؤمنين بإدناء جلابيبهن على محاسنهن من الشعور والوجه وغير ذلك حتى يعرفن بالعفة.

          قال الشيخ أبو الأعلى المودودى رحمة الله تعالى فى كتاب الحجاب: نزلت الآية خاصة فى ستر الوجه ثم يقول: فمعنى الآية أن يرخين جانباً من خمرهن أو ثيابهن على أنفسهن، وهذا هو المفهوم من ضرب الخمار على الوجه، والمقصود به ستر الوجه وإخفاؤه سواء كان ذلك بضرب الخمار أو بلبس النقاب أو بطريقة أخرى تختلف عن ذلك.

          يقول الإمام الطبرى شيخ المفسرين- رحمة الله تعالى- فى آية الإدناء فى سورة الأحزاب يقول عن أبن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن فى حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب وأن يبدين عينا واحدة: يقول: وهذا الإسناد صح عن ابن سيرين سألت عبيدة السلمانى التابعى الفقية العلم الذى آمن فى حياة النبى ونزل بالمدينة فى زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولم يزل بالمدينة حتى مات وهو يصف حال نساء.

          يقول ابن سيرين: سألت عبيدة السلمانى- رحمة الله تعالى- عن قوله- {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ الآية فقال بثوبه فغطى رأسه ووجهه وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه، وبين بصورة عملية معنى الآية كما كان يفعل نساء الصحابة رضوان الله عليهن .. وقال الإمام الرازى: فى هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين وقال بوجوب تعطية الوجه، ولا أتوقف عند الأقوال وإنما أذكر بالمصادر لمن أراد أن يرجع إليها، قال بوجوب تغطية الوجه للمرأة المسلمة الإمام القرطبى فى الجامع لأحكام القرآن الكريم، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام البغوى فى معالم التنزيل فى تفسير سورة الأحزاب، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام الزمخشرى فى الكشاف، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام ابن العربى المالكى فى تفسير سورة الأحزاب فى تفسير أحكام القرآن، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام ابن الجوازى فى زاد المسير فى علم التفسير، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام البيضاوى فى أنوار التنزيل وأسرار التأويل، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام النسفى فى مدارك التنزيل وحقائق التأويل، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام ابن على بن حيان الأندلسى فى البحر المحيط فى تفسير سورة الأحزاب، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام الخطيب الشربينى فى السراج المنير فى تفسير سورة الأحزاب، وقال بوجوب تغطية الوجه شيخ الإسلام ابن تيمية فى تفسير سورة النور، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام أبن القيم فى مرجعة القيم إعلام الموقعين، وقال بوجوب تغطية الوجه الإمام ابن حزم فى المحلى فى الجزء الثالث بتحقيق الشيخ أحمد شاكر، وقال بوجوب تغطية الوجه شيخنا الفاضل محمد بن صالح العثيمين يقول: وقد دلت الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله والنظر الصحيح والاعتبار والميزان على أنه يجب على المرأة أن تستر وجها عن الرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمها، ولاشك عاقل أنه إذا كان على المرأة أن تستر رأسها وتستر رجليها وألا تضرب الأرض برجليها حتى يعلم ما يخفى من زينتها وأن هذا واجب، فإن وجوب ستر الوجه أوجب وأعظم وذلك أن الفتنة الحاصلة بكشف الوجه أعظم بكثير من الفتنة الحاصلة بظهور شعره من شعر رأسها أو بظهور من أظافر رجليها، وإذا تأمل العاقل المؤمن من هذه الشريعة وحكمها وأسرارها تبين أنه لا يمكن أن تلزم الشريعة المرأة بستر الرأس والعنق والذراع والساق ثم تبيح الشريعة للمرأة أن تخرج كفيها وأن تخرج وجهها الذى ملأ جمالا وتحسينا.. وبوجوب تغطية الوجه قال الإمام الشوكانى فى فتح القدير الجامع بين فنى الرواية والدراية فى علم التفسير. قال العلامة الألوسى فى تفسير القرآن العظيم فى السبع المثانى فى سورة الأحزاب، وفى وجوب تغطية الوجه قال العلامى علامة الشام محمد جمال الدين القاسمى فى محاسن التأويل، وفى وجوب تغطية الوجه قال علامة القصيم الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدى فى تفسير القرآن الكريم فى تيسير الكريم الرحمن فى تفسير كلام المنان، وفى وجوب تغطية الوجه قال الدكتور محمد محمود حجازى فى التفسير الواضح فى سورة الأحزاب، وفى وجوب تغطية الوجه قال الشيخ أبو بكر الجزائرى حفظة الله فى أيسر التفاسير لكلام العلى الكبير بوجوب تغطية الوجه قال الشيخ صالح عبد الوهاب البليهى فى كتابه الطيب يا فتاة افسلام اقرأى حتى لا تخدعى، بوجوب تغطية الوجه، قال الشيخ عبد العزيز بن خلف، بوجوب تغطية الوجه قال كثير من أهل الفضل والعلم ويكفى هذا الكم الكبير الهائل من الذين ذكرت أسماءهم وذكرت مراجعهم.

          الآن الدليل الثانى: بإيجاز يقول الله تعالى: "{ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } (53) سورة الأحزاب وهذه الآية وقد نزل فى شهر ذى القعدة فى السنة الخامسة من الهجرة، وهى نص واضح فى وجوب تحجب الرجال عن النساء فى هذه الآية الكريمة كما يقول العلامة الشنقيطى رحمه الله تعالى وفى هذه الآيات الكريمة دليل على وجوب الحجاب، ولكن وجوب الحجاب حكم على الناس وليس خاصا بأزواج النبى وإن كان أصل اللفظ خاصاً بأزواج النبى : لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه ومسلك العلة. الذى دل عليه: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ هو علة قوله تعالى: فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ وهو المسلك المعروف عند العلماء مسلك الإيماء والتنبية، وكذلك قال بوجوب تغطية الوجه فى ألاية هذه الشيخ حسنين مخلوف مفتى مصر السابق، ويقول الأستاذ/ محمد أديب كلكل فى "فقة النظر فى الإسلام": إن هذه الآية خاصة بأمهات المؤمنين وقد نزلت فى حقهن ، وإن قال قائل بأن هذه الآية خاصة بأمهات المؤمنين وقد نزلت فى حقهن.

          قلت: وإن كانت خاصة بنساء النبى من جهة السبب فإنها عامة من جهة الأحكام، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ثم يقول : فإن الآدعاء أن هذه خاصة بامهات المؤمنين وقد نزلت فى حقهن لا ينهض حجة لأن الاستثناء فى الآية {لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ } (55) سورة الأحزاب إلى أخر الآية عامة وهو فرع عن الأصل وهو الأمر بالحجاب فدعوى تخصيص الأصل يستلزم تخصيص الفرع وهو غير مسلم فى الآية، ويقول الشيخ سعيد الجابى فى كتاب كشف النقاب: وغذا كانت نساء النبى هن المطهرات من السفاح المحرمات علينا بالنكاح، الموصوفات بأنهن أمهات المؤمنين قد أمرن بالحجاب طهارة لقلوبهن وقلوب أبنائهم المحرم عليهم نكاحهن، فما نقول فى غيرهن المحللات لنا بالنكاح المتطلع لهن أهل السفاح هل يجوز لهن أن يكن سافرات غير منتقبات وبارزات غير محجبات. ويقول الأستاذ محمد أديب كلكل حفظه الله فى قوله تعالى: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} (32) سورة الأحزاب إلى آخر الآيات الجميلة يقول: إنها وصايا ربانية وآيات إلهية فأى منها لا يتصل بعامة النساء المسلمات؟ وهل النساء المسلمات لا يجب عليهن أن يتقين الله؟ وهل أبيح لهن أن يتبرجن تبرج الجاهلية؟ ثم هل ينبغى لهن أن يتركن الصلاة ويمنعن الزكاة ويبعدن عن طاعة الله ورسوله؟ هل يريد الله أن يتركهن فى الرجس؟ فإذا كانت هذه الأوامر والإرشادات عامة بجميع المسلمات فما المبرر فى التخصيص؟

          نعم ما هى الدلائل والتكليفات على أن هذه الأوامر خاصة بزوجات النبى ؟ يقول الشيخ عبد العزيز بن خلف- رحمة الله-: لم يرد فى أيى النور وآية الأحزاب بما قضت به من أحكام عامة للمسلمات من أمة محمد النبى إلى يوم القيامة وإن من الزعم الباطل بأن آية الحجاب خاصة بأزواج النبى إلى آخر ما ذكر، وهناك أيضاً آيات فى سورة النور التى هى آية سورة النور الآية 31 {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ }ولكننى أود أن أقف على الأثر المنسوب لابن عباس هذا الأثر فى قوله تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ قال أبن عباس: الكحل الثياب. قال ابن عباس رضى الله عنه: الزينة زينتان: زينة ظاهرة وزينة غير ظاهرة ، وجوز لها إبداء الزينة غير الظاهرة للزوج وغير ذوى المحارم وأما الباطنة فلا تبديها إلا للزوج وذوى المحارم، يستدل بأثر ابن عباس بأنه اقل: الزينة الظاهرة وهى الكحل والثياب يعنى لا مانع أن تظهر المرأة الكحل لغير المحارم، لغير الزوج، وهذا من أبطل الباطل الأثر المروى عن ابن عباس رواه الإمام الطبرى رحمه الله تعالى فى التفسير ، ورواه البيهقى فى السنن الكبرى والإسنادان لا يصحان بحال.

          الإسناد الأول: قال ابن جرير الطبرى: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا مروان قال: حدثنا مسلم الملائى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (ولا يبدين زينتهن) قال: قال: الوجه والكفين. أقول : إسناده ضعيف جداً بل منكر، قال الإمام الذهبى فى ترجمة مسلم المولائى الكوفى متروك الحديث، وقال عنه يحيى بن معين: ليس بثقة، وقال البخارى: يتكلمون فيه، وقال يحيى أيضاً: زعموا أنه اختلط، وقال النسائى: متروك الحديث. وهذا إسناد ساقط لا يصلح أبدا للمتابعات ولا للشواهد، كما لا يخفى على أحد من طلاب علم الحديث.

          الإسناد الثانى: الذى رواه البيهقى فى السنن الكبرى قال البيهقى: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبى عمر قال: حدثنا أبو العباس محمد ابن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا حفص بن غياث، عن عبد الله بن مسلم بن هرمو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (ولا يبدين زينتهن) قال: الكف والوجه، قال : هذا الإسناد مظلم ضعيف جداً لضعف أحمد بن عبد الجبار العطاردى قال الذهبى: ضعفه غير واحد، وقال أبو حاتم: ليس بالقوى، وقال ابن عبد الرحمن: كتبت عنه وأمسكت عن التحديث عنه لما تكلم الناس فيه، وقال الحافظ فى التقريب: ضعيف.

          والراوى الثانى فى هذا السند هو عبد الله بن مسلم بن هرمز قال الإمام الذهبى: ضعفه ابن معين، وقال أبو حاتم: ليس بالقوى وضعفه النسائى، وقا الحافظ فى تقريب التهذيب: ضعيف.

          إذا يا أخوة الإسنادان كما رأينا لا يثبتان أبدا بحال عن ابن عباس رضى الله عنه، ويؤكد صحة ذلك ما ذكرناه عن ابن عباس رشى الله عنه قال فيما رواه عنه على بن أبى طلحة ثال: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن فى حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب هذا كلام ابن عباس رضى الله عنه، هناك أيضاً أدلة كثيرة فى السنة أكتفى بدليل واحد فقط ألا وهو حديث النبى كما فى صحيح البخارى وموطأ الإمام مالك وغيرهما من حديث النبى عن عبد الله بن عمر:" لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين"([6])



          قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن هذا يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين فى النساء اللاتى لا يحرمن، ولذلك يقتضى ستر وجوههن وأيديهن. قد يؤخذ بكلام الشيخ ناصر حفظة الله فى المسألة بجواز كشف الوجه، وأود أن أذكر بكلام الشيخ ناصر الدين الألبانى فى هذه المسألة فقد قرر الشيخ- رحمة الله- أن ستر الوجه والكفين له أصل فى السنة وأنه كان معهودا فى زمن النبى وساق الأدلة على ذلك، ثم قال: إن فى ذلك الحديث دلالة ظاهرة على أن حجاب الوجه كان معروفاً فى عهد النبى وأن نساءه كن يفعلن ذلك، والاستدلال بحديث أسماء لا يصح بحال فقد بينا قبل ذلك ضعف حديث أسماء من وجهين بل من ثلاثة وجوه والله تعالى أعلم.

          فأنا أقول: لا ينبغى على الإطلاق أن نسفه النقاب ولا ينبغى على الإطلاق أن نحتقر المنتقبات، وإنما أقول للأخت المنتقبة: أرفعى رأسك عالية واعلمى أنك على الحق إن شاء الله تعالى، وأعجب أشد العجب لامرأة سافرة عارية متبرجة تفتح لها الأبواب وتهتف لها الجماهير وتذلل لها الصعاب وتغلق الأبواب فى وجه المنتقبة العفيفة الطاهرة البريئة الشريفة، وفى الوقت ذاته من باب الأمانة العلمية لا ننكر على من يقول من أهل العلم جواز كشف الوجه بشروط الحجاب الشرعية المعروفة للمرأة المسلمة بشرط أن يكون الثوب طويلاً فضفاضا، ألا يكون الثوب مبخراً أو معطراً، ألا يكون الثوب ثوب شهرة إلى آخر هذه الشروط المعلومة فى لباس المرأة المسلمة. فهل من توبة أيتها الفتاة؟ هيا توبى إلى الله عز وجل واقلعى عن هذا الذنب وتضرعى إلى الله تبارك وتعالى أن يغفر ما قد سلف. واعلمى يقيناًُ بأن الله تعالى يفرح بالتائب إليه وهو الغنى عن العالمين، فهو سبحانه وتعالى الذى يفتح باب التوبة لعبادة ويقول سبحانة : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر وينادى سبحانه وتعالى على أهل الإيمان بالتوبة وتجديدها فإن الإنسان لا ينفك عن معصية صغيرة أو كبيرة، ومن ثم فالله جل وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (8) سورة التحريم ويقول سبحانه: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النــور وما من يوم يمر علينا إلا ورب العزة يتنزل إلى السماء الدنيا تنزلاً يليق بكماله وجاله ويقول: أنا الملك من ذا الذى يدعونى فأستجيب له، من ذا الذى يسألنى فأعطية، من ذا الذى يستغفرنى فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يضئ الفجر .. وقال النبى : " ما من يوم إلا ورب العزة يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل"([7]) وفى الصحيحين أيضاً أن النبى قال: " قال الله تعالى فى الحديث القدسى:



          أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خيراً منه، وإن تقرب منى شبراً تقربت إليه ذراعاً وإن تقرب إلى ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتانى يمشى أتيته هرولاً" ([8]) وفى صحيح مسلم من حديث أبى موسى أن النبى وأختم هذا اللقاء بهذا الحديث الجليل الكريم الذى رواه البخارى من حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن النبى رأى امرأة فى السبى تبحث عن ولدها، فلما وجدته ألصقته ببطنها وأرضعته، فأثر هذا المشهد الرقراق الحانى فى قلب النبى الكريم فقال:" هل ترون أن هذه الأم طارحة ولدها فى النار؟ قالوا لا يا رسول الله، فقال النبى :" لله أرحم بعباده من رحمة الأم بولدها"([9])



          فهيا أيتها الفتيات إلى التوبة إلى رب الأرض والسماء، وأسفاه إن دعيت اليوم إلى التوبة وما أجبت!! واحسرتاه إن ذكرت بالله الليلة وما أنبت !! ماذا ستقولين لربك غداً؟ تذكر أيها الشاب وتذكرى أيتها الفتاة تذكروا أيها المسلمون:

          تذكر وقوفك يوم العرض عريانا
          والنار تلهب من غيط ومن حنق
          اقرأ كتابك يا عبدى على مهل
          فلما قرأت ولم تنكر قراءته
          نادى الجليل خذوه يا ملائكتى
          المشركون غدا فى النار يلتهبوا






          مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا
          على العصاة ورب العرش غضبانا
          فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا
          وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا
          وامضوا بعبد عصا للنار عطشاناً
          والموحدون لدار الخلد سكانا

          عد إلى الله وتذكر ميت لا تغتر بشبابك ولا تفتر بصحتك ولا تغتر بقوتك، فالموت لا يترك صغيراً ولا كبيراً ولا شيخاً ولا شاباً ولا امرأة ، وأنت أيتها الفتاة لا تغترى بشبابك ولا بجمالك ولا بصحتك ولا بخديعتك لأسرتك ولا للمجتمع فستقفين يوماً بين يدى الله جل وعلا الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.

          أيها العاصى




          دع عنك ما قد فات فى زمن الصبا
          واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
          لم ينسها الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
          والروح منك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب
          وغرور دنياك التى تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب
          الليل فأعلم والنهار كلهما أنفاسنا فيهما تعد وتحسب







          وصدق ربى إذ يقول: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (26 ، 40) سورة القيامة



          أسأل الله جل وعلا أن يردنا إلى الحق ردا جميلاً. ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماماً اللهم استر نساءنا وبناتنا، واحفظ شبابنا وردنا إلى الحق رداً جميلاً برحمتك يا أرحم الراحمين.

          أحبتى فى الله هذه صرخة صيحة من أخ يحبكم فى الله. أسأل الله جل وعلا أن يجعلها خالصة لوجهة وأن ينفع بها المسلمين والمسلمات إنه ولى ذلك والقادر عليه.

          هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمنى ومن الشيطان . وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة ويلقى به فى جهنم. ثم أعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه .. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
          وسلم أجمعين.

          (*) محاضرة ألقيت ضمن دروس العقيدة بمسجد التوحيد بالمنصورة.

          (1) رواه أحمد (2/223).

          (1) سبق تخريجه.

          (1) رواه الحاكم (4/436) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وتعقبة الذهبى عبد الله بن عباش وإن كان قد احتج به مسلم فقد ضعفه أبو داود ولنسائى وقال أبو حاتم: هو قريب من ابن لهيعة.

          (2) رواه مسلم فى اللباس والزينة (2128 / 125) .

          (1) رواه البخارى فى النكاح (5096)، ومسلم فى الرقاق (2740 ، 2741).

          (1) رواه البخارى فى جزاء الصيد (1838)، ومالك فى الموطأ فى كتاب الحج (1/268) رقم (15)، وأحمد (2/119)، وأبو داود فى المناسك (1825 ، 1826).

          (1) رواه مسلم فى التوبة (2759)، وأحمد (4/395 ، 404).

          (2) رواه البخارى فى التوحيد (7405) ، ومسلم فى الذكر والدعاء (2675 ، 2686).

          (3) رواه البخارى فى الأدب (5999)، ومسلم فى التوبة (2754 / 202).



          تعليق


          • #6
            هل ولد المهدى ؟



            إنّ الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله .

            (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) آل عمران/102 .



            ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) النساء/1 .



            ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) الأحزاب70/71 .



            أما بعد .. فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى نبينا محمد (ص) وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

            ثم أما بعد ..

            فحياكم الله أيها الأخوة الأخيار وأيتها الأخوات الفضلاء ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا ، وأسأل الله جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت المبارك علي طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار مقامه ، إنه ولى ذلك ومولاه ..

            أحبتي في الله هل ولد المهدي ؟ الجواب على هذا السؤال هو موضوع لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم المبارك .

            وكعادتي حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعا من تحت أقدامنا فسوف ينتظم جوابي على هذا السؤال في العناصر التالية :

            أولا : امرأة ترضع القمر .

            ثانيا : من هو المهدي .

            ثالثا : الرد على المخالفين .

            رابعا : الحقيقة بين العلم والعمل والأمل .

            فأعيروني القلوب والأسماع ، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأن يقر أعيننا جميعا بنصرة الإسلام وتمكين المسلمين ، إنه ولي
            ذلك والقادر عليه.



            أولا : امرأة ترضع القمر :

            إشاعة مدوية انتشرت في الأيام القلية الماضية انتشار النار في الهشيم ، أن امرأة مسلمة رأت في الرؤية أنها ترضع القمر ، واتصلت على رجل من المعبرين للرؤى فقال لها وطلب منها أن تقسم بالله العظيم ثلاثا أنها رأت أنها ترضع القمر ، فأقسمت المرأة على ذلك ثلاثا ، فقال هذا المعبر أو المأول : إذن لقد ولد المهدي عليه السلام .

            وانتشرت الإشاعة في مصر بل في العالم العربي والإسلامي انتشار النار في الهشيم في أيام معدودة ، فلما سئل المأول والمعبر أقسم هو الآخر بالله العظيم ثلاثا أنه لم تسأله امرأة من الأصل عن هذه المسألة ، وبينت المسئولة عن البرنامج المعروف أنه لم تتصل مسلمة أصلا ، ولم تقص هذه الرؤية لا على البرنامج ولا على مأول الرؤى وهذه إشاعة لا أصل لها وأكذوبة باطلة .

            وهب أن مسلمة رأت بالفعل أنها ترضع القمر فهل يستطيع عاقل فضلاً عن عالم بكتاب الله وسنة رسول الله أن يجزم ويقطع بأن المهدي عليه السلام قد ولد ؟ لا إذ لا يعلم وقت ميلاد المهدي ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، فهذا أمر كوني قدري غيبي لا يعلمه إلا الرب العلي سبحانه وتعالى ، ولا أريد أن أطيل النفس في هذه الجزئية .

            فمن هو المهدي ؟ :

            هذا هو عنصرنا الثاني بإيجاز ، المهدي عليه السلام رجل من المسلمين من نسل فاطمة بنت سيدنا رسول الله من نسل الحسن بن علي ابن فاطمة اسمه على اسم رسول الله ، واسم أبيه على اسم أبي رسول الله ، يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت الأرض جوراً وظلماً ، ينصر الله به الدين وينصر الله على يديه المسلمين ، ينزل الله عز وجل في عهده البركة فلا تحبس السماء شيئاً من قطرها ، ولا تمنع الأرض
            شيئاً من ثمرها.

            قال في حقه الحافظ ابن كثير : في زمن المهدي تكون الثمار كثيرة والزروع غزيرة، والمال وافر ، والسلطان قاهر ، والدين قائم ، والعدو راغم ، والخير في أيامه دائم .

            لا نقول ذلك رمياً بالغيب ، ولا من باب الأحلام الوردية الجاهلة ، ولا نقول ذلك لما تعانيه الأمة من ضغط شديد من أعدائها ، كلا . كلا ، فهذا أمر لا يجوز لأحد البتة أن يتكلم فيه إلا بدليل من كتاب الله ، أو بدليل من كلام الصادق رسول الله .

            فخذوا هذه الطائفة الجليلة الكريمة من كلام رسول الله في شأن المهدي عليه السلام .

            ففي الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجة في السنن بسند صحيح من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي قال : " المهدي من عترتي من بيت فاطمة "(1) أو من ولد فاطمة فهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني .

            وفي الحديث الذي رواه أحمد في مسنده وابن ماجة في سننه بسند صحيح من حديث علي رضي الله عنه أن النبي قال : " المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة"(2) أي : يعده الله ويهيئه للخلافة الراشدة لقيامة الأمة المسلمة في زمن الفتن والملاحم، أسأل الله أن يعجل بهذه الخلافة الراشدة .

            وفي الحديث الذي رواه أبو داود بسند صحيح من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي قال : " لا تذهب الدنيا – أو لا تنقضي الدنيا – حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطيء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي" (3)

            وفي الحديث الذي رواه أبو داود والطبراني وابن حبان والبزار والحاكم بسند صحيح من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن الحبيب النبي قال : " لتملأن الأرض جوراً وظلماً ، لتملأن الأرض جوراً وظلماً ، فإذا ملئت جوراً وظلماً يبعث الله رجلا مني اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما فلا تمنع السماء شيئا من قطرها ولا الأرض شيئا من نباتها فيمكث سبعا أو ثمانية ، فإن أكثر فتسع ، فيمكث فيكم سبعا أو ثمانية فإن أكثر فتسع"(4)



            وفي الحديث الذي رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده بسند صحيح من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن النبي قال : " ينزل عيسى ابن مريم " ، وتدبر فإن المهدي يكون في زمنه عيسى ابن مريم ، وإذا نزل عيسى ابن مريم يكون في زمانه الدجال ، فالذي يقتل الدجال عيسى ومعه المهدي ، ففي زمن عيسى يكون المهدي وفي زمن المهدي يكون عيسى ، وفي زمن عيسى يكون الدجال ، وفي زمن عيسى يخرج يأجوج ومأجوج ، فالعلامات خرزات منظومة في سلك فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضاً ، لا أقول ذلك من نفسي ، بل هو كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى كما في مسند أحمد ومستدرك الحاكم بسند صحيح من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي قال : " العلامات – وفي لفظ الأمارات – خرزات منظومات في سلك فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضاً" (1)



            إذا وقعت علامة من العلامات الكبرى تبعتها بقية العلامات في مدة لا يعلمها إلا رب الأرض والسماوات ، فارجع إلى حديث الحارث بن أبي أسامة في مسنده بسند صحيح من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – أن النبي قال : " ينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم المهدي – هكذا يقول أميرهم المهدي – تعال صل بنا ، تعال صل بنا ، فيقول عيسى للمهدي : لا إن بعضكم أمير بعض تكرمة الله لأمة محمد " .

            وفي رواية الصحيحين في البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبى قال : " كيف أنتم إذا نزل فيكم عيسى ابن مريم وإمامكم منكم" (2)



            بل في لفظ مسلم من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى قال : " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة " ثم قال : " وينزل عيسى ابن مريم – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – فيقول أميرهم – أي لعيسى - : تعال صل لنا فيقول عيسى : لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله لهذه الأمة" (1)



            هذا كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى ، ولابد من الجمع بين هذه الأدلة بهذا التأصيل الذي أقدم الآن حتى لا يضرب أحد السنة بعضها ببعض ، ولا ينبغي لأحد كما ذكرت أن يتكلم بشأن المهدي إلا بكلام الصادق النبي ، فهذا أمر غيببي لا ينبغي لأحد أن يتكلم فيه من عند نفسه أو من ذهنه أو من عقله قال الله أو قال رسول الله .

            قال تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )(الحشر/7) لكن من المعلوم للجميع أن كثيرا من الدجاجلة والكذابين قد خرج وأدعى كل واحد من هؤلاء أنه المهدي ، لم يتركنا رسول الله بل بين لنا الصادق علامة واضحة أكيدة إن ظهرت في الأرض علمنا أن الرجل الذي عاذ ولجأ إلى بيت الله الحرام هو المهدي الصادق الحقيقي عليه السلام ، ما هذه العلامة ؟ اسمع للصادق الذي لا ينطق عن الهوى .

            ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – قالت : عبث رسول الله يوما في منامه – عبث : أي تحرك حركة على غير عادته – عبث رسول الله يوما في منامه فقالت عائشة رضي الله عنها رأيتك صنعت شيئا بم تكن تفعله ؟ فقال النبي : " العجب أن أناسا من أمتي يؤمون البيت الحرام – أي يتوجهون ويقصدون البيت الحرام – لرجل من قريش عائذا بالبيت – أي محتمي بالبيت – لرجل من قريش عائذا بالبيت – أي البيت الحرام – فيخرج إليهم جيش حتى إذا كانوا – أي الجيش – بالبيداء – أي الصحراء – خسف به – أي بهذا البيت " قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله إن الطريق يجمع الناس – يعني في هؤلاء من خرج لقتال المهدي ومنهم من خرج لقضاء مصالحه ، فلماذا يخسف الله به الطريق إن الطريق قد يجمع الناس. فقال النبي : " نعم فيهم المستبصر ، والمجبور ، وابن السبيل يهلكون مهلك واحد ، ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم"(1) ، وفي لفظ مسلم من حديث أم



            المؤمنين حفصة – رضي الله عنها – أن النبي قال : " سيعوذ بهذا البيت قوم من أمتي ليست لهم عدة ولا عدد ولا منعه مستضعفون ليست لهم عدة ولا عدد ولا منعة يبعث إليهم جيش حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم" (2) وفي لفظ في صحيح مسلم : " ولا يبقى منهم إلا الشريد الذي يخبر عنهم" (3)



            هذه العلامة إن ظهر المهدي في بيت الله الحرام ويبايعه مجموعة من المسلمين لا عدد لهم ولا عدة ولا سلاح إنهم مستضعفون يخرج للمهدي جيش لقتاله والقضاء عليه فينصر الله المهدي نصرا قدريا غيبيا يخسف الله بهذا الجيش الأرض ، ولا ينجو من هذا الجيش إلا الشريد إلا الرجل أو الرجلان .

            إذا ظهرت هذه العلامة عرف المسلمون جميعاً على ظهر الأرض أن الرجل العائذ بالبيت هو المهدي عليه السلام ، وينتشر الخبر بسرعة مذهلة في الأرض كلها فلا يبقى مسلم قادر يستطيع أن يرحل من بلده أيا كان إلى البيت الحرام إلا وسافر حتى يرزقه الله الشهادة أو يرزق الله الأمة النصر . نسأل الله أن يرزق الأمة النصر ، وأن يكتب لنا الشهادة إنه ولي ذلك ومولاه .

            وهنا يعلن العالم كله الحرب على المهدي عليه السلام لكن الله جل جلاله ينصر المهدي بقدرته وأمره سبحانه في جميع معاركه التي سيخوضها .

            استمع وتدبر هذه البشائر النبوية ، ففي صحيح مسلم من حديث نافع بن عتبة – رضي الله عنه - أن النبي قال : " تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله " ولاحظ أن الذي سيفتح هنا هو الله " تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ثم تغزون فارس فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله " – اللهم عجل بفتحك يارب – ثم تغزون الروم فيفتحها الله ثم تغزون الدجال فيفتحه الله"(1)



            فمن المعلوم أن عيسى ابن مريم كما في صحيح مسلم ، حدد الصادق الذي لا ينطق عن الهوى مكان نزوله في الأرض ، بل حدد الصادق الثوب الذي سينزل به عيسى من السماء . قال : " ينزل عيسى ابن مريم بين مهرودتين – أي بين ثوبين ممصرين يميل لون الثوبين إلى الصفرة – ينزل عيسى ابن مريم بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين تقطر لحيته كأنه يتوضأ ومازال الماء يقطر من لحيته ينزل عند المنارة البيضاء شرق دمشق" (2).



            صلى الله على الصادق ثم يتجه بعد ذلك عيسى إلى بيت المقدس فيرى المسلمين يصلون وإمامهم المهدي كما بينت الأحاديث الماضية ، فيريد المهدي أن يتأخر ليقدم عيسى ابن مريم ليصلى بالمسلمين ، لأنه نبي فيرفض عيسى عليه السلام ويدفع المهدي بين كتفيه ، ويأمره أن يصلى بالمسلمين ويكون إمامكم منكم تكرمة الله لأمة محمد ، ويصلى عيسى خلف المهدي على شريعة الحبيب النبي ‘ فعيسى ينزل ليقتل الخنزير ، وليحطم الصليب ، وليفرض الجزية ، وليدعوا الناس جميعا في الأرض كلها إلى توحيد الله الواحد الأحد بلا منازع ولا شريك ، فهذه أولى كلماته في المهد قال : ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً(30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً(31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً(32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً(33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ(34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) (مريم/30-36) ينزل عيسى وينتقل مع المهدي لقتال الدجال ، فإذا رأى الدجال عيسى ابن مريم يذوب كما يذوب الملح في الماء فيقتل عيسى الدجال وهو في طريق عودته يخبره الله جل وعلا أنه قد أخرج يأجوج ومأجوج فيقول له : إني أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم _ أي لا قدرة لأحد على قتالهم _ فحذر عبادي إلى الطور .

            فيلجأ نبي الله عيسى والمؤمنون معه إلى الطور في سيناء ، ويخرج يأجوج ومأجوج فلا يجدون أحداً من أهل الأرض يعترض سبيلهم فيفتنون فتنة عمياء فيقولون قولتهم الخبيثة : قهرنا أهل الأرض فلنقهر أو فلنعلو أهل السماء ، فيصوبون رماحهم إلى السماء فتزداد فتنتهم حينما يرد الله إليهم الرماح وقد خضبت بالدماء فيقولون : قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء ، فيضرع عيسى إلى الله جل وعلا أن يخلص الأرض من شرورهم فيرسل الله عليهم النغف . ما النغف ؟ النغف دودة صغيرة حقيرة تخرج في أنف البعير – الجمل – هؤلاء الذين يقولون : قهروا أهل الأرض وعلوا أهل السماء يرسل الله عليهم النغف فيهلكون ويقتلون كوت نفس واحدة فتمتلئ الأرض بزهمهم ونتنهم .

            فيضرع عيسى إلى الله يطهر الأرض ، فيرسل الله على الأرض طيرا كأعناق البخت – والبخت هي الجمال الخرسانية الضخمة في أرض الجزيرة – يرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحمل هذه الجثث العفنة إلى حيث شاء الله وقدر ، ثم يرسل الله مطرا على الأرض فيصهر الأرض فتصبح الأرض بعد ذلك كالزلقة أو كالمرآة ، وينزل الله البركة وتعيش البشرية في هذه الفترة فترة لم تنعم بها من قبل حتى تمنى نبينا العيش في هذه الأيام فقال : " طوبى لعيش بعد المسيح " فالرسول يقول : " تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ، ثم تغزون فارس فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله ، ثم تغزون الروم فيفتحها الله ، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله" وذلك في عهد عيسى والمهدي عليهما السلام.

            وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه – أن النبي قال – ولاحظ أنني لا أتكلم بشيء من عندي بل إن كل ما تكلمت به حتى هذه اللحظة هو كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى – قال رسول الله في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : " لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق" (1)

            والأعماق أو دابق مكان بين سوريا وبين أنطاكية في منطقة بلاد الشام . وها نحن نرى ولأول مرة في التاريخ الحديث والقديم نرى جحافل الروم تنزل بهذه الأعداد الغفيرة التي لا مثيل لها في التاريخ كله تنزل إلى الأعماق إلى قلب بلاد الشام وستتوالى الأحداث تباعاً ، ستتوالى الأحداث تباعاً ، لأن الذي يهيئ الكون كله هو الله جل جلاله ليقع فيه ما أخبر عنه الصادق الذي لا ينطق عن الهوى ، إذ أنه لا يتكلم إلا بوحي من الله ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى(1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى(2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) (النجم/1-5) .

            قال من لا ينطق عن الهوى : " لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من أهل المدينة من خير أهل الأرض يومئذ – أو هم خير أهل الأرض يومئذ – فإذا تصافوا للقتال قال الروم للمسلمين : خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون : لا والله لا نخلى بينكم وبين إخواننا " قال الصادق : " فيقتتلون فينهزم ثلث من المسلمين لا يتوب الله عليهم أبدا ، لأنهم ارتدوا – كما في رواية مسلم التي سأذكرها الآن أيضا – فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا ويقتل ثلث هم أفضل الشهداء عند الله ويفتح الثلث الأخير" (1)



            وفي رواية في صحيح مسلم من حديث أسيد بن جابر قال : هاجت ريح حمراء بالكوفة فجاء رجل ليس له هجيري إلا يا عبد الله بن مسعود يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة جاءت الساعة فكان ابن مسعود متكئاً فقعد جلس – انظروا إلى كلام أهل العلم – وقال ابن مسعود : لا لا لا تقوم الساعة حتى لا يقسم ميراث أو يفرح بغنية . ثم قال ابن مسعود رضي الله عنه وأشار بيده نحو الشام وقال : عدوا يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام . قلت : الروم تعني ؟ قال : نعم وتكون عن ذاكم ملك ثاني ردة شديدة – اللهم ثبتنا على الإيمان حتى نلقاك – وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالباً فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة . قال : حتى إذا كان اليوم الرابع نهذ إليه بقية أهل الإسلام – أي نهضوا وتقدموا – فيقتتلون مقتلة لم ير مثلها ويجعل الله الدائرة على الروم _ اللهم عجل بها يا أكرم الأكرمين – فيقتتلون مقتلة لم ير مثلها ويجعل الله الدائرة على الروم حتى إن الطائر ليمر بجنابتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتا فيتعادوا بنى الأبي كانوا مائة فلا يجدونه قد بقى منهم إلا الرجل الواحد قال : فبأي غنيمة يفرح وأي ميراث يتقاسم ؟ قال : فبينا هم كذلك إذ وقع بهم بأس هو أكبر من ذلك إذ جاءهم الصريخ : إن الدجال قد خلفكم في ذراريكم فيرفضون ما في أيديهم من المال ويبعثون عشرة فوارس طليعة – أي ليتبينوا الخبر – قال رسول الله : " والله إني لأعرف أسماءهم وأسماء لآبائهم وألوان خيولهم هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ" (2)



            هكذا أيها المسلمون ينصر الله عز وجل المهدي عليه السلام في كل ملاحمه بتقدير منه سبحانه وتعالى – ويؤيد الله عز وجل به الدين ويظهر الله الدين على الدين كله كما وعد الله رسوله الصادق الذي لا ينطق عن الهوى .

            قال جل وعلا : ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف/8)

            هذه بعض الأحاديث الصحيحة كما بينت في شأن المهدي عليه السلام ومع كل ذلك خرجت علينا طائفة من أهل الكلام ومن المفكرين ومن المنتسبين إلى العلم وأنكروا المهدى عليه السلام وقالوا : المهدي خرافة وأسطورة اخترعتها الشيعة ثم أقحمت هذه الأسطورة على كتب أهل السنة وأوردوا بعض الشبهات .

            وهذا هو عنصرنا الثالث : الرد على المخالفين :

            أيها الأحبة الكرام ويقولون : لم يثبت في شأن المهدي حديث صحيح وأنا لا أدري كيف يجرؤ واحد على أن يدعي مثل هذه الدعوى دون أن يراجع ديوانا واحدا من دواوين أهل السنة فلقد قال الشوكاني رحمه الله : لقد وقفنا على الأحاديث في شأن المهدي التي بلغت خمسين حديثا منها الصحيح والحسن والضعيف المجبر ، فكيف يدعي واحد ممن ينتسبون إلى العلم بأنه لم يثبت في شأن المهدي حديث صحيح واحد عن الحبيب النبي ، مجمل الشبهات أنهم قالوا : حتى لو صحت الأحاديث في شأن المهدي فإنها لآحاد ، وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة ، وهذه بدعة محدثة لا أصل لها ولم يقل بها واحد من علماء السلف البتة بل لم تبرز هذه الفتنة ولم يختلف هذا النزاع بين علماء السلف الصالح على الإطلاق ، فمن المعلوم أن المتواتر هو ما جمع عن جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب من أول السند إلى لآخره ، والآحاد ما سوى المتواتر هذا تعريف علماءنا للحديث المتواتر .

            قالوا : بأن أحاديث المهدي ليست متواترة ، ومن ثم فلا ينبغي أن نأخذ بها وهذه بدعة مردودة وقول مردود كما بينت لم يقل به واحد من السلف ، لأن لو ثبت للمسلم حديث واحد صحيح عن الصادق الذي لا ينطق عن الهوى وجب عليه أن يؤمن بهذا الحديث ، وأن يأخذ به وأن يعلم أن ما فيه من علم أنه علم يقيني قطعي .

            هذا وقد بلغت الأحاديث في المهدي مبلغ المتواتر والمتواتر عند جماهير علماء الأمة يفيد العلم القطعي ، ومن ثم فالعلم به واجب والعمل به فرض لازم ، وإذا وصلك خبر واحد عن الصادق وعلمت صحة الخبر وجب عليك أن تأخذ به وأن تعمل بما فيه .

            قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا )(الحجرات/6) فدلت الآية على أن خبر الواحد غير الفاسق لا يثبت منه ولا يتبين وإلا لقال الله عز
            وجل : يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم خبر فتبينوا أو نبأ فتبينوا ولم يحدد أن التبيين يجب أن يكون للفاسق دون غيره ولجاءت الآية مطلقة ، لكن الله قيدها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا )(الحجرات/6) .

            فدل على ذلك أن خبر غير الفاسق على خبر المؤمن الثقة لا ينبغي للمسلم أن يتبين منه أو أن يقول له : خبرك خبر آحاد ، ما سمعنا أن واحدا من الصحابة حدثه صحابي عن رسول الله بخبر فقال له : خبرك خبر آحاد لا آخذ به سواء كان الخبر في أمر العقيدة أم في أمر الأحكام لا نعلم ذلك على الإطلاق ، وأنتم تعلمون جميعا أن المسلمين وهم يصلون أخبرهم صحابي واحد أن النبي حول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة فاستداروا جميعا من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام ولم يقل واحد منهم : لا ننتظر حتى نتثبت ، خبرك خبر آحاد ليس خبر متواتر لا نعلم ذلك على الإطلاق ، والذي أخبرهم بحرمة الخمر صحابي واحد وما قال الصحابة نتأكد أو نتثبت خبرك خبر آحاد وهكذا .



            الشبهة الثانية :

            أن أحاديث المهدي لم تأت صحيحة في الصحيحين ومن المعلوم لطالب العلم فضلا عن العالم أن الأحاديث الصحيحة كلها لم تدون في الصحيحين فقط ، بل سترى الآلف من الأحاديث الصحيحة مدونة في غير الصحيحين في المسانيد وفي السنن وفي المعاجم وفي دواوين أهل السنة كما هو معلوم .

            الشبهة الثالثة :

            قالوا بأن الأحاديث دخلها كثير من الإسرائيليات هذا حق ، لكن الله عز وجل قيض للسنة العلماء الأفاضل من فرسان علم الحديث فبينوا الصحيح من الضعيف والباطل والموضوع وحفظ الله السنة وطهرها من انحراف الغالين وتأويل المبطلين والفاسقين ، لأن حفظ السنة من حفظ الدين ، إذ لا يفهم القرآن إلا إذا حفظت سنة النبي . قال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )

            الشبهة الرابعة :

            احتج بحديث يقول : " لا مهدي إلا عيسى " والحديث رواه ابن ماجة بسند ضعيف ، بل قال الذهبي رحمه الله : حديث منكر ..

            وهكذا أيها الأحبة لا ينبغي على الإطلاق أن تؤثر هذه الشبهات في عقيدة المسلمين ، فكل ما ثبت عن رسول الله بشرط أن يكون صحيحا وجب على الأمة أن تأخذ به وأن تؤمن به وأن تعمل بما فيه لقوله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )(الحشر/7) .

            ولقوله تعالى : (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) ( النجم/3،4)

            ولقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (الحجرات/1) لكن هل يجب علينا أو ينبغي علينا أن نتواكل أو نتكاسل أو نرفض العلم والعمل أو أن نستسلم بدعوى أننا ننتظر المهدي ؟ هذا كلام باطل لا يقول به عاقل فضلا عن عالم ، وهذا ما نتعرف عليه في العنصر الأخير : الحقيقة بين العلم والعمل والأمل ، ذلك بعد جلسة الاستراحة .

            أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .

            الخطبة الثانية :

            الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .

            وبعد .

            فيا أيها الأحبة الكرام نظرا للواقع الأليم الذي تحياه أمتنا ونظرا لأن جيوش أعدائنا تحيط بنا الآن براً وبحراً وجواً ، والأمة مقبلة على أيام صعبة ، أرى أن كثيرا من المسلمين الآن يتعلقون بالمهدي – عليه السلام – تعلق المتواكل المسلوب الإرادة ويتوقع كثير منا أنه ينبغي لنا أن نترك العلم والعمل والجهاد والبذل والعطاء والحركة والسعي بدعوى أن المهدي قد اقترب زمانه وأوانه إذا فلا علم ولا عمل .

            سخف من القوم وهراء ، وإلا فإن الذي أخبر بكل هذه الأحاديث كما ذكرت هو رسول الله ، وهو يعلم أن ذلك سيقع علم اليقين كان عليه أن ينتظر وأن يجلس ولا يسفك الدماء في الجهاد في سبيل الله ، وألا يمزق الأشلاء بدعوى أنه ينتظر المهدي الذي سينصر الله عز وجل على يديه الدين في آخر الزمان وغير ذلك ، لكنه ما فعل ذلك أبدا بل جاهد وقاتل وقدم روحه ودمه ونفسه وماله وكل ما يملك لنصرة دينه جل وعلا ، فقد تعبدنا الله سبحانه وتعالى بهذا الدين ، ويجب على الأمة الآن أن تعي أن ما وقع لها وقع وفق سنن ربانية ، ولا تنتصر إلا وفق سنن ربانية ، ولا تتبدل ولا تتغير ، مرفوض أن نعلق كل أخطائنا وكل تقصيرنا وكل هزائمنا بعدونا الخارجي وأن نبرر لأنفسنا هذا التقصير ، وهذا الذي نحن فيه مرفوض بكل المقاييس . قال الله جل وعلا : ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُم )(آل عمران/165) .

            فيجب على الأمة أن تعلم عن الله وأن تعلم عن رسول الله وأن تعلم عن فقه المرحلة التي تحياها وفقه المرحلة المقبلة ، ولن تتعلم الأمة ذلك من الصحف والجرائد والمجلات ووكالات الأنباء العالمية والمحلية وإنما يجب على الأمة في هذه المرحلة الحرجة أن ترجع إلى كتاب الله وإلى كلام الصادق رسول الله ليعلم الحق الذي لا حق بعده .

            لابد أن ترجع إلى العلماء الربانيين المتحققين بالعلم الشرعي الذين يقولون في كل نازلة وفي كل حادثة وفي كل أزمة : قال الرب العلي قال الصادق النبي ، فلابد أن نتعلم الآن عن الله وعن رسول الله ، وأن يفرغ كل مسلم مهما كان وضعه ومنصبه وقتا من وقته ليتعلم فيه عن ربه وعن نبيه ، ثم علم بلا عمل لا خير فيه ولا قيمة له ولا كرامة بل إن القول إن خالف العمل بذرت النفاق في القلب ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) (الصف/2،3) .

            قال جل وعلا : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (البقرة/44) .

            وقال كما في الصحيحين من حديث أسامة – رضي الله عنه – وعن أبيه : " يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه – أي أمعاؤه – فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا فيجتمع إليه أهل النار ويقولون : يا فلان ما لك ألم تكن تأمر وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه" (1)



            ولله در ابن السماك إذ يقول : كم من مذكر بالله وهو ناس لله ، وكم من مخوف من الله وهو جريء على الله ، وكم من تال لكتاب الله وهو منسلخ عن آيات الله .

            نسأل الله أن يرزقنا الصدق في القول والعمل ، فلابد من العمل في كل الميادين لابد من العطاء والبذل في كل الميادين لابد من الإعداد الإيماني الإعداد العلمي والعملي والسياسي والاقتصادي والعسكري والروحي والتربوي والأخلاقي هكذا أمرنا ربنا فقال : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ )(لأنفال/60) . وقال : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) (التغابن/16)

            فلا ينبغي على الإطلاق أن نبرر أخطاؤنا بالتعليق على عدونا الخارجي
            فالأمة لن تهزم أبدا . اسمع ماذا أقول : الأمة لن تهزم أبدا لو اجتمع عليها
            كل أعدائها في الخارج ، لن تهزم بمعنى لن يستأصل العدو الخارجي الأمة
            من الوجود لن يبيد خضراءها لن يزيل ملكها بالكلية ، ولكن قد تهزم الأمة هنا
            أو قد تهزم هنالك ، لكن لو اجتمع أهل الأرض من أهل الكفر ليستأصلوا شأفة
            الأمة لن يستطيعوا .

            لن أقول ذلك من عند نفسي أيضا إنما هو كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى روى مسلم في صحيحه من حديث ثوبان – رضي الله عنه – أنه قال : " إن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن من أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها ، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ، وإني سألت ربي عز وجل لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم – أي ملكهم وعزهم – وأن الله تعالى أوحى إلى وقال : يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ، وإني أعطيتك لأمتك ألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها"([1])



            لك الحمد يا ربنا ، ولو اجتمعت جيوش أمريكا وبريطانيا وجيوش الأرض لتستأصل شأفة الأمة فلن يتمكنوا من ذلك بموعدة من الله للصادق رسول الله : " وإني أعطيتك لأمتك ألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ، ويسبي بعضهم بعضا رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2889) .([2])



            وفي رواية مالك في الموطأ والترمذي والنسائي في السنن من حديث خباب بن الأرت بسند صحيح قال : صلى بنا رسول الله صلاة فأطالها فقلنا : يا رسول الله صليت صلاة لم تصلها من قبل ؟ قال : "أجل إنها صلاة رغبة ورهبة وإني سألت ربي عز وجل ثلاثة فأعطاني اثنين ومنعني واحدة ، سألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة عامة فأعطانيها ، وسألت ربي ألا يسلط على أمتي عدوا من سوى أنفسهم فأعطانيها ، وسألت ربي ألا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها" ([3])



            فقد ذاقت الأمة بأس بعضها بعضا وقد رأيت ما حدث للأمة في القمة العربية وفي القمة الإسلامية فصدق قول سيد البشرية الذي لا ينطق عن الهوي ، فيجب علينا أن نعمل ألا نتكاسل ألا نتواكل ألا نتعلق بهذه الحقائق تعلق المهزوم المسلوب الإرادة ، فالله جل وعلا وعد أن ينصر من نصره ، وعد أن يمكن من آمن به وحقق دينه في الأرض ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُه )(الحج/40) من ينصره ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )(النور/55)

            فلابد من العمل الصالح في كل ميدان ولابد من تجديد الإيمان ، ثم لا ينبغي أن نتعلق بالأمل تعلق الذين لا يفهمون مراد الله ورسوله ، فأمل المؤمنين يدفعهم إلى العمل ، وأمل البطالين يورثهم الكسل يورثهم النفاق .

            قال الحسن البصري : إن قوما ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا : نحن نحسن الظن بالله ، وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل . أقسم بالله الأمة لا تستحق النصر ، أقسم بالله لا تستحق الأمة الآن النصر . انظر إلى واقع الأمة ، سترى الكذب ، سترى العقوق ، سترى أكل الحرام ، سترى العري ، سترى أكل الربا ، سترى معاقرة الزنا ، سترى الحرب تعلن على الله في الليل والنهار .

            كيف ينصر الله أمة خذلت دينه كيف ينصر الله أمة انحرفت عن هدي نبيه . الأمة بوضعها الآن لا تستحق النصر فلابد أن نعمل أن نجدد الإيمان أن نجدد التوبة أن نستعد للآخرة ، وأن نعلم أن آخر الزمان قد أظلنا ، لا أقول ذلك بأنه سيقع غدا أو بعد عام لا ، فلقد أخبرنا الصادق أن بعثته من علامات الساعة : " بعثت أنا والساعة كهاتين " فاستعد بالتوبة إلى الله جل وعلا بالعمل للآخرة ، لأنك في زمان الفتن ولا أحد لك صمام أمان في هذا الزمان أعظم من التوحيد من أن تحقق العبودية لله ومن أن تحافظ على العبادة في بيت الله وأن تحرص على مجالس العلماء الربانيين .

            ففي صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار أن النبي قال : " العبادة في الهرج – الهرج يعني الفتن – كهجرة إلى"(1) هاجر إلى رسول الله ، هيا هاجر إلى النبي كيف ؟ بالحرص على العبادة في هذه



            الأيام " العبادة في الهرج كهجرة إلى " أي كهجرة إلى المصطفى ، لا تتخلى عن العلماء الربانيين في هذا الزمان لا تقل من عند نفسك بفهمك أنت بعقلك أنت بهواك ، لا سيما إن كان قولك مرتبط بأمر غيبي ، بل ارجع إلى العلماء لا تتحرك ولا تعمل إلا بالعودة إلى أهل العلم الربانيين ، لا تخطو على الطريق خطوة ولا تتكلم في الفتنة قولة إلا بحق إلا بدليل من كلام الله ومن كلام الصادق رسول الله .

            ونحن على أمل بأن الجولة القادمة وعن قريب ، والله مع هذه الأزمة الطاحنة على أمل في وعد الله في وعد رسول الله أن أشد ساعات الليل سوادا هي الساعة التي يليها ضوء الفجر وفجر الإسلام قادم وفجر التوحيد قادم ، لأن عرف التاريخ أوسا وخزرج فلله أوس قادمون وخزرج وإن كنوز الغيب تخفي طلائع حرة رغم المكائد تخرج .

            وأختم لقائي بهذه الآية عن عمد واختيار قال العزيز الغفار : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) (لأنفال/36) نعم لتتم هنالك الحسرة الكبرى .

            هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده ، وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان ، وأعوذ بالله أن أكون جسرا تعبرون عليه إلى الجنة ويرمى به إلى جهنم ، وأعوذ أن أذكركم به وأنساه ، وأقم الصلاة .

            أأأأ



            (1) رواه أبو داود في المهدي (4284) وابن ماجة في الفتن (4086) .

            (2) سبق تخريجه .

            (3) رواه أبو داود في المهدي (4282).

            (4) رواه الطبراني في الكبير (19/32،33) رقم (68) وابن حبان (6832 إحسان) وفي (1880 موارد) والحاكم (4/557) وصححه ووافقه الذهبي ، وقال الهيثمي في المجمع (7/314) : رواه البزار من طريق داود بن المحبر بن قحذم عن أبيه وكلاهما ضعيف .

            (1) رواه أحمد (2/219) والحاكم (4/546) وصححه ووافقه الذهبي .

            (2) رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (3449) ومسلم في الإيمان (155/244).

            (1) رواه مسلم في الإيمان (156/247) .

            (1) رواه البخاري في البيوع (2118) ومسلم في الفتن وأشراط الساعة (2884/8) واللفظ له .

            (2) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2883/7).

            (3) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2883/6).



            (1) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2900/38).

            (2) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2937).



            (1) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2897) .

            (1) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2879) وهو نفس الحديث السابق .

            (2) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2899/370).

            (1) رواه البخاري في بدء الخلق (3267) ومسلم في الزهد والرقائق (2989)

            (1) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2889) . هو نفس الحديث السابق .

            (2) هو نفس الحديث السابق .

            (2) رواه أحمد (3/146،156,5/240) والترمذي في الفتن (2176) وقال : حسن صحيح وابن ماجة في الفتن (3951) وفي الزوائد : اسناده صحيح ورجاله ثقات .

            (1) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2948) .



            تعليق


            • #7
              هل ولد المهدى ؟



              إنّ الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله .

              (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) آل عمران/102 .



              ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) النساء/1 .



              ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) الأحزاب70/71 .



              أما بعد .. فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى نبينا محمد (ص) وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

              ثم أما بعد ..

              فحياكم الله أيها الأخوة الأخيار وأيتها الأخوات الفضلاء ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا ، وأسأل الله جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت المبارك علي طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار مقامه ، إنه ولى ذلك ومولاه ..

              أحبتي في الله هل ولد المهدي ؟ الجواب على هذا السؤال هو موضوع لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم المبارك .

              وكعادتي حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعا من تحت أقدامنا فسوف ينتظم جوابي على هذا السؤال في العناصر التالية :

              أولا : امرأة ترضع القمر .

              ثانيا : من هو المهدي .

              ثالثا : الرد على المخالفين .

              رابعا : الحقيقة بين العلم والعمل والأمل .

              فأعيروني القلوب والأسماع ، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأن يقر أعيننا جميعا بنصرة الإسلام وتمكين المسلمين ، إنه ولي
              ذلك والقادر عليه.



              أولا : امرأة ترضع القمر :

              إشاعة مدوية انتشرت في الأيام القلية الماضية انتشار النار في الهشيم ، أن امرأة مسلمة رأت في الرؤية أنها ترضع القمر ، واتصلت على رجل من المعبرين للرؤى فقال لها وطلب منها أن تقسم بالله العظيم ثلاثا أنها رأت أنها ترضع القمر ، فأقسمت المرأة على ذلك ثلاثا ، فقال هذا المعبر أو المأول : إذن لقد ولد المهدي عليه السلام .

              وانتشرت الإشاعة في مصر بل في العالم العربي والإسلامي انتشار النار في الهشيم في أيام معدودة ، فلما سئل المأول والمعبر أقسم هو الآخر بالله العظيم ثلاثا أنه لم تسأله امرأة من الأصل عن هذه المسألة ، وبينت المسئولة عن البرنامج المعروف أنه لم تتصل مسلمة أصلا ، ولم تقص هذه الرؤية لا على البرنامج ولا على مأول الرؤى وهذه إشاعة لا أصل لها وأكذوبة باطلة .

              وهب أن مسلمة رأت بالفعل أنها ترضع القمر فهل يستطيع عاقل فضلاً عن عالم بكتاب الله وسنة رسول الله أن يجزم ويقطع بأن المهدي عليه السلام قد ولد ؟ لا إذ لا يعلم وقت ميلاد المهدي ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، فهذا أمر كوني قدري غيبي لا يعلمه إلا الرب العلي سبحانه وتعالى ، ولا أريد أن أطيل النفس في هذه الجزئية .

              فمن هو المهدي ؟ :

              هذا هو عنصرنا الثاني بإيجاز ، المهدي عليه السلام رجل من المسلمين من نسل فاطمة بنت سيدنا رسول الله من نسل الحسن بن علي ابن فاطمة اسمه على اسم رسول الله ، واسم أبيه على اسم أبي رسول الله ، يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت الأرض جوراً وظلماً ، ينصر الله به الدين وينصر الله على يديه المسلمين ، ينزل الله عز وجل في عهده البركة فلا تحبس السماء شيئاً من قطرها ، ولا تمنع الأرض
              شيئاً من ثمرها.

              قال في حقه الحافظ ابن كثير : في زمن المهدي تكون الثمار كثيرة والزروع غزيرة، والمال وافر ، والسلطان قاهر ، والدين قائم ، والعدو راغم ، والخير في أيامه دائم .

              لا نقول ذلك رمياً بالغيب ، ولا من باب الأحلام الوردية الجاهلة ، ولا نقول ذلك لما تعانيه الأمة من ضغط شديد من أعدائها ، كلا . كلا ، فهذا أمر لا يجوز لأحد البتة أن يتكلم فيه إلا بدليل من كتاب الله ، أو بدليل من كلام الصادق رسول الله .

              فخذوا هذه الطائفة الجليلة الكريمة من كلام رسول الله في شأن المهدي عليه السلام .

              ففي الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجة في السنن بسند صحيح من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي قال : " المهدي من عترتي من بيت فاطمة "(1) أو من ولد فاطمة فهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني .

              وفي الحديث الذي رواه أحمد في مسنده وابن ماجة في سننه بسند صحيح من حديث علي رضي الله عنه أن النبي قال : " المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة"(2) أي : يعده الله ويهيئه للخلافة الراشدة لقيامة الأمة المسلمة في زمن الفتن والملاحم، أسأل الله أن يعجل بهذه الخلافة الراشدة .

              وفي الحديث الذي رواه أبو داود بسند صحيح من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي قال : " لا تذهب الدنيا – أو لا تنقضي الدنيا – حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطيء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي" (3)

              وفي الحديث الذي رواه أبو داود والطبراني وابن حبان والبزار والحاكم بسند صحيح من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن الحبيب النبي قال : " لتملأن الأرض جوراً وظلماً ، لتملأن الأرض جوراً وظلماً ، فإذا ملئت جوراً وظلماً يبعث الله رجلا مني اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما فلا تمنع السماء شيئا من قطرها ولا الأرض شيئا من نباتها فيمكث سبعا أو ثمانية ، فإن أكثر فتسع ، فيمكث فيكم سبعا أو ثمانية فإن أكثر فتسع"(4)



              وفي الحديث الذي رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده بسند صحيح من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن النبي قال : " ينزل عيسى ابن مريم " ، وتدبر فإن المهدي يكون في زمنه عيسى ابن مريم ، وإذا نزل عيسى ابن مريم يكون في زمانه الدجال ، فالذي يقتل الدجال عيسى ومعه المهدي ، ففي زمن عيسى يكون المهدي وفي زمن المهدي يكون عيسى ، وفي زمن عيسى يكون الدجال ، وفي زمن عيسى يخرج يأجوج ومأجوج ، فالعلامات خرزات منظومة في سلك فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضاً ، لا أقول ذلك من نفسي ، بل هو كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى كما في مسند أحمد ومستدرك الحاكم بسند صحيح من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي قال : " العلامات – وفي لفظ الأمارات – خرزات منظومات في سلك فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضاً" (1)



              إذا وقعت علامة من العلامات الكبرى تبعتها بقية العلامات في مدة لا يعلمها إلا رب الأرض والسماوات ، فارجع إلى حديث الحارث بن أبي أسامة في مسنده بسند صحيح من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – أن النبي قال : " ينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم المهدي – هكذا يقول أميرهم المهدي – تعال صل بنا ، تعال صل بنا ، فيقول عيسى للمهدي : لا إن بعضكم أمير بعض تكرمة الله لأمة محمد " .

              وفي رواية الصحيحين في البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبى قال : " كيف أنتم إذا نزل فيكم عيسى ابن مريم وإمامكم منكم" (2)



              بل في لفظ مسلم من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى قال : " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة " ثم قال : " وينزل عيسى ابن مريم – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – فيقول أميرهم – أي لعيسى - : تعال صل لنا فيقول عيسى : لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله لهذه الأمة" (1)



              هذا كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى ، ولابد من الجمع بين هذه الأدلة بهذا التأصيل الذي أقدم الآن حتى لا يضرب أحد السنة بعضها ببعض ، ولا ينبغي لأحد كما ذكرت أن يتكلم بشأن المهدي إلا بكلام الصادق النبي ، فهذا أمر غيببي لا ينبغي لأحد أن يتكلم فيه من عند نفسه أو من ذهنه أو من عقله قال الله أو قال رسول الله .

              قال تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )(الحشر/7) لكن من المعلوم للجميع أن كثيرا من الدجاجلة والكذابين قد خرج وأدعى كل واحد من هؤلاء أنه المهدي ، لم يتركنا رسول الله بل بين لنا الصادق علامة واضحة أكيدة إن ظهرت في الأرض علمنا أن الرجل الذي عاذ ولجأ إلى بيت الله الحرام هو المهدي الصادق الحقيقي عليه السلام ، ما هذه العلامة ؟ اسمع للصادق الذي لا ينطق عن الهوى .

              ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – قالت : عبث رسول الله يوما في منامه – عبث : أي تحرك حركة على غير عادته – عبث رسول الله يوما في منامه فقالت عائشة رضي الله عنها رأيتك صنعت شيئا بم تكن تفعله ؟ فقال النبي : " العجب أن أناسا من أمتي يؤمون البيت الحرام – أي يتوجهون ويقصدون البيت الحرام – لرجل من قريش عائذا بالبيت – أي محتمي بالبيت – لرجل من قريش عائذا بالبيت – أي البيت الحرام – فيخرج إليهم جيش حتى إذا كانوا – أي الجيش – بالبيداء – أي الصحراء – خسف به – أي بهذا البيت " قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله إن الطريق يجمع الناس – يعني في هؤلاء من خرج لقتال المهدي ومنهم من خرج لقضاء مصالحه ، فلماذا يخسف الله به الطريق إن الطريق قد يجمع الناس. فقال النبي : " نعم فيهم المستبصر ، والمجبور ، وابن السبيل يهلكون مهلك واحد ، ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم"(1) ، وفي لفظ مسلم من حديث أم



              المؤمنين حفصة – رضي الله عنها – أن النبي قال : " سيعوذ بهذا البيت قوم من أمتي ليست لهم عدة ولا عدد ولا منعه مستضعفون ليست لهم عدة ولا عدد ولا منعة يبعث إليهم جيش حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم" (2) وفي لفظ في صحيح مسلم : " ولا يبقى منهم إلا الشريد الذي يخبر عنهم" (3)



              هذه العلامة إن ظهر المهدي في بيت الله الحرام ويبايعه مجموعة من المسلمين لا عدد لهم ولا عدة ولا سلاح إنهم مستضعفون يخرج للمهدي جيش لقتاله والقضاء عليه فينصر الله المهدي نصرا قدريا غيبيا يخسف الله بهذا الجيش الأرض ، ولا ينجو من هذا الجيش إلا الشريد إلا الرجل أو الرجلان .

              إذا ظهرت هذه العلامة عرف المسلمون جميعاً على ظهر الأرض أن الرجل العائذ بالبيت هو المهدي عليه السلام ، وينتشر الخبر بسرعة مذهلة في الأرض كلها فلا يبقى مسلم قادر يستطيع أن يرحل من بلده أيا كان إلى البيت الحرام إلا وسافر حتى يرزقه الله الشهادة أو يرزق الله الأمة النصر . نسأل الله أن يرزق الأمة النصر ، وأن يكتب لنا الشهادة إنه ولي ذلك ومولاه .

              وهنا يعلن العالم كله الحرب على المهدي عليه السلام لكن الله جل جلاله ينصر المهدي بقدرته وأمره سبحانه في جميع معاركه التي سيخوضها .

              استمع وتدبر هذه البشائر النبوية ، ففي صحيح مسلم من حديث نافع بن عتبة – رضي الله عنه - أن النبي قال : " تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله " ولاحظ أن الذي سيفتح هنا هو الله " تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ثم تغزون فارس فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله " – اللهم عجل بفتحك يارب – ثم تغزون الروم فيفتحها الله ثم تغزون الدجال فيفتحه الله"(1)



              فمن المعلوم أن عيسى ابن مريم كما في صحيح مسلم ، حدد الصادق الذي لا ينطق عن الهوى مكان نزوله في الأرض ، بل حدد الصادق الثوب الذي سينزل به عيسى من السماء . قال : " ينزل عيسى ابن مريم بين مهرودتين – أي بين ثوبين ممصرين يميل لون الثوبين إلى الصفرة – ينزل عيسى ابن مريم بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين تقطر لحيته كأنه يتوضأ ومازال الماء يقطر من لحيته ينزل عند المنارة البيضاء شرق دمشق" (2).



              صلى الله على الصادق ثم يتجه بعد ذلك عيسى إلى بيت المقدس فيرى المسلمين يصلون وإمامهم المهدي كما بينت الأحاديث الماضية ، فيريد المهدي أن يتأخر ليقدم عيسى ابن مريم ليصلى بالمسلمين ، لأنه نبي فيرفض عيسى عليه السلام ويدفع المهدي بين كتفيه ، ويأمره أن يصلى بالمسلمين ويكون إمامكم منكم تكرمة الله لأمة محمد ، ويصلى عيسى خلف المهدي على شريعة الحبيب النبي ‘ فعيسى ينزل ليقتل الخنزير ، وليحطم الصليب ، وليفرض الجزية ، وليدعوا الناس جميعا في الأرض كلها إلى توحيد الله الواحد الأحد بلا منازع ولا شريك ، فهذه أولى كلماته في المهد قال : ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً(30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً(31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً(32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً(33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ(34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) (مريم/30-36) ينزل عيسى وينتقل مع المهدي لقتال الدجال ، فإذا رأى الدجال عيسى ابن مريم يذوب كما يذوب الملح في الماء فيقتل عيسى الدجال وهو في طريق عودته يخبره الله جل وعلا أنه قد أخرج يأجوج ومأجوج فيقول له : إني أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم _ أي لا قدرة لأحد على قتالهم _ فحذر عبادي إلى الطور .

              فيلجأ نبي الله عيسى والمؤمنون معه إلى الطور في سيناء ، ويخرج يأجوج ومأجوج فلا يجدون أحداً من أهل الأرض يعترض سبيلهم فيفتنون فتنة عمياء فيقولون قولتهم الخبيثة : قهرنا أهل الأرض فلنقهر أو فلنعلو أهل السماء ، فيصوبون رماحهم إلى السماء فتزداد فتنتهم حينما يرد الله إليهم الرماح وقد خضبت بالدماء فيقولون : قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء ، فيضرع عيسى إلى الله جل وعلا أن يخلص الأرض من شرورهم فيرسل الله عليهم النغف . ما النغف ؟ النغف دودة صغيرة حقيرة تخرج في أنف البعير – الجمل – هؤلاء الذين يقولون : قهروا أهل الأرض وعلوا أهل السماء يرسل الله عليهم النغف فيهلكون ويقتلون كوت نفس واحدة فتمتلئ الأرض بزهمهم ونتنهم .

              فيضرع عيسى إلى الله يطهر الأرض ، فيرسل الله على الأرض طيرا كأعناق البخت – والبخت هي الجمال الخرسانية الضخمة في أرض الجزيرة – يرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحمل هذه الجثث العفنة إلى حيث شاء الله وقدر ، ثم يرسل الله مطرا على الأرض فيصهر الأرض فتصبح الأرض بعد ذلك كالزلقة أو كالمرآة ، وينزل الله البركة وتعيش البشرية في هذه الفترة فترة لم تنعم بها من قبل حتى تمنى نبينا العيش في هذه الأيام فقال : " طوبى لعيش بعد المسيح " فالرسول يقول : " تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ، ثم تغزون فارس فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله ، ثم تغزون الروم فيفتحها الله ، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله" وذلك في عهد عيسى والمهدي عليهما السلام.

              وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه – أن النبي قال – ولاحظ أنني لا أتكلم بشيء من عندي بل إن كل ما تكلمت به حتى هذه اللحظة هو كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى – قال رسول الله في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : " لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق" (1)

              والأعماق أو دابق مكان بين سوريا وبين أنطاكية في منطقة بلاد الشام . وها نحن نرى ولأول مرة في التاريخ الحديث والقديم نرى جحافل الروم تنزل بهذه الأعداد الغفيرة التي لا مثيل لها في التاريخ كله تنزل إلى الأعماق إلى قلب بلاد الشام وستتوالى الأحداث تباعاً ، ستتوالى الأحداث تباعاً ، لأن الذي يهيئ الكون كله هو الله جل جلاله ليقع فيه ما أخبر عنه الصادق الذي لا ينطق عن الهوى ، إذ أنه لا يتكلم إلا بوحي من الله ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى(1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى(2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) (النجم/1-5) .

              قال من لا ينطق عن الهوى : " لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من أهل المدينة من خير أهل الأرض يومئذ – أو هم خير أهل الأرض يومئذ – فإذا تصافوا للقتال قال الروم للمسلمين : خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون : لا والله لا نخلى بينكم وبين إخواننا " قال الصادق : " فيقتتلون فينهزم ثلث من المسلمين لا يتوب الله عليهم أبدا ، لأنهم ارتدوا – كما في رواية مسلم التي سأذكرها الآن أيضا – فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا ويقتل ثلث هم أفضل الشهداء عند الله ويفتح الثلث الأخير" (1)



              وفي رواية في صحيح مسلم من حديث أسيد بن جابر قال : هاجت ريح حمراء بالكوفة فجاء رجل ليس له هجيري إلا يا عبد الله بن مسعود يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة جاءت الساعة فكان ابن مسعود متكئاً فقعد جلس – انظروا إلى كلام أهل العلم – وقال ابن مسعود : لا لا لا تقوم الساعة حتى لا يقسم ميراث أو يفرح بغنية . ثم قال ابن مسعود رضي الله عنه وأشار بيده نحو الشام وقال : عدوا يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام . قلت : الروم تعني ؟ قال : نعم وتكون عن ذاكم ملك ثاني ردة شديدة – اللهم ثبتنا على الإيمان حتى نلقاك – وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالباً فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة . قال : حتى إذا كان اليوم الرابع نهذ إليه بقية أهل الإسلام – أي نهضوا وتقدموا – فيقتتلون مقتلة لم ير مثلها ويجعل الله الدائرة على الروم _ اللهم عجل بها يا أكرم الأكرمين – فيقتتلون مقتلة لم ير مثلها ويجعل الله الدائرة على الروم حتى إن الطائر ليمر بجنابتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتا فيتعادوا بنى الأبي كانوا مائة فلا يجدونه قد بقى منهم إلا الرجل الواحد قال : فبأي غنيمة يفرح وأي ميراث يتقاسم ؟ قال : فبينا هم كذلك إذ وقع بهم بأس هو أكبر من ذلك إذ جاءهم الصريخ : إن الدجال قد خلفكم في ذراريكم فيرفضون ما في أيديهم من المال ويبعثون عشرة فوارس طليعة – أي ليتبينوا الخبر – قال رسول الله : " والله إني لأعرف أسماءهم وأسماء لآبائهم وألوان خيولهم هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ" (2)



              هكذا أيها المسلمون ينصر الله عز وجل المهدي عليه السلام في كل ملاحمه بتقدير منه سبحانه وتعالى – ويؤيد الله عز وجل به الدين ويظهر الله الدين على الدين كله كما وعد الله رسوله الصادق الذي لا ينطق عن الهوى .

              قال جل وعلا : ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف/8)

              هذه بعض الأحاديث الصحيحة كما بينت في شأن المهدي عليه السلام ومع كل ذلك خرجت علينا طائفة من أهل الكلام ومن المفكرين ومن المنتسبين إلى العلم وأنكروا المهدى عليه السلام وقالوا : المهدي خرافة وأسطورة اخترعتها الشيعة ثم أقحمت هذه الأسطورة على كتب أهل السنة وأوردوا بعض الشبهات .

              وهذا هو عنصرنا الثالث : الرد على المخالفين :

              أيها الأحبة الكرام ويقولون : لم يثبت في شأن المهدي حديث صحيح وأنا لا أدري كيف يجرؤ واحد على أن يدعي مثل هذه الدعوى دون أن يراجع ديوانا واحدا من دواوين أهل السنة فلقد قال الشوكاني رحمه الله : لقد وقفنا على الأحاديث في شأن المهدي التي بلغت خمسين حديثا منها الصحيح والحسن والضعيف المجبر ، فكيف يدعي واحد ممن ينتسبون إلى العلم بأنه لم يثبت في شأن المهدي حديث صحيح واحد عن الحبيب النبي ، مجمل الشبهات أنهم قالوا : حتى لو صحت الأحاديث في شأن المهدي فإنها لآحاد ، وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة ، وهذه بدعة محدثة لا أصل لها ولم يقل بها واحد من علماء السلف البتة بل لم تبرز هذه الفتنة ولم يختلف هذا النزاع بين علماء السلف الصالح على الإطلاق ، فمن المعلوم أن المتواتر هو ما جمع عن جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب من أول السند إلى لآخره ، والآحاد ما سوى المتواتر هذا تعريف علماءنا للحديث المتواتر .

              قالوا : بأن أحاديث المهدي ليست متواترة ، ومن ثم فلا ينبغي أن نأخذ بها وهذه بدعة مردودة وقول مردود كما بينت لم يقل به واحد من السلف ، لأن لو ثبت للمسلم حديث واحد صحيح عن الصادق الذي لا ينطق عن الهوى وجب عليه أن يؤمن بهذا الحديث ، وأن يأخذ به وأن يعلم أن ما فيه من علم أنه علم يقيني قطعي .

              هذا وقد بلغت الأحاديث في المهدي مبلغ المتواتر والمتواتر عند جماهير علماء الأمة يفيد العلم القطعي ، ومن ثم فالعلم به واجب والعمل به فرض لازم ، وإذا وصلك خبر واحد عن الصادق وعلمت صحة الخبر وجب عليك أن تأخذ به وأن تعمل بما فيه .

              قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا )(الحجرات/6) فدلت الآية على أن خبر الواحد غير الفاسق لا يثبت منه ولا يتبين وإلا لقال الله عز
              وجل : يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم خبر فتبينوا أو نبأ فتبينوا ولم يحدد أن التبيين يجب أن يكون للفاسق دون غيره ولجاءت الآية مطلقة ، لكن الله قيدها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا )(الحجرات/6) .

              فدل على ذلك أن خبر غير الفاسق على خبر المؤمن الثقة لا ينبغي للمسلم أن يتبين منه أو أن يقول له : خبرك خبر آحاد ، ما سمعنا أن واحدا من الصحابة حدثه صحابي عن رسول الله بخبر فقال له : خبرك خبر آحاد لا آخذ به سواء كان الخبر في أمر العقيدة أم في أمر الأحكام لا نعلم ذلك على الإطلاق ، وأنتم تعلمون جميعا أن المسلمين وهم يصلون أخبرهم صحابي واحد أن النبي حول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة فاستداروا جميعا من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام ولم يقل واحد منهم : لا ننتظر حتى نتثبت ، خبرك خبر آحاد ليس خبر متواتر لا نعلم ذلك على الإطلاق ، والذي أخبرهم بحرمة الخمر صحابي واحد وما قال الصحابة نتأكد أو نتثبت خبرك خبر آحاد وهكذا .



              الشبهة الثانية :

              أن أحاديث المهدي لم تأت صحيحة في الصحيحين ومن المعلوم لطالب العلم فضلا عن العالم أن الأحاديث الصحيحة كلها لم تدون في الصحيحين فقط ، بل سترى الآلف من الأحاديث الصحيحة مدونة في غير الصحيحين في المسانيد وفي السنن وفي المعاجم وفي دواوين أهل السنة كما هو معلوم .

              الشبهة الثالثة :

              قالوا بأن الأحاديث دخلها كثير من الإسرائيليات هذا حق ، لكن الله عز وجل قيض للسنة العلماء الأفاضل من فرسان علم الحديث فبينوا الصحيح من الضعيف والباطل والموضوع وحفظ الله السنة وطهرها من انحراف الغالين وتأويل المبطلين والفاسقين ، لأن حفظ السنة من حفظ الدين ، إذ لا يفهم القرآن إلا إذا حفظت سنة النبي . قال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )

              الشبهة الرابعة :

              احتج بحديث يقول : " لا مهدي إلا عيسى " والحديث رواه ابن ماجة بسند ضعيف ، بل قال الذهبي رحمه الله : حديث منكر ..

              وهكذا أيها الأحبة لا ينبغي على الإطلاق أن تؤثر هذه الشبهات في عقيدة المسلمين ، فكل ما ثبت عن رسول الله بشرط أن يكون صحيحا وجب على الأمة أن تأخذ به وأن تؤمن به وأن تعمل بما فيه لقوله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )(الحشر/7) .

              ولقوله تعالى : (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) ( النجم/3،4)

              ولقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (الحجرات/1) لكن هل يجب علينا أو ينبغي علينا أن نتواكل أو نتكاسل أو نرفض العلم والعمل أو أن نستسلم بدعوى أننا ننتظر المهدي ؟ هذا كلام باطل لا يقول به عاقل فضلا عن عالم ، وهذا ما نتعرف عليه في العنصر الأخير : الحقيقة بين العلم والعمل والأمل ، ذلك بعد جلسة الاستراحة .

              أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .

              الخطبة الثانية :

              الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .

              وبعد .

              فيا أيها الأحبة الكرام نظرا للواقع الأليم الذي تحياه أمتنا ونظرا لأن جيوش أعدائنا تحيط بنا الآن براً وبحراً وجواً ، والأمة مقبلة على أيام صعبة ، أرى أن كثيرا من المسلمين الآن يتعلقون بالمهدي – عليه السلام – تعلق المتواكل المسلوب الإرادة ويتوقع كثير منا أنه ينبغي لنا أن نترك العلم والعمل والجهاد والبذل والعطاء والحركة والسعي بدعوى أن المهدي قد اقترب زمانه وأوانه إذا فلا علم ولا عمل .

              سخف من القوم وهراء ، وإلا فإن الذي أخبر بكل هذه الأحاديث كما ذكرت هو رسول الله ، وهو يعلم أن ذلك سيقع علم اليقين كان عليه أن ينتظر وأن يجلس ولا يسفك الدماء في الجهاد في سبيل الله ، وألا يمزق الأشلاء بدعوى أنه ينتظر المهدي الذي سينصر الله عز وجل على يديه الدين في آخر الزمان وغير ذلك ، لكنه ما فعل ذلك أبدا بل جاهد وقاتل وقدم روحه ودمه ونفسه وماله وكل ما يملك لنصرة دينه جل وعلا ، فقد تعبدنا الله سبحانه وتعالى بهذا الدين ، ويجب على الأمة الآن أن تعي أن ما وقع لها وقع وفق سنن ربانية ، ولا تنتصر إلا وفق سنن ربانية ، ولا تتبدل ولا تتغير ، مرفوض أن نعلق كل أخطائنا وكل تقصيرنا وكل هزائمنا بعدونا الخارجي وأن نبرر لأنفسنا هذا التقصير ، وهذا الذي نحن فيه مرفوض بكل المقاييس . قال الله جل وعلا : ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُم )(آل عمران/165) .

              فيجب على الأمة أن تعلم عن الله وأن تعلم عن رسول الله وأن تعلم عن فقه المرحلة التي تحياها وفقه المرحلة المقبلة ، ولن تتعلم الأمة ذلك من الصحف والجرائد والمجلات ووكالات الأنباء العالمية والمحلية وإنما يجب على الأمة في هذه المرحلة الحرجة أن ترجع إلى كتاب الله وإلى كلام الصادق رسول الله ليعلم الحق الذي لا حق بعده .

              لابد أن ترجع إلى العلماء الربانيين المتحققين بالعلم الشرعي الذين يقولون في كل نازلة وفي كل حادثة وفي كل أزمة : قال الرب العلي قال الصادق النبي ، فلابد أن نتعلم الآن عن الله وعن رسول الله ، وأن يفرغ كل مسلم مهما كان وضعه ومنصبه وقتا من وقته ليتعلم فيه عن ربه وعن نبيه ، ثم علم بلا عمل لا خير فيه ولا قيمة له ولا كرامة بل إن القول إن خالف العمل بذرت النفاق في القلب ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) (الصف/2،3) .

              قال جل وعلا : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (البقرة/44) .

              وقال كما في الصحيحين من حديث أسامة – رضي الله عنه – وعن أبيه : " يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه – أي أمعاؤه – فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا فيجتمع إليه أهل النار ويقولون : يا فلان ما لك ألم تكن تأمر وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه" (1)



              ولله در ابن السماك إذ يقول : كم من مذكر بالله وهو ناس لله ، وكم من مخوف من الله وهو جريء على الله ، وكم من تال لكتاب الله وهو منسلخ عن آيات الله .

              نسأل الله أن يرزقنا الصدق في القول والعمل ، فلابد من العمل في كل الميادين لابد من العطاء والبذل في كل الميادين لابد من الإعداد الإيماني الإعداد العلمي والعملي والسياسي والاقتصادي والعسكري والروحي والتربوي والأخلاقي هكذا أمرنا ربنا فقال : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ )(لأنفال/60) . وقال : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) (التغابن/16)

              فلا ينبغي على الإطلاق أن نبرر أخطاؤنا بالتعليق على عدونا الخارجي
              فالأمة لن تهزم أبدا . اسمع ماذا أقول : الأمة لن تهزم أبدا لو اجتمع عليها
              كل أعدائها في الخارج ، لن تهزم بمعنى لن يستأصل العدو الخارجي الأمة
              من الوجود لن يبيد خضراءها لن يزيل ملكها بالكلية ، ولكن قد تهزم الأمة هنا
              أو قد تهزم هنالك ، لكن لو اجتمع أهل الأرض من أهل الكفر ليستأصلوا شأفة
              الأمة لن يستطيعوا .

              لن أقول ذلك من عند نفسي أيضا إنما هو كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى روى مسلم في صحيحه من حديث ثوبان – رضي الله عنه – أنه قال : " إن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن من أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها ، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ، وإني سألت ربي عز وجل لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم – أي ملكهم وعزهم – وأن الله تعالى أوحى إلى وقال : يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ، وإني أعطيتك لأمتك ألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها"([1])



              لك الحمد يا ربنا ، ولو اجتمعت جيوش أمريكا وبريطانيا وجيوش الأرض لتستأصل شأفة الأمة فلن يتمكنوا من ذلك بموعدة من الله للصادق رسول الله : " وإني أعطيتك لأمتك ألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ، ويسبي بعضهم بعضا رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2889) .([2])



              وفي رواية مالك في الموطأ والترمذي والنسائي في السنن من حديث خباب بن الأرت بسند صحيح قال : صلى بنا رسول الله صلاة فأطالها فقلنا : يا رسول الله صليت صلاة لم تصلها من قبل ؟ قال : "أجل إنها صلاة رغبة ورهبة وإني سألت ربي عز وجل ثلاثة فأعطاني اثنين ومنعني واحدة ، سألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة عامة فأعطانيها ، وسألت ربي ألا يسلط على أمتي عدوا من سوى أنفسهم فأعطانيها ، وسألت ربي ألا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها" ([3])



              فقد ذاقت الأمة بأس بعضها بعضا وقد رأيت ما حدث للأمة في القمة العربية وفي القمة الإسلامية فصدق قول سيد البشرية الذي لا ينطق عن الهوي ، فيجب علينا أن نعمل ألا نتكاسل ألا نتواكل ألا نتعلق بهذه الحقائق تعلق المهزوم المسلوب الإرادة ، فالله جل وعلا وعد أن ينصر من نصره ، وعد أن يمكن من آمن به وحقق دينه في الأرض ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُه )(الحج/40) من ينصره ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )(النور/55)

              فلابد من العمل الصالح في كل ميدان ولابد من تجديد الإيمان ، ثم لا ينبغي أن نتعلق بالأمل تعلق الذين لا يفهمون مراد الله ورسوله ، فأمل المؤمنين يدفعهم إلى العمل ، وأمل البطالين يورثهم الكسل يورثهم النفاق .

              قال الحسن البصري : إن قوما ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا : نحن نحسن الظن بالله ، وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل . أقسم بالله الأمة لا تستحق النصر ، أقسم بالله لا تستحق الأمة الآن النصر . انظر إلى واقع الأمة ، سترى الكذب ، سترى العقوق ، سترى أكل الحرام ، سترى العري ، سترى أكل الربا ، سترى معاقرة الزنا ، سترى الحرب تعلن على الله في الليل والنهار .

              كيف ينصر الله أمة خذلت دينه كيف ينصر الله أمة انحرفت عن هدي نبيه . الأمة بوضعها الآن لا تستحق النصر فلابد أن نعمل أن نجدد الإيمان أن نجدد التوبة أن نستعد للآخرة ، وأن نعلم أن آخر الزمان قد أظلنا ، لا أقول ذلك بأنه سيقع غدا أو بعد عام لا ، فلقد أخبرنا الصادق أن بعثته من علامات الساعة : " بعثت أنا والساعة كهاتين " فاستعد بالتوبة إلى الله جل وعلا بالعمل للآخرة ، لأنك في زمان الفتن ولا أحد لك صمام أمان في هذا الزمان أعظم من التوحيد من أن تحقق العبودية لله ومن أن تحافظ على العبادة في بيت الله وأن تحرص على مجالس العلماء الربانيين .

              ففي صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار أن النبي قال : " العبادة في الهرج – الهرج يعني الفتن – كهجرة إلى"(1) هاجر إلى رسول الله ، هيا هاجر إلى النبي كيف ؟ بالحرص على العبادة في هذه



              الأيام " العبادة في الهرج كهجرة إلى " أي كهجرة إلى المصطفى ، لا تتخلى عن العلماء الربانيين في هذا الزمان لا تقل من عند نفسك بفهمك أنت بعقلك أنت بهواك ، لا سيما إن كان قولك مرتبط بأمر غيبي ، بل ارجع إلى العلماء لا تتحرك ولا تعمل إلا بالعودة إلى أهل العلم الربانيين ، لا تخطو على الطريق خطوة ولا تتكلم في الفتنة قولة إلا بحق إلا بدليل من كلام الله ومن كلام الصادق رسول الله .

              ونحن على أمل بأن الجولة القادمة وعن قريب ، والله مع هذه الأزمة الطاحنة على أمل في وعد الله في وعد رسول الله أن أشد ساعات الليل سوادا هي الساعة التي يليها ضوء الفجر وفجر الإسلام قادم وفجر التوحيد قادم ، لأن عرف التاريخ أوسا وخزرج فلله أوس قادمون وخزرج وإن كنوز الغيب تخفي طلائع حرة رغم المكائد تخرج .

              وأختم لقائي بهذه الآية عن عمد واختيار قال العزيز الغفار : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) (لأنفال/36) نعم لتتم هنالك الحسرة الكبرى .

              هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده ، وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان ، وأعوذ بالله أن أكون جسرا تعبرون عليه إلى الجنة ويرمى به إلى جهنم ، وأعوذ أن أذكركم به وأنساه ، وأقم الصلاة .

              أأأأ



              (1) رواه أبو داود في المهدي (4284) وابن ماجة في الفتن (4086) .

              (2) سبق تخريجه .

              (3) رواه أبو داود في المهدي (4282).

              (4) رواه الطبراني في الكبير (19/32،33) رقم (68) وابن حبان (6832 إحسان) وفي (1880 موارد) والحاكم (4/557) وصححه ووافقه الذهبي ، وقال الهيثمي في المجمع (7/314) : رواه البزار من طريق داود بن المحبر بن قحذم عن أبيه وكلاهما ضعيف .

              (1) رواه أحمد (2/219) والحاكم (4/546) وصححه ووافقه الذهبي .

              (2) رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (3449) ومسلم في الإيمان (155/244).

              (1) رواه مسلم في الإيمان (156/247) .

              (1) رواه البخاري في البيوع (2118) ومسلم في الفتن وأشراط الساعة (2884/8) واللفظ له .

              (2) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2883/7).

              (3) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2883/6).



              (1) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2900/38).

              (2) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2937).



              (1) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2897) .

              (1) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2879) وهو نفس الحديث السابق .

              (2) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2899/370).

              (1) رواه البخاري في بدء الخلق (3267) ومسلم في الزهد والرقائق (2989)

              (1) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2889) . هو نفس الحديث السابق .

              (2) هو نفس الحديث السابق .

              (2) رواه أحمد (3/146،156,5/240) والترمذي في الفتن (2176) وقال : حسن صحيح وابن ماجة في الفتن (3951) وفي الزوائد : اسناده صحيح ورجاله ثقات .

              (1) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2948) .



              تعليق


              • #8
                مراحل الساعة

                إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.

                من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

                فاللهم أجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبة وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

                أما بعد ... فحياكم الله جميعاً وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الحليم الكريم جل وعلا الذى جمعنا فى هذا البيت المبارك الطيب على طاعته أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار كرامته، إنه ولى ذلك والقادر عليه.

                أحبتى فى الله ... فى رحاب الدار الآخرة سلسلة علمية كريمة تجمع بين المنهجية والرقائق، وبين التأصيل العلمى والأسلوب الوعظى، الهدف منها تذكير الناس بحقيقة الدنيا وإيقاظهم من غفلتهم الطويلة ليقبلوا على الله عز وجل قبل أن تأتيهم الساعة بغتة هم يخصمون، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون.

                وهذا هو لقاؤنا الثامن من لقاءات هذه السلسلة الكريمة، وكنا قد أنهينا الحديث بفضل الله جل وعلا فلا اللقاءات الماضية عن علامات الساعة الكبرى التى ذكرها النبى فى حديثه الصحيح الذى رواه مسلم من حديث حذيفة ابن أسيد الغفارى رضى الله عنه قال: إذ طلع علينا النبى يوما ونحن نتذاكر فقال لهم المصطفى " ما تذاكرون؟ فقالوا: نذكر الساعة يا رسول الله فقال المصطفى :" إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات وهى: الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى أبن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم". ([1]) .



                بعد هذه العلاقات أيها الأخيار الكرام تقوم الساعة مباشرة، يأمر الله جل وعلا إسرافيل أن ينفخ فى الصور، لتبدأ القيامة بأحداثها المروعة وهذا هو حديثنا اليوم مع حضراتكم عبر هذه المراحل. أسأل الله أن يسترنا وإياكم فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض إنه على كل شئ قدير.

                وكما تعودنا فسوف ينتظم حديثنا مع حضراتكم فى هذه المرحلة من مراحل الساعة فى العناصر التالية:

                أولاً: ما هو الصور ومن هو صاحبه؟

                ثانياً: نفخة الفزع.

                ثالثا: نفخة الصعق.

                وأخيراً: نفخة البعث. فأعرنى قلبك وسمعك أيها الحبيب، والله أسأل أن يتقبل منا جميعاً صالح الأعمال.

                أولاً: ما هو الصور ومن هو صاحبه؟



                والجواب مباشرة من سيدنا رسول الله كما فى الحديث الصحيح الذى رواه أحمد وأبو داود والترمذى وغيرهم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال: جاء أعرابى إلى النبى فقال: يا رسول الله ما الصور؟ فقال المصطفى
                :" قرت ينفخ فيه"([2]) .. والقرن هو البوق ولا يعلم عظم هذا البوق إلا الملك وصاحب هذ القرن- أى



                صاحب هذا البوق- هو إسرافيل عليه السلام من هو إسرافيل؟ ملك كريم من ملائكة الله جل وعلا كلفه الله النفخ فى الصور منذ أن خلقه منذ أن خلق الله الخلق وخلق إسرافيل فدفعه إلى إسرافيل، ووكله الملك بالنفخ فيه، فإن إسرافيل ينظر إلى عرش الملك جل وعلا لا يطرف بعينه منذ أن خلقه الله مستعد للأمر من الملك فى أى لحظة من اللحظات.



                والحديث رواه الحاكم فى المستدرك وصححه على شرط الشيخين وأقره الذهبى وهو كما قال من حديث أبى هريرة رضى الله عنه يقول :" ما أطرف صاحب الصور يوم أن خلقه الله ووكله بذلك". ما أطرف يعنى ما أغمض عينه طرفة واحدة "ما أطرف صاحب الصور يوم أن خلقه الله ووكله بذلك فهو ينظر بحذاء العرش- أى: بحذاء عرش الملك – ينتظر متى يؤمر مخافة أن يؤمر بالأمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان"([3]) كأن عينيه كوكبان دريان لم تغمض عيناه ولم يطرف طرفة واحدة، يخشى



                إن طرف فأغمض فى هذه اللحظات يأتى الأمر من رب الأرض والسماوات، لذا فقد هيأه الله جل جلاله إلى أن يكون دائماً مستعداً.

                والحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه الألبانى بشواهده من حديث أبى سعيد الخدرى- رضى الله عنه- اسمع ماذا قال رسول الله قال
                الحبيب : " كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحتى جبهته وأصغى سمعه ينتظر متى يؤمر" ([4])

                من الله جل وعلا. كيف أنعم؟ الرسول يقول: "كيف أنعم؟" كيف أنعم بلذة العيش؟ كيف أنعم بلذائذ هذه الحياة " وقد التقم صاحب القرن القرن" أى صاحب الصور الصور" وأصغى سمعه وحتى جبهته" ينظر إلى عرش الرحمن ينتظر متى يأمره الله فى أى لحظة من اللحظات فثقل ذلك على أصحاب النبى وشق ذلك عليهم فقالوا: ماذا نقول يا رسول الله؟ فقال "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل"... وفى رواية: "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا".([5])



                بل وقد حدد لنا المصطفى اليوم الذى سوف يأمر الله فيه إسرافيل بالنفخ فى الصور، ففى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى قال:" خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة"([6]) ..



                وفى رواية أخرى: "وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا على من الصلاة، فإن صلاتكم معروضة على"([7]) اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وأصحابه أجمعين.



                فيأمر الله إسرافيل بالنفخ فى الصور يوم الجمعة متى هو الله أعلم لأننا قد فصلنا قبل ذلك أن القيامة لن تقوم إلا على شرار الخلق([8]) إلا على الكفرة المجرمين، إذ أن رب العالمين يرسل ريحاً طيبة باردة، لتقبض



                أرواح المؤمنين على ظهر الأرض، حتى لو دخل المؤمن كهفا أو جبلا دخلت له هذه الريح لتقبض روحه، ولا يبقى فى الأرض إلا شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة، يأمر الله إسرافيل أن ينفخ النفخة الأولى وهى نفخة الفزع وهذا هو عنصرنا الثانى.

                نفخه الفزع: قال تعالى: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} (87) سورة النمل .



                اختلف أهل العلم فى من استثنى الله جل جلاله فقال أهل العلم: إنهم الأنبياء، ومنهم من قال: إنهم الشهداء، والذى أجزم به أنه لم يرد لنا فى ذلك خبر صحيح عن الصادق المصدوق لذا فما سكت الله عنه ورسوله فلسنا فى حاجة نحن إلى أن نبحث عنه {فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ } ينفخ إسرافيل نفخه فتنفك كل صلات هذا الكون وروابطه، تتزلزل الأرض كالقنديل المعلق فى سقف المسجد وترتج بأهلها رجات عنيفة مزلزلة، فيفزع الناس ما من أحد يسمع هذه الصيحة وقد رفع ليتا- أى رفع صفحة عنقه وأمال الأخرى- يستمع إلى هذه الصيحة التى أفزعت كل حى من أهل السماء ومن
                أهل الأرض.

                ولم لا؟ تصور معى هذه المشاهد التى تخلع القلب، لتقف على حجم الفزع؟ الشمس ذهب ضياؤها، أظلمت ، الكواكب تتناثر وتتمزق هنا وهنالك! البحار والأنهار تحولت إلى نار متأججة مشتعلة! الجبال العملاقة دكت بالأرض وتحولت إلى قطع صغيرة مفتتة كالعهن المنفوش!! تصور معى هذه المشاهد، لتقف على حجم الفزع الذى ينتاب أهل الأرض {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا } (1 ، 2) سورة الزلزلة تصور معى قول النبى : "من سره أن ينظر إلى يوم القيامة رأى العين فيقرأ" {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وليقرأ {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ} وليقرأ {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ}([9])



                بعد هذه النفخة يحدث هذا الانقلاب فى الكون كله {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} الشمس التى تمدنا بالدفء والحرارة والضياء ذهب ضياؤها أظلمت. وقال أبن عباس: كورت أى جمعت ووضعت تحت العرش. وفى صحيح مسلم من حديث أبى ذر أنه (1) نظر يوماً إلى الشمس فقال لأصحابة: " أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال" إنها تجرى حتى اتنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة لله جل وعلا"([10]){إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ}

                (1 ، 3) سورة التكوير أظلمت وتناثرت وذهب ضيائها وتفتت، {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} الجبال العملاقة يدكها الله فى الأرض دكا تتحول إلى قطع صغيرة متناثرة كالعهن المنفوش، أى كالصوف المنفوش تدبر معى قول الملك : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا* فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا * يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا * وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} (105،111) سورة طـه، {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ}، العشار هى النوق وهى أغلى ما يمتلكه العربى فى أرض الجزيرة إذا سمع الناس نفخة الصور يوم الفزع ينظر الرجل إلى هذه النوق إلى هذه العشار لم يلتفت إليها لم تعد تمثل له أى شئ ولا أى قيمة، لأنه وقع بأهل الأرض ما يشغلهم عن كل زخارف هذه الحياة {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } (4،5) سورة التكوير السباع المفترسة والأليفة الوديعة تحشر، يمشى المفترس الوديع لا ينظر المفترس إليه ولا يجرى الوديع بين يديه، حتى الوحوش التى لا تعى أدركت زلزلة الساعة وفزع القيامة، فترى الوحوش قد نزلت من الجبال إلى السهول والوديان الكل قد جاء فى ذلة وانكسار للواحد الجبار {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} حتى البحار هذه المياه التى كانت سببا للحياة يحولها الله إلى حمم إلى كتل نارية محرقة يعود الماء إلى أصله من الأكسجين والنيتروجين، فيتحول الماء إلى نار مشتعلة متأججة {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} (6،7) سورة التكوير زوجت أرواح المؤمنين من الحور العين فى جنات رب العالمين أو قرنت الأرواح بالأجساد وقرن الكافرون بالشياطين {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ}وهى لا ذنب لها {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } (8 ،10) سورة التكوير فتحت كتابك؟! اقرأ. أنا لا أستطيع القراءة كنت أميا!! لا، اليوم ستقرأ بأمر الملك: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } (14) سورة الإسراء ،{وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ} (11) سورة التكوير أى طويت كطى السجل يطوى الملك السماء والأرض جل جلاله {وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} (11، 12) سورة التكوير تأججت واشتعلت نيرانها فجاءت تقول: هل من مزيد؟ هل من مزيد {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ* وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} (12،13) سورة التكوير قربت إلى المتقين قربت للمؤمنين {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} (14،13) سورة التكوير علم كل إنسان حقيقة أعماله سترى كل شئ قدمت كل كلمة تكلمت بها وكل فعلة فعلتها قد شطر عليك فى كتاب لا يضل ربى لا ينسى.



                كما سأفصل فى المراحل المقبلة إن شاء الله جل وعلا {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ* وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ* وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} (14،10) سورة التكوير وتدبر معى بعد ذلك {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} (1،5) سورة الإنفطار وتدبر معى بعد ذلك قول الله تعالى: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ *وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} أى حق عليها أن تأذن وتخضع لأمر الملك { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} (2 ،4) سورة الإنشقاق تخلت عن حملها الثقيل فأخرجت كل ما فى جاتها، وكل ما فى بطنها من بنى الإنسان من يوم أن خلق الله آدم إلى يوم أن يرث الله الأرض ومن عليها { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} (2 ،4) سورة الإنشقاق تدبر هذه المشاهد لتقف على حجم الفزع ، وذلك أن تعلم أن المرأة الحامل إذا رأت هذه المشاهد سقط حملها بل حتى الأم التى أمسكت رضيعها فى صدرها لترضعه إذا رأت هذه المشاهد ألقت ولدها: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (37) سورة عبس تدبر معى قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } (1،2) سورة الحـج وتدبر معى قول الله جل وعلا: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء * وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ* وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ* يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ* وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ} (42 ، 50) سورة إبراهيم قف مع قوله جل وعلا: { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} من الفزع أى خلت من القلوب أين القلوب؟ اين ذهبت القلوب؟ خرجت، خرجت من أين؟ من الصدور إلى الله إلى الحناجر لماذا؟ من الفزع بعد أربعين يأمر الله عز وجل إسرافيل أن ينفخ فى الصور النفخة الثانية، ألا وهى نفخة الصعق وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء.



                نفخة الصعق:اختلف أهل العلم فمنهم من قال: ينفخ إسرافيل نفختين اثنتين: الأولى نفخة الفزع والصعق فى آن واحد، وتبنى هذا الرأى الحافظ ابن حجر والإمام القرطبى فى التذكرة ، وقال بأن الصعق ملازم للفزع أى صعقوا صعقا ماتوا منه ولذا فالحافظ والإمام القرطبى يقولان بنفختين اثنتين. وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ أبن كثير والإمام ابن العربى إلى أن إسرافيل ينفخ فى الصور نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث وهو الذى أميل إليه أنا، لأن صريح القرآن يقول ذلك، فلقد فرق الله فى صريح القرآن بين نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة البعث قال تعالى: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} (87) سورة النمل وبعدها تكلم عن نفخة البعث فقال: { نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ } (68) سورة الزمر نفخة الصعق قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ } أى فمات كل من فى السماوات ومن فى الأرض إلا ما شاء الله من المستثنى؟ قال أهل العلم: هم الملاكة، ومنهم من قال: كلا بل هم جبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت وحملة العرش فقط، منهم من قال: الحور العين فى جنات رب العالمين، ومنهم من قال: هم الشهداء فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، ومنهم من قال: هو نبى الله موسى عليه السلام هو المستثنى فى قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ } (68) سورة الزمر واحتجوا على ذلك بحديث صحيح رواه البخارى أنه يقول:" أنا أول من يرفع رأسه بعد النفخة فإذا أنا بموسى آخذ بالعرش فلا أدرى أكان ممن أفاق قبلى أم كان ممن استثناهم الله جل وعلا"([11]) .. ولذا فأنا أقول بأن الجزم بمن استثنى الله فى هذه الآية غير دقيق، فإذا كان المصطفى لم يجزم لنبى الله موسى يقول : " فلا أدرى أكان ممن أفاق قبلى أم كان ممن استثناهم الله جل وعلا"... فإذا كان المصطفى لم يجزم لنبى الله موسى فلا ينبغى لأحد من أهل العلم قاطبة أن يجزم لمن استثناهم الله فى الأية، لأن هذا لا ينال إلا بالخبر الصحيح عن رسول الله (فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ) صعق أى مات.. الله أكبر مات كل حى وبقى الحى الذى لا يموت. ورد فى حديث الصور الطويل الذى رواه البيهقى والطبرانى والطبرى وابن أبى حاتم وغيرهم. وللأمانة العلمية فإن الحديث بطوله ضعيف ومدار تضعيفه على إسماعيل ابن رافع، فإن إسماعيل بن رافع من الضعفاء كما قال علماء الجرح والتعديل، فى هذا الحديث "يأتى ملك الموت للملك فيقول الملك لملك الموت: يا ملك الموت من بقى؟ فيقول: بقى جبريل وإسرافيل وميكائيل وحملة العرش وبقيت أنا. فيقول الملك: ليمت جبريل وميكائيل وإسرافيل وليمت حملة العرش ويبقى ملك الموت. فيأتى الملك ويقول: من بقى يا ملك الموت؟ فيقول بقيت أنا. فيقول الملك: يا ملك الموت وأنت خلق من خلقى وخلقت لما ترى فمت يا ملك الموت". فيموت ويبقى الحى الذى لا يموت، سبحان ذى الملك والملكوت، سبحان ذى الملك والملكوت، سبحان ذى الملك والملكوت، سبحان ذى العزة والجبروت، سبحان الذى كتب الموت على جميع الخلائق وهو الحى الباقى الذى لا يموت "يا ملك الموت وأنت خلق من خلقى وخلقت لما ترى فمت يا ملك الموت" مات جبريل، مات إسرافيل، مات ميكائيل، مات حملة العرش، مات الملوك، مات الزعماء، مات الرؤوساء، مات الوزراء، مات الفقراء، مات كل حى على ظهر الأرض، فلا يبقى إلا الملك، فيطوى الملك السماء الأرض بيمينه ويهتف الملك جل جلاله فى هذا السكون الرهيب!!! يسأل صاحب الصوت ويجيب . فلا سائل ساعتها غيره ولا مجيب . ويقول : أنا الملك. أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يقول جل جلاله: لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد ويجيب على ذاته ويقول جل جلاله: لله الواحد القهار.



                يقول تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ *يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (16) سورة غافر أين الفراعنة؟ أين القياسرة؟ أين الأكاسرة؟ أين من اغتروا بالكراسى الزائلة؟ أين من فتنوا بالمناصب الفانية؟ أين من اغتروا بالعمارات والسيارات والمليارات والدولارات؟ أين الظالمون؟ وأين التابعون لهم فى الغى؟ بل أين فرعون وهامان أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم، وذكرهم فى الورى ظلم وطغيان؟ هل أبقى الموت ذا عز لعزته؟ أو هل نجا منه بالسلطان إنسان؟ لا والذى خلق الأكوان من عدم الكل يفنى فلا إنس ولا جان، قال جل جلاله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (26، 27) سورة الرحمن وقال جل جلاله: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (88) سورة القصص مهما عشت فأنت مفارق، مهما حييت فأنت مفارق، ومهما جمعت فأنت تارك، فيا من أجلسك الله على الكرسى، ويا من هيأ لك المنصب ورب الكعبة، أبذلها لك بكل حب وإخلاص، إن الكرسى زائل، وإن المنصب فان وإن الحى جل جلاله هو الباقى فأعلم أنك راحل، وإياك أن تغتر بمنصبك ، إياك أن تغتر بكرسيك فلا تستغل الكرسى إلا لمرضاة الله وإلا لطاعة الله، وأن تعلم أن الكرسى إما أن يقربك إلى جنة الله ، وإما أن يقربك إلى النار، فخذ الكرسى وسيلة إلى جنة العزيز الغفار، لا إله إلا الله، أسأل الله أن يحفظنا وإياكم
                من حرها.

                انظر إلى من سبقك لو دم الكرسى أخى الحبيب لغيرك والله ما وصل إليك.

                أيا عبد كم يراك الله عاصيا
                أنسيت لقاء الله واللحد والثرى
                لو أن المرء لم يلبس ثيابا من التقى
                ولو أن الدنيا تدوم لأهلها
                ولكنها تفنى ويفنى نعيمها






                حريصاً على الدنيا وللموت ناسيا
                ويوماً عبوسا تشيب فيه النواصيا
                تجرد عريانا ولو كان كاسيا
                لكان رسول الله حيا وباقيا
                وتبقى الذنوب والمعاصى كما هى

                ينادى الملك ويقول سبحانه: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ذهبوا وهلكوا وماتوا وأفناهم رب العباد.

                يا نفس قد أزف الرحيل
                فتأهبى يا نفس لا
                فلتنزلن بمنزل
                وليركين عليك من
                قرن الفناء بنا فلا






                وأظلك الخطب الجليل
                يلعب بك الأمل الطويل
                ينسى الخليل ربه الخليل
                الثرى حمل ثقيل
                يبقى العزيز ولا الذليل

                إنها الحقيقة الكبرى التى تعلن على مدى الزمان والمكان فى أذن كل سامع وعقل، كل مفكر وأديب. أنه لا بقاء إلا للحى الذى لا يموت، إنها الحقيقة التى تصبغ البشرية كلها بصبغة الذل والعبودية لقهار السماوات والأرض، إنها الحقيقة التى شرب كاسها الأنبياء والمرسلون بل والعصاة والطائعون، إنها الحقيقة الكبيرة. {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} (19) سورة ق.



                فيا أيها الأحبة: إن الحياة على ظهر هذه الأرض موقوته محددة بأجل ثم ستأتى نهايتها حتماً، فيموت الصالحون ويموت الطالحون، يموت القائمون، ويموت القاعدون، يموت ذوو الاهتمامات العالية والغايات النبيلة، ويموت التافهون الحريصون على الحياة بأى ثمن الكل يموت {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (27) سورة الرحمن قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ } (68) سورة الزمر أسأل الله جل وعلا أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض إنه ولى ذلك ومولاه أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم...



                الخطبة الثانية:



                الحمد الله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

                أما بعد... وأرى عقارب الساعة بين يدى تطاردنى، لذا فأنا مضطر لإرجاء الحديث عن نفخة البعث للقاء المقبل إن قدر الله لنا البقاء واللقاء إذ أن هذه النفخة كما سترون إن شاء الله تعالى لا تحتاج إلى لقاء واحد فحسب بل تحتاج إلى لقاءات وسأقصر الحديث عنها فى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى، نفخة البعث هى النفخة التى يأمر الله عز وجل فيها إسرافيل أن ينفخ فى الصور بعد أن يحييه الملك جل وعلا بعد موته، فإن أحياه مرة أخرى أمره أن يلتقم الصور مرة أخرى فإذا أمره الله جل وعلا بعد الأربعين الذى لا يعلمها إلا رب العالمين بعد أن ينفخ إسرافيل فى البوق- فى الصور- قام أهل القبور بين يدى
                العزيز الغفور.

                قال المصطفى والحديث فى صحيح مسلم:" كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب منه خلق ابن آدم ومنه يركب"([12])... ما عجب الذنب؟ عظمة صغيرة دقيقة فى آخر السلسلة الفقرية لكل إنسان على ظهر



                الأرض هذه العظمة لا تزيد عن حبة العدس، هذه العظمة الصغيرة تسمى بعجب الذنب كل الجسد فى القبر يبلى إلا هذه العظمة. والله يعلم كل عظمة فى كل إنسان خلق من آدم إلى يوم القيامة، فيأتى الله بهذه العظمة الدقيقة ويخلق من جديد حولها جسد صاحبها وفى ذلك الجواب المقبل إن شاء الله تعالى إن قدر الله لنا اللقاء والبقاء.

                الدعاء.



                (1) رواه مسلم فى الفتن وأشراط الساعة (2901).

                (1) رواه أحمد (2/162 ، 192) ، وأبو داود فى السنة (4742)، والترمذى فى صفة القيامة (2430)، وفى التفسير (3244)، والدارمى (2798).

                (2) رواه الحاكم (4/558 ، 559) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبى.

                (3) رواه أحمد (3/73)، والترمذى فى صفة القيامة (2431) وقال: حديث حسن.

                (1) هو نفس الحديث السابق عند الترمذى.

                (2) رواه مسلم فى الجمعة (854).

                (3) رواه الحاكم (1/278) وصححه على شرط البخارى ووافقه الذهبى.

                (4) رواه مسلم فى الإمارة (1924 / 176).

                (1) رواه الترمى فى التفسير (333)، وأحمد (2/27 ، 36، 100)، والحاكم (4/576)، وأبن أبى الدنيا فى الأهوال(19).

                (1) رواه مسلم فى افيمان (159/350)

                (1) رواه البخارى فى الخصومات (2411)، وفى الأنبياء (3398 ، 3408)، وفى التوحيد (7472)، ومسلم فى الفضائل (2373/160)

                (1) رواه مسلم فى الفتن وأشراط الساعة (2955 /142).



                تعليق


                • #9
                  مراحل الساعة

                  إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.

                  من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

                  فاللهم أجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبة وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

                  أما بعد ... فحياكم الله جميعاً وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الحليم الكريم جل وعلا الذى جمعنا فى هذا البيت المبارك الطيب على طاعته أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار كرامته، إنه ولى ذلك والقادر عليه.

                  أحبتى فى الله ... فى رحاب الدار الآخرة سلسلة علمية كريمة تجمع بين المنهجية والرقائق، وبين التأصيل العلمى والأسلوب الوعظى، الهدف منها تذكير الناس بحقيقة الدنيا وإيقاظهم من غفلتهم الطويلة ليقبلوا على الله عز وجل قبل أن تأتيهم الساعة بغتة هم يخصمون، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون.

                  وهذا هو لقاؤنا الثامن من لقاءات هذه السلسلة الكريمة، وكنا قد أنهينا الحديث بفضل الله جل وعلا فلا اللقاءات الماضية عن علامات الساعة الكبرى التى ذكرها النبى فى حديثه الصحيح الذى رواه مسلم من حديث حذيفة ابن أسيد الغفارى رضى الله عنه قال: إذ طلع علينا النبى يوما ونحن نتذاكر فقال لهم المصطفى " ما تذاكرون؟ فقالوا: نذكر الساعة يا رسول الله فقال المصطفى :" إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات وهى: الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى أبن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم". ([1]) .



                  بعد هذه العلاقات أيها الأخيار الكرام تقوم الساعة مباشرة، يأمر الله جل وعلا إسرافيل أن ينفخ فى الصور، لتبدأ القيامة بأحداثها المروعة وهذا هو حديثنا اليوم مع حضراتكم عبر هذه المراحل. أسأل الله أن يسترنا وإياكم فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض إنه على كل شئ قدير.

                  وكما تعودنا فسوف ينتظم حديثنا مع حضراتكم فى هذه المرحلة من مراحل الساعة فى العناصر التالية:

                  أولاً: ما هو الصور ومن هو صاحبه؟

                  ثانياً: نفخة الفزع.

                  ثالثا: نفخة الصعق.

                  وأخيراً: نفخة البعث. فأعرنى قلبك وسمعك أيها الحبيب، والله أسأل أن يتقبل منا جميعاً صالح الأعمال.

                  أولاً: ما هو الصور ومن هو صاحبه؟



                  والجواب مباشرة من سيدنا رسول الله كما فى الحديث الصحيح الذى رواه أحمد وأبو داود والترمذى وغيرهم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال: جاء أعرابى إلى النبى فقال: يا رسول الله ما الصور؟ فقال المصطفى
                  :" قرت ينفخ فيه"([2]) .. والقرن هو البوق ولا يعلم عظم هذا البوق إلا الملك وصاحب هذ القرن- أى



                  صاحب هذا البوق- هو إسرافيل عليه السلام من هو إسرافيل؟ ملك كريم من ملائكة الله جل وعلا كلفه الله النفخ فى الصور منذ أن خلقه منذ أن خلق الله الخلق وخلق إسرافيل فدفعه إلى إسرافيل، ووكله الملك بالنفخ فيه، فإن إسرافيل ينظر إلى عرش الملك جل وعلا لا يطرف بعينه منذ أن خلقه الله مستعد للأمر من الملك فى أى لحظة من اللحظات.



                  والحديث رواه الحاكم فى المستدرك وصححه على شرط الشيخين وأقره الذهبى وهو كما قال من حديث أبى هريرة رضى الله عنه يقول :" ما أطرف صاحب الصور يوم أن خلقه الله ووكله بذلك". ما أطرف يعنى ما أغمض عينه طرفة واحدة "ما أطرف صاحب الصور يوم أن خلقه الله ووكله بذلك فهو ينظر بحذاء العرش- أى: بحذاء عرش الملك – ينتظر متى يؤمر مخافة أن يؤمر بالأمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان"([3]) كأن عينيه كوكبان دريان لم تغمض عيناه ولم يطرف طرفة واحدة، يخشى



                  إن طرف فأغمض فى هذه اللحظات يأتى الأمر من رب الأرض والسماوات، لذا فقد هيأه الله جل جلاله إلى أن يكون دائماً مستعداً.

                  والحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه الألبانى بشواهده من حديث أبى سعيد الخدرى- رضى الله عنه- اسمع ماذا قال رسول الله قال
                  الحبيب : " كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحتى جبهته وأصغى سمعه ينتظر متى يؤمر" ([4])

                  من الله جل وعلا. كيف أنعم؟ الرسول يقول: "كيف أنعم؟" كيف أنعم بلذة العيش؟ كيف أنعم بلذائذ هذه الحياة " وقد التقم صاحب القرن القرن" أى صاحب الصور الصور" وأصغى سمعه وحتى جبهته" ينظر إلى عرش الرحمن ينتظر متى يأمره الله فى أى لحظة من اللحظات فثقل ذلك على أصحاب النبى وشق ذلك عليهم فقالوا: ماذا نقول يا رسول الله؟ فقال "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل"... وفى رواية: "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا".([5])



                  بل وقد حدد لنا المصطفى اليوم الذى سوف يأمر الله فيه إسرافيل بالنفخ فى الصور، ففى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى قال:" خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة"([6]) ..



                  وفى رواية أخرى: "وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا على من الصلاة، فإن صلاتكم معروضة على"([7]) اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وأصحابه أجمعين.



                  فيأمر الله إسرافيل بالنفخ فى الصور يوم الجمعة متى هو الله أعلم لأننا قد فصلنا قبل ذلك أن القيامة لن تقوم إلا على شرار الخلق([8]) إلا على الكفرة المجرمين، إذ أن رب العالمين يرسل ريحاً طيبة باردة، لتقبض



                  أرواح المؤمنين على ظهر الأرض، حتى لو دخل المؤمن كهفا أو جبلا دخلت له هذه الريح لتقبض روحه، ولا يبقى فى الأرض إلا شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة، يأمر الله إسرافيل أن ينفخ النفخة الأولى وهى نفخة الفزع وهذا هو عنصرنا الثانى.

                  نفخه الفزع: قال تعالى: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} (87) سورة النمل .



                  اختلف أهل العلم فى من استثنى الله جل جلاله فقال أهل العلم: إنهم الأنبياء، ومنهم من قال: إنهم الشهداء، والذى أجزم به أنه لم يرد لنا فى ذلك خبر صحيح عن الصادق المصدوق لذا فما سكت الله عنه ورسوله فلسنا فى حاجة نحن إلى أن نبحث عنه {فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ } ينفخ إسرافيل نفخه فتنفك كل صلات هذا الكون وروابطه، تتزلزل الأرض كالقنديل المعلق فى سقف المسجد وترتج بأهلها رجات عنيفة مزلزلة، فيفزع الناس ما من أحد يسمع هذه الصيحة وقد رفع ليتا- أى رفع صفحة عنقه وأمال الأخرى- يستمع إلى هذه الصيحة التى أفزعت كل حى من أهل السماء ومن
                  أهل الأرض.

                  ولم لا؟ تصور معى هذه المشاهد التى تخلع القلب، لتقف على حجم الفزع؟ الشمس ذهب ضياؤها، أظلمت ، الكواكب تتناثر وتتمزق هنا وهنالك! البحار والأنهار تحولت إلى نار متأججة مشتعلة! الجبال العملاقة دكت بالأرض وتحولت إلى قطع صغيرة مفتتة كالعهن المنفوش!! تصور معى هذه المشاهد، لتقف على حجم الفزع الذى ينتاب أهل الأرض {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا } (1 ، 2) سورة الزلزلة تصور معى قول النبى : "من سره أن ينظر إلى يوم القيامة رأى العين فيقرأ" {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وليقرأ {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ} وليقرأ {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ}([9])



                  بعد هذه النفخة يحدث هذا الانقلاب فى الكون كله {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} الشمس التى تمدنا بالدفء والحرارة والضياء ذهب ضياؤها أظلمت. وقال أبن عباس: كورت أى جمعت ووضعت تحت العرش. وفى صحيح مسلم من حديث أبى ذر أنه (1) نظر يوماً إلى الشمس فقال لأصحابة: " أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال" إنها تجرى حتى اتنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة لله جل وعلا"([10]){إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ}

                  (1 ، 3) سورة التكوير أظلمت وتناثرت وذهب ضيائها وتفتت، {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} الجبال العملاقة يدكها الله فى الأرض دكا تتحول إلى قطع صغيرة متناثرة كالعهن المنفوش، أى كالصوف المنفوش تدبر معى قول الملك : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا* فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا * يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا * وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} (105،111) سورة طـه، {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ}، العشار هى النوق وهى أغلى ما يمتلكه العربى فى أرض الجزيرة إذا سمع الناس نفخة الصور يوم الفزع ينظر الرجل إلى هذه النوق إلى هذه العشار لم يلتفت إليها لم تعد تمثل له أى شئ ولا أى قيمة، لأنه وقع بأهل الأرض ما يشغلهم عن كل زخارف هذه الحياة {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } (4،5) سورة التكوير السباع المفترسة والأليفة الوديعة تحشر، يمشى المفترس الوديع لا ينظر المفترس إليه ولا يجرى الوديع بين يديه، حتى الوحوش التى لا تعى أدركت زلزلة الساعة وفزع القيامة، فترى الوحوش قد نزلت من الجبال إلى السهول والوديان الكل قد جاء فى ذلة وانكسار للواحد الجبار {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} حتى البحار هذه المياه التى كانت سببا للحياة يحولها الله إلى حمم إلى كتل نارية محرقة يعود الماء إلى أصله من الأكسجين والنيتروجين، فيتحول الماء إلى نار مشتعلة متأججة {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} (6،7) سورة التكوير زوجت أرواح المؤمنين من الحور العين فى جنات رب العالمين أو قرنت الأرواح بالأجساد وقرن الكافرون بالشياطين {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ}وهى لا ذنب لها {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } (8 ،10) سورة التكوير فتحت كتابك؟! اقرأ. أنا لا أستطيع القراءة كنت أميا!! لا، اليوم ستقرأ بأمر الملك: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } (14) سورة الإسراء ،{وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ} (11) سورة التكوير أى طويت كطى السجل يطوى الملك السماء والأرض جل جلاله {وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} (11، 12) سورة التكوير تأججت واشتعلت نيرانها فجاءت تقول: هل من مزيد؟ هل من مزيد {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ* وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} (12،13) سورة التكوير قربت إلى المتقين قربت للمؤمنين {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} (14،13) سورة التكوير علم كل إنسان حقيقة أعماله سترى كل شئ قدمت كل كلمة تكلمت بها وكل فعلة فعلتها قد شطر عليك فى كتاب لا يضل ربى لا ينسى.



                  كما سأفصل فى المراحل المقبلة إن شاء الله جل وعلا {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ* وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ* وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} (14،10) سورة التكوير وتدبر معى بعد ذلك {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} (1،5) سورة الإنفطار وتدبر معى بعد ذلك قول الله تعالى: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ *وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} أى حق عليها أن تأذن وتخضع لأمر الملك { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} (2 ،4) سورة الإنشقاق تخلت عن حملها الثقيل فأخرجت كل ما فى جاتها، وكل ما فى بطنها من بنى الإنسان من يوم أن خلق الله آدم إلى يوم أن يرث الله الأرض ومن عليها { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} (2 ،4) سورة الإنشقاق تدبر هذه المشاهد لتقف على حجم الفزع ، وذلك أن تعلم أن المرأة الحامل إذا رأت هذه المشاهد سقط حملها بل حتى الأم التى أمسكت رضيعها فى صدرها لترضعه إذا رأت هذه المشاهد ألقت ولدها: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (37) سورة عبس تدبر معى قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } (1،2) سورة الحـج وتدبر معى قول الله جل وعلا: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء * وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ* وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ* يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ* وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ} (42 ، 50) سورة إبراهيم قف مع قوله جل وعلا: { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} من الفزع أى خلت من القلوب أين القلوب؟ اين ذهبت القلوب؟ خرجت، خرجت من أين؟ من الصدور إلى الله إلى الحناجر لماذا؟ من الفزع بعد أربعين يأمر الله عز وجل إسرافيل أن ينفخ فى الصور النفخة الثانية، ألا وهى نفخة الصعق وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء.



                  نفخة الصعق:اختلف أهل العلم فمنهم من قال: ينفخ إسرافيل نفختين اثنتين: الأولى نفخة الفزع والصعق فى آن واحد، وتبنى هذا الرأى الحافظ ابن حجر والإمام القرطبى فى التذكرة ، وقال بأن الصعق ملازم للفزع أى صعقوا صعقا ماتوا منه ولذا فالحافظ والإمام القرطبى يقولان بنفختين اثنتين. وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ أبن كثير والإمام ابن العربى إلى أن إسرافيل ينفخ فى الصور نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث وهو الذى أميل إليه أنا، لأن صريح القرآن يقول ذلك، فلقد فرق الله فى صريح القرآن بين نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة البعث قال تعالى: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} (87) سورة النمل وبعدها تكلم عن نفخة البعث فقال: { نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ } (68) سورة الزمر نفخة الصعق قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ } أى فمات كل من فى السماوات ومن فى الأرض إلا ما شاء الله من المستثنى؟ قال أهل العلم: هم الملاكة، ومنهم من قال: كلا بل هم جبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت وحملة العرش فقط، منهم من قال: الحور العين فى جنات رب العالمين، ومنهم من قال: هم الشهداء فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، ومنهم من قال: هو نبى الله موسى عليه السلام هو المستثنى فى قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ } (68) سورة الزمر واحتجوا على ذلك بحديث صحيح رواه البخارى أنه يقول:" أنا أول من يرفع رأسه بعد النفخة فإذا أنا بموسى آخذ بالعرش فلا أدرى أكان ممن أفاق قبلى أم كان ممن استثناهم الله جل وعلا"([11]) .. ولذا فأنا أقول بأن الجزم بمن استثنى الله فى هذه الآية غير دقيق، فإذا كان المصطفى لم يجزم لنبى الله موسى يقول : " فلا أدرى أكان ممن أفاق قبلى أم كان ممن استثناهم الله جل وعلا"... فإذا كان المصطفى لم يجزم لنبى الله موسى فلا ينبغى لأحد من أهل العلم قاطبة أن يجزم لمن استثناهم الله فى الأية، لأن هذا لا ينال إلا بالخبر الصحيح عن رسول الله (فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ) صعق أى مات.. الله أكبر مات كل حى وبقى الحى الذى لا يموت. ورد فى حديث الصور الطويل الذى رواه البيهقى والطبرانى والطبرى وابن أبى حاتم وغيرهم. وللأمانة العلمية فإن الحديث بطوله ضعيف ومدار تضعيفه على إسماعيل ابن رافع، فإن إسماعيل بن رافع من الضعفاء كما قال علماء الجرح والتعديل، فى هذا الحديث "يأتى ملك الموت للملك فيقول الملك لملك الموت: يا ملك الموت من بقى؟ فيقول: بقى جبريل وإسرافيل وميكائيل وحملة العرش وبقيت أنا. فيقول الملك: ليمت جبريل وميكائيل وإسرافيل وليمت حملة العرش ويبقى ملك الموت. فيأتى الملك ويقول: من بقى يا ملك الموت؟ فيقول بقيت أنا. فيقول الملك: يا ملك الموت وأنت خلق من خلقى وخلقت لما ترى فمت يا ملك الموت". فيموت ويبقى الحى الذى لا يموت، سبحان ذى الملك والملكوت، سبحان ذى الملك والملكوت، سبحان ذى الملك والملكوت، سبحان ذى العزة والجبروت، سبحان الذى كتب الموت على جميع الخلائق وهو الحى الباقى الذى لا يموت "يا ملك الموت وأنت خلق من خلقى وخلقت لما ترى فمت يا ملك الموت" مات جبريل، مات إسرافيل، مات ميكائيل، مات حملة العرش، مات الملوك، مات الزعماء، مات الرؤوساء، مات الوزراء، مات الفقراء، مات كل حى على ظهر الأرض، فلا يبقى إلا الملك، فيطوى الملك السماء الأرض بيمينه ويهتف الملك جل جلاله فى هذا السكون الرهيب!!! يسأل صاحب الصوت ويجيب . فلا سائل ساعتها غيره ولا مجيب . ويقول : أنا الملك. أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يقول جل جلاله: لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد ويجيب على ذاته ويقول جل جلاله: لله الواحد القهار.



                  يقول تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ *يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (16) سورة غافر أين الفراعنة؟ أين القياسرة؟ أين الأكاسرة؟ أين من اغتروا بالكراسى الزائلة؟ أين من فتنوا بالمناصب الفانية؟ أين من اغتروا بالعمارات والسيارات والمليارات والدولارات؟ أين الظالمون؟ وأين التابعون لهم فى الغى؟ بل أين فرعون وهامان أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم، وذكرهم فى الورى ظلم وطغيان؟ هل أبقى الموت ذا عز لعزته؟ أو هل نجا منه بالسلطان إنسان؟ لا والذى خلق الأكوان من عدم الكل يفنى فلا إنس ولا جان، قال جل جلاله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (26، 27) سورة الرحمن وقال جل جلاله: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (88) سورة القصص مهما عشت فأنت مفارق، مهما حييت فأنت مفارق، ومهما جمعت فأنت تارك، فيا من أجلسك الله على الكرسى، ويا من هيأ لك المنصب ورب الكعبة، أبذلها لك بكل حب وإخلاص، إن الكرسى زائل، وإن المنصب فان وإن الحى جل جلاله هو الباقى فأعلم أنك راحل، وإياك أن تغتر بمنصبك ، إياك أن تغتر بكرسيك فلا تستغل الكرسى إلا لمرضاة الله وإلا لطاعة الله، وأن تعلم أن الكرسى إما أن يقربك إلى جنة الله ، وإما أن يقربك إلى النار، فخذ الكرسى وسيلة إلى جنة العزيز الغفار، لا إله إلا الله، أسأل الله أن يحفظنا وإياكم
                  من حرها.

                  انظر إلى من سبقك لو دم الكرسى أخى الحبيب لغيرك والله ما وصل إليك.

                  أيا عبد كم يراك الله عاصيا
                  أنسيت لقاء الله واللحد والثرى
                  لو أن المرء لم يلبس ثيابا من التقى
                  ولو أن الدنيا تدوم لأهلها
                  ولكنها تفنى ويفنى نعيمها






                  حريصاً على الدنيا وللموت ناسيا
                  ويوماً عبوسا تشيب فيه النواصيا
                  تجرد عريانا ولو كان كاسيا
                  لكان رسول الله حيا وباقيا
                  وتبقى الذنوب والمعاصى كما هى

                  ينادى الملك ويقول سبحانه: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ذهبوا وهلكوا وماتوا وأفناهم رب العباد.

                  يا نفس قد أزف الرحيل
                  فتأهبى يا نفس لا
                  فلتنزلن بمنزل
                  وليركين عليك من
                  قرن الفناء بنا فلا






                  وأظلك الخطب الجليل
                  يلعب بك الأمل الطويل
                  ينسى الخليل ربه الخليل
                  الثرى حمل ثقيل
                  يبقى العزيز ولا الذليل

                  إنها الحقيقة الكبرى التى تعلن على مدى الزمان والمكان فى أذن كل سامع وعقل، كل مفكر وأديب. أنه لا بقاء إلا للحى الذى لا يموت، إنها الحقيقة التى تصبغ البشرية كلها بصبغة الذل والعبودية لقهار السماوات والأرض، إنها الحقيقة التى شرب كاسها الأنبياء والمرسلون بل والعصاة والطائعون، إنها الحقيقة الكبيرة. {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} (19) سورة ق.



                  فيا أيها الأحبة: إن الحياة على ظهر هذه الأرض موقوته محددة بأجل ثم ستأتى نهايتها حتماً، فيموت الصالحون ويموت الطالحون، يموت القائمون، ويموت القاعدون، يموت ذوو الاهتمامات العالية والغايات النبيلة، ويموت التافهون الحريصون على الحياة بأى ثمن الكل يموت {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (27) سورة الرحمن قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ } (68) سورة الزمر أسأل الله جل وعلا أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض إنه ولى ذلك ومولاه أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم...



                  الخطبة الثانية:



                  الحمد الله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

                  أما بعد... وأرى عقارب الساعة بين يدى تطاردنى، لذا فأنا مضطر لإرجاء الحديث عن نفخة البعث للقاء المقبل إن قدر الله لنا البقاء واللقاء إذ أن هذه النفخة كما سترون إن شاء الله تعالى لا تحتاج إلى لقاء واحد فحسب بل تحتاج إلى لقاءات وسأقصر الحديث عنها فى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى، نفخة البعث هى النفخة التى يأمر الله عز وجل فيها إسرافيل أن ينفخ فى الصور بعد أن يحييه الملك جل وعلا بعد موته، فإن أحياه مرة أخرى أمره أن يلتقم الصور مرة أخرى فإذا أمره الله جل وعلا بعد الأربعين الذى لا يعلمها إلا رب العالمين بعد أن ينفخ إسرافيل فى البوق- فى الصور- قام أهل القبور بين يدى
                  العزيز الغفور.

                  قال المصطفى والحديث فى صحيح مسلم:" كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب منه خلق ابن آدم ومنه يركب"([12])... ما عجب الذنب؟ عظمة صغيرة دقيقة فى آخر السلسلة الفقرية لكل إنسان على ظهر



                  الأرض هذه العظمة لا تزيد عن حبة العدس، هذه العظمة الصغيرة تسمى بعجب الذنب كل الجسد فى القبر يبلى إلا هذه العظمة. والله يعلم كل عظمة فى كل إنسان خلق من آدم إلى يوم القيامة، فيأتى الله بهذه العظمة الدقيقة ويخلق من جديد حولها جسد صاحبها وفى ذلك الجواب المقبل إن شاء الله تعالى إن قدر الله لنا اللقاء والبقاء.

                  الدعاء.



                  (1) رواه مسلم فى الفتن وأشراط الساعة (2901).

                  (1) رواه أحمد (2/162 ، 192) ، وأبو داود فى السنة (4742)، والترمذى فى صفة القيامة (2430)، وفى التفسير (3244)، والدارمى (2798).

                  (2) رواه الحاكم (4/558 ، 559) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبى.

                  (3) رواه أحمد (3/73)، والترمذى فى صفة القيامة (2431) وقال: حديث حسن.

                  (1) هو نفس الحديث السابق عند الترمذى.

                  (2) رواه مسلم فى الجمعة (854).

                  (3) رواه الحاكم (1/278) وصححه على شرط البخارى ووافقه الذهبى.

                  (4) رواه مسلم فى الإمارة (1924 / 176).

                  (1) رواه الترمى فى التفسير (333)، وأحمد (2/27 ، 36، 100)، والحاكم (4/576)، وأبن أبى الدنيا فى الأهوال(19).

                  (1) رواه مسلم فى افيمان (159/350)

                  (1) رواه البخارى فى الخصومات (2411)، وفى الأنبياء (3398 ، 3408)، وفى التوحيد (7472)، ومسلم فى الفضائل (2373/160)

                  (1) رواه مسلم فى الفتن وأشراط الساعة (2955 /142).



                  تعليق


                  • #10
                    لامات الساعة الكبرى ونزول عيسى بن مريم عليه السلام



                    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

                    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون َ[آل عمران:102]

                    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَ لُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا ً[النساء:1]

                    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً[الأحزاب:70-71]

                    أما بعد

                    فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة فى النار .

                    أحبتي في الله :

                    في رحاب الدار الآخرة

                    هذا هو لقاءنا الخامس مع السلسة الكريمة ولا زلنا مع حديث حذيفة بن أسيد الغفاري:

                    اطلع علينا النبي ونحن نتذاكر فقال النبي : ((ما تذاكرون؟)) فقالوا: نذكر الساعة فقال: ((إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر، الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم))(1]).

                    وها نحن الآن على موعد مع إحدى هذه العلامات الكبرى ألا وهي نزول عيسى عليه السلام.

                    أيها الحبيب الكريم: أعرني قلبك وسمعك وعقلك فإن الموضوع من الأهمية بمكان، وحتى لا ينسحب بساط الوقت سريعا من بين أيدينا فسوف أركز الموضوع في العناصر التالية:

                    أولاً: عيسى بن مريم والميلاد المعجز.

                    ثانياً: بل رفعه اللـه إليه.

                    ثالثاً: نزول عيسى من السماء إلى الأرض.



                    أسأل اللـه تعالى أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه

                    أولاً: عيسى بن مريم والميلاد المعجز

                    أخي في اللـه لن أجد لك بداية أرحب ولا أجمل أبدأ بها حديثي معك الآن أجل من هذه الكلمات الجميلة في قوله تعالى:إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [ آل عمران:35 -37 ].

                    وقبل أن نتجول سويا في بستان هذه الكلمات الرقيقة الرقراقة أقول لك إنه لأول مرة في تاريخ البشرية الطويل منذ أن خلق اللـه آدم من تراب ينسب نبي لأُمِه.

                    مريم هي الأنثى الوحيدة في الوجود كله التي اختصها اللـه من بين النساء قاطبةً ليودعها سره الأكبر في أصفى حمل وأعجز ميلاد، فمريم هي الفتاة العذراء النقية التقية التي اصطفاها اللـه جل في علاه من بين نساء العالمين فنفخ فيها من روحه ومنحها هذه المكانة الرقيقة الرقراقة من بين أمهات الدنيا جمعاء.

                    فأمها حنة بنت فاقود وصلت إلى سن اليأس، فتمنت على اللـه أن يرزقها الولد، واللـه على كل شىء قدير فاستجاب اللـه دعاءها وابتهالها إليه، فتحرك الحمل في أحشائها بقدرة من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السموات بقدرة من يقول للشيء كن فيكون. فلما تحرك الحمل في أحشائها أحبت أن تشكر اللـه على هذه النعمة فقالت: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم .

                    نَذَرَتْ ما في بطنها لله جل وعلا "أي لخدمة بيت المقدس"، جزاء على ما رزقها هذه النعمة. بعد ما وصلت لهذه السن.. وبعد مرور أشهر الحمل وضعت بنتا جميلة رقيقة طيبة، فنظرت إليها بحزن وقالت رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ .

                    فقالت حنة: رباه إني وضعتها أنثى وأنت أعلم مني بما وضعت أي: أنت الذي رزقتني وقدرت لي ذلك، فليس الذكر كالأنثى في القوة والجلد وخدمة الأقصى وإني يا رب أعيذها بك من شر الشيطان وذريتها - وهو ولدها عيسى بن مريم فاستجاب اللـه لها.

                    قال رسول اللـه : ((ما من مولود يولد، إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان، إلا ابن مريم وأمه))([2]).

                    فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا أي إنه تقبل نذر أمها حنة وجعل شكلها مليحاً وأعطى لها منظراً بهيجاً ويسر لها أسباب القبـول وقرنهـا بالصالحين من عباده تتعلم منهم العلم والخير والدين فلهذا قال: وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا وما ذلك إلا لأنها كانت يتيمة ويقال أنها كانت سَنَةَ جَدْبٍ فكفلها زوج خالتها لكي تكون تحت رعاية خالتها وحنانها ولا منافاة بين القولين، وقيل أنه زوج أختها وقد ذكر القرآن لنا أيضا وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [ آل عمران: 44 ].

                    أي ما كنت معهم يا محمد لتخبرهم عن معاينة ما جرى، بل أطلعك اللـه عليه كأنك حاضر وشاهد لما كان من أمرهم لما اقترعوا في شأن مريم أيهم يكفل هذه الطاهرة التقية الورعة ليكن له الأجر، فحين خرجت بها حنة إلى بني الكاهن بن هارون أخى موسى عليهما السلام. وقالت هي نذيرة، ولا يدخل المسجد حائض، ولكني نذرتها، وأنا لا أردها إلى بيتي. فقال زكريا: ادفعوها لي فخالتها تحتي، فقالوا: بذلك تطيب أنفسنا لأنها ابنة إمامنا. وقالوا: نقترع وبالفعل اقترعوا ،فما هي القرعة؟!

                    أن يرموا الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة في نهر الأردن وقالوا أي قلم يثبت ولا يجري مع التيار بل يعاكسه هو كافلها وبالفعل حدث ووقع ذلك على قلم واحد ،... ترى من صاحب هذا القلم؟!

                    إنه زكريا عليه السلام... وذلك لحكمة يعلمها اللـه... ويعلمها لنا ألا وهي لتتعلم مريم وتقتبس من النبي الزكي زكريا عليه السلام العلم والفقه وكان إمامهم وكبيرهم وسيدهم وعالمهم ونبيهم حين ذاك.

                    قال تعالى: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا

                    تعجب زكريا من هذا الطهر والزهد والعفاف والتوحيد الذي وصلت به مريم البتول إلى مكانة عالية عند اللـه عز وجل فكلما دخل عليها وجد عندها رزقا.

                    ثم قال لها زكريا عليه السلام: يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا أي من أين لك هذا الرزق؟!

                    قالت البتول الطاهرة: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ أي ذلك لا دخل للمخلوق فيه بل هو من الخالق، وهو يرزق من يريد بغير حدود تحده.



                    وهكذا أيها الأحبة الكرام

                    اصطفى اللـه مريم في بستان الورع بين أزهار التقى والنقاء والعفاف والصلاح، هذه هي الزهرة والنبتة الطيبة، نشأت مريم في هذا المكان وهذا الجو الإيماني الطاهر العفيف فاصطفاها اللـه وبشرها بهذه البشارة التي انفردت بها دون نساء العالمين ويالها من بشارة يالها من خصوصية اختص اللـه بها الطاهرة..

                    إيه يا مريم.... إيه بماذا اختصك ربك؟!

                    يقول الملك:وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:42-43].

                    يا لها من مكانة آثرك بها اللـه دون نساء الدنيا يا مريم!

                    فلم تتوان مريم عن عبادة الرب فظلت البتول ساجدة وراكعة حتى أراد اللـه عز وجل أن يمنحها تلك المكانة الرفيعة من بين أمهات الدنيا

                    قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا [مريم:16-21].

                    وفي يوم من الأيام خلت مريم لنفسها لقضاء شأن من شئون العذراء الخاصة... وفجأه انحبس صوتها وشخص بصرها ،إنها مفاجأة مذهلة تأخذ بالعقول بل وتصدع الأفئدة، بشر سوي في خلوة العذراء البتول الطاهرة. وسرعان ما استغاثت برب الأرض والسموات ولجأت إليه بشدة وقالت: أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا .

                    انظر إلى الفطنة والذكاء والورع! لم تقل أعوذ بالجبار منك ولم تقل أعوذ بالغفار منك وإنما استجاشت الرحمة في قلبه بذكر الرحمن فقالت أعوذ بالرحمن منك، أي ارحم ضعفي! ارحم أنوثتي! ارحم خلوتي!!

                    ولكن قدر اللـه لها مفاجأة أعظم. أن أنطق هذا البشر السوي في خلوة البتول الطاهرة ليقول لها: لا تخافي ولا تحزني فأنا رسول ربك إليك لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا قالت: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا لم أكنْ أبداً صاحبة فاحشة، فهي لم تتصور مطلقا وسيلة للإنجاب غير وسيلة التقاء الرجل بالمرأة وهي لم تتزوج بعد، ولم تفكر أيضا ألبته في الرذيلة، وهنا يأتي الرد القاطع الحاسم فيقول الملك والرسول الكريم قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا .

                    فهنا يقول المولى وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا ءَايَةً لِلْعَالَمِينَ [ الأنبياء:91 ].

                    فهنا حدث أمر غير مألوف ما اعتادت عليه الخليقة فَنَفَخنَا فِيهَا مّن رُوحِنَا لتنجب عيسى عليه السلام، أي نفخ الملك جبريل في أعلى القميص بأمر من اللـه عز وجل وهذا ليبين للخلق طلاقة قدرة الخالق، إنها قدرة لا تحدها حدود، إن من يحاول أن يصل بعقله القاصر إلى حدود قدرة اللـه كمن يحاول أن يكلف نملة أن تنقل جبلاً من مكان إلى آخر وما هي بناقلته إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ يس:82 ].

                    فلا تفكر بعقلك القاصر البتة لتصل إلى منتهى قدرة الملك.

                    إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ آل عمران:59 ].

                    فاللـه لا يعجزه شىء في الأرض ولا في السماوات، فمن الذي خلق السماء بغير عمد ترونها؟!.

                    من الذي خلق الأرض وشق فيها الأنهار والبحار وزينها بالأشجار؟

                    من الذي خلق سنبلةَ القمح وغلفها بهذه الأغلفة الحصينة المكينة؟

                    وجعل فوق كل حبة شوكة؟؟ ولم جعلها هكذا؟!

                    لأن اللـه قدر أن تكون هذه الحبة قوتاً لك أيها الإنسان دون الطيور أو غير ذلك !!

                    من الذي خلق كوز الذرة ورصَّ على قولحته هذه الحبات اللؤلؤية البيضاء بهذا الجمال والإبداع؟!!

                    ومن الذي خلق الإنسان بهذا والجمال والإبداع؟!

                    هو اللـه.... !!! هو اللـه... !!! هو اللـه...!!!

                    هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الحشر:22-23].

                    قل للطبيب تخطفتـه يــد الردى ياشافـي الأمـراض مـن أرداك ؟

                    قل للمريض نجى وعوفي بعد مـا عجــزت فنون الطب من عافاك؟

                    قل للصحيح مات لا من علـــة من يـا صحيـح بالمنايـا دهاك ؟

                    بل سل الأعمى خطاً وسط الزحـام بـلا صدام من ياأعمى يقود خطاك؟

                    بل سل البصير كان يحذر حفــرةً فهوى بهـا مـن ذا الذي أهواك ؟

                    وسل الجنين يعيـش معزولاً بـلا راع ولا مـرعى من ذا الذي يرعاك ؟

                    وســل الوليد أجهش بالبكاء لدى الولادة من الـــــذي أبكاك ؟

                    وإذا ترى الثعبـان ينفـــث سمه فسله من يا ثعبان بالسموم حشاك ؟

                    واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا الســم يملأ فـــــاك ؟

                    واسأل بطـون النحل كيف تقاطرت شهداً وقـــل للشهد من حلاك ؟

                    إنه اللـه.. إنه اللـه.

                    قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا



                    انتهى الأمر وقدره اللـه عز وجل.

                    قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ

                    هو الذي خلق الخلق.. خلق آدم يوم خلقه بلا أب أو أم!! وكذلك خلق عيسى من أم بلا أب!! ليكون للناس دليلا على طلاقة قدرة الخالق.

                    قال تعالى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم:12].

                    ولقد ظهر الحمل.. والراجح من أقوال المفسرين أن الحمل بعيسى كان حملا عاديا تسعة أشهر وأنه لا ريب أن اللـه جلا وعلا كان قادراً ولا زال سبحانه على أن تحمل مريم بعيسى وتضعه في لحظة واحدة، ولكن أراد اللـه بها أن يختبر مدى صبرها ومدى تحملها على هذا الابتلاء العظيم التي لا تستطيع أن تقدر عليه إلا مريم ابنة عمران العذراء البتول، فهذا من تمام الابتلاء.

                    وبدأت بوادر الحمل تظهر على الطاهرة المطهرة، وهنا نظر يوسف النجار - ذلك الرجل الذي كان يخدم بيت المقدس - إلى بطن الطاهرة تعلو يوما بعد يوم ويتعجب ولكن كثيراً ما كان يدفع أي خالجة تمر بذهنه لعلمه بطهر البتول، ولكن ها هي جبلية البشرية قد غلبته، وما استطاع أن يكتم هذه الخوالج عن لبه فقال لها: يا مريم إني سائلك عن شيء ولكن لا تعجلي علي، فقالت الطاهرة العذراء: سل ما شئت يا يوسف وقل قولاً جميلاً. فقال لها يوسف: هل ينبت زرع بلا بذر؟! وهل ينبت شجر بلا غيث أو مطر؟! وهل يكون ولد بغير أب؟!!! فقالت مريم: نعم يا يوسف هو كذلك. قال: وكيف يكون ذلك يا مريم؟!! قالت: ألم تعلم أن اللـه أنبت الزرع يوم أنبته من غير بذر!! وأنبت الشجر يوم خلقه بغير غيث أو مطر، وخلق آدم يوم خلقه بغير أب أو أم!!قال يوسف: أعلم أن اللـه على كل شيء قدير! اللـه أكبر..



                    قال اللـه تعالى: فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَموتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّاُ [مريم:22- 33].

                    هكذا قال عيسى الذي ما زال في المهد لا حول له ولا قوة له إلا باللـه أنا عبد اللـه، وأعطاني الإنجيل وجعلني نبياً، وأمرني بالصلاة، والزكاة ما دامت بي حياة، ومحسناً إلى العذراء أمي، ولم يجعلني من الجبارين في الأرض ولا من الأشقياء.

                    ويكمل لنا القرآن قصة عيسى عليه السلام ويقول: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [مريم:34 - 36].

                    تعالى اللـه عما قاله النصارى فالكمال صفة من صفاته! أيحق له أن يتخذ ولداً؟!

                    ولِمَ يتخذ ولد وهو الغني عن خلقه ولن تغنى الخليقة عنه؟!!

                    فاللـه هو الغني عن الولد والصاحب والزوج.

                    فيا عبـاد المسيـح لنـــا سؤال نريد جــوابه ممن وعـــــاه

                    إذا مات الإلهُ بصنــــــــع قــوم أماتوه فهل هـــذا إله ؟!

                    ويــا عجــباً لقبـر ضم ربـاً وأعجب منه بطن قـــد حــواه

                    أقام هناك تسعــاً مــن شـهور لدى الظلمات مـن حيــض غزاه

                    وشق الفرج مـولوداً صغيـــراً ضعيفــــاً فاتحاً للثـــدي فاه

                    ويأكل ثــم يشرب ثم يأتـــي بلازم ذاك هـــل هــذا إله ؟!

                    تعالى اللـه عـن إفـك النصارى سيســأل كـلهم عمـــا افتراه

                    وصدق اللـه إذا يقول قل هو اللـه أحد يا من تشركون باللـه... فاللـه لا ند له.. ولا كفء له.. ولا شبيه له.. ولا زوج له... ولا ولد له ولا والد له لَيسَ كَمثْلِه شَيءٌ وَهُو السَّمِيعُ البَصِير [الشورى:11].

                    الخطبة الثانية

                    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

                    أما بعد : أيها الأحبة الكرام :

                    أحبتي في اللـه: أرى أنه من الجمال أن أختم هذا العنصر بهذا الحوار المبارك الجميل الذي برىء به ربنا ساحة نبيه عيسى عليه السلام.

                    قال اللـه تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:116 - 118].



                    ثانياً: بل رفعه اللـه إليه

                    زعـم اليهـود عليهم لعائن اللـه المتتابعة أنهم قتلوا عيسى بن مريم وصلبوه، وزعم النصارى بجهل وغباء أن عيسى صلب وقتل ودفن وخرج من قبره بعد ثلاثة أيام وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الرب أبيه، وهو ينتظر إلى يوم الخلاص ليقضى بين الأحياء والأموات!! كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا

                    فبين اللـه الحق وكذب اليهود والنصارى فقال سبحانه وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [النساء:157 - 159].

                    قال أهل التفسير: إن اللـه عز وجل لما أراد أن يرفع نبيه عيسى إلى السماء بعد ما انطلق اليهود لقتله ألقى اللـه شبه عيسى على يهوذا الأسخريوطي الخائن الذي أخذ اليهود ليدلهم على مكان عيسى فابتلاه اللـه فألقى عليه شبه عيسى فأخذه اليهود فقتلوه وصلبوه وهذا قول.

                    والقول الآخر: ثبت عن ابن عباس بسند صحيح كما روى ابن أبي حاتم والنسائي بسند صححه الحافظ ابن كثير في تفسيره لسورة النساء.

                    قال ابن عباس رضي اللـه عنهما: "لما أراد اللـه أن يرفع عيسى خرج إلى بيت فيه إثنى عشر رجلا من الحوارين فقال: نبي اللـه عيسى: إن منكم من سيكفر بي بعد أن آمن بي، ثم قال لهم: أيكم يقبل أن يلقى عليه شبهى ليقتل مكاني ليكون معي في درجتي في الجنة فقام شاب أحدثهم سناً (أصغر الجالسين) فقال له: أنا، فقال: اجلس، فجلس، ثم أعاد عيسى القول مرة ثانية فقام نفس الشاب فقال له: اجلس فجلس، ثم أعاد عيسى قوله للمرة الثالثة فقام نفس الشاب فقال عيسى هو أنت فألقى اللـه على هذا الشاب شبه عيسى ورفع اللـه عيسى إلى السماء".

                    وجاء الطلب من اليهود أي الذين يطلبون عيسى لقتله فأخذوا هذا الشاب فقتلوه فصلبوه فكفر بعض أتباع عيسى ممن آمنوا به كما ذكر لهم قبل قليل.

                    ثم ينزل اللـه عز وجل عيسى بعد ذلك لحكم عديدة خذوا منها:

                    أن اللـه تبارك وتعالى سينزل عيسى عليه السلام ليكذب اليهود الذين زعموا أنهم قتلوه، وليكذب النصارى الذين جهلوا هذه الحقيقة، وليبين للناس جميعا أن محمدا وأن الموحدين معه من أمته أولى الناس بعيسى عليه السلام لأنه سيحكم العالم كله بكتاب اللـه وبشريعة محمد رسول اللـه .

                    سينزل عيسى ليموت في الأرض فما قولك إذاً في قول اللـه تعالى: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [آل عمران: 55].

                    والجواب كما قال جمهور المفسرين :

                    أن الوفاة في الآية معناها الوفاة الصغرى وهي النوم كما في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ [الأنعام:60].

                    وكما في قوله: اللَّـهُ يَتَوفَّىالأنْفسَ حِينَ مَوتِهَا [الزمر:42].

                    أي في منامها كما في قول المصطفى إذا استيقظ من منامه: ((الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور))([1]).

                    إنى متوفيك أى ألقى اللـه عليه سِنَةً من النوم، وهذه هي الوفاة الصغرى باتفاق ثم رفعه اللـه عز وجل ثم ينزله اللـه تبارك وتعالى في الوقت الذي يشاء.

                    ثالثاً: نزول عيسى عليه السلام إلى الأرض من السماء.

                    بين اللـه جل وعلا أنه رفع عيسى إليه إلى يوم الوقت المعلوم الذي سينزل فيه إلى الأرض مرة أخرى ليكون علامة كبرى من العلامات الدالة على قيام الساعة فقال في قرآنه: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرض يَخْلُفُونَ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [الزخرف: 57-61].

                    انتبه جيدا ففي قراءة ابن عباس ومجاهد وإنه لعلم للساعة أي نزول عيسى أمارة وعلامة على قيام الساعة. بل وروى ابن جرير بسند صحيح أن ابن عباس رضي اللـه عنهما قال: وَإِنَّهُ لَعلمُ لِلسَاعَةِ أى خروج عيسى عليه السلام، فإن نزل فهذه علامة كبرى تدل على قرب قيام الساعة، وقال اللـه تعالى في الآية التي ذكرت آنفا وَإِنَّ مِّن أَهلِ الكِتَابِ إِلا لَيُؤمِنَنَّ بِهِ قَبلَ مَوتِهِ أى قبل موت عيسى عليه السلام.

                    وقد بينت السنة الصحيحة المتواترة نزول عيسى عليه السلام إلى الأرض من السماء.

                    ففى الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي قال: ((والـذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم عيسى بن مريم حكمـاً مقسـطاً فيكسـر الصليـب ويقتل الـخنزيـر ويضع الـجزيـة ويفيـض المال حتى لا يقبله أحد))([2]).

                    وانظر ماذا قال الحبيب في الحديث الذي رواه أبو داود في سننه بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي اللـه عنه قال رسول اللـه عليه وسلم: ((ليس نبى بينى وبين عيسى بن مريم وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، إنه رجل مربوع ليس بالطويل ولا بالقصير ولا بالسمين ولا بالنحيف مائل إلى الحمرة والبياض كأن رأسه يقطر ماء من غير بلل))([3]).

                    وفى رواية النواس بن سمعان في صحيح مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة أنه قال: ((ينزل عيسى عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين)) في الرواية الأولى التي ذكرت آنفا ((بين ممصرتين)) أي ثوبين مصبوغين بصفرة خفيفة يسيرة ((واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفع رأسه تحدر منه جمان كحبات اللؤلؤ)). يتوجه نبى اللـه عيسى من دمشق إلى بيت المقدس وقد أقيمت الصلاة فإذا رأى الإمام الفطن الذكى اللبق نبى اللـه عيسى عرفه وتقهقر للخلف ليتقدم نبى اللـه عيسى فيقول له نبى اللـه: لك أقيمت فإن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللـه لهذه الأمة فيصلى نبى اللـه عيسى خلف إمام المسلمين فإذا انتهوا من الصلاة انطلق نبى اللـه عيسى إلى باب بيت المقدس وأمرهم أن يفتحوا الباب فإذا فتحوا الباب رأوا الدجال خلف الباب ومعه سبعون ألف من اليهود بالسيوف فإذا نظر الدجال إلى نبى اللـه عيسى ذاب كما يذوب الملح في الماء فيريد الدجال أن يهرب فيتبعه نبى اللـه عيسى ويدركه عند باب لد مدينة معروفة الآن بفلسطين فيقتله، ويريح الناس من شره.

                    قال المصطفى قولاً عجيباً كما في مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان وصحح السند الحافظ ابن حجر من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه وفيه أن رسول اللـه قال: ((فيهلك في زمان عيسى الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك اللـه المسيح الدجال، وتنزل الأمنة في الأرض حتى ترعى الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم))([4]).

                    استحلفك باللـه أن تنظر لبداية الحديث يقول الرسول تهلك كل الملل إلا الإسلام...

                    سبحان اللـه..!! واللـه أكبر!!

                    أبشر أيها الموحد.. أبشر يا من تحب " لا إله إلا اللـه ".

                    نعم واللـه ستهلـك كـل الأديـان إلا الإسـلام إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الإسْلام [آل عمران:19].

                    وانظر مرة أخرى ومحص النظر.

                    ترعى الأسود مع الإبل...!! والنمار مع البقر...!!

                    والذئاب مع الغنم...!!

                    وفي رواية أبي أمامة وسندها صحيح قال المصطفى : ((فيكون الذئب مع الغنم كأنه كلبها ويمر الوليد على الأسد فلا يضره وتمر الوليدة على الحية فلا تضرها، رفع الظلم واستقر الأمن والأمان والرخاء وزادت البركة حتى تنزل الأمنة في الأرض))

                    بل في رواية النواس بن سمعان قال : ((فيقال للأرض أنبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل (اللبن) حتى أن اللقحة (الوليدة التي وضعت ولدها) من الإبل لتكفي الفئام من الناس (الجماعة) واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفي الفَخِذَ من الناس.... ))([5]) سبحان اللـه..!!

                    وهكذا تعيش الأرض حالة لا نسيج لها في التاريخ كله، حتى قال المصطفى في الحديث الذي رواه الديلمي والضياء المقدسي وصححه في الصحيحة الألباني من حديث أبي هريرة أن الحبيب النبي قال: ((طوبى لعيش بعد المسيح، طوبى لعيش بعد المسيح، يؤذن للسماء في القطر ويؤذن للأرض في النبات حتى إذا بذرت حبك على الصفا لنبت ولا تشاحن ولا تحاسد، ولا تباغض، حتى يمر الرجل على الأسد ولا يضره ويطأ على الحية فلا تضره، ولا تشاح ولا تحاسد ولا تباغض))([6]).



                    الدعـــاء

                    ====================

                    ([1])

                    رواه
                    مسلم رقم (2901) في الفتن ، باب مايكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال ، وأبو داود رقم (4311) في الملاحم ، باب أمارات الساعة ، والترمذى رقم (2184) في الفتن ، باب ماجاء في الخسف .



                    ([2]) رواه أحمد رقم (7182) ومسلم رقم (2366) في الفضائل ، باب فضل عيسى بن مريم وهو في صحيح الجامع رقم (5785).



                    ([1]) رواه البخارى رقم (6312) في الدعوات باب ما يقول إذا نام ، والترمذى رقم (3413) في الدعوات باب ما يدعو به عند النوم ، وأبو داود رقم (5049) في الأدب باب ما يقال عند النوم .



                    ([2]) رواه البخاري رقم (2222) في البيوع ، باب قتل الخنزير ، ومسلم رقم (155) في الإيمان ، باب نزول عيسى بن مريم حاكماً بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأبو داود رقم (4324) في الملاحم باب خروج الدجال ، والترمذى رقم (2234) في الفتن ، باب ما جاء في نزول عيسى عليه السلام .



                    ([3]) رواه أبو داود رقم (4324) في الملاحم ، باب خروج الدجال ، وصححه الألبانى في الصحيحة (2182) وهو في صحيح الجامع رقم (5389) .



                    ([4]) مسند أحمد رقم (8902) .



                    ([5]) رواه مسلم رقم (2937) في الفتن وأشراط الساعة ، باب ذكر الدجال .



                    ([6]) صححه شيخنا الألبانى ، في الصحيحة حديث رقم (1926) .



                    تعليق


                    • #11
                      الشمس والدابة والدخان والخسوف

                      إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.. أدَّى الأمانةَ، وبَلَّغَ الرسالةَ، ونَصَحَ الأمةَ، وكشف الله به الغمة ، جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصلى اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين...
                      أما بعـد:-

                      فحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وذكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور.
                      طبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا.
                      حياكم الله جميعاً وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنى وإياكم في الدنيا دائما وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار كرامته.
                      إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شىء قدير..

                      أما بعـد:-

                      فإن أصدق الحديث كتاب الله ،وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

                      أحبتى فى اللـه:



                      هذا هو لقاءنا السابع مع السلسة الكريمة فى رحاب الدار الآخرة وما زلنا بحول اللـه ومدده نتحدث عن العلامات الكبرى للساعة والتى ذكرها الحبيب المصطفى فى حديثه الصحيح الذى رواه مسلم من حديث حذيفة ابن أسيد الغفارى رضى اللـه عنه قال: اطلع علينا النبى ونحن نتذاكر فقال المصطفى : ((ما تذاكرون)) قالوا: نذكر الساعة، فقال ( إنهـا لـن تقـوم حتـى تـروا قبلهـا عشـر آيـات فـذكر الدخان والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى عليه السلام، ويأجـوج ومأجـوج، وثلاثـة خسوف، خسـف بالمشرق، وخسـف بالمغـرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تسوق الناس إلى محشرهم))([1]).

                      وسأتحدث اليوم إن شاء اللـه تعالى عن بقية العلامات الواردة فى الحديث نظراً لأن المادة العلمية الصحيحة فى بقية هذه العلامات قليلة.

                      طلوع الشمس من مغربها

                      أيها الأحبة الكرام:

                      إن الشمس منذ أن خلقها اللـه عز وجل تشرق من المشرق وتغرب فى المغرب بصورة متكررة منتظمة لا تتخلف يوماً ولا تتأخر بصورة تطالع الأنظار والمدارك لتستنطق الفطرة السوية للإنسان بوحدانية الرحيم الرحمن، قال جل وعلا:

                      وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَـازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُل فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون [ يس: 38-40]

                      لا ريب أنها أية من الآيات التى تستنطق الفطرة السليمة النقية بوحدانية اللـه جل وعلا، علامة بارزة على قدرة اللـه.

                      ولذا نرى نبى من أنبياء اللـه - خليل اللـه إبراهيم - قد تحدى بهذه الآية طاغوتاً من طواغيت أهل الأرض وسجل اللـه جل وعلا ذلك فى كتابه الحكيم:

                      أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ ءَاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258].



                      انظر أيها الحبيب كيف تحدى الخليل الطاغية النمرود بن كنعان، إذ يقول إبراهيم: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ .

                      فيرد الجاهل الطاغية المجرم: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ .

                      ولكن أين يذهب هذه الغر الجاهل أمام نور النبوة الباهر، إذ قال له الخليل بذكاء النبوة ونورها الباهر: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .

                      فالشمس منذ خلقها اللـه تشرق من الشرق وتغرب فى الغرب بصورة منتظمة متكررة لا تكاد تتخلف أو تتأخر فى يوم من الأيام حتى إذا جاء الوعد الموعود استأذنت الشمس ربها أن تشرق كعادتها من المشرق فلا يأذن لها!!

                      ففى صحيح مسلم من حديث أبى ذر الغفارى أن النبى قال لأصحابه يوماً والشمس تغرب: (( أتدرون أين تذهب هذه الشمس ؟!)) قالوا اللـه ورسوله أعلم فقال المصطفى : ((إن هذه تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة لله جل وعلا فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعى، ارجعى من حيث جئت، فترتفع، فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة لله عز وجل فلا تزال كذلك حتى يقال لهـا: ارتفعـى ارجعى من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ( أى المشرق ) فلا تزال كذلك لا يستنكر الناس منها شيئاً حتى تجرى ثم تسـتقر فى مكانها تحت العرش فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعى، ارتفعى اصبحى طالعة من مغربك، فتصبح الشمس طالعة من مغربهــا))([2]).

                      لا تتعجب فكل شئ فى هذه الكون يسجد لله.



                      قال جل فى علاه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيـرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَــاءُ [الحج:18].

                      فكل شئ فى الكون يسجد لرب الأرض والسماوات إلا كفرة الجن والإنس.

                      انظر إلى الكون كله من عرشه إلى فرشه، ومن سمائه إلى أرضه لتتعرف على وحدانية اللـه، وعظمة الخالق جل فى علاه.

                      انظر إلى السماء وارتفاعها، والأرض واتساعها، والجبال وأثقالها والأفلاك ودورانها، والبحار وأمواجها.

                      انظر إلى كل متحرك وساكن، واللـه إن الكل يقر بتوحيد اللـه ويعلن السجود لله ولا يغفل عن ذكر مولاه إلا من كفر من الجن والإنس ولا حول ولا قوة إلا باللـه.



                      انظـر لتلـك الشجرة ذات الغصون النضرة

                      كيف نمت من حبـة وكيف صارت شجرة

                      ابحث وقل:

                      من ذا الــذى يخـرج منهــــا الثمـرة؟! ذاك هــو اللـــه

                      الـذى أنعمـه منهمـرة ذو حكمـة بـالغــة وقـدرة مقتــدرة

                      وانظر إلى الشمس التى جذوتها مستعرة فيها ضياء وبها حرارة منتشرة

                      ابحث وقل:

                      مـن ذا الذى يخــــــرج منها الشـررة؟! ذاك هـــو اللـه

                      الذى أنعمــه منهمـــرة ذو حكمـة بالغة وقــــدرة مقتــــدرة

                      الشمس والبــدر مــن آيـات قدرته والبـر والبحر فيـض من عطاياه

                      الطير سبحــــه والوحــش مجده والموج كبــره والحــوت ناجاه

                      والنمل تحت الصخور الصـم قدسه والنحل يهتـف له حمداً فى خلاياه

                      والناس يعصونـه جهـــرا فيسترهم والعبد ينســى وربـى ليس ينساه



                      اصبحى أيتها الشمس طالعة من المغرب فتسرع الشمس على الفور لتنفيذ أمر العزيز الحميد فتصبح طالعة من المغرب، انظر إلى هذا العجب !!

                      وضح هذه المعنى رواية ابن مردويه بسند حسن بالشواهد من حديث عبد اللـه بن أبى أوفى أن الصادق المصدوق قال: ((يأتى على الناس ليلة تعدل ثلاث ليالٍ من لياليكم، فإذا كان ذلك يعرفها المتنفلون، يقوم أحدهم فيقرأ حزبه ثم ينام ثم يقوم فيقرأ حزبه، ثم ينام فيفزعون إلى المساجد فإذا هم يرون الشمس قد طلعت من مغربها))([3]).

                      انظر ماذا قال المصطفى الكريم فإذا كان كذلك يعرفها المتنفلون: أى يعرفها القائمون بالليل لله رب العالمين !

                      اللـه أكبر!!!. . ما الذى يترتب على هذه الآية العظيمة ؟!

                      الذى يترتب على ذلك أن المصطفى قال فى رواية أبى ذر التى ذكرتها آنفا قال:

                      ((أتدرون متى ذاكم؟!)) أى أتدرون متى تطلع الشمس من مغربها ؟! قالوا: اللـه ورسوله أعلم، قال: ((ذاك حين لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [ الانعام: 158 ])).

                      قال المصطفى ((إذا طلعت الشمس من مغربها ورآها الناس آمنوا كلهم أجمعون ))([4]).

                      ولكن هيهات هيهات !!.

                      وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أنه قال: ((ثـلاث إذا خرجـن لا ينفـع نفساً إيـمانهـا لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيراً، طلـوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض))([5]).

                      أيها الحبيب أذكر نفسى وأذكرك بالمبادرة بالتوبة والأوبة إلى اللـه عز وجل قبل أن يغلق اللـه باب التوبة علينا.

                      فإن المصطفى يقول والحديث رواه أحمد بسند صحيح قال: ((لا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت من مغربها طبع على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل))([6]).

                      أيها اللاهى. . أيها الساهى. . أيها الغافل. . أيها المضيع للتوحيد. . أيها المضيع للصلاة. . أيها المضيع للزكاة. . أيها العاق لوالديه. . أيها المنصرف عن اللـه:



                      دع عنك ما قد فات فى زمن الصبا


                      واذكر ذنوبـــك وأبكها يا مذنب

                      لم ينسـه الملكــان حيـن نسيته


                      بـل أثبتـــــاه وأنت لاه تلعب

                      والروح منك وديعــة أودعتهــا


                      ستردها بالرغــم منــك وتسلب

                      وغرور دنيـاك التــى تسعى لها


                      دار حقيقتهـا متـــــاع يذهب

                      الليل فاعلم و النهار كلاهمــــا


                      أنفاسنـا فيهما تعـد وتحســـب

                      قال المصطفى : كما فى صحيح مسلم من حديث أبى موسى الأشعرى:

                      ((إن اللـه عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسىء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها))([7]).

                      هنيئاً لمن طلعت الشمس عليه من مغربها وهو مستقيمُ على طاعة اللـه، اللـهم اجعلنا من أهل التوحيد والإيمان والاستقامة ووفقنا للعمل الصالح الذى يرضيك يا رب العالمين.

                      قال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32].



                      الدابة

                      قال جل وعلا: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82].

                      دابة تتكلم ‍‍!! دابة تنطق !! تكلم الناس كلاماً مفهوماً واضحاً، بل وتقيم عليهم الحجة وتذكرهم بأنهم كانوا لا يوقنون بآيات اللـه وكانوا لا يصدقون بها.



                      قال المصطفى والحديث رواه مسلم من حديــث عبد اللـه بن عمر: ((أول أشراط الساعة طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على النـاس ضحى، فأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريباً))([8]).

                      الدابة أمر عجب. . أمر مذهل. . لو تدبرته كاد قلبك أن ينخلع، دابة تخرج تجوب الأرض كلها، تفرق الدابة بين المؤمن والكافر، وتعلم المؤمن بعلامة وتعلم الكافر بعلامة، تسم الكافر على أنفه فيسود وجهه، وتسم المؤمن فيضئ وجهه كأنه كوكب درى. . أمر عجب !!

                      ورد فى الحديث الذى رواه أحمد فى مسنده وصححه شيخنا الألبانى أن الحبيب النبى قال: ((تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم))([9]) أى تعلم الناس على الأنوف.

                      بل وخذ هذا الحديث العجيب الذى رواه أحمد فى المسند والترمذى فى السنن وللأمانة العلمية التى اتفقنا عليها وأَصَّلناها من قبل أقول إن الشيخ الألبانى - حفظه اللـه – قد ضعف إسناد الحديث ومدار تضعيف الألبانى على علىّ بن زيد بن جدعان قال الألبانى فيه ضعف إلا أن العلامة أحمد شاكر قد صحح إسناد الحديث فقال على بن زيد بن جدعان مختلف فيه والراجح توثيقه وقال عن الحديث الإمام الترمذى حديث حسن قال : ((تخرج الدابة ومعها عصى موسى وخاتم سليمان فتسم أنف الكافر - أى تعلم أنف الكافر - وتجلو وجه المؤمن)) ويضئ وجه المؤمن كأنه كوكب درى، ((حتى أن أهل الخوان الواحد - أى المائدة - يجتمعون على طعامهم فيقول هذا يا مؤمن ويقول هذا يا كافر))([10]). لأن الدابة بينت وأوضحت الحقيقة وميزت المؤمن من الكافر.

                      غالى بعض المصنفين - أقولها بصراحة - فى وصف الدابة وأعطوا لخيالهم العنان فوصفوا الدابة وصفاً درامياً خيالياً عجيباً، فمنهم من قال رأسها رأس ثور وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل، وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد وقوائمها قوائم بعير إلى آخر هذا الوصف الدرامى.



                      الخطبة الثانية

                      أما بعد:

                      الدخـــان:

                      والدخان هو آخر العلامات التى سيشهدها المؤمن على ظهر الأرض، وبقية العلامات هذه لا يراها المؤمن ولا يشهد عذابها الموحدون، بل هذه العلامات التى سأذكرها الآن لا تقوم إلا على الكفرة الفجرة من شرار الخلق.



                      الدخان علامة كبرى:

                      قال عبد اللـه بن مسعود رضى اللـه عنه: إن هذا الدخان كان علامة من العلامات التى وقعت فى الدنيا بدعاء النبى على المشركين.

                      والدخان هنا قد وقع بالفعل ولكن الدخان الوارد فى حديث حذيفة بن أسيد الغفارى الذى هو علامة من علامات الساعة الكبرى، يختلف تمام الاختلاف عن هذه العلامة التى رآها المشركون فى مكة بدعاء الصادق المصدوق قال تعالى فى حق هذه العلامة: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ([1])يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الدخان:10-11].

                      إذا خرج الدخان لا يقبل اللـه التوبة كما ذكرت.

                      فإذا خرج الدخان يبعث اللـه ريحاً ألين من الحرير تقبض هذه الريح أرواح المؤمنين من على ظهر الأرض، فلا يبقى على ظهر الأرض مؤمن.

                      يقول المصطفى : ((فلا تدع أحداً فى قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته ويبقى على الأرض شرار الخلق))([2]) الكفرة الفجرة ممن لا يؤمن باللـه عز وجل.

                      كما فى صحيح مسلم من حديــث عبـد اللـه بن مسعود أن النبى قال: ((لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق))([3]).

                      فى رواية مسلم من حديث أنس أنه قال: ((لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض اللـه)).

                      لا يقال فى الأرض (اللـه) لأن الموحدين قد قبضوا فلا يبقى إلا الكفرة وهؤلاء لا يعرفون اللـه ولا يوحدون اللـه جل وعلا وعلى هؤلاء تقوم الساعة بل تظهر بقية العلامات الكبرى التى هى عذاب فى عذاب وبلاء فى بلاء.

                      ما هى هذه العلامات ‍؟!!



                      الخسوف الثلاثة

                      الخسف الأول بالمشرق:

                      يقع الخسف بالمشرق والخسف كما هو معلوم انشقاق الأرض قال تعالى حكاية عن قارون: فَخَسفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ [القصص:81].

                      فيقع خسف بالمشرق على شرار الخلق بعد أن قبض اللـه أرواح المؤمنين.

                      الخسف الثانى بالمغرب والخسف الثالث بجزيرة العرب، وبعد هذه الخسوف تخرج العلامة الأخيرة من علامات الساعــة الكبرى ألا وهى نار تخرج من قعر مدينة عدن (المعروفة الآن باليمن) فتطرد الناس جميعاً إلى محشرهم.

                      وفى رواية البخارى من حديث أنس أن عبد اللـه بن سلام رضى اللـه عنه قال: لما نظرت إلى وجه النبى عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب فآمن بالنبى - والشاهد. . أن عبد اللـه بن سلام سأل النبى عن أسئلة جيدة من بين هذه الأسئلة سأله عن أول أشراط الساعة فقال المصطفى : ((نار تخرج من قعر عدن تحشر الناس من المشرق إلى المغرب))([4]).

                      وقد يلمح طالب العلم الفطـن تعارضـاً ظاهراً بين النصين لكن لا تعارض فقـول المصطفى فى رواية حذيفة: ((وآخر ذلـك نـار)) أى أنهـا العلامـة التى إن وقعت وقعت القيامة بعدها بالنفخ فى الصور والبعث من القبـور.

                      يقول المصطفى والحديث رواه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة: ((يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير وعشرة على بعير، ويحشُرُ بَقيَّتَهُم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسى معهم حيث أمسوا))([5]).

                      قال القرطبى الحشر هو الجمع وهو أربعة أنواع الحشر الأول والثانى فى الدنيا والحشر الثالث والرابع فى الآخرة.

                      أما الحشر الأول: فهو المذكور فى قوله تعالى فى سورة الحشر: مَا ظَنَنتُم أَن يخْرُجُوا [الحشر:2].

                      الحشر الثانى: هو الحشر الوارد فى حديث حذيفة وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم، إذاً حشر النار للناس لا يكون إلا فى الدنيا.

                      الحشر الثالث: حشر الناس من القبور وغيرها بعد البعث.

                      الحشر الرابع: حشر الناس إلى الجنة أو إلى النار نسأل اللـه أن يجعلنى وإياكم من أهل الجنان.

                      إذ الذى عليه جمهور المحققين من العلماء أن الحشر الوارد فى حديث حذيفة الذى هو علامة من علامات القيامة الكبرى لا يكون إلا فى الدنيا والدليل الصحيح الصريح على ذلك أن النبى قد ذكر أن الحشر فى الآخرة يحشر فيه المؤمنون والكافرون حفاة عراة غرلا كما فى الصحيحين من حديث عائشة أن النبى قال: ((تحشرون حفاة عراة غرلا)) قالت عائشة يا رسول اللـه الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! فقال المصطفى : ((يا عائشة الأمر أشد من أن يهمهم ذلك))([6]).

                      وفى رواية أنس قال: ((يا عائشة لقد نزلت على آية لا يضرك أكان عليك ثياب أم لا)) فتلى النبى لِكلِ امْرِئِ يَومَئذٍ شَأنٌ يغْنِيهِ [ عبس: 37 ].



                      مثل وقوفـك يوم العرض عُريانا مستوحشـاً قلـق الأحشاء َحْيرانا

                      والنار تلهب من غيظ ومن حنــق على العصاة ورب العرش غضبانا

                      اقـرأ كتابك ياعبدُ علـــى مَهَلٍ فهـل ترى فيه حرفـاً غير ما كان

                      فلما قرأت ولم تنكـر قراءتـــه أقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا

                      نـادى الجليل خذوه يا ملائكتــى وامضوا بعبدٍ عصى للنار عطشانا

                      المشركون غـداً فى النار يلتهبوا والموحـدون بـدار الخلدُ سُكَّانـا



                      وهكذا تنتهى علامات الساعة الكبرى التى ذكرها المصطفى فى حديث حذيفـة بـن أسيد الغفارى الذى كنا معه طيلة اللقاءات الأربع الماضية لكن هنـاك عـلامة أخرى عجيبة غريبة قد تنزل الآن على القلوب فتهز القلوب هزاً لم تـرد فى حديث حذيفة، ترى ما هى هذه العلامة العجيبة الغريبة ؟!!



                      إنها هدم الكعبة الشريفة حجراً حجرا. .

                      الكعبة بيت اللـه الذى تهوى إليه الأفئدة وتحن القلوب إليه الذى قال فى حقه علام الغيوب:

                      وَإِذْ جَعَلنَا البَيتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمنًا [البقرة:125].

                      مثابة للناس: أى لا يملون منه كلما نظروا إليه وإذا انصرفوا عنه تجدد الشوق إليه وازداد الحنين لزيارته ورؤيته.

                      إن من علامات الساعة الكبرى هدم البيت الحرام ونقضه حجراً حجرا.

                      قلت قبل ذلك: أن عيسى بن مريم على نبينا وعليه الصلاة والسلام لما ينزل إلى الأرض يقتل الدجال عليه من اللـه ما يستحقه، ويدعو اللـه أن يهلك يأجوج ومأجوج فيستجيب اللـه دعاءه، فيهلك يأجوج ومأجوج ويرسل المطر فنقى الأرض، فأصبحت كالزُلقة أو الزَلقة أو الزُلفة أو الزَلفة أى كالمرآة فى صفائها ونقائها، خرجت البركة من الأرض تنزلت الرحمات وحلت البركات، وعاش الناس فى أمن وسلام فى وجود نبى اللـه عيسى، فيذهب نبى اللـه عيسى ليحج البيت الحرام.

                      إذاً معنى ذلك أن يبقى الحج حتى فى عهد نبي اللـه عيسى، فإذا ما قدر اللـه على عيسى الموت.

                      فيموت نبى اللـه عيسى فى المدينة المنورة ويصلى عليه المسلمون من أمة محمد ويدفنون نبى اللـه عيسى مع الحبيب المصطفى فى الحجرة المباركة، وبعد ذلك تقع العلامات التى ذكرت الآن ولا يبقى إلا شرار الخلق، تمحى آيات اللـه من المصحف، لا يقول أحد كلمة لا إله إلا اللـه فلا يحجون البيت بل ولا يعرفون عن البيت شيئاً، من بين هؤلاء الأشرار رجل من الحبشة، هل تصدق أن الحبيب وصف شكله وكأنه ينظر إليه وهو يهدم الكعبة ؟؟

                      يقول المصطفى : ((لا تقوم الساعة حتى يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة))([7]).

                      رجل يقال له ذو السويقتين من الحبشة، بل وفى رواية البخارى من حديث ابن عباس قال المصطفى: ((كأنى أنظر إليه أسود أفحج([8]) ينقض الكعبة حجراً حجرا))([9]).

                      وبهذا تنتهى الحياة الدنيا بحلوها ومرها، بحلالها وحرامها، بخيرها وشرها ولا يبقى إلا الكفرة من شرار الناس وعليهم تقوم الساعة وذلك بعد أن يأمر اللـه جل وعلا إسرافيل أن يلتقم الصور وأن ينفخ النفخة الأولى ألا وهى نفخة الفزع مصداقاً لقوله جل وعلا: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرض إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ [النمل:87].

                      وأقف عند هذه المشهد لأواصل الحديث إن شاء اللـه تعالى عن بقية المراحل التى تأخذ القلوب والألباب واللـه أسأل أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض.



                      ....... الدعـاء.





                      ([1]) رواه مسلم رقم (2901) ، فى الفتن، باب ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال ، وأبو داود رقم (4311) ، فى الملاحم ، باب أمارات الساعة ، والترمذى رقم (2184) ، فى الفتن ، باب ما جاء فى الخسف.



                      ([2]) رواه البخارى رقم (4802) ، فى تفسير سورة يس ، وفى بدء الخلق ، باب صفة الشمس والقمر ، ومسلم رقم (159) ، فى الإيمان ، باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان ، والترمذى رقم (3225) ،فى التفسير ، باب ومن سورة يس .



                      ([3]) رواه ابن مردويه بسند حسن .



                      ([4]) رواه البخـارى رقـم (6506) ، فى الرقاق ، باب قول النبى : ((بعثت أنا والساعة كهاتين)) ، ومسلم رقم (157) ، فى الإيمان ، باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان ، وأبو داود رقم (4312) ، فى الملاحم ، باب أمارات الساعة .



                      ([5]) رواه مسلم رقم (158) ، فى الإيمان ، باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان ، والترمذى رقم (3074) ، فى التفسير ، باب ومن سورة الأنعام .



                      ([6]) رواه أبو داود ، فى البيعة ، باب ذكر الاختلاف ، وصححه الألبانى ، فى الإرواء (1208) ، وهو فى صحيح الجامع رقم (7469) .



                      ([7]) رواه مسلم رقم (2760) ، فى التوبة ، باب غيرة الله تعالى ، وهو فى صحيح الجامع رقم (1871) .



                      ([8]) رواه مسلم رقم (2941) ، فى الفتن ، باب خروج الدجال ومكثه فى الأرض ، وأبو داود رقم (4310) فى الملاحم ، باب أمارات الساعة .



                      ([9]) رواه أحمد رقم (22209) ، وأبو داود ، وهو فى صحيح الجامع رقم (2927) .



                      ([10]) رواه وأبو داود رقم (3186) فى التفسير ، باب ومن سورة النمل .



                      ---------------------------------------------------



                      ([1]) مبين : واضح بيّن .



                      ([2]) رواه مسلم رقم (1924) ، فى الإمارة ، باب قوله : ((لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم)) .



                      ([3]) رواه مسلم رقم (2949) ، فى الفتن ، باب قرب الساعة .



                      ([4]) رواه البخارى ، فى الهجرة فى قصة إسلام عبد الله بن سلام .



                      ([5]) رواه البخــارى رقم (6522) ، فى الرقاق ، باب كيف الحشر ، ومسلم رقم (2861) ، فى الجنـة ، بـاب فنــاء الدنيـا وبيــان الحشر يوم القيامة ، والنسائى (4/115،116) فى الجنائز ، باب البعث .



                      ([6]) رواه البخارى رقم (6527) ، فى الرقاق ، باب الحشر ، ومسلم رقم (2859) ، فى الجنـة ، بـاب فنـاء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة ، والنسائى (4/114) ، فى الجنائز باب البعث .

                      ([7]) رواه البخارى رقم (1596) ، الحــج ، باب هدم الكعبة ، ومسلم رقم (2909) ، فى الفتن ، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء ، والنسائى

                      (5/216) ، فى الحج ، باب بناء الكعبة .



                      ([8]) أفحج : متسع ما بين ساقيه .



                      ([9]) رواه البخارى رقم (1595) ، فى الحج ، باب هدم الكعبة .



                      تعليق


                      • #12
                        الشمس والدابة والدخان والخسوف

                        إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.. أدَّى الأمانةَ، وبَلَّغَ الرسالةَ، ونَصَحَ الأمةَ، وكشف الله به الغمة ، جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصلى اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين...
                        أما بعـد:-

                        فحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وذكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور.
                        طبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا.
                        حياكم الله جميعاً وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنى وإياكم في الدنيا دائما وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار كرامته.
                        إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شىء قدير..

                        أما بعـد:-

                        فإن أصدق الحديث كتاب الله ،وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

                        أحبتى فى اللـه:



                        هذا هو لقاءنا السابع مع السلسة الكريمة فى رحاب الدار الآخرة وما زلنا بحول اللـه ومدده نتحدث عن العلامات الكبرى للساعة والتى ذكرها الحبيب المصطفى فى حديثه الصحيح الذى رواه مسلم من حديث حذيفة ابن أسيد الغفارى رضى اللـه عنه قال: اطلع علينا النبى ونحن نتذاكر فقال المصطفى : ((ما تذاكرون)) قالوا: نذكر الساعة، فقال ( إنهـا لـن تقـوم حتـى تـروا قبلهـا عشـر آيـات فـذكر الدخان والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى عليه السلام، ويأجـوج ومأجـوج، وثلاثـة خسوف، خسـف بالمشرق، وخسـف بالمغـرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تسوق الناس إلى محشرهم))([1]).

                        وسأتحدث اليوم إن شاء اللـه تعالى عن بقية العلامات الواردة فى الحديث نظراً لأن المادة العلمية الصحيحة فى بقية هذه العلامات قليلة.

                        طلوع الشمس من مغربها

                        أيها الأحبة الكرام:

                        إن الشمس منذ أن خلقها اللـه عز وجل تشرق من المشرق وتغرب فى المغرب بصورة متكررة منتظمة لا تتخلف يوماً ولا تتأخر بصورة تطالع الأنظار والمدارك لتستنطق الفطرة السوية للإنسان بوحدانية الرحيم الرحمن، قال جل وعلا:

                        وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَـازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُل فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون [ يس: 38-40]

                        لا ريب أنها أية من الآيات التى تستنطق الفطرة السليمة النقية بوحدانية اللـه جل وعلا، علامة بارزة على قدرة اللـه.

                        ولذا نرى نبى من أنبياء اللـه - خليل اللـه إبراهيم - قد تحدى بهذه الآية طاغوتاً من طواغيت أهل الأرض وسجل اللـه جل وعلا ذلك فى كتابه الحكيم:

                        أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ ءَاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258].



                        انظر أيها الحبيب كيف تحدى الخليل الطاغية النمرود بن كنعان، إذ يقول إبراهيم: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ .

                        فيرد الجاهل الطاغية المجرم: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ .

                        ولكن أين يذهب هذه الغر الجاهل أمام نور النبوة الباهر، إذ قال له الخليل بذكاء النبوة ونورها الباهر: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .

                        فالشمس منذ خلقها اللـه تشرق من الشرق وتغرب فى الغرب بصورة منتظمة متكررة لا تكاد تتخلف أو تتأخر فى يوم من الأيام حتى إذا جاء الوعد الموعود استأذنت الشمس ربها أن تشرق كعادتها من المشرق فلا يأذن لها!!

                        ففى صحيح مسلم من حديث أبى ذر الغفارى أن النبى قال لأصحابه يوماً والشمس تغرب: (( أتدرون أين تذهب هذه الشمس ؟!)) قالوا اللـه ورسوله أعلم فقال المصطفى : ((إن هذه تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة لله جل وعلا فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعى، ارجعى من حيث جئت، فترتفع، فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة لله عز وجل فلا تزال كذلك حتى يقال لهـا: ارتفعـى ارجعى من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ( أى المشرق ) فلا تزال كذلك لا يستنكر الناس منها شيئاً حتى تجرى ثم تسـتقر فى مكانها تحت العرش فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعى، ارتفعى اصبحى طالعة من مغربك، فتصبح الشمس طالعة من مغربهــا))([2]).

                        لا تتعجب فكل شئ فى هذه الكون يسجد لله.



                        قال جل فى علاه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيـرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَــاءُ [الحج:18].

                        فكل شئ فى الكون يسجد لرب الأرض والسماوات إلا كفرة الجن والإنس.

                        انظر إلى الكون كله من عرشه إلى فرشه، ومن سمائه إلى أرضه لتتعرف على وحدانية اللـه، وعظمة الخالق جل فى علاه.

                        انظر إلى السماء وارتفاعها، والأرض واتساعها، والجبال وأثقالها والأفلاك ودورانها، والبحار وأمواجها.

                        انظر إلى كل متحرك وساكن، واللـه إن الكل يقر بتوحيد اللـه ويعلن السجود لله ولا يغفل عن ذكر مولاه إلا من كفر من الجن والإنس ولا حول ولا قوة إلا باللـه.



                        انظـر لتلـك الشجرة ذات الغصون النضرة

                        كيف نمت من حبـة وكيف صارت شجرة

                        ابحث وقل:

                        من ذا الــذى يخـرج منهــــا الثمـرة؟! ذاك هــو اللـــه

                        الـذى أنعمـه منهمـرة ذو حكمـة بـالغــة وقـدرة مقتــدرة

                        وانظر إلى الشمس التى جذوتها مستعرة فيها ضياء وبها حرارة منتشرة

                        ابحث وقل:

                        مـن ذا الذى يخــــــرج منها الشـررة؟! ذاك هـــو اللـه

                        الذى أنعمــه منهمـــرة ذو حكمـة بالغة وقــــدرة مقتــــدرة

                        الشمس والبــدر مــن آيـات قدرته والبـر والبحر فيـض من عطاياه

                        الطير سبحــــه والوحــش مجده والموج كبــره والحــوت ناجاه

                        والنمل تحت الصخور الصـم قدسه والنحل يهتـف له حمداً فى خلاياه

                        والناس يعصونـه جهـــرا فيسترهم والعبد ينســى وربـى ليس ينساه



                        اصبحى أيتها الشمس طالعة من المغرب فتسرع الشمس على الفور لتنفيذ أمر العزيز الحميد فتصبح طالعة من المغرب، انظر إلى هذا العجب !!

                        وضح هذه المعنى رواية ابن مردويه بسند حسن بالشواهد من حديث عبد اللـه بن أبى أوفى أن الصادق المصدوق قال: ((يأتى على الناس ليلة تعدل ثلاث ليالٍ من لياليكم، فإذا كان ذلك يعرفها المتنفلون، يقوم أحدهم فيقرأ حزبه ثم ينام ثم يقوم فيقرأ حزبه، ثم ينام فيفزعون إلى المساجد فإذا هم يرون الشمس قد طلعت من مغربها))([3]).

                        انظر ماذا قال المصطفى الكريم فإذا كان كذلك يعرفها المتنفلون: أى يعرفها القائمون بالليل لله رب العالمين !

                        اللـه أكبر!!!. . ما الذى يترتب على هذه الآية العظيمة ؟!

                        الذى يترتب على ذلك أن المصطفى قال فى رواية أبى ذر التى ذكرتها آنفا قال:

                        ((أتدرون متى ذاكم؟!)) أى أتدرون متى تطلع الشمس من مغربها ؟! قالوا: اللـه ورسوله أعلم، قال: ((ذاك حين لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [ الانعام: 158 ])).

                        قال المصطفى ((إذا طلعت الشمس من مغربها ورآها الناس آمنوا كلهم أجمعون ))([4]).

                        ولكن هيهات هيهات !!.

                        وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أنه قال: ((ثـلاث إذا خرجـن لا ينفـع نفساً إيـمانهـا لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيراً، طلـوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض))([5]).

                        أيها الحبيب أذكر نفسى وأذكرك بالمبادرة بالتوبة والأوبة إلى اللـه عز وجل قبل أن يغلق اللـه باب التوبة علينا.

                        فإن المصطفى يقول والحديث رواه أحمد بسند صحيح قال: ((لا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت من مغربها طبع على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل))([6]).

                        أيها اللاهى. . أيها الساهى. . أيها الغافل. . أيها المضيع للتوحيد. . أيها المضيع للصلاة. . أيها المضيع للزكاة. . أيها العاق لوالديه. . أيها المنصرف عن اللـه:



                        دع عنك ما قد فات فى زمن الصبا


                        واذكر ذنوبـــك وأبكها يا مذنب

                        لم ينسـه الملكــان حيـن نسيته


                        بـل أثبتـــــاه وأنت لاه تلعب

                        والروح منك وديعــة أودعتهــا


                        ستردها بالرغــم منــك وتسلب

                        وغرور دنيـاك التــى تسعى لها


                        دار حقيقتهـا متـــــاع يذهب

                        الليل فاعلم و النهار كلاهمــــا


                        أنفاسنـا فيهما تعـد وتحســـب

                        قال المصطفى : كما فى صحيح مسلم من حديث أبى موسى الأشعرى:

                        ((إن اللـه عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسىء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها))([7]).

                        هنيئاً لمن طلعت الشمس عليه من مغربها وهو مستقيمُ على طاعة اللـه، اللـهم اجعلنا من أهل التوحيد والإيمان والاستقامة ووفقنا للعمل الصالح الذى يرضيك يا رب العالمين.

                        قال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32].



                        الدابة

                        قال جل وعلا: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82].

                        دابة تتكلم ‍‍!! دابة تنطق !! تكلم الناس كلاماً مفهوماً واضحاً، بل وتقيم عليهم الحجة وتذكرهم بأنهم كانوا لا يوقنون بآيات اللـه وكانوا لا يصدقون بها.



                        قال المصطفى والحديث رواه مسلم من حديــث عبد اللـه بن عمر: ((أول أشراط الساعة طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على النـاس ضحى، فأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريباً))([8]).

                        الدابة أمر عجب. . أمر مذهل. . لو تدبرته كاد قلبك أن ينخلع، دابة تخرج تجوب الأرض كلها، تفرق الدابة بين المؤمن والكافر، وتعلم المؤمن بعلامة وتعلم الكافر بعلامة، تسم الكافر على أنفه فيسود وجهه، وتسم المؤمن فيضئ وجهه كأنه كوكب درى. . أمر عجب !!

                        ورد فى الحديث الذى رواه أحمد فى مسنده وصححه شيخنا الألبانى أن الحبيب النبى قال: ((تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم))([9]) أى تعلم الناس على الأنوف.

                        بل وخذ هذا الحديث العجيب الذى رواه أحمد فى المسند والترمذى فى السنن وللأمانة العلمية التى اتفقنا عليها وأَصَّلناها من قبل أقول إن الشيخ الألبانى - حفظه اللـه – قد ضعف إسناد الحديث ومدار تضعيف الألبانى على علىّ بن زيد بن جدعان قال الألبانى فيه ضعف إلا أن العلامة أحمد شاكر قد صحح إسناد الحديث فقال على بن زيد بن جدعان مختلف فيه والراجح توثيقه وقال عن الحديث الإمام الترمذى حديث حسن قال : ((تخرج الدابة ومعها عصى موسى وخاتم سليمان فتسم أنف الكافر - أى تعلم أنف الكافر - وتجلو وجه المؤمن)) ويضئ وجه المؤمن كأنه كوكب درى، ((حتى أن أهل الخوان الواحد - أى المائدة - يجتمعون على طعامهم فيقول هذا يا مؤمن ويقول هذا يا كافر))([10]). لأن الدابة بينت وأوضحت الحقيقة وميزت المؤمن من الكافر.

                        غالى بعض المصنفين - أقولها بصراحة - فى وصف الدابة وأعطوا لخيالهم العنان فوصفوا الدابة وصفاً درامياً خيالياً عجيباً، فمنهم من قال رأسها رأس ثور وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل، وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد وقوائمها قوائم بعير إلى آخر هذا الوصف الدرامى.



                        الخطبة الثانية

                        أما بعد:

                        الدخـــان:

                        والدخان هو آخر العلامات التى سيشهدها المؤمن على ظهر الأرض، وبقية العلامات هذه لا يراها المؤمن ولا يشهد عذابها الموحدون، بل هذه العلامات التى سأذكرها الآن لا تقوم إلا على الكفرة الفجرة من شرار الخلق.



                        الدخان علامة كبرى:

                        قال عبد اللـه بن مسعود رضى اللـه عنه: إن هذا الدخان كان علامة من العلامات التى وقعت فى الدنيا بدعاء النبى على المشركين.

                        والدخان هنا قد وقع بالفعل ولكن الدخان الوارد فى حديث حذيفة بن أسيد الغفارى الذى هو علامة من علامات الساعة الكبرى، يختلف تمام الاختلاف عن هذه العلامة التى رآها المشركون فى مكة بدعاء الصادق المصدوق قال تعالى فى حق هذه العلامة: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ([1])يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الدخان:10-11].

                        إذا خرج الدخان لا يقبل اللـه التوبة كما ذكرت.

                        فإذا خرج الدخان يبعث اللـه ريحاً ألين من الحرير تقبض هذه الريح أرواح المؤمنين من على ظهر الأرض، فلا يبقى على ظهر الأرض مؤمن.

                        يقول المصطفى : ((فلا تدع أحداً فى قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته ويبقى على الأرض شرار الخلق))([2]) الكفرة الفجرة ممن لا يؤمن باللـه عز وجل.

                        كما فى صحيح مسلم من حديــث عبـد اللـه بن مسعود أن النبى قال: ((لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق))([3]).

                        فى رواية مسلم من حديث أنس أنه قال: ((لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض اللـه)).

                        لا يقال فى الأرض (اللـه) لأن الموحدين قد قبضوا فلا يبقى إلا الكفرة وهؤلاء لا يعرفون اللـه ولا يوحدون اللـه جل وعلا وعلى هؤلاء تقوم الساعة بل تظهر بقية العلامات الكبرى التى هى عذاب فى عذاب وبلاء فى بلاء.

                        ما هى هذه العلامات ‍؟!!



                        الخسوف الثلاثة

                        الخسف الأول بالمشرق:

                        يقع الخسف بالمشرق والخسف كما هو معلوم انشقاق الأرض قال تعالى حكاية عن قارون: فَخَسفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ [القصص:81].

                        فيقع خسف بالمشرق على شرار الخلق بعد أن قبض اللـه أرواح المؤمنين.

                        الخسف الثانى بالمغرب والخسف الثالث بجزيرة العرب، وبعد هذه الخسوف تخرج العلامة الأخيرة من علامات الساعــة الكبرى ألا وهى نار تخرج من قعر مدينة عدن (المعروفة الآن باليمن) فتطرد الناس جميعاً إلى محشرهم.

                        وفى رواية البخارى من حديث أنس أن عبد اللـه بن سلام رضى اللـه عنه قال: لما نظرت إلى وجه النبى عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب فآمن بالنبى - والشاهد. . أن عبد اللـه بن سلام سأل النبى عن أسئلة جيدة من بين هذه الأسئلة سأله عن أول أشراط الساعة فقال المصطفى : ((نار تخرج من قعر عدن تحشر الناس من المشرق إلى المغرب))([4]).

                        وقد يلمح طالب العلم الفطـن تعارضـاً ظاهراً بين النصين لكن لا تعارض فقـول المصطفى فى رواية حذيفة: ((وآخر ذلـك نـار)) أى أنهـا العلامـة التى إن وقعت وقعت القيامة بعدها بالنفخ فى الصور والبعث من القبـور.

                        يقول المصطفى والحديث رواه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة: ((يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير وعشرة على بعير، ويحشُرُ بَقيَّتَهُم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسى معهم حيث أمسوا))([5]).

                        قال القرطبى الحشر هو الجمع وهو أربعة أنواع الحشر الأول والثانى فى الدنيا والحشر الثالث والرابع فى الآخرة.

                        أما الحشر الأول: فهو المذكور فى قوله تعالى فى سورة الحشر: مَا ظَنَنتُم أَن يخْرُجُوا [الحشر:2].

                        الحشر الثانى: هو الحشر الوارد فى حديث حذيفة وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم، إذاً حشر النار للناس لا يكون إلا فى الدنيا.

                        الحشر الثالث: حشر الناس من القبور وغيرها بعد البعث.

                        الحشر الرابع: حشر الناس إلى الجنة أو إلى النار نسأل اللـه أن يجعلنى وإياكم من أهل الجنان.

                        إذ الذى عليه جمهور المحققين من العلماء أن الحشر الوارد فى حديث حذيفة الذى هو علامة من علامات القيامة الكبرى لا يكون إلا فى الدنيا والدليل الصحيح الصريح على ذلك أن النبى قد ذكر أن الحشر فى الآخرة يحشر فيه المؤمنون والكافرون حفاة عراة غرلا كما فى الصحيحين من حديث عائشة أن النبى قال: ((تحشرون حفاة عراة غرلا)) قالت عائشة يا رسول اللـه الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! فقال المصطفى : ((يا عائشة الأمر أشد من أن يهمهم ذلك))([6]).

                        وفى رواية أنس قال: ((يا عائشة لقد نزلت على آية لا يضرك أكان عليك ثياب أم لا)) فتلى النبى لِكلِ امْرِئِ يَومَئذٍ شَأنٌ يغْنِيهِ [ عبس: 37 ].



                        مثل وقوفـك يوم العرض عُريانا مستوحشـاً قلـق الأحشاء َحْيرانا

                        والنار تلهب من غيظ ومن حنــق على العصاة ورب العرش غضبانا

                        اقـرأ كتابك ياعبدُ علـــى مَهَلٍ فهـل ترى فيه حرفـاً غير ما كان

                        فلما قرأت ولم تنكـر قراءتـــه أقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا

                        نـادى الجليل خذوه يا ملائكتــى وامضوا بعبدٍ عصى للنار عطشانا

                        المشركون غـداً فى النار يلتهبوا والموحـدون بـدار الخلدُ سُكَّانـا



                        وهكذا تنتهى علامات الساعة الكبرى التى ذكرها المصطفى فى حديث حذيفـة بـن أسيد الغفارى الذى كنا معه طيلة اللقاءات الأربع الماضية لكن هنـاك عـلامة أخرى عجيبة غريبة قد تنزل الآن على القلوب فتهز القلوب هزاً لم تـرد فى حديث حذيفة، ترى ما هى هذه العلامة العجيبة الغريبة ؟!!



                        إنها هدم الكعبة الشريفة حجراً حجرا. .

                        الكعبة بيت اللـه الذى تهوى إليه الأفئدة وتحن القلوب إليه الذى قال فى حقه علام الغيوب:

                        وَإِذْ جَعَلنَا البَيتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمنًا [البقرة:125].

                        مثابة للناس: أى لا يملون منه كلما نظروا إليه وإذا انصرفوا عنه تجدد الشوق إليه وازداد الحنين لزيارته ورؤيته.

                        إن من علامات الساعة الكبرى هدم البيت الحرام ونقضه حجراً حجرا.

                        قلت قبل ذلك: أن عيسى بن مريم على نبينا وعليه الصلاة والسلام لما ينزل إلى الأرض يقتل الدجال عليه من اللـه ما يستحقه، ويدعو اللـه أن يهلك يأجوج ومأجوج فيستجيب اللـه دعاءه، فيهلك يأجوج ومأجوج ويرسل المطر فنقى الأرض، فأصبحت كالزُلقة أو الزَلقة أو الزُلفة أو الزَلفة أى كالمرآة فى صفائها ونقائها، خرجت البركة من الأرض تنزلت الرحمات وحلت البركات، وعاش الناس فى أمن وسلام فى وجود نبى اللـه عيسى، فيذهب نبى اللـه عيسى ليحج البيت الحرام.

                        إذاً معنى ذلك أن يبقى الحج حتى فى عهد نبي اللـه عيسى، فإذا ما قدر اللـه على عيسى الموت.

                        فيموت نبى اللـه عيسى فى المدينة المنورة ويصلى عليه المسلمون من أمة محمد ويدفنون نبى اللـه عيسى مع الحبيب المصطفى فى الحجرة المباركة، وبعد ذلك تقع العلامات التى ذكرت الآن ولا يبقى إلا شرار الخلق، تمحى آيات اللـه من المصحف، لا يقول أحد كلمة لا إله إلا اللـه فلا يحجون البيت بل ولا يعرفون عن البيت شيئاً، من بين هؤلاء الأشرار رجل من الحبشة، هل تصدق أن الحبيب وصف شكله وكأنه ينظر إليه وهو يهدم الكعبة ؟؟

                        يقول المصطفى : ((لا تقوم الساعة حتى يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة))([7]).

                        رجل يقال له ذو السويقتين من الحبشة، بل وفى رواية البخارى من حديث ابن عباس قال المصطفى: ((كأنى أنظر إليه أسود أفحج([8]) ينقض الكعبة حجراً حجرا))([9]).

                        وبهذا تنتهى الحياة الدنيا بحلوها ومرها، بحلالها وحرامها، بخيرها وشرها ولا يبقى إلا الكفرة من شرار الناس وعليهم تقوم الساعة وذلك بعد أن يأمر اللـه جل وعلا إسرافيل أن يلتقم الصور وأن ينفخ النفخة الأولى ألا وهى نفخة الفزع مصداقاً لقوله جل وعلا: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرض إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ [النمل:87].

                        وأقف عند هذه المشهد لأواصل الحديث إن شاء اللـه تعالى عن بقية المراحل التى تأخذ القلوب والألباب واللـه أسأل أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض.



                        ....... الدعـاء.





                        ([1]) رواه مسلم رقم (2901) ، فى الفتن، باب ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال ، وأبو داود رقم (4311) ، فى الملاحم ، باب أمارات الساعة ، والترمذى رقم (2184) ، فى الفتن ، باب ما جاء فى الخسف.



                        ([2]) رواه البخارى رقم (4802) ، فى تفسير سورة يس ، وفى بدء الخلق ، باب صفة الشمس والقمر ، ومسلم رقم (159) ، فى الإيمان ، باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان ، والترمذى رقم (3225) ،فى التفسير ، باب ومن سورة يس .



                        ([3]) رواه ابن مردويه بسند حسن .



                        ([4]) رواه البخـارى رقـم (6506) ، فى الرقاق ، باب قول النبى : ((بعثت أنا والساعة كهاتين)) ، ومسلم رقم (157) ، فى الإيمان ، باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان ، وأبو داود رقم (4312) ، فى الملاحم ، باب أمارات الساعة .



                        ([5]) رواه مسلم رقم (158) ، فى الإيمان ، باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان ، والترمذى رقم (3074) ، فى التفسير ، باب ومن سورة الأنعام .



                        ([6]) رواه أبو داود ، فى البيعة ، باب ذكر الاختلاف ، وصححه الألبانى ، فى الإرواء (1208) ، وهو فى صحيح الجامع رقم (7469) .



                        ([7]) رواه مسلم رقم (2760) ، فى التوبة ، باب غيرة الله تعالى ، وهو فى صحيح الجامع رقم (1871) .



                        ([8]) رواه مسلم رقم (2941) ، فى الفتن ، باب خروج الدجال ومكثه فى الأرض ، وأبو داود رقم (4310) فى الملاحم ، باب أمارات الساعة .



                        ([9]) رواه أحمد رقم (22209) ، وأبو داود ، وهو فى صحيح الجامع رقم (2927) .



                        ([10]) رواه وأبو داود رقم (3186) فى التفسير ، باب ومن سورة النمل .



                        ---------------------------------------------------



                        ([1]) مبين : واضح بيّن .



                        ([2]) رواه مسلم رقم (1924) ، فى الإمارة ، باب قوله : ((لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم)) .



                        ([3]) رواه مسلم رقم (2949) ، فى الفتن ، باب قرب الساعة .



                        ([4]) رواه البخارى ، فى الهجرة فى قصة إسلام عبد الله بن سلام .



                        ([5]) رواه البخــارى رقم (6522) ، فى الرقاق ، باب كيف الحشر ، ومسلم رقم (2861) ، فى الجنـة ، بـاب فنــاء الدنيـا وبيــان الحشر يوم القيامة ، والنسائى (4/115،116) فى الجنائز ، باب البعث .



                        ([6]) رواه البخارى رقم (6527) ، فى الرقاق ، باب الحشر ، ومسلم رقم (2859) ، فى الجنـة ، بـاب فنـاء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة ، والنسائى (4/114) ، فى الجنائز باب البعث .

                        ([7]) رواه البخارى رقم (1596) ، الحــج ، باب هدم الكعبة ، ومسلم رقم (2909) ، فى الفتن ، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء ، والنسائى

                        (5/216) ، فى الحج ، باب بناء الكعبة .



                        ([8]) أفحج : متسع ما بين ساقيه .



                        ([9]) رواه البخارى رقم (1595) ، فى الحج ، باب هدم الكعبة .



                        تعليق


                        • #13
                          المسيح الدجال

                          إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.. أدَّى الأمانةَ، وبَلَّغَ الرسالةَ، ونَصَحَ الأمةَ، وكشف الله به الغمة ، جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصلى اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين...
                          أما بعـد:-

                          فحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وذكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور.
                          طبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا.
                          حياكم الله جميعاً وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنى وإياكم في الدنيا دائما وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار كرامته.
                          إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شىء قدير..

                          أما بعـد:-

                          فإن أصدق الحديث كتاب الله ،وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.



                          أحبتي في اللـه:



                          هذا هو لقاءنا الرابع مع دروس سلسلة الدار الآخرة، وكنا قد أنهينا آنفا الحديث عن العلامات الصغرى التي ستقع بين يدي الساعة، والآن حديثنا عن العلامات الكبرى التي ستقع قبل قيام الساعة مباشرة، وقد ذكر النبي هذه العلامات في حديثه الصحيح الذي رواه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي اللـه عنه قال: اطلع علينا النبي ونحن نتذاكر فقال: ((ما تذاكرون؟)) قلنا: نذكر الساعة قال: ((إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم))([1]).



                          ولقد ذكر المصطفى هذه العلامات بغير هذا الترتيب في روايات أخرى صحيحة والذي يترجح من الأخبار كما قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" :

                          أن خروج الدجال هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال وينتهي ذلك بقيام الساعة ولعل خروج الدابة يقع في نفس اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب، واللـه أعلم([2]).

                          ولكن على أي حال فإن العلامات الكبرى ستقع متتابعة فهي كحبات العقد إذا انفرطت منه حبه تتابعت بقية الحبات.



                          ففي الحديث الذي رواه أحمد والحاكم في مستدركه وصححه على شرط مسلم وأقره الحاكم والذهبي والألباني من حديث أنس أن النبي قال: ((الأمارات (أي العلامات الكبرى) خرزات منظومات في سلك، فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضاً))([3]).

                          واسمحوا لي أن أستهل الحديث اليوم مع حضراتكم في العلامات الكبرى عن الآية العظيمة الأولى التي تؤذن بتغير الأحوال على الأرض، ألا وهي المسيح الدجال... وكعادتنا حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعا فسوف أركز الحديث في العناصر التالية :



                          أولاً: الدجال أعظم فتنة على وجه الأرض.



                          ثانياً: وصف دقيق للدجال وفتنته.



                          ثالثاً: ما السبيل إلى النجاة.

                          فأعرني قلبك جيدا... وأعرني سمعك تماما... فإن الموضوع من الخطورة بمكان.



                          أولاً: الدجال أعظم فتنة على وجه الأرض، فتدبر جيدا أيها الحبيب وقِفْ على خطر هذه الفتنة!، فالدجال أعظم فتنة على وجه الأرض من يوم أن خلق اللـه آدم إلى قيام الساعة.

                          لماذا سمى الدجال بالمسيح الدجال؟!!

                          سمى الدجال بالمسيح لأن عينه ممسوحة قال المصطفى : ((الدجال ممسوح العين))([4]) وسمى بالدجال لأنه يغطى الحق بالكذب والباطل فهذا دجل فسمى بالدجال وفتنة الدجال فتنة عظيمة!!



                          وفى صحيح مسلم من حديث عمران بن حصين رضي اللـه عنهما قال: سمعت رسول اللـه يقول: ((ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال))([5]).



                          وأمرُ الدجالِ أمرُُ غيبي والأمر الغيبي لا يجوز أن نتكلم فيه بشيء من عند أنفسنا إنما ننقل عن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وأنوه أيضاً أننا لا نلتفت إلا لما صح من حديث رسول اللـه كعادتنا ولله الحمد والمنة.

                          روى ابن ماجه في سننه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في المستدرك وصحح الحديث الشيخ الألباني من حديث أبي أمامة الباهلي أن الحبيب قال: ((إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ اللـه ذرية آدم أعظم من فتنة المسيح الدجال ولم يبعث اللـه نبيا إلا وقد أنذر قومه الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة ،فإن يخرج الدجال وأنا بين أظهركم فأنا حجيج لكل مسلم، وإن يخرج الدجال من بعدي فكل امريء حجيج نفسه، واللـه خليفتي على كل مسلم)).

                          يا لها من كرامة لأمة الحبيب محمد صلى اللـه عليه وسلم.

                          ففتنة الدجال عظيمة!.. أعظم فتنة على وجه الأرض بشهادة الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى.

                          أحبتي في اللـه:

                          لقد وصف النبي الدجال وصفاً دقيقاً محكماً وبين لنا فتنته بياناً شافيا حتى لا يغتر بالدجال أحد من الموحدين باللـه رب العالمين... وهذا هو عنصرنا الثانى.



                          ثانياً: وصفٌ دقيقٌ للدجال وفتنته



                          وصف النبي الدجال فقال :والحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي من حديث ابن عمر رضي اللـه عنهما قال :

                          قام رسول اللـه في الناس خطيبا فحمد اللـه وأثنى على اللـه بما هو أهله.... فذكر الدجال فقال: ((إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذر قومه الدجال، ولقد أنذر نوح قومه، ولكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه ألا فاعلموا أنه أعور وأن اللـه ليس بأعور))([6]).

                          وفى رواية ((أعور العين اليمنى))، وفي رواية أخرى صحيحة ((أعور العين اليسرى))، اعلموا أنه أعور وأن اللـه ليس بأعور جل جلاله، جل ربنا عن الشبيه.. وعن النظير.. وعن المثيل.. لا كفء له، ولا ضد له، ولا ند له ولا شبيه له، ولا زوج له ولا ولد له: قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ، لَيسَ كَمثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ .

                          ثم قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: ((الدجال ممسوح العين، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مسلم))([7]).

                          ماذا تريد بعد ذلك من الرحمة المهداة والنعمة المسداة من الذي قال ربه في حقه: بالمُؤمِنِينَ رَؤوفُُ رَحِيمُُ .

                          يبين لك لتتعرف على الدجال إن خرج بين أظهرنا، يقول لك ممسوح العين... مكتوب بين عينيه كافر... يقرؤه كل مسلم.

                          وفى رواية حذيفة في صحيح مسلم قال : ((الدجال، مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب))([8]).

                          لا ينبغي أن نصرف لفظ النبي على غير ظاهره، الكتابة على جبين الدجال كتابة حقيقية لدرجة أنه وردت في رواية في صحيح مسلم قال : ((الدجال ممسوح العين، مكتوب بين عينيه (ك ف ر) أي كافر))([9]).

                          وصف عجيب للدجال من رسول اللـه عليه الصلاة والسلام !

                          أستحلفك باللـه أن تتدبر معي هذا المطلع العجيب الذي رواه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة من حديث حذيفة بن اليمان رضي اللـه عنه قال الذي لا ينطق عن الهوى : ((لأنا أعلم بما مع الدجال من الدجال، معه نهران يجريان أحدهما رأى العين ماء أبيض، والأخر رأى العين نار تأجج، فإما أدركن أحد فليأت النهـر الذي يراه ناراً، وليغمض، ثم ليطأطيء رأسه فليشرب منه فإنه ماء بارد))([10]).

                          يقول لنا الصادق المصدوق لا تخش نار الدجال فهو دجال يغطى الحق بالكذب والباطل، إن رأيت ناره فاعلم بأنها ماء عذب بارد طيب.

                          وفى رواية أخرى في صحيح مسلم لحذيفة أن النبي قال: ((يخرج الدجال وإن معه ماءً وناراً، فما يراه الناس ماءً فهي نار تحرق وما يراه الناس نارا فهو ماء بارد عذب))([11]).

                          في حديث النواس بن سمعان أنه قال: سأل الصحابة رسول اللـه عن المدة التي سيمكثها الدجال في الأرض، فقال الحبيب : ((أربعون يوما، يوم كسنة ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كسائر أيامكم ))، قلنا: يا رسول اللـه اليوم الذي كسنة تكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: ((لا، اقدروا له قدره))([12])، يعنى صلوا الفجر وعدوا الساعات التي كانت قبل ذلك بين الفجر والظهر، وصلوا الظهر، وعدوا الساعات التي كانت بين الظهر والعصر وهكذا.

                          فسأل الصحابة رسول اللـه - وما زلنا في حديث النواس ابن سمعان -: وما سرعته في الأرض؟!: ((يمكث في الأرض أربعين ليلة فيمر على الأرض كلها؟ سرعته كالغيث - أي المطر- استدبرته الريح))... يعنى يمر في كل أرجاء وأنحاء الأرض.

                          ثم قال الحبيب : ((يأتي الدجال على قوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ماكانت ذراً وأسبغه ضروعاً وأمده خواصر)).

                          فتنة رهيبة !!

                          فلو عقل هؤلاء لعلموا أن صفات النقص من أعظم الأدلة على كفره وبطلان إدعاءاته.

                          لقد ذل من بالـت عليه الثعالب





                          رب يبـول الثعلبـــان برأسـه

                          فلا خير في ربٍ نأته المطالـب





                          لو كان ربــا كـان يمـنع نفسه

                          و آمنـت باللـه الذي هو غالب





                          برئت من الأصنام في الأرض كلها

                          إن الذي يستحق أن يعبد هو المتصف بكل صفات الكمال والإجلال.

                          ثم ينطلق الدجال إلى قوم آخرين فيقول لهم: أنا ربكم. فيقولون :لا ويكذبونه.

                          يقول المصطفى : ((ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل)) أي جماعات النحل

                          فتنة رهيبة!!

                          ثم تزداد الفتنة !!!

                          يقول النبي ثم يدعوا رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين، فيمشى الدجال بين القطعتين أمام الناس ويقول للشاب قم فيستوي الشاب حيا بين يديه !!.

                          فتنه رهيبه !!!

                          وفى رواية أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم([13]) يقول المصطفى : ((فيخرج إليه شاب فتلقاه المسالح، مسالح الدجال (أي أتباعه من اليهود الذين يحملون السلاح) فيقولون له: أين تعمد؟

                          فيقول: إلى هذا الذي خرج (أي إلى الدجال) فيقولون له أولا تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء، أي لو نظرت إلى الدجال سأعرفه!

                          فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أو ليس قد نهانا ربنا أن نقتل أحداً دونه، فينطلقون بهذا الرجل المؤمن إلى الدجال، فإذا نظر المؤمن إليه قال: أيها الناس! هذا المسيح الدجال الذي ذكره لنا رسول اللـه يقول المصطفى : ((فيأمر الدجال به فيشج، فيقول: خذوه وشجوه، فيوسع ظهره وبطنه ضربا، قال: فيقول: أما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب. قال: فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، قال: ثم يمشى الدجال بين القطعتين ،: ثم يقول له: قم، فيستوي قائما، قال: ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة؟ قال: ثم يقول: يا أيها الناس: إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس، قال: فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا، فلا يستطيع إليه سبيلا، قال: فيأخذ بيديـه ورجليه فيقذف به، فيحسب الناس أنما قذفه في النـار وإنما ألقي في الجنة)) فقال رسول اللـه : ((هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين))([14])



                          وسأختم حديثي عن فتنة الدجال بحديث عجيب رواه مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم من حديث تميم الداري من حديث فاطمة بنت قيس عن تميم الداري قالت: سمعت منادي رسول اللـه ينادي: "الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول اللـه ، وكنت في النساء التي تلي ظهور القوم فلما قضى الرسول صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: ((أيها الناس ليلزم كل إنسان مصلاه)) ثم قال ((أتدرون لم جمعتكم؟)) قالوا: اللـه ورسوله أعلم.

                          فقال رسول اللـه : ((أما إني واللـه ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانياً فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام "قبيلتان عربيتان مشهورتان" فلعب بهم الموج شهرا في البحر ثم أرفؤوا([15]) إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا جزيرة فلقيتهم دابة أهلب([16]) كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره، فقالوا: ويلك، من أنت؟ قالت: أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة، قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، فلما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير، فإذا أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني: ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهرا، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا ندرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل الذي في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق فأقبلنا إليك سراعا، وفــزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة، فقال: أخبروني عن بيسان قلنا: وعن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم، قال: أما إنه يوشك أن لا يثمر، قال: أخبروني عن بحيرة طبرية، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زغر، قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبي الأميين، ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم، قال أما إن ذاك خيرا لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عنى، أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فسأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة فهما محرمتان على كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحـدة، أو واحدا منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدنى عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها)) قالت: قال رسول اللـه : وطعن بمخصرته في المنبر ((هذه طيبة.. هذه طيبة)) يعنى: المدينـة ((ألا هل كنت حدثتكم عن ذلك؟)) فقـال النـاس: نعم، قال: ((فإنه أعجبني حديث تميم لأنه وافق الذي كنت حدثتكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق، ما هو؟ من قبل المشرق ما هو ؟، وأومأ بيده إلى المشرق)) قالت: فحفظت هذا من رسول اللـه



                          أيها الأحبة الكرام:



                          هذا قليل من كثير، فلا زال هناك الكثير عن فتنة الدجال، فقد أجملت لكم ما يسر اللـه عز وجل، لنقف على خطورة هذه الفتنة.

                          وهناك سؤال لابد أن يطرح في هذا المجال ألا وهو:

                          هل سيقتل الدجال؟! ومن الذي سيقتله؟!!!

                          نعم... أبشروا سيقتل الدجال وسيقتله عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.

                          روى ابن ماجه في سننه والحاكم في المستدرك وصحح الحديث الألباني من حديث أبي أمامة الباهلي أنه قال: ((بينما إمام المسلمين يصلى بهم الصبح في بيت المقدس إذا نزل عيسى بن مريم، فإذا نظر إليه إمام المسلمين عرفه، فيتقهقر إمام المسلمين لنبي اللـه عيسى ليصلى بالمؤمنين - من أتباع سيد النبيين محمد- فيأتي عيسى عليه السلام ويضع يده في كتف إمام المسلمين ويقول: لا بل تقدم أنت فصلِّ فالصلاة لك أقيمت))، وفي لفظ ((فإمامكم منكم يا أمة محمد ويصلى نبي اللـه عيسى خلف إمام المسلمين لله رب العالمين، فإذا ما أنهى إمام المسلمين، قام عيسى وقام خلفه المسلمون، فإذا فتح عيسى باب بيت المقدس، رأى المسيح الدجال معه سبعون ألف يهودي معهم السلاح، فإذا نظر الدجال إلى نبي اللـه عيسى ذاب كما يذوب الملح في الماء، ثم يهرب فينطلق عيسى وراءه فيمسك به عند باب لد في فلسطين، فيقتله نبي اللـه عيسى ويستريح الخلق من شر الدجال)).



                          ويبقى هنا سؤال ألا وهو: ما السبيل إلى النجاة؟

                          والإجابة على هذا السؤال تكون بعد جلسة الاستراحة



                          وأقول قولي هذا واستغفر اللـه لي ولكم



                          الخطبة الثانية

                          إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له.

                          وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

                          أما بعد أحبتي في اللـه:



                          فما السبيل إلى النجاة؟

                          أحبتي الكرام: أجيب لكم عن هذا السؤال من كلام سيد الرجال محمد بن عبد اللـه حتى تطمئن قلوبكم وتستريح، ثبتكم اللـه.

                          ففي الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه والحاكم في مستدركه وصححه الألباني.

                          قال : ((من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال))([1]).

                          وفى لفظ: ((من حفظ عشر آيات من أوائل سورة الكهف عصم من فتنة الدجال)).

                          وفى لفظ: ((من حفظ عشر آيات من أواخر سورة الكهف عصم من فتنة الدجال)).

                          لقد تبينتم الآن أمر الدجال، فالأمر جد خطير، هل نقف على مثل هذه الخطورة ونحفظ عشر آيات فقط من سورة الكهف، أراكم تقولون لا بل حفظ السورة بالكامل أمر يسير أمام هذه الخطورة الشديدة، أرى منكم أناساً يقولون نذهب إلى مكة أو المدينة، سأقول لكم لا بأس، من يستطيع الفرار منكم إلى مَكة المباركة أو طيبة طيبها اللـه، فله ذلك، فهما محرمتان على الدجال أن يدخل واحدة منهما وذلك من سبل النجاة.

                          لكنني لا أجد لك سبيلا للنجاة أكبر وأشرف وأجل وأعظم من أن ُتوحد اللـه جل وعلا وتعرف معنى كلمة.. "لا إله إلا اللـه".. فهذا هو أصل الأصول وبر الأمان لكل مؤمن يريد الأمان حقا في الدنيا والآخرة.

                          ألم يقل لك المصطفى بأنه لا يقرأ كلمة كافر بين عيني الدجال إلا مؤمن موحد للكبير المتعال، واعلم يقينا بأن الإيمان ليس كلمة يرددها لسانك فحسب.. بل الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان "يعنى القلب"... وعمل بالجوارح والأركان... ولابد أن تعلم أن أركان الإيمان... أن تؤمن باللـه وملائكته، وكتبه، ورسوله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره فلا بد لك من الآن أن تصحح إيمانك باللـه جل وعلا وتحقق الإيمان يقينا.

                          وقد قال الحسن : ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، فمن قال خيراً وعمل خيراً قبل منه ومن قال خيراً وعمل شراً لم يقبل منه.

                          قال اللـه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللـه ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-33].

                          قال اللـه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:107 -110].




                          ([1]) رواه مسلم رقم (2901) فى الفتن ، باب ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال ، وأبو داود رقم (4311) فى الملاحم ، باب أمارات الساعة ، والترمذى رقم (2184) فى الفتن ، باب ما جاء فى الخسف .



                          ([2]) فتح البارى (11/353) .



                          ([3]) أخرجه أحمد فى المسند رقم (7040) وقال محققه : إسناده صحيح .



                          ([4]) رواه مسلم رقم (2933) ، فى الفتن ، باب ذكر الدجال وصفة ما معه ، وأبو داود رقم (4316،4317،4318) فى الملاحم ، باب خروج الدجال ، والترمذى رقم (2246) فى الفتن



                          ([5] ) رواه مسلم رقم (2946) فى الفتن ، باب فى بقية من أحاديث الدجال .



                          ([6]) رواه البخـارى رقم (7127) فى الفتن ، باب ذكر الدجال ، ومسلم رقم (169) فى الإيمان ، باب ذكر المسيح بن مريم والمسيح الدجال ، وأبو داود واللفظ له رقم (4757) فى السنة ، بـاب فى الدجال ، والترمذى رقم (2236،2242) فى الفتن ، باب ما جاء فى علامة الدجال .



                          ([7]) رواه مسلم رقم (2933) فى الفتن ، باب ذكر الدجال وصفة ما معه ، وأبو داود رقم (3416 - 3418) فى الملاحم ، باب خروج الدجال ، والترمذى رقم (2246) فى الفتن .



                          ([8]) رواه مسلم رقم (2933) فى الفتن ، باب ذكر الدجال وصفة ما معه ، وأبو داود رقم (3416 :3418) فى الملاحم ، باب خروج الدجال ، والترمذى رقم (2246) فى الفتن .



                          ([9]) رواه مسلم رقم (2933) فى الفتن ، باب ذكر الدجال وصفته وما معه .



                          ([10]) رواه البخارى رقم (7130) فى الفتن ، باب ذكر الدجال ، ومسلم رقم (2934،2935) فى الفتن ، باب ذكر الدجال وصفته وما معه ، وأبو داود رقم (4315) فى الملاحم ، باب خروج الدجال .



                          ([11]) رواه مسلم رقم (2934 ، 2935 ) فى الفتن ، باب ذكر الدجال .



                          ([12]) رواه مسلم رقم (2937) فى الفتن ، باب ذكر الدجال وصفته وما معه ، وأبو داود رقم (4321، 4322) فى الملاحم ، باب خروج الدجال ، والترمذى رقم (2241) فى الفتن ، باب ما جاء فى فتنة الدجال .



                          ([13]) رقم (2938) فى الفتن وأشراط الساعة ، باب فى صفة الدجال .



                          ([14]) رواه البخارى رقم (7132) فى الفتن ، باب لا يدخل المدينة ، ومسلم رقم (2938) فى الفتن ، باب صفة الدجال وتحريم المدينة عليه .



                          ([15]) أرفأت السفينة : قربتها إلى الشط وأدنيتها من البر .



                          ([16]) الهلب : ما غلظ من الشعر والأهلب : الغليظ الشعر الخشن .



                          ==========================================

                          ([1]) رواه مسلم رقم (809) فى صلاة المسافرين ، باب فضل سورة الكهف وآية الكرسى ، وأبو داود رقم (4323) فى الملاحم ، باب خروج الدجال ، والترمذى رقم (2888) فى ثواب القرآن



                          تعليق


                          • #14
                            المسيح الدجال

                            إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.. أدَّى الأمانةَ، وبَلَّغَ الرسالةَ، ونَصَحَ الأمةَ، وكشف الله به الغمة ، جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصلى اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين...
                            أما بعـد:-

                            فحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وذكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور.
                            طبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا.
                            حياكم الله جميعاً وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنى وإياكم في الدنيا دائما وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار كرامته.
                            إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شىء قدير..

                            أما بعـد:-

                            فإن أصدق الحديث كتاب الله ،وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.



                            أحبتي في اللـه:



                            هذا هو لقاءنا الرابع مع دروس سلسلة الدار الآخرة، وكنا قد أنهينا آنفا الحديث عن العلامات الصغرى التي ستقع بين يدي الساعة، والآن حديثنا عن العلامات الكبرى التي ستقع قبل قيام الساعة مباشرة، وقد ذكر النبي هذه العلامات في حديثه الصحيح الذي رواه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي اللـه عنه قال: اطلع علينا النبي ونحن نتذاكر فقال: ((ما تذاكرون؟)) قلنا: نذكر الساعة قال: ((إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم))([1]).



                            ولقد ذكر المصطفى هذه العلامات بغير هذا الترتيب في روايات أخرى صحيحة والذي يترجح من الأخبار كما قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" :

                            أن خروج الدجال هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال وينتهي ذلك بقيام الساعة ولعل خروج الدابة يقع في نفس اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب، واللـه أعلم([2]).

                            ولكن على أي حال فإن العلامات الكبرى ستقع متتابعة فهي كحبات العقد إذا انفرطت منه حبه تتابعت بقية الحبات.



                            ففي الحديث الذي رواه أحمد والحاكم في مستدركه وصححه على شرط مسلم وأقره الحاكم والذهبي والألباني من حديث أنس أن النبي قال: ((الأمارات (أي العلامات الكبرى) خرزات منظومات في سلك، فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضاً))([3]).

                            واسمحوا لي أن أستهل الحديث اليوم مع حضراتكم في العلامات الكبرى عن الآية العظيمة الأولى التي تؤذن بتغير الأحوال على الأرض، ألا وهي المسيح الدجال... وكعادتنا حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعا فسوف أركز الحديث في العناصر التالية :



                            أولاً: الدجال أعظم فتنة على وجه الأرض.



                            ثانياً: وصف دقيق للدجال وفتنته.



                            ثالثاً: ما السبيل إلى النجاة.

                            فأعرني قلبك جيدا... وأعرني سمعك تماما... فإن الموضوع من الخطورة بمكان.



                            أولاً: الدجال أعظم فتنة على وجه الأرض، فتدبر جيدا أيها الحبيب وقِفْ على خطر هذه الفتنة!، فالدجال أعظم فتنة على وجه الأرض من يوم أن خلق اللـه آدم إلى قيام الساعة.

                            لماذا سمى الدجال بالمسيح الدجال؟!!

                            سمى الدجال بالمسيح لأن عينه ممسوحة قال المصطفى : ((الدجال ممسوح العين))([4]) وسمى بالدجال لأنه يغطى الحق بالكذب والباطل فهذا دجل فسمى بالدجال وفتنة الدجال فتنة عظيمة!!



                            وفى صحيح مسلم من حديث عمران بن حصين رضي اللـه عنهما قال: سمعت رسول اللـه يقول: ((ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال))([5]).



                            وأمرُ الدجالِ أمرُُ غيبي والأمر الغيبي لا يجوز أن نتكلم فيه بشيء من عند أنفسنا إنما ننقل عن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وأنوه أيضاً أننا لا نلتفت إلا لما صح من حديث رسول اللـه كعادتنا ولله الحمد والمنة.

                            روى ابن ماجه في سننه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في المستدرك وصحح الحديث الشيخ الألباني من حديث أبي أمامة الباهلي أن الحبيب قال: ((إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ اللـه ذرية آدم أعظم من فتنة المسيح الدجال ولم يبعث اللـه نبيا إلا وقد أنذر قومه الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة ،فإن يخرج الدجال وأنا بين أظهركم فأنا حجيج لكل مسلم، وإن يخرج الدجال من بعدي فكل امريء حجيج نفسه، واللـه خليفتي على كل مسلم)).

                            يا لها من كرامة لأمة الحبيب محمد صلى اللـه عليه وسلم.

                            ففتنة الدجال عظيمة!.. أعظم فتنة على وجه الأرض بشهادة الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى.

                            أحبتي في اللـه:

                            لقد وصف النبي الدجال وصفاً دقيقاً محكماً وبين لنا فتنته بياناً شافيا حتى لا يغتر بالدجال أحد من الموحدين باللـه رب العالمين... وهذا هو عنصرنا الثانى.



                            ثانياً: وصفٌ دقيقٌ للدجال وفتنته



                            وصف النبي الدجال فقال :والحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي من حديث ابن عمر رضي اللـه عنهما قال :

                            قام رسول اللـه في الناس خطيبا فحمد اللـه وأثنى على اللـه بما هو أهله.... فذكر الدجال فقال: ((إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذر قومه الدجال، ولقد أنذر نوح قومه، ولكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه ألا فاعلموا أنه أعور وأن اللـه ليس بأعور))([6]).

                            وفى رواية ((أعور العين اليمنى))، وفي رواية أخرى صحيحة ((أعور العين اليسرى))، اعلموا أنه أعور وأن اللـه ليس بأعور جل جلاله، جل ربنا عن الشبيه.. وعن النظير.. وعن المثيل.. لا كفء له، ولا ضد له، ولا ند له ولا شبيه له، ولا زوج له ولا ولد له: قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ، لَيسَ كَمثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ .

                            ثم قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: ((الدجال ممسوح العين، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مسلم))([7]).

                            ماذا تريد بعد ذلك من الرحمة المهداة والنعمة المسداة من الذي قال ربه في حقه: بالمُؤمِنِينَ رَؤوفُُ رَحِيمُُ .

                            يبين لك لتتعرف على الدجال إن خرج بين أظهرنا، يقول لك ممسوح العين... مكتوب بين عينيه كافر... يقرؤه كل مسلم.

                            وفى رواية حذيفة في صحيح مسلم قال : ((الدجال، مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب))([8]).

                            لا ينبغي أن نصرف لفظ النبي على غير ظاهره، الكتابة على جبين الدجال كتابة حقيقية لدرجة أنه وردت في رواية في صحيح مسلم قال : ((الدجال ممسوح العين، مكتوب بين عينيه (ك ف ر) أي كافر))([9]).

                            وصف عجيب للدجال من رسول اللـه عليه الصلاة والسلام !

                            أستحلفك باللـه أن تتدبر معي هذا المطلع العجيب الذي رواه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة من حديث حذيفة بن اليمان رضي اللـه عنه قال الذي لا ينطق عن الهوى : ((لأنا أعلم بما مع الدجال من الدجال، معه نهران يجريان أحدهما رأى العين ماء أبيض، والأخر رأى العين نار تأجج، فإما أدركن أحد فليأت النهـر الذي يراه ناراً، وليغمض، ثم ليطأطيء رأسه فليشرب منه فإنه ماء بارد))([10]).

                            يقول لنا الصادق المصدوق لا تخش نار الدجال فهو دجال يغطى الحق بالكذب والباطل، إن رأيت ناره فاعلم بأنها ماء عذب بارد طيب.

                            وفى رواية أخرى في صحيح مسلم لحذيفة أن النبي قال: ((يخرج الدجال وإن معه ماءً وناراً، فما يراه الناس ماءً فهي نار تحرق وما يراه الناس نارا فهو ماء بارد عذب))([11]).

                            في حديث النواس بن سمعان أنه قال: سأل الصحابة رسول اللـه عن المدة التي سيمكثها الدجال في الأرض، فقال الحبيب : ((أربعون يوما، يوم كسنة ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كسائر أيامكم ))، قلنا: يا رسول اللـه اليوم الذي كسنة تكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: ((لا، اقدروا له قدره))([12])، يعنى صلوا الفجر وعدوا الساعات التي كانت قبل ذلك بين الفجر والظهر، وصلوا الظهر، وعدوا الساعات التي كانت بين الظهر والعصر وهكذا.

                            فسأل الصحابة رسول اللـه - وما زلنا في حديث النواس ابن سمعان -: وما سرعته في الأرض؟!: ((يمكث في الأرض أربعين ليلة فيمر على الأرض كلها؟ سرعته كالغيث - أي المطر- استدبرته الريح))... يعنى يمر في كل أرجاء وأنحاء الأرض.

                            ثم قال الحبيب : ((يأتي الدجال على قوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ماكانت ذراً وأسبغه ضروعاً وأمده خواصر)).

                            فتنة رهيبة !!

                            فلو عقل هؤلاء لعلموا أن صفات النقص من أعظم الأدلة على كفره وبطلان إدعاءاته.

                            لقد ذل من بالـت عليه الثعالب





                            رب يبـول الثعلبـــان برأسـه

                            فلا خير في ربٍ نأته المطالـب





                            لو كان ربــا كـان يمـنع نفسه

                            و آمنـت باللـه الذي هو غالب





                            برئت من الأصنام في الأرض كلها

                            إن الذي يستحق أن يعبد هو المتصف بكل صفات الكمال والإجلال.

                            ثم ينطلق الدجال إلى قوم آخرين فيقول لهم: أنا ربكم. فيقولون :لا ويكذبونه.

                            يقول المصطفى : ((ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل)) أي جماعات النحل

                            فتنة رهيبة!!

                            ثم تزداد الفتنة !!!

                            يقول النبي ثم يدعوا رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين، فيمشى الدجال بين القطعتين أمام الناس ويقول للشاب قم فيستوي الشاب حيا بين يديه !!.

                            فتنه رهيبه !!!

                            وفى رواية أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم([13]) يقول المصطفى : ((فيخرج إليه شاب فتلقاه المسالح، مسالح الدجال (أي أتباعه من اليهود الذين يحملون السلاح) فيقولون له: أين تعمد؟

                            فيقول: إلى هذا الذي خرج (أي إلى الدجال) فيقولون له أولا تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء، أي لو نظرت إلى الدجال سأعرفه!

                            فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أو ليس قد نهانا ربنا أن نقتل أحداً دونه، فينطلقون بهذا الرجل المؤمن إلى الدجال، فإذا نظر المؤمن إليه قال: أيها الناس! هذا المسيح الدجال الذي ذكره لنا رسول اللـه يقول المصطفى : ((فيأمر الدجال به فيشج، فيقول: خذوه وشجوه، فيوسع ظهره وبطنه ضربا، قال: فيقول: أما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب. قال: فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، قال: ثم يمشى الدجال بين القطعتين ،: ثم يقول له: قم، فيستوي قائما، قال: ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة؟ قال: ثم يقول: يا أيها الناس: إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس، قال: فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا، فلا يستطيع إليه سبيلا، قال: فيأخذ بيديـه ورجليه فيقذف به، فيحسب الناس أنما قذفه في النـار وإنما ألقي في الجنة)) فقال رسول اللـه : ((هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين))([14])



                            وسأختم حديثي عن فتنة الدجال بحديث عجيب رواه مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم من حديث تميم الداري من حديث فاطمة بنت قيس عن تميم الداري قالت: سمعت منادي رسول اللـه ينادي: "الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول اللـه ، وكنت في النساء التي تلي ظهور القوم فلما قضى الرسول صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: ((أيها الناس ليلزم كل إنسان مصلاه)) ثم قال ((أتدرون لم جمعتكم؟)) قالوا: اللـه ورسوله أعلم.

                            فقال رسول اللـه : ((أما إني واللـه ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانياً فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام "قبيلتان عربيتان مشهورتان" فلعب بهم الموج شهرا في البحر ثم أرفؤوا([15]) إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا جزيرة فلقيتهم دابة أهلب([16]) كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره، فقالوا: ويلك، من أنت؟ قالت: أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة، قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، فلما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير، فإذا أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني: ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهرا، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا ندرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل الذي في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق فأقبلنا إليك سراعا، وفــزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة، فقال: أخبروني عن بيسان قلنا: وعن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم، قال: أما إنه يوشك أن لا يثمر، قال: أخبروني عن بحيرة طبرية، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زغر، قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبي الأميين، ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم، قال أما إن ذاك خيرا لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عنى، أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فسأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة فهما محرمتان على كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحـدة، أو واحدا منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدنى عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها)) قالت: قال رسول اللـه : وطعن بمخصرته في المنبر ((هذه طيبة.. هذه طيبة)) يعنى: المدينـة ((ألا هل كنت حدثتكم عن ذلك؟)) فقـال النـاس: نعم، قال: ((فإنه أعجبني حديث تميم لأنه وافق الذي كنت حدثتكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق، ما هو؟ من قبل المشرق ما هو ؟، وأومأ بيده إلى المشرق)) قالت: فحفظت هذا من رسول اللـه



                            أيها الأحبة الكرام:



                            هذا قليل من كثير، فلا زال هناك الكثير عن فتنة الدجال، فقد أجملت لكم ما يسر اللـه عز وجل، لنقف على خطورة هذه الفتنة.

                            وهناك سؤال لابد أن يطرح في هذا المجال ألا وهو:

                            هل سيقتل الدجال؟! ومن الذي سيقتله؟!!!

                            نعم... أبشروا سيقتل الدجال وسيقتله عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.

                            روى ابن ماجه في سننه والحاكم في المستدرك وصحح الحديث الألباني من حديث أبي أمامة الباهلي أنه قال: ((بينما إمام المسلمين يصلى بهم الصبح في بيت المقدس إذا نزل عيسى بن مريم، فإذا نظر إليه إمام المسلمين عرفه، فيتقهقر إمام المسلمين لنبي اللـه عيسى ليصلى بالمؤمنين - من أتباع سيد النبيين محمد- فيأتي عيسى عليه السلام ويضع يده في كتف إمام المسلمين ويقول: لا بل تقدم أنت فصلِّ فالصلاة لك أقيمت))، وفي لفظ ((فإمامكم منكم يا أمة محمد ويصلى نبي اللـه عيسى خلف إمام المسلمين لله رب العالمين، فإذا ما أنهى إمام المسلمين، قام عيسى وقام خلفه المسلمون، فإذا فتح عيسى باب بيت المقدس، رأى المسيح الدجال معه سبعون ألف يهودي معهم السلاح، فإذا نظر الدجال إلى نبي اللـه عيسى ذاب كما يذوب الملح في الماء، ثم يهرب فينطلق عيسى وراءه فيمسك به عند باب لد في فلسطين، فيقتله نبي اللـه عيسى ويستريح الخلق من شر الدجال)).



                            ويبقى هنا سؤال ألا وهو: ما السبيل إلى النجاة؟

                            والإجابة على هذا السؤال تكون بعد جلسة الاستراحة



                            وأقول قولي هذا واستغفر اللـه لي ولكم



                            الخطبة الثانية

                            إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له.

                            وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

                            أما بعد أحبتي في اللـه:



                            فما السبيل إلى النجاة؟

                            أحبتي الكرام: أجيب لكم عن هذا السؤال من كلام سيد الرجال محمد بن عبد اللـه حتى تطمئن قلوبكم وتستريح، ثبتكم اللـه.

                            ففي الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه والحاكم في مستدركه وصححه الألباني.

                            قال : ((من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال))([1]).

                            وفى لفظ: ((من حفظ عشر آيات من أوائل سورة الكهف عصم من فتنة الدجال)).

                            وفى لفظ: ((من حفظ عشر آيات من أواخر سورة الكهف عصم من فتنة الدجال)).

                            لقد تبينتم الآن أمر الدجال، فالأمر جد خطير، هل نقف على مثل هذه الخطورة ونحفظ عشر آيات فقط من سورة الكهف، أراكم تقولون لا بل حفظ السورة بالكامل أمر يسير أمام هذه الخطورة الشديدة، أرى منكم أناساً يقولون نذهب إلى مكة أو المدينة، سأقول لكم لا بأس، من يستطيع الفرار منكم إلى مَكة المباركة أو طيبة طيبها اللـه، فله ذلك، فهما محرمتان على الدجال أن يدخل واحدة منهما وذلك من سبل النجاة.

                            لكنني لا أجد لك سبيلا للنجاة أكبر وأشرف وأجل وأعظم من أن ُتوحد اللـه جل وعلا وتعرف معنى كلمة.. "لا إله إلا اللـه".. فهذا هو أصل الأصول وبر الأمان لكل مؤمن يريد الأمان حقا في الدنيا والآخرة.

                            ألم يقل لك المصطفى بأنه لا يقرأ كلمة كافر بين عيني الدجال إلا مؤمن موحد للكبير المتعال، واعلم يقينا بأن الإيمان ليس كلمة يرددها لسانك فحسب.. بل الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان "يعنى القلب"... وعمل بالجوارح والأركان... ولابد أن تعلم أن أركان الإيمان... أن تؤمن باللـه وملائكته، وكتبه، ورسوله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره فلا بد لك من الآن أن تصحح إيمانك باللـه جل وعلا وتحقق الإيمان يقينا.

                            وقد قال الحسن : ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، فمن قال خيراً وعمل خيراً قبل منه ومن قال خيراً وعمل شراً لم يقبل منه.

                            قال اللـه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللـه ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-33].

                            قال اللـه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:107 -110].




                            ([1]) رواه مسلم رقم (2901) فى الفتن ، باب ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال ، وأبو داود رقم (4311) فى الملاحم ، باب أمارات الساعة ، والترمذى رقم (2184) فى الفتن ، باب ما جاء فى الخسف .



                            ([2]) فتح البارى (11/353) .



                            ([3]) أخرجه أحمد فى المسند رقم (7040) وقال محققه : إسناده صحيح .



                            ([4]) رواه مسلم رقم (2933) ، فى الفتن ، باب ذكر الدجال وصفة ما معه ، وأبو داود رقم (4316،4317،4318) فى الملاحم ، باب خروج الدجال ، والترمذى رقم (2246) فى الفتن



                            ([5] ) رواه مسلم رقم (2946) فى الفتن ، باب فى بقية من أحاديث الدجال .



                            ([6]) رواه البخـارى رقم (7127) فى الفتن ، باب ذكر الدجال ، ومسلم رقم (169) فى الإيمان ، باب ذكر المسيح بن مريم والمسيح الدجال ، وأبو داود واللفظ له رقم (4757) فى السنة ، بـاب فى الدجال ، والترمذى رقم (2236،2242) فى الفتن ، باب ما جاء فى علامة الدجال .



                            ([7]) رواه مسلم رقم (2933) فى الفتن ، باب ذكر الدجال وصفة ما معه ، وأبو داود رقم (3416 - 3418) فى الملاحم ، باب خروج الدجال ، والترمذى رقم (2246) فى الفتن .



                            ([8]) رواه مسلم رقم (2933) فى الفتن ، باب ذكر الدجال وصفة ما معه ، وأبو داود رقم (3416 :3418) فى الملاحم ، باب خروج الدجال ، والترمذى رقم (2246) فى الفتن .



                            ([9]) رواه مسلم رقم (2933) فى الفتن ، باب ذكر الدجال وصفته وما معه .



                            ([10]) رواه البخارى رقم (7130) فى الفتن ، باب ذكر الدجال ، ومسلم رقم (2934،2935) فى الفتن ، باب ذكر الدجال وصفته وما معه ، وأبو داود رقم (4315) فى الملاحم ، باب خروج الدجال .



                            ([11]) رواه مسلم رقم (2934 ، 2935 ) فى الفتن ، باب ذكر الدجال .



                            ([12]) رواه مسلم رقم (2937) فى الفتن ، باب ذكر الدجال وصفته وما معه ، وأبو داود رقم (4321، 4322) فى الملاحم ، باب خروج الدجال ، والترمذى رقم (2241) فى الفتن ، باب ما جاء فى فتنة الدجال .



                            ([13]) رقم (2938) فى الفتن وأشراط الساعة ، باب فى صفة الدجال .



                            ([14]) رواه البخارى رقم (7132) فى الفتن ، باب لا يدخل المدينة ، ومسلم رقم (2938) فى الفتن ، باب صفة الدجال وتحريم المدينة عليه .



                            ([15]) أرفأت السفينة : قربتها إلى الشط وأدنيتها من البر .



                            ([16]) الهلب : ما غلظ من الشعر والأهلب : الغليظ الشعر الخشن .



                            ==========================================

                            ([1]) رواه مسلم رقم (809) فى صلاة المسافرين ، باب فضل سورة الكهف وآية الكرسى ، وأبو داود رقم (4323) فى الملاحم ، باب خروج الدجال ، والترمذى رقم (2888) فى ثواب القرآن



                            تعليق


                            • #15
                              يأجوج ومأجوج

                              إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.. أدَّى الأمانةَ، وبَلَّغَ الرسالةَ، ونَصَحَ الأمةَ، وكشف الله به الغمة ، جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصلى اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين...
                              أما بعد
                              فحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وذكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور.
                              طبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا.
                              حياكم الله جميعاً وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنى وإياكم في الدنيا دائما وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار كرامته.
                              إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شىء قدير

                              أحبتى فى الله

                              في رحاب الدار الآخرة:

                              سلسلة علمية هامة تجمع بين المنهجية والرقائق وبين التأصيل العلمي والأسلوب الوعظي الهدف منها:

                              تذكيـر النـاس بحقيقـة الدنيـا للإنابـة والتوبة إلى اللـه جل وعلا قبل أن تأتيهـم الساعة بغتة وهم يخصمـون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون.

                              وهذا هو لقاءنا السادس من لقاءات هذه السلسلة، وحديثنا اليوم إن شاء اللـه تعالى عن علامة من علامات الساعة الكبرى التي ذكرها المصطفى في حديثه الصحيح الذي رواه مسلم من حديث حذيفة بن أُسَيد الغفاري قال: اطلع علينا النبي صلى اللـه عليه وسلم ونحن نتذاكر فقال المصطفى : ((ما تذاكرون))؟ فقالوا: نذكر الساعة، قال المصطفى: ((إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم))([1]).

                              تكلمنا عن الدجال ونزول عيسى عليه السلام وحديثنا اليوم إن شاء اللـه تعالى عن يأجوج ومأجوج.

                              وكعادتنـا حتـى لا ينسـحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعا، فسوف أركز الحديث مع حضراتكم اليوم عن يأجوج ومأجوج في العناصر التاليـة:

                              أولاً: تأصيل لغوى شرعي مختصر.



                              ثانياً: بعث النار.



                              ثالثاً: ذو القرنين ويأجوج ومأجوج.



                              رابعاً: خروجهم بين يدي الساعة.



                              خامساً: عيسى بن مريم والدعاء المستجاب.

                              فأعرني قلبك وسمعك أيها الحبيب، واللـه أسأل أن يجعلني وإياكم جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم اللـه وأولئك هم أولوا الألباب .

                              أولاً: تأصيل لغوى وشرعي مختصر:



                              أيها الأحبة: لقد أورد كثير من المؤرخين والمفسرين أخباراً عجيبة وروايات غريبة عن يأجوج ومأجوج، ذكروا في هذه الروايات والأخبار أصلهم، ونسبهم، وأشكالهم، وألوانهم، ومكانهم!!

                              وهذه الأخبار والروايات لا تعدو أن تكون مجرد خرافات وأوهام وخيالات وأساطير، لأنها أُخِذَت من الإسرائيليات.

                              أُخِذَت من غير المصادر اليقينية أي القرآن والسنة النبوية الصحيحة، فلا يجوز لأحدٍ بحال أن يتكلم في مثل هذه الأمور الغيبية إلا بالدليل الصريح من القرآن أو بالدليل الصحيح من سنة النبي عليه الصلاة والسلام.

                              فلسنا في حاجة على الإطلاق لأن نلهث وراء الإسرائيليات والأخبار العجيبة والموضوعة لنتكلم عن يأجوج ومأجوج أو عن ذي القرنين ،وإنما يجب علينا جميعا أن نقف عند النص اليقيني في كتاب ربنا وفي سنة الحبيب نبينا ففيه الغنى.

                              يأجوج ومأجوج أُمَّتَانِِ من البشر من ذرية آدم عليه السلام يتميزان عن بقية البشر بالاجتياح المروع والكثرة الكاثرة في العدد والتخريب والإفساد في الأرض بصورة لم يسبق لها مثيل.

                              وقال المحققون من أهل اللغة نقلا عن ابن منظور في لسان العرب وغيره قالوا :

                              يأجوج ومأجوج اسمان أعجميان مشتقان من أجيج النار أي من التهابها ومن الماء الأجاج وهو الشديد الملوحة والحرارة .

                              فشبَّهوهم بالنار المضطرمة المتأججة وبالمياه الحارة المحرقة المتموجة لكثرة تقلبهم، واضطرابهم، وتخريبهم، وإفسادهم في الأرض .

                              هذا هو التأصيل اللغوي الذي لابد منه بداية حتى لا نطلق لخيالنا العنان لنلهث وراء الخرافات والأساطير والأوهام .

                              لذا أخبرنا المصطفى أن يأجوج ومأجوج هم بعث النار يوم القيامة وهذا هو عنصرنا الثاني من عناصر اللقاء:



                              ثانياً: بعث النار:

                              ففي الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدري أن النبي قال: ((يقول اللـه يوم القيامة: يا آدم فيقول آدم: لبيك وسعديك والخير في يديك فيقول اللـه جل وعلا: أَخْرِج بعث النار فيقول آدم عليه السلام: وما بعث النار يا رب؟، فيقول الملك: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى جهنم، وواحد إلى الجنة)) فشق ذلك على أصحاب النبي المختار، وفي رواية ((فيأس القوم حتى ما أبدوا بضاحكة))، وفي رواية ((فبكى أصحاب الرسول وقالوا: يا رسول اللـه وأينا ذلك الواحد)) فقال المصطفى (أبشروا! أبشروا! فمن يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد)) ثم قال المصطفى : ((والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة)) فكبرنا. قال: ((والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة)) فكبرنا . فقال المصطفى في الثالثة: ((واللـه لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة)).

                              أمة النبي أمة مرحومة.. أمة النبي أمة ميمونة .

                              و كدت بأخمصي أطأ الثُّريــا





                              ومما زادني فخــرا وتيهــا

                              وأن أرسلت أحمد لـي نبيــا





                              دخولـي تحت قولك يا عبادي

                              اسجد له شكراً أنك من أمة الحبيب محمد ، فأمة المصطفى أمة مرحومة أثنى عليها ربها وأثنى عليها نبيها .

                              قال اللـه لها: كُنتُم خَيرَ أُمَّةِ أُخرِجتْ لِلنَّاسِ

                              قال اللـه لها: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة: 143] .

                              وفـى الحديـث الذي رواه الترمذي وأحـمـد وابـن ماجـه بسند حسن قال المصطفى : ((أنتم موفون سبعون أمة أنتم خيرها وأكرمها على اللـه جل وعلا))([2]).

                              أنتم خير الأمم.. أنتم أكرم الأمم على اللـه جل وعلا .

                              بل وفي صحيح البخاري من حديث أبى سعيد الخدري أن الحبيب النبي قال: ((يدعى نوح يوم القيامة فيقال له يا نوح هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم يا رب. فيدعى قومه ويقال لهم: هل بلغكم نوح؟ فيقول قوم نوح: لا ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيقول الحق جل وعلا: وهو أعلم، من يشهد لك يا نوح؟ فيقول نوح: يشهد لي محمد وأمته، يقول المصطفى: فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أدعى فأشهد عليكم ))([3]).

                              وذلك قول اللـه جل وعلا : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا

                              بل ومن الأحاديث الممتعة التي تبين فضل السابقين واللاحقين من أمة سيد النبيين ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة أن النبي أتى المقبرة يوما فقال: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون وإنّا إن شاء اللـه بكم لاحقون)) ثم قال الحبيب : ((وددت أنَّا قد رأينا إخواننا)) فقال الصحابة: أو لسنا إخوانك يا رسول اللـه؟ قال : ((أنتم أصحابي، وإخواننا قوم لم يأتوا بعد)) فقال الصحابة: فكيف تعرف من لم يأتِ بعد من أمتك يا رسول اللـه؟ فقال المصطفى : ((أرأيت لو أن رجلا له خيلُُ غُرُّ مُحَجَّلَة بين ظَهْرَي خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ (أي سود) ألا يعرف خيله))؟ قالوا: بلى يا رسول اللـه، فقال المصطفى : ((فأنهم يأتون غُراً محجلين من الوضوء ))([4]).

                              أحبتي في اللـه:

                              أقف الآن وحضراتكم مع هذا الحوار الجميل بين ذي القرنين وقوم تعرضوا للفساد والإيذاء على أيدي يأجوج ومأجوج وهذا هو عنصرنا الثالث بإيجاز .

                              ثالثاً: ذو القرنين ويأجوج ومأجوج:

                              لقد حكى اللـه قصة ذي القرنين في سورة واحدة من سور القرآن ألا وهي سورة الكهف قال اللـه تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرض وَءَاتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا وَأَمَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرض فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ءَاتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ ءَاتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا [الكهف:83-98].

                              هذه هي قصة ذي القرنين مع يأجوج ومأجوج وأقول لك أن قصة ذي القرنين هي الأخرى قد نُسِجَ حولها من الأساطير والخرافات والخيالات والأوهام ما يندى له جبين التحقيق خجلاً وحياءً.

                              لا يجوز لأحد يحترم علمه وعقله أن يتجاوز النص القرآني في قصة ذي القرنين فما ذكره اللـه في القرآن عن ذي القرنين فيه الغنى وفيه الكفاية، ولسنا في حاجة لأن نلهث وراء الإسرائيليات لننسج حول شخصية ذى القرنين الأساطير والخرافات والأوهام .

                              والآن أدعوك لنتجول سوياً لنتعرف على قصة ذي القرنين مع يأجوج ومأجوج بالنص القرآني والتفسير اليسير.

                              ذو القرنين عبد صالح اختلف أهل التفسير في نبوته لكن لا يستطيع أحد أن يجزم بذلك.

                              والقصة تبدأ بسؤال المشركين للنبي المصطفى ويأتي الجواب من اللـه جل وعلا: "قل" يا محمد، وكلمة "قل" يسميها علماء التفسير وعلماء اللغة قل التلقينيه أي القصة ليست من عند رسول اللـه بل هي وحي من عند اللـه جل وعلا: قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا : كلمة " منه " التبعيضية: أي سأتلوا عليكم بعض الشيء من قصة ذي القرنين ولو علم اللـه في الزيادة عن النص القرآني خيراً لذكرها لنا فلنقف عند ما ورد في القرآن وما ثبت في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرض : تدبر ... فمن الذي مَكَّنَ لذي القرنين؟

                              فالتمكين إن نقبت عنه في القرآن سترى أنه في كل مرة وردت لفظة التمكين تنسب إلى اللـه رب العالمين، وهذه القاعدة البلاغية تؤصل في القلوب قاعدة إيمانية .

                              فالذي يُمَكِّن للدول والأمم والشعوب هو اللـه، فيجب علينا جميعا أن نعلق قلوبنا بالملك الذي يفعل كل شيء، مع الأخذ بالأسباب فهذا من حقيقة التوكل على اللـه .

                              لا تسود أمة إلا بإذن اللـه ولا تزول أمة إلا بإذن اللـه .

                              قال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26].

                              إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرض وَءَاتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا . أخذ بهذه الأسباب والوسائل للتمكين والنصر والفتح والظهور .

                              الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرض أَقَامُوا الصَّلاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ [الحج:41].

                              فهناك من الأمم من يمكن اللـه لها فتأخذ بأسباب التمكين فيزيدها اللـه ثباتا وتمكينا فإن فرطت أذهب اللـه عنها التمكين. وهناك من الناس من إذا مكن اللـه له أخذ بوسائل التمكين فزاده اللـه رفعة ونصرا فإن فرط في هذه الأسباب والوسائل أمر اللـه عز وجل بزاوله وهلاكه .

                              وَءَاتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا . أعطاه من الأسباب ما يستطيع أن يفتح وأن ينتصر وأن يجوب البلاد شرقا وغربا .

                              يبدأ ذو القرنين الرحلة الجهادية الأولى في سبيل اللـه نحو المغرب .

                              حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا .

                              ومن المعلوم أنه ليس للشمس مشرقاً واحداً ولا مغرباً واحداً بل لها عدة مشارق ومغارب .

                              قال اللـه تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ [المعارج:40].

                              فالشمس لها مشارق ومغارب بحسب فصول السنة وأيامها وشهورها، لها مشارق ومغارب بحسب المكان، لها مشارق ومغارب بحسب رؤية الرائي إلى قرص الشمس أثناء الشروق أو الغروب .

                              قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا .

                              فبين ذو القرنين منهجه العادل ودستوره الحكيم، فقال كما ذكر في كتاب ربنا: قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا وَأَمَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا .

                              وأما من ظلم نفسه بالشرك وعدم اتباعي فسوف أعذبه وله عند اللـه العذاب العظيم، أما من اتبعني وآمن بما جئت به ووحد اللـه واستقام على منهج اللـه فله الحسنى وهى الجنة، أما من ناحيتي فسنقول له يسرا .

                              ثم انطلق نحو المشرق في رحلة ثانية :

                              حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا . لا يحمى هؤلاء الناس والقوم شيء على الإطلاق، لا يحول بينهم وبين الشمس شيء.

                              كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا : أي علم اللـه عز وجل كل ما يدور في قلبه وفي نفسه.

                              وتبدأ الرحلة الثالثة التي هي محل الشاهد في موضوعنا:

                              حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ والسدين: الجبلين العظيمين .

                              وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا .

                              لا يعرفون لغة ذي القرنين أو لا يستطيعون أن ينفتحوا على غيرهم من الأمم، فهم قوم منعزلون على أنفسهم، تعرضوا إلى أشد الهجمات وأعنف الضربات على يدي يأجوج ومأجوج، فلما رأوا ذا القرنين الملك الفاتح العادل توسلوا إليه وانطلقوا وقوفا بين يديه وقالوا: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرض فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا .

                              هؤلاء القوم يقولون لذي القرنين هل نبذل لك من أموالنا ما تشاء وما تريد على أن تبنى لنا سدا منيعا يحمينا من يأجوج ومأجوج .

                              فرد عليهم بزهد وورع وقال: قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ .

                              لقد أعطاني اللـه عز وجل من وسائل التمكين ما أغنانى به عن مالكم ولكنه لمح فيهم الكسل، فأراد أن يشركهم في هذا المشروع العظيم وفي هذا العمل الضخم، فقال لهم ولكن!

                              فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا . أي قال بلغة العصر: التخطيط الهندسي والمعماري والإنفاق المادي لبناء هذا السد ولإقامة هذا المشروع، سنتكفل نحن بذلك، ولكننا في حاجة إلى العمال، في حاجة إلى عمالة يحملون ويبنون ويقيمون هذا العمل: فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا .

                              وبدأ ذو القرنين المهندس البارع الذي سبق علماء الهندسة المعاصرين بعدة قرون .

                              أمر بالبدء في المرحلة الأولى من مراحل هذا المشروع .

                              ءَاتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ : أي اجمعوا لي قطع الحديد الضخمة وأمرهم بوضع هذه القطع في مكان ضيق بين هذين السدين، فلما وضعت قطع الحديد حتى ساوت قمة الجبلين قال: انفخوا النار المشتعلة التي تصهر هذا الحديد، ولك أن تتصور حجم هذه النيران التي اشتعلت لتصهر أطناناً من الحديد لا يعلم وزنها إلا العزيز الحميد، اشتعلت النيران تحت هذا الحديد بين السدين في مكان ضيق، يريد أن يسد على يأجوج ومأجوج الطريق الذي ينفذون منه إلى هذه الأمم المسكينة المغلوبة على أمرها .

                              فأشعل النيران حتى انصهر الحديد وذاب بين السدين أي بين الجبلين، فأمر ذو القرنين أن يدخلوا في المرحلة الثانية من مراحل البناء، ألا وهي أن يذيبوا النحاس حتى ينصهر .

                              فلما انصهر النحاس أمرهم بصب النحاس على الحديد فتخلل النحاس الحديد فأصبح النحاس والحديد معدناً واحداً ليزداد صلابة وقوة فلا تستطع يدى يأجوج ومأجوج أن تتسلقه أو أن تنقبه .

                              وبذلك يكون ذو القرنين قد سبق العلم المعاصر في تقوية الحديد بالنحاس فلما ساوى بين الصَّدَفين بهذا الحديد وبهذا النحاس ليبين لنا سمات القيادة الفذة الناجحة التي تستطيع أن تجمع بين الخيوط والخطوط .

                              التي تستطيع أن تجمع بين المواهب والطاقات والقدرات والإمكانيات لتستغل الموارد والطاقات أعظم استغلال.

                              ذو القرنين يبين لنا سمات القيادة الناجحة، وما أحوج الأمة إلى هذه القيادة الفذة، فلما نظر إلى هذا السد العظيم لم يسكره نشوة القوة والعلم، لم يقل فن الإدارة!!

                              لم يقل: إنما أوتيته على علم عندي!! وإنما نسب الفضل لصاحب الفضل جل وعلا فقال: قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا

                              درس عظيم .. هذا رحمة من ربي ثم بين للحضور معتقده الصافي في الإيمان بالبعث والإيمان بيوم القيامة فقال لهم إن الذي أمر ببناء هذا السد هو اللـه، وأن الذي أمر بحجز يأجوج ومأجوج هو اللـه، وأن الذي سيأذن لهم بالخروج هو اللـه، وحتما سيأتي يوم على هذا السد المنيع ليجعله اللـه عز وجل دكاء أي ليسويه بالأرض وذلك لا يكون إلا بين يدي الساعة كما سيسوى جبال الأرض كلها بالأرض .

                              فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا .

                              هكذا يبين ذو القرنين العقيدة الصافية في الإيمان بالبعث، في الإيمان بيوم القيامة وعلامته الكبرى حين يأذن الحق تبارك وتعالى ليأجوج ومأجوج في الخروج حينئذ يستطيعون أن ينفذوا هذا السد ويخرجوا وهذا هو عنصرنا الرابع من عناصر هذا اللقاء:

                              رابعاً: خروجهم بين يدي الساعة:

                              في صحيح البخاري من حديث زينب بنت جحش رضي اللـه عنها: أن النبي دخل عليها يوما فزعا وهو يقول: ((لا إله إلا اللـه، لا إله إلا اللـه ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)) وحلق بأصبعه السبابة والإبهام فقالت زينب بنت جحش: يا رسول اللـه أَنهلِكُ وفينا الصالحون فقال المصطفى(نعم إذا كَثُرَ الخبث))([5]).

                              يهلك الصالح والطالح ويبعث اللـه الصالحين والطالحين على نيـاتهـم .

                              وتدبر معي هذا الحديث: الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم في المستدرك وصحح الحاكم الحديث على شرط الشيخين وأقر الحاكم الذهبي والألباني في السلسلة من حديث أبي هريرة أن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى قال: ((إن يأجوج ومأجوج يحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قالوا: ارجعوا فستحفرونه غداً فيرجعون فيعد اللـه السد أشد مما كان، حتى إذا أراد اللـه أن يبعثهم خرجوا يحفرون السد فقال الذي عليهم إذا ما رأوا شعاع الشمس ارجعوا وستحفروه غدا إن شاء اللـه تعالى فيعودون فيرون السد كهيئته التي تركوه عليها فيحفرونه ويخرجون))([6]) وفي رواية مسلم في حديث النواس بن سمعان ((فيمرون على بحيرة طبرية فإذا مَرَّ أوائل يأجوج ومأجوج شربوا ماء البحيرة كله فإذا مر آخرهم قال: لقد كان في هذه البحيره ماء)).

                              فيخرجون فيخاف الناس ويتحصنون منهم في الحصون، يتركون لهم الشوارع والطرقات لا قدرة لأحد بقتالهم كما سأذكر في رواية النواس بن سمعان قال المصطفى : ((أوحى الله إلى عيسى: يا عيسى إني قد بعثت قوما (أي يأجوج ومأجوج) لا يدان لأحد بقتالهم (أي لا طاقة لأحد بقتالهم) فحرز عبادي إلى الطور أي اجمع عبادي من المؤمنين إلى جبل الطور في سيناء)). ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيقول يأجوج ومأجوج: لقد قتلنا أهل الأرض تعالوا لنقتل أهل السماء.

                              انظر إلى الفجور!! وبهذه العبارة فقط تستطيع أن تتصور حجم الفساد في الأرض إذ تجرأ هؤلاء وفكروا في أن يقاتلوا أهل السماء وبالفعل يوجهون النشاب (أي السهام) إلى السماء فيريد الملك أن يبتليهم فيرد اللـه عليهم نشابهم ملطخة دماً فتنة من اللـه تعالى فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء في الوقت الذي تبتلى فيه الأرض بهذه الفتنة تكون فتنة أخرى عصفت بأهل الأرض عصفاً ألا وهى فتنة الدجال فينزل عيسى عليه السلام وهذا ما سنتعرف عليه بعد جلسة الاستراحة.

                              وأقول قولي هذا وأستغفر اللـه لي ولكم



                              الخطبة الثانية

                              خامساً: عيسى بن مريم والدعاء المستجاب :

                              يُنزل اللـه تعالى عيسى عليه السلام كما في حديث النَّواس بن سمعان الذي رواه مسلم قال المصطفى : ((فبينما هو كذلك (أي الدجال) إذ أنزل اللـه عز وجل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهرودتين أى ثوبين مصبوغين واضعاً كَفَّيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدَّر منه جمان كاللؤلؤ)) إذا رفع نبي اللـه عيسى رأسه تقطر منها الماء كحبات اللؤلؤ الأبيض .

                              يقول المصطفى : ((فيطلب عيسى بن مريم الدجال حتى يدركه بباب لُدّ (مدينة بفلسطين) )). فيقتل عيسى بن مريم الدجال عليه لعنة اللـه: ((ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم اللـه منه فيمسح عن وجوههم ويبشرهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ أوحى اللـه إلى عيسى إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطـور)) (أي لا طاقـة ولا قـدرة لأحـد بقتـالـهم) يقـول المصطفى : ((ويبعث اللـه يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون)). ينتشرون، يغطون وجه الأرض من فوق المرتفعات والجبال.

                              فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مَّرةً ماءُُ ويحصر نبي اللـه عيسى عليه السلام وأصحابه فيـرغـب نـبي اللـه عيسى وأصحابه أن يتضرعـوا إلى اللـه عز وجل أن يهلـك يأجوج ومأجوج فيستجيب اللـه دعاء عيسى وأصحابه من أمة النـبي محمد .

                              اسمع ماذا قال المصطفى : ((فيرسل اللـه على يأجوج ومأجوج النغف)) النغف: هو الدود الصغير.

                              تدبر قدرة الملك وعظمة الملك، واللـه ما أحوج الأمة إلى أن تمتلئ قلوبها يقينا بقدرة الملك جل جلاله.

                              ما أحوجنا إلى أن نتعرف على عظمة اللـه وعلى جلال اللـه، وعلى قوة اللـه، وعلى قدرة اللـه، فإن أمر اللـه بين الكاف والنون .

                              فيرسل اللـه عليهم النغف أى الدود الصغير في رقابهم فيهلكهم الحق جل وعلا فيقول المصطفى : ((فيصبحون فرسى (أي قتلى) كموت نفس واحدة)) في رواية ((يطلب نبى اللـه عيسى واحداً من هؤلاء المتحصنين الخائفين أن يخرج وأن يبذل نفسه ليرى ماذا فعل يأجوج ومأجوج في الأرض فيخرج وهو مستعد للقتل والهلاك فيرى هذه الكرامة والمعجزة والآية فيرجع لنبي اللـه عيسى وينادي عليه وعلى أصحابه: أبشروا لقد أهلك اللـه يأجوج ومأجوج )). يقول المصطفى : ((ثم يهبط نبي اللـه عيسى مع أصحابه فلا يجدون موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم (الزهم: الدهن والشحم) لا يقوى الناس على هذه الرائحة الكريهة النتنة. فيرغب نبي اللـه عيسى وأصحابه إلى اللـه أن يطهر الأرض من هذه النتن، فيرسل اللـه عز وجل طيراً كأعناق البخت (أي كرقاب الإبل) فتحملهم فتطرحهم حيثما شاء اللـه ثم يرسل اللـه مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزَّلَقَة (أي تصبح الأرض كالمرآة في صفائها ونقائها) وحينئذ يقال للأرض أنبتي ثمرتك وردِّى بركتك)). يقول المصطفى : ((فبينما هم كذلك إذ بعث اللـه ريحاً طيبة تأخذ الناس تحت آباطهم فتقبض هذه الريح روح كل مؤمن ومسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون في الأرض تهارج الحمر (أي الحمير) وعليهم تقوم الساعة)).

                              وبذلك يكون قد أنهيت الحديث عن يأجوج ومأجوج من المصادر اليقينية من كتاب اللـه والسنة الصحيحة، وأنصح أحبابي أن لا يقفوا بعد ذلك وراء الأساطير والأوهام والإسرائيليات التي وردت في ذلك.

                              أسال اللـه جل وعلا أن يرزقنا وإياكم العلم النافع وأن يفقهنا وإياكم في الدين وأن يحفظنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه على كل شئ قدير.

                              اللـهم استرنا ولا تفضحنا وأكرمنا ولا تهنا وكن لنا ولا تكن علينا اللـهم لا تدع لأحد منا في هذا المقام الكريم ذنباً إلا غفرته ولا مريضا إلا شفيته ولا ديناً إلا قضيته، ولا هماً إلى فَرَّجْته، ولاميتا إلا رحمته، ولا عاصيا إلا هديته، ولا طائعا إلا سددته، ولا حاجة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين.

                              اللـهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقناً من بعده تفرقا معصوما ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً أو محروماً.

                              اللـهم اهدنا واهدِ بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى.

                              اللـهم إن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين ولا مغيرين ولا مبدلين برحمتك يا أرحم الراحمين.

                              اللهم احمل المسمين الحفاة واكسوا المسلمين العراة وأطعم المسلمين الجياع.

                              اللهم لا تحرم مصر من الأمن والأمان.

                              اللهم لا تحرم مصر من التوحيد والموحدين برحمتك يا أرحم الراحمين.

                              أحبتي في اللـه..

                              هذا وما كان من توفيق فمن اللـه وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان واللـه ورسوله منه براء وأعوذ باللـه أن أكون جسرا تعبرون عليه إلى الجنة ويُلقى به في جهنم ثم أعوذ باللـه أن أذكركم به وأنساه.

                              وصلِّ اللـهم وسلم وزد وبارك على محمد صلى اللـه عليه وسلم.

                              ================================================== ========================

                              ([1]) سبق تخريجه .

                              ([2]) رواه البخارى رقم (4478) فى التفسير ، باب قوله تعالى ) وكذلك جعلناكم أمة وسطاً( والترمذى رقم (2965) فى التفسير ، باب ومن سورة البقرة ، وهو فى صحيح الجامع رقم (8034) .

                              ([3]) رواه البخارى رقم (3339) فى أحاديث الأنبياء ، باب قول الله عز وجل ) ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه ( ورواه الترمذى ، والنسائى ، وابن ماجة ، ورواه أيضاً أحمد فى المسند رقم (11222) .

                              ([4]) رواه البخارى رقم (136) فى الوضوء ، باب فضل الوضوء والغر المحجلون ، ومسلم رقم (249) فى الطهارة ، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل فى الوضوء ، والموطأ (1/28-30) والنسائى (1/93/95) فى الطهارة .

                              ([5]) رواه البخارى رقم (3346) فى أحاديث الأنبياء ، باب قصة يأجوج ومأجوج ، ومسلم رقم (2880) فى الفتن ، باب اقتراب الفتن ، والترمذى رقم (2188) فى الفتن .

                              ([6]) رواه ابن ماجة رقم (4080) والحاكم وهو فى صحيح ابن حبان (1908) .



                              تعليق

                              يعمل...
                              X