عالم تحكمه الرموز
"العلامات والرموز هي ما يحكم العالم وليس الكلمات ولا القوانين".
العبارة منسوبة إلى الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، وقد توفي قبل حوالي 2400 عام، ومع ذلك فإن ما فعلته هذه الأعوام كلها هو أنها زادت في غابة الرموز كثافة، وجعلت من "العلامات" لا مفاتيح للحياة في عصرنا الحاضر، ونظرة نلقيها على ما حولنا تكشف حجم الدور الهائل الذي تلعبه الرموز والعلامات في سياق حياتنا اليومية، وتكشف أيضا الفرق بين قوى تصنع التاريخ وأخرى تقع أسيرة له.
وفي هذا يقول معد البرنامج فيكتور دي لافلي: كنا بحاجة إلى شعار يستطيع أن يرسمه المواطنون خلسة تحت جنح الظلام، وبسهولة، يعبرون بواسطته عن مقاومتهم للمحتل، ثم ما لبث الشعار أن انتقل إلى باريس ومنها عم جميع أنحاء فرنسا، ثم تحول بواسطة الإذاعة البريطانية إلى موسيقى، عبر استخدام إشارات مورس "نقطة. نقطة. نقطة. شرطة
" وبالمصادفة فقد كان هذا النغم مطلع السيمفونية الخامسة لبيتهوفن، ومن هنا تحولت V" " إلى شعار ونشيد يمكن عزفه حتى بأبواق السيارات "!"،
وهو ما أشعل غضب وزير الدعاية الألماني الجنرال غوبلز، فبدأ حملة مضادة أكد فيها عبر خطاب شخصي "أن الحرف V" " هو الحرف الأول من العبارة الألمانية القديمة "فيكتوريا"، وما انتشار هذا الحرف إلا دليل على تضامن أوربا كلها مع الألمان في مواجهة البلشفية".
وأرفق الدكتور غوبلز خطابه بتعليق حرف V" " كبير فوق برج إيفل في وسط باريس "!"، غير أن الحملة المضادة زادت من شعبية الشعار، وهو ما دفع سلطات الاحتلال الألمانية بعد شهرين إلى تحذير جميع الأوربيين من أنه ستتم محاكمة أصحاب المنازل والمرافق الذين يظهر على جدرانهم أو أسوارهم الحرف "V". كما أكدت الأوامر على ضرورة منع التلاميذ من الخروج من المدارس وفي جيوبهم أية قطع من "الطبشور"، ثم بعد ذلك صار للشعار مفعول السحر في بريطانيا عندما كان رئيس الوزراء في ذلك الوقت ونستون تشرشل يرفع أصابعه بشارة النصر بينما القاذفات الألمانية تمطر لندن بالقنابل، وقال تشرشل "إن علامة "V" هي رمز إرادة المواطنين، غير القابلة للقهر، في الدول المحتلة كما في بريطانيا، كما أنها رمز المصير الذي ينتظر المستبد النازي".
.. والمعنى المعاكس
أما السيدة مارغريت تاتشر فقد استخدمت الشعار نفسه أثناء حرب "الفوكلاند" ضد الأرجنتين، غير أنها رفعت إصبعيها بالاتجاه المعاكس، وهو ما اقتضى تصويبها فيما بعد.
ويعود تاريخ استخدام شعار "V" بظاهر اليد ليدل على الإهانة أو التحدي! إلى عام 1415 م، حيث تقول الرواية إنه بتاريخ 25 أكتوبر - تشرين أول من ذلك العام تواجهت القوات الفرنسية مع القوات البريطانية في موقعة "آغن كورت"، ونظرا لأن الرماة الإنجليز كانوا معروفين بسهامهم الطويلة، بينما كانت سهام الخصوم قصيرة، فقد وقف الفرنسيون في صبيحة يوم الموقعة وهددوا الإنجليز بأنهم سيقطعون الأصبعين الأولين من يد كل رام يقبضون عليه، وبالتالي فالأفضل ألا يستخدمهما في رمي السهام، ولكن عند نهاية الموقعة في المساء، وقف الرماة الإنجليز في مواجهة الفرنسيين و.. رفعوا أصابعهم بالعلامة "V" في إشارة صارت عنوانا للتحدي..
اللحية والشعار السياسي
والرموز منها ما هو عابر ومنها ما يغور في عمق التاريخ البشري ويكتسب قداسة معينة فاللحية في الجزائر مثلا تحولت إلى رمز لقوى سياسية معارضة للسلطة، وهو ما دفع السلطة إلى منع الموظفين الرسميين من تربية لحاهم "!"، أما في بعض دول الخليج، حيث تربية اللحية هي عادة اجتماعية وليست شعارا سياسيا، فإن اللحية غير المشذبة مع الكندورة "الدشداشة" التي ترتفع إلى ما فوق الكاحل هي تعبير عن موقف سياسي، وهو ما يشير إلى عمق دلالة الرمز لدى الشعوب، ومثل هذه الرموز "الظرفية" كثير في العالم العربي والإسلامي، وبعضها لا يعيش أكثر من ساعات، ففي دمشق مثلا، وأثناء حرب 1967، أعلن المذيع في الراديو عن إسقاط طائرة إسرائيلية فوق جبل قاسيون، وطلب المذيع من الجماهير القبض على الطيار الهارب وتسليمه إلى أقرب مركز للأمن، وخلال دقائق كانت ألوف الشبيبة - وكاتب هذه السطور من بينها - تتجول في الشوارع باحثة عن الطيار الإسرائيلي، ولان الاعتقاد السائد يومها أن الإسرائيلي لا بد أن يكون "أشقر الشعر" فقد كنا نواجه أي عابر أشقر بعبارة "السلام عليك"، وكنا نفترض أن الإسرائيلي لن يعرف الرد، فيجيب "شالوم" وعندها نقبض عليه "!" وهكذا، وخلال ساعات، كان الشعب يخترع "رمزا"، يساعده في كشف العدو، ورغم أن مثل هذه الحكاية تبدو اليوم أقرب إلى أن تكون طرفة، فإن شيئا مماثلا حدث في بيروت بعد عام 1982 عندما انتشرت موجة خطف الأجانب، ففي شارع الحمرا ظهرت مجموعات من الشباب الملتحي، ولم تكن تدقق في هويات العابرين، ولكن كلما أطل رجل أشقر الشعر أزرق العينين كان أحد شباب المجموعة يعترضه بتهذيب شديد ويقول "مرحبا" مع التشديد على حرف الحاء، فإذا رد العابر التحية بمثلها تابع طريقه، أما إذا أعيته الحاء ورد: "مرهبا"، فإنه أجنبي، أما إذا قال "مرحبا" فهو إسرائيلي بالتأكيد، وفي الحالتين فإنه يصلح رهينة "!"، وهذه الرموز العابرة لا تقتصر على شعبنا دون سواه، ففي خلال الحرب الأهلية الإسبانية كانت قوات فرانكو تعتقل أو تطلق النار على كل من ينتعل "الجزمة" ذات العنق المنخفض، لأن عمال المناجم في مقاطعة الأشتوريس كانوا ينتعلون هذه الجزمة، وكانوا في معظمهم من الأمميين المعادين لفرانكو.. أما في الفساقين قرية كاتب هذه السطور وهي تابعة لمحافظة جبل لبنان، فقد انقسمت العائلات إلى حزبين: حزب الشيخ أبو رءوف، وكان قد أطلق شاربه على طريقة ستالين، وحزب الشيخ أبو عاطف الذي اختار لشاربه موديل هتلر"!" وبالتالي فإن القتل يمكن أن يتم على الهوية، كما على الجزمة، كما على اللحية والشارب، باعتبارها جميعا رموزا سياسية "!"
يتبع
"العلامات والرموز هي ما يحكم العالم وليس الكلمات ولا القوانين".
العبارة منسوبة إلى الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، وقد توفي قبل حوالي 2400 عام، ومع ذلك فإن ما فعلته هذه الأعوام كلها هو أنها زادت في غابة الرموز كثافة، وجعلت من "العلامات" لا مفاتيح للحياة في عصرنا الحاضر، ونظرة نلقيها على ما حولنا تكشف حجم الدور الهائل الذي تلعبه الرموز والعلامات في سياق حياتنا اليومية، وتكشف أيضا الفرق بين قوى تصنع التاريخ وأخرى تقع أسيرة له.
اشتعلت الحرب في بغداد بين عامي 59 و 60 بين القوميين العرب والشيوعيين، معقل القوميين العرب كان في الأعظمية أما الشيوعيون فأقاموا متاريسهم في الكاظمية، وكان الطعن بالخناجر وصولا إلى "السحل" مشهدا مألوفا في المنطقتين كلتيهما، أما كيف كان يتم اكتشاف "القومي" أو "الشيوعي" من بين عشرات الألوف من الذين يعبرون في أحد أحياء المنطقتين فقد كان غاية في البساطة. الشيوعي - سواء كان رجلا أو امرأة - يعلق على ياقة قميصه أو سترته شارة تتوسطها حمامة للسلام. القومي يعلق اسم الجلالة أو اسم محمد عليه السلام، وإذا كان امرأة يتدلى الشعار نفسه من سلسلة في رقبتها، وبالتالي فقد كانت مهمة فرق السحل سهلة، اقبض على صاحب الشعار واطعنه أو اضربه أو اسحله وأنت على ثقة تامة بأنه الشخص المطلوب، الانتماء السياسي والأيديولوجي في تلك الفترة التي حكم فيها عبدالكريم قاسم تحول إلى مجموعة رموز، ووفقا لمشاهدات كاتب هذه السطور حيث كنت أعيش في تلك الفترة في بغداد، فقد كان يكفي أن يرفع أحدهم سبابته عاليا ويهزها فيعرف الجميع أنه من أنصار "الزعيم الأوحد" وقد كان خصوم الزعيم يردون عليه برفع الأصبع الوسطى(!)
الإبهام و.. أنف صدام
والرموز التي يمكن أن ترتكبها أصابع اليد أو تقوم بها عديدة،
وفي موسوعة "جينيس" عن العلامات والرموز،
يقول المؤلف "جون فولي" إن الرئيس جورج بوش وقف يوم 18 أغسطس عام 1992 ليؤكد على ضرورة تطبيق شروط وقف إطلاق النار على نظام بغداد، فقال:
"إن صدام حسين يحاول أن يضع إبهامه فوق أنفه في مواجهة العالم كله"، ووضع الإبهام فوق الأنف "Thumb his nose" تعني السخرية من الآخرين، وهي حركة مألوفة في الغرب، ولكن لعل أشهر الرموز المعروفة في مجال الأصابع هي رسم علامة النصر "V" عبر رفع السبابة والوسطى مع تباعدهما.
ولكن هذا الشعار "ملتبس" كما تقول موسوعة جينيس، فهو قد يعني النصر، كما يعني الإهانة أيضا،
فإذا ارتفع الأصبعان من ناحية باطن الكف فإنها علامة النصر
، أما إذا كان ظاهر الكف في مواجهة المشاهدين فإنه تعبير عن الإهانة،
وفي هذا تقول الموسوعة إن الرمز "V" بمعنى النصر ظهر في الحرب العالمية الثانية عندما نجحت قوات هتلر في احتلال معظم دول أوربا ومن بينها فرنسا وبلجيكا، ففي 14 يناير عام 1941 بدأت هيئة الإذاعة البريطانية من لندن "B. B.C" البث على موجة موجهة إلى بلجيكا، ودعت المواطنين إلى
رسم الحرف V" " على الجدران كتعبير عن مقاومة الاحتلال،
والرموز التي يمكن أن ترتكبها أصابع اليد أو تقوم بها عديدة،
وفي موسوعة "جينيس" عن العلامات والرموز،
يقول المؤلف "جون فولي" إن الرئيس جورج بوش وقف يوم 18 أغسطس عام 1992 ليؤكد على ضرورة تطبيق شروط وقف إطلاق النار على نظام بغداد، فقال:
"إن صدام حسين يحاول أن يضع إبهامه فوق أنفه في مواجهة العالم كله"، ووضع الإبهام فوق الأنف "Thumb his nose" تعني السخرية من الآخرين، وهي حركة مألوفة في الغرب، ولكن لعل أشهر الرموز المعروفة في مجال الأصابع هي رسم علامة النصر "V" عبر رفع السبابة والوسطى مع تباعدهما.
ولكن هذا الشعار "ملتبس" كما تقول موسوعة جينيس، فهو قد يعني النصر، كما يعني الإهانة أيضا،
فإذا ارتفع الأصبعان من ناحية باطن الكف فإنها علامة النصر
، أما إذا كان ظاهر الكف في مواجهة المشاهدين فإنه تعبير عن الإهانة،
وفي هذا تقول الموسوعة إن الرمز "V" بمعنى النصر ظهر في الحرب العالمية الثانية عندما نجحت قوات هتلر في احتلال معظم دول أوربا ومن بينها فرنسا وبلجيكا، ففي 14 يناير عام 1941 بدأت هيئة الإذاعة البريطانية من لندن "B. B.C" البث على موجة موجهة إلى بلجيكا، ودعت المواطنين إلى
رسم الحرف V" " على الجدران كتعبير عن مقاومة الاحتلال،
وفي هذا يقول معد البرنامج فيكتور دي لافلي: كنا بحاجة إلى شعار يستطيع أن يرسمه المواطنون خلسة تحت جنح الظلام، وبسهولة، يعبرون بواسطته عن مقاومتهم للمحتل، ثم ما لبث الشعار أن انتقل إلى باريس ومنها عم جميع أنحاء فرنسا، ثم تحول بواسطة الإذاعة البريطانية إلى موسيقى، عبر استخدام إشارات مورس "نقطة. نقطة. نقطة. شرطة
" وبالمصادفة فقد كان هذا النغم مطلع السيمفونية الخامسة لبيتهوفن، ومن هنا تحولت V" " إلى شعار ونشيد يمكن عزفه حتى بأبواق السيارات "!"،
وهو ما أشعل غضب وزير الدعاية الألماني الجنرال غوبلز، فبدأ حملة مضادة أكد فيها عبر خطاب شخصي "أن الحرف V" " هو الحرف الأول من العبارة الألمانية القديمة "فيكتوريا"، وما انتشار هذا الحرف إلا دليل على تضامن أوربا كلها مع الألمان في مواجهة البلشفية".
وأرفق الدكتور غوبلز خطابه بتعليق حرف V" " كبير فوق برج إيفل في وسط باريس "!"، غير أن الحملة المضادة زادت من شعبية الشعار، وهو ما دفع سلطات الاحتلال الألمانية بعد شهرين إلى تحذير جميع الأوربيين من أنه ستتم محاكمة أصحاب المنازل والمرافق الذين يظهر على جدرانهم أو أسوارهم الحرف "V". كما أكدت الأوامر على ضرورة منع التلاميذ من الخروج من المدارس وفي جيوبهم أية قطع من "الطبشور"، ثم بعد ذلك صار للشعار مفعول السحر في بريطانيا عندما كان رئيس الوزراء في ذلك الوقت ونستون تشرشل يرفع أصابعه بشارة النصر بينما القاذفات الألمانية تمطر لندن بالقنابل، وقال تشرشل "إن علامة "V" هي رمز إرادة المواطنين، غير القابلة للقهر، في الدول المحتلة كما في بريطانيا، كما أنها رمز المصير الذي ينتظر المستبد النازي".
.. والمعنى المعاكس
أما السيدة مارغريت تاتشر فقد استخدمت الشعار نفسه أثناء حرب "الفوكلاند" ضد الأرجنتين، غير أنها رفعت إصبعيها بالاتجاه المعاكس، وهو ما اقتضى تصويبها فيما بعد.
ويعود تاريخ استخدام شعار "V" بظاهر اليد ليدل على الإهانة أو التحدي! إلى عام 1415 م، حيث تقول الرواية إنه بتاريخ 25 أكتوبر - تشرين أول من ذلك العام تواجهت القوات الفرنسية مع القوات البريطانية في موقعة "آغن كورت"، ونظرا لأن الرماة الإنجليز كانوا معروفين بسهامهم الطويلة، بينما كانت سهام الخصوم قصيرة، فقد وقف الفرنسيون في صبيحة يوم الموقعة وهددوا الإنجليز بأنهم سيقطعون الأصبعين الأولين من يد كل رام يقبضون عليه، وبالتالي فالأفضل ألا يستخدمهما في رمي السهام، ولكن عند نهاية الموقعة في المساء، وقف الرماة الإنجليز في مواجهة الفرنسيين و.. رفعوا أصابعهم بالعلامة "V" في إشارة صارت عنوانا للتحدي..
اللحية والشعار السياسي
والرموز منها ما هو عابر ومنها ما يغور في عمق التاريخ البشري ويكتسب قداسة معينة فاللحية في الجزائر مثلا تحولت إلى رمز لقوى سياسية معارضة للسلطة، وهو ما دفع السلطة إلى منع الموظفين الرسميين من تربية لحاهم "!"، أما في بعض دول الخليج، حيث تربية اللحية هي عادة اجتماعية وليست شعارا سياسيا، فإن اللحية غير المشذبة مع الكندورة "الدشداشة" التي ترتفع إلى ما فوق الكاحل هي تعبير عن موقف سياسي، وهو ما يشير إلى عمق دلالة الرمز لدى الشعوب، ومثل هذه الرموز "الظرفية" كثير في العالم العربي والإسلامي، وبعضها لا يعيش أكثر من ساعات، ففي دمشق مثلا، وأثناء حرب 1967، أعلن المذيع في الراديو عن إسقاط طائرة إسرائيلية فوق جبل قاسيون، وطلب المذيع من الجماهير القبض على الطيار الهارب وتسليمه إلى أقرب مركز للأمن، وخلال دقائق كانت ألوف الشبيبة - وكاتب هذه السطور من بينها - تتجول في الشوارع باحثة عن الطيار الإسرائيلي، ولان الاعتقاد السائد يومها أن الإسرائيلي لا بد أن يكون "أشقر الشعر" فقد كنا نواجه أي عابر أشقر بعبارة "السلام عليك"، وكنا نفترض أن الإسرائيلي لن يعرف الرد، فيجيب "شالوم" وعندها نقبض عليه "!" وهكذا، وخلال ساعات، كان الشعب يخترع "رمزا"، يساعده في كشف العدو، ورغم أن مثل هذه الحكاية تبدو اليوم أقرب إلى أن تكون طرفة، فإن شيئا مماثلا حدث في بيروت بعد عام 1982 عندما انتشرت موجة خطف الأجانب، ففي شارع الحمرا ظهرت مجموعات من الشباب الملتحي، ولم تكن تدقق في هويات العابرين، ولكن كلما أطل رجل أشقر الشعر أزرق العينين كان أحد شباب المجموعة يعترضه بتهذيب شديد ويقول "مرحبا" مع التشديد على حرف الحاء، فإذا رد العابر التحية بمثلها تابع طريقه، أما إذا أعيته الحاء ورد: "مرهبا"، فإنه أجنبي، أما إذا قال "مرحبا" فهو إسرائيلي بالتأكيد، وفي الحالتين فإنه يصلح رهينة "!"، وهذه الرموز العابرة لا تقتصر على شعبنا دون سواه، ففي خلال الحرب الأهلية الإسبانية كانت قوات فرانكو تعتقل أو تطلق النار على كل من ينتعل "الجزمة" ذات العنق المنخفض، لأن عمال المناجم في مقاطعة الأشتوريس كانوا ينتعلون هذه الجزمة، وكانوا في معظمهم من الأمميين المعادين لفرانكو.. أما في الفساقين قرية كاتب هذه السطور وهي تابعة لمحافظة جبل لبنان، فقد انقسمت العائلات إلى حزبين: حزب الشيخ أبو رءوف، وكان قد أطلق شاربه على طريقة ستالين، وحزب الشيخ أبو عاطف الذي اختار لشاربه موديل هتلر"!" وبالتالي فإن القتل يمكن أن يتم على الهوية، كما على الجزمة، كما على اللحية والشارب، باعتبارها جميعا رموزا سياسية "!"
تعليق