تناسخ الارواح ...
عودة الروح إلى عالم الاحياء .
تعتبر نظرية التناسخ .. أو التقمص من أقدم النظريات التي أخذت حيزاً كبيراً في التنظير والبحث والاستقراء فأصحاب نظرية التناسخ لا يملكون دليلاً وافياً بالمطلوب ولا كافياً للإقناع ، إلا أننا نجد البعض يتمسك بها لأنها في رأيه تحل بعض الإشكاليات وتجيب على بعض الظواهر التي تنتشر هنا وهناك .
وحقيقة انتشار هذه العقيدة في أسرار وتفاصيل مراجعها يرجع إلى أربعة أسباب رئيسية :
أولاً : عدم وضوح الرؤية لحياة عالم البرزخ التي يحياها الإنسان بعد الموت ، فعلى الرغم أن النصوص الإسلامية ركزت على العالم الآخر بقدر تركيزها على عالم الدنيا ، إلا أن تفسير مفردات ذلك العالم ظل قيد الكتمان والسطحية ، الأمر الذي جعل من عالم البرزخ فترة راحة سكون وهدوء ونوم إلى يوم يبعثون .
وكل ما هناك أن القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران .. إلى يوم الوقت المعلوم .
إن هذا التصور لايسعف الفكر والوجدان عن التساؤل حول رحلة الإنسان في عالم البرزخ وطبيعة العالم الآخر وما يجري عليه من أمور غير ما هو معروف من العذاب أو النعيم .
ثانياً : تخوف رجال الدين من بحث موضوع رحلة الأرواح بعد الموت ، { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } ، أوجدت العديد من التساؤلات الحرجة التي تخص عالم الروح لا أحد يستطيع الإجابة عليها .. لأنها في رأيهم في علم الله .
مما جعل الناس يلجأون إلى أبواب ومنافذ أخرى تفي بحاجتهم المعرفية ، وبما أن نظرية تناسخ الأرواح تعد من أقدم النظريات وأكثرها شيوعاً حتى في البلاد العربية والإسلامية فقد لجأ البعض إليها سعياً للحصول على إجابة لبعض تساؤلاته فيها .
ثالثاً : هم لا يناقشون فكرة اعتقادهم لأنها في رأيهم جزء من الفطرة التي لا تحتاج إلى نقاش أو بحث ، وعلى الخصوص في الدول العربية والإسلامية .
أما في دول شرق آسيا ترحيبا وتفاعلاً للانتقادات الموجهة لنظرية التناسخ وكانوا أتباعها يصرون على ضرورة نقل هذه الانتقادات إلى الديلاما لأنها في منتهى الأهمية .
ومما يؤكد ما نقوله في أن إيمان أصحاب نظرية التناسخ إيمان تسليمي دون برهان يقيني هو ما قاله ( محمد خليل الباشا ) في كتاب التقمص وأسرار الحياة والموت.
عودة الروح إلى عالم الاحياء .
تعتبر نظرية التناسخ .. أو التقمص من أقدم النظريات التي أخذت حيزاً كبيراً في التنظير والبحث والاستقراء فأصحاب نظرية التناسخ لا يملكون دليلاً وافياً بالمطلوب ولا كافياً للإقناع ، إلا أننا نجد البعض يتمسك بها لأنها في رأيه تحل بعض الإشكاليات وتجيب على بعض الظواهر التي تنتشر هنا وهناك .
وحقيقة انتشار هذه العقيدة في أسرار وتفاصيل مراجعها يرجع إلى أربعة أسباب رئيسية :
أولاً : عدم وضوح الرؤية لحياة عالم البرزخ التي يحياها الإنسان بعد الموت ، فعلى الرغم أن النصوص الإسلامية ركزت على العالم الآخر بقدر تركيزها على عالم الدنيا ، إلا أن تفسير مفردات ذلك العالم ظل قيد الكتمان والسطحية ، الأمر الذي جعل من عالم البرزخ فترة راحة سكون وهدوء ونوم إلى يوم يبعثون .
وكل ما هناك أن القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران .. إلى يوم الوقت المعلوم .
إن هذا التصور لايسعف الفكر والوجدان عن التساؤل حول رحلة الإنسان في عالم البرزخ وطبيعة العالم الآخر وما يجري عليه من أمور غير ما هو معروف من العذاب أو النعيم .
ثانياً : تخوف رجال الدين من بحث موضوع رحلة الأرواح بعد الموت ، { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } ، أوجدت العديد من التساؤلات الحرجة التي تخص عالم الروح لا أحد يستطيع الإجابة عليها .. لأنها في رأيهم في علم الله .
مما جعل الناس يلجأون إلى أبواب ومنافذ أخرى تفي بحاجتهم المعرفية ، وبما أن نظرية تناسخ الأرواح تعد من أقدم النظريات وأكثرها شيوعاً حتى في البلاد العربية والإسلامية فقد لجأ البعض إليها سعياً للحصول على إجابة لبعض تساؤلاته فيها .
ثالثاً : هم لا يناقشون فكرة اعتقادهم لأنها في رأيهم جزء من الفطرة التي لا تحتاج إلى نقاش أو بحث ، وعلى الخصوص في الدول العربية والإسلامية .
أما في دول شرق آسيا ترحيبا وتفاعلاً للانتقادات الموجهة لنظرية التناسخ وكانوا أتباعها يصرون على ضرورة نقل هذه الانتقادات إلى الديلاما لأنها في منتهى الأهمية .
ومما يؤكد ما نقوله في أن إيمان أصحاب نظرية التناسخ إيمان تسليمي دون برهان يقيني هو ما قاله ( محمد خليل الباشا ) في كتاب التقمص وأسرار الحياة والموت.
" السائد عندنا عرفاً أن التقمّص منسوب إلى الموحدين الدروز الذين يؤمنون به ويجعلونه من الأسس التي يقوم عليها المعتقد التوحيدي ، لكنهم في الغالب لا يميلون إلى البحث في أصول معتقداتهم ، ولا يشجعون على الخوض فيها "
" فالتقمص عند الموحدين معتقد ثابت راسخ يستخلصونه من القرآن الكريم ويؤمنون به منذ ألف سنة ، ولم يكونوا يوماً بحاجة إلى وضع الدراسات عنه وتأليف الكتب بشأنه ، لأنه جزء لا يتجزأ من معتقدهم الديني ، بل هو من الركائز الأساسية فيه ، وما كان الموحدون يوما ً يميلون إلى التأليف في قضايا مذهبهم ، لذلك بقي التقمص في بلادنا جزءاً من التراث الحميم بنظر أصحابه وشيئاً طريفاً يخرج عن المعقول عند غير المؤمنين به " .
فالإيمان بهذه القضية أصبح إيماناً تسليمي لا نقاش فيه ولا بحث ولا استدلال وهو ليس بحاجة إلى وضع دراسات أو بحث في جزء من جزيئاته.التسليم ( دون معرفة الحقيقة ) جعلهم يتبنون مثل هذه المعتقدات .
رابعاً : تستند أغلب عقائد نظرية التناسخعلى تدني معرفي بجوانب الإنسان وأبعاده الروحانية .. فعدم معرفتهم بما يحيط الإنسان من عوالم من جانب وطبيعة تركيبة الإنسان الداخلية من جانب آخر أدى بهم إلى تفسير بعض السلوكيات أو الظواهر تبعاً لنظرية التناسخ ، معتقدين أن تفسير هذه الظواهر هي في تناسخ الأرواح ، بينما الحقيقة أن تفسير هذه الظاهرة في شيء آخر وعلة أخرى لن يتوصلوا إلى معرفتها بعد كما سنرى في تحليل النظرية .
كتاب التقمص وأسرار الحياة والموت للأستاذ الكاتب محمد خليل الباشا المولود في ديربابا الشوف سنة 1914 وهو من الدروز وله عدة مؤلفات وكتب أخرى.
عقيدة التناسخ
التناسخ نظرية دينية قديمة ، تقوم على عودة الروح بعد الموت إلى الحياة في جسد جديد ، والسائد أن جذور التناسخ نبتت في الديانة الرهمانية ، ثم امتدت فروعها في كل اتجاه حتى تكاد لا ترى ديناً وإلا للتناسخ أثر فيه ..
يرى القائلون بالتناسخ أن الروح جوهر إلهي أزلي خالد ، وأن خلودها يستمر في حيوات شتى هي في امتدادها حياة واحدة أبدية مستمرة ، إلا أنهم اختلفوا من حيث الشمول والاختصاص ، وتشعبوا إلى مفاهيم مختلفة نسجت كل أمة ديباجتها بحسب أمانيها ورغباتها .
ومما جاء في عقائدهم :-
_ كما أن النفس تمر جسدياً في الطفولة والشباب والشيخوخة ، فإنها تمر أيضاً من جسد إلى جسد .
_ إن ما هو موجود حقيقة يستحيل أن ينقطع عن الوجود ، وما هو غير موجود فلن يبدأ بالوجود .
_ الروح المتقمصة تخلع الجسوم القديمة وتتخذ لها جسوماً جديدة كما يستبدل الإنسان بثيابه البالية ثياباً جديدة .
ويقول محمد باشا : في رسائل ( الفيدا ) وهي أقدم النصوص الدينية ، ولا نجد أي نص صريح عن التناسخ ، ولكننا نجد هذا النص في التعليم السري المرافق لأسفار ( الفيدا ) ، يقول :
" الروح عند انفصالها عن الجسد الفاني لا تفقد كل جسمانية وإلا تتضعضع في نفس الكون ، بل يبقى لها جسم مجيد كجسم الآلهة ومصوغ من النار ، فهذا الشفع السري ، أي الروح التي هي شرارة أو شعاع من النار الإلهية من جسمها اللطيف الفائق البهاء ، تلبث دائماً مستعدة للاتحاد بجسد جديد منظور عندما تضطرها إلى ذلك شريعة الكائن الأسمى " .
وقال شري أوروبندو : " تنتقل الروح بعد موت الجسد إلى عوالم أخرى ثم تكمل دورات تناسخها في أجسام جديدة".
وقالت ما أننداموي : "الموت إنما هو تغيير ثياب " .
وقال غاندي : "إنني أؤمن بتعاقب الحيوات كما أؤمن بوجود جسمي الحالي ، وبأن الإنسان ارتفع إلى حالة عالية بعد ولادات كثيرة في العالم الحيواني" .
وبذلك فان فكرة التناسخ تعني عودة الروح بعد الموت إلى جسد آخر جديد ..
فإذا عادت أرواح البشر في أجسام بشرية مماثلة سمي ذلك بالنسخ وهو إشارة إلى انتقال الإنسان إلى نسخة مماثلة لما كان عليه .
وإذا زادت سيئات الإنسان على حسناته فان روحه إذا عادت إلى الأرض فإنها تحل في جسم حيوان الذي يناسبه في أوصافه ويستحقه بأعماله ، ويسمى عندها المسخ لأن الإنسان مسخت صورته عقاباً له على ما اجترح من خطايا بشكل حيوان.
وإذا زادت خطاياه ولم يزدجر من المسخ فإن روحه تنحدر إلى النبات ويسمى الفسخ لأنها انفسخت عن عالم الإنسان والحيوان.
وإذا تمادى أكثر في غيه وجهله فإنها تحط إلى عالم الجماد فترسخ فيه سجينة إلى ما يشاء الله وهو الرسخ .
وعليه فان روح الإنسان إما أنها ترجع إلى جسد إنساني جديد وتسمى هذه العملية بالتناسخ .. أو ترجع وتحل في جسد حيوان وتسمى هذه العملية بالتماسخ .. أو تحل في النبات وتسمى هذه العملية بالتفاسخ . أو أن روح الإنسان تعود وتحل في الجماد وهذه العملية تسمى بالتراسخ .
والمكان الذي تحل فيه الروح إنما يحددها عمل الإنسان المتوفى والروح الخارجة من الجسد ، فكلما كانت أعماله خبيثة ومنحطة فإن روحه تحل في الحيوان أو النبات أو الجماد .
ومن الأدلة التي يعتمدون عليها في ذلك أنهم يقولون: " ألا ترى إلى حصان وحصان على الرغم أنهم من فصيلة واحدة ونوع واحد إلا أنك ترى فارق كبير بين سلوك الحصانين ، معتقدين أن أحد الحصانين قد حلت فيه روح إنسانية فغيرت من سلوكه وأطباعه " .
انتقل التناسخ إلى العرب بالتسرب أولاً عن طريق التفاعل مع الشعوب التي كانت على اتصال بهم كالأعاجم والهنود والروم والصابئة ورثة المدينة السومرية وغيرهم ، إلا أن دخوله الحقيقي والفاعل كان مع دخول الفلسفة اليونانية التي ترجمت كتبها إلى العربية ، فوجدت فيها الحركات الإسلامية مورداً خصباً للفكر ومجالاً واسعاً يجول فيه العقل .
نظرية التناسخ المعدلة ... التقمّص
بعد قرون طويلة من الاعتقاد بنظرية التناسخ .. وجد أتباعها أنها تنافي من حيث الجهر والإعلان كرامة وخصوصية الروح الإنسانية .. لأنها كما يعتقدون تحل في الحيوان والنبات والجماد مما واجهوا انتقادات حادة في كيفية حلول الروح في الحيوان وعن خصائص الروح البشرية .
فعمدوا إلى تقسيم النظرية إلى شقين من حيث الشمول والاختصاص ..
كما جاء على لسان محمد باشا .. "اتفقوا على أن الروح جوهر إلهي أزلي خالد ، واختلفوا من حيث الشمول والاختصاص ، فأصحاب الشمول جعلوا التناسخ يشترك بين الإنسان والحيوان والجماد ، وأصحاب الاختصاص قصروه على الإنسان وقالوا بالتناسخ في جسم إنسان فقط لأن الروح لا تعود القهقرى ..وهذا المذهب ( يعني التناسخ ) في حالتي الشمول والاختصاص ، كان عند أصحابه قديماً قضية إيمانية ، وعندما بدأ العقل يتحرك وجد الإنسان فيه حلاً لكثير من القضايا الغيبية التي كانت مشكلة عليه ، وفي هذا العصر ، عصر العلوم الاختبارية ، وضعه العلماء الروحيون خلال القرن الأخير ، تحت البحث العلمي ، فاستقر رأيهم على الشق الأول منه أي عودة روح الإنسان إلى جسم إنسان فقط لأن الروح لا ترجع القهقرى ..
:" المعروف أن الموحدين الدروز يعتقدون بالتناسخ وبشكله الأول ، أي النسخ وهو ما قاله به بعدهم المذهب الروحاني ، ولكي لا يلتبس مع غيره من أشكال التناسخ استعاروا له كلمة التقمص ، وعنهم أخذت هذه التسمية ، للدلالة على تناسخ التسامي المقتصر على الإنسان في جسم إنسان " .
اولا :إن فكرة التناسخ التي نبتت في الديانة البرهانية وانتقلت إلى بلاد الهند ومصر وبلاد فارس حيث المجوسية التي تعتمد على التناسخ كنظرية لتطهير النفس وتمكينها من التسامي ودخولها في الإطار الفلسفي حيث انتشرت على اختلاف مدارسها . هي فكرة بعيدة كل البعد عن التصور الإسلامي التوحيدي الذي أكرم الإنسان بما فيه من روح وجسد وفضله على جميع الكائنات والمخلوقات ..
فالروح في التصور الإسلامي عندما تخرج من بدن الإنسان الميت لا تستجدي جسداً آخر ، أو تلبس رداء حيوان مولود للتو ، أو تتشبث بنبات متدلي ، أو تصطدم بجدار حائط وتعيش فترة حياة جديدة.
فالروح ليست عابرة سبيل أو تائهة متمسكة بين أروقة الممرات تبحث عن أم حامل حتى تنتظر موعد ولادة الجنين فتدخل فيه الروح المتسكعة لتعيش حياة أخرى من جديد بشكل وهندام جديد .
فالتصور الإسلامي يؤمن بأن الروح عند خروجها تنتقل إلى عالم أخر يختلف عنها في المستوى والذبذبة وهو عالم البرزخ ، تدخل إليه لتعيش عالماً مثالياً ترتقي فيه من مستوى إلى مستوى بعد أن تصفى وتنقى من الأوزار والأدران والكدورات وهي تعود إلى الأرض بين فترة وأخرى ولكنها لا تتلبس ولا تعيش في جسد أخر لأن لها حياة أخرى هي أرقى بكثير من حياتنا المادية .
فالروح عندما يكشف لها الغطاء { فكشفنا عنك عطائك فبصرك اليوم حديد } ترى حقائق الأشياء فكيف بها تترك عالمها وترجع مرة أخرى إلى عالم الأجساد .
ثانياً : أكثر الديانات التي أكدت على فكرة التناسخ هي الديانة اليهودية فقد انتشرت في أرض كنعان موطن الديانة اليهودية ، فاليهود كانوا يعرفون التناسخ ويسمونه قيامه وهم حسب معتقداتهم المادية وجدوا في التناسخ الحل الأمثل لأكثر مشكلات التوراة ، وأكدوا أن التناسخ حقيقة سرية يتعلمها المختارون من زمن غير معروف وأوحوا بوجوب ستر هذه الحقيقة وعدم نشرها .
" وكتاب القبالة المعروف عند خاصة اليهود ، هو كتاب سري قديم يحتوي على معظم التعليم السري ، ويعلم مناجاة الأرواح الأحياء والأموات وتناسخ الأرواح وترقيها في معارج الكمال في سياق حيوات متعددة ".
إن فكر اليهود العقائدي انصب ولا يزال على البعد المادي .. حتى في علاقتهم مع الخالق كما جاء في القرآن الكريم { أرنا الله جهرة } كما كانوا يقولون لموسى ( ع ) فهم لا يؤمنون بعالم الغيب والبعد الروحاني ، فحتى الرب الذي يريدون عبادته لا بد أن يتجسد لهم ويرونه بأعينهم ، لذلك كانت فكرة التناسخ من العقائد التي أكدت عندهم البعد المادي للروح .. وان الإنسان إنما هو بحياته الدنيا يموت ويرجع ويموت ويرجع .. وهكذا . ولاوجود لعالم البرزخ لأنه لا يعد ن الحقائق في عقديتهم.
ثالثاً : التعديل الذي حدث لنظرية التناسخ وتحويل كلمة التناسخ بعد قرون طويلة من الزمن إلى مصطلح التقمص يلقي ضلال خطيرة على واقعية وصدق هذه النظرية .
إضافة إلى محاولات التبرير الفاشلة التي يتذرع بها المحدثين لهذه النظرية حيث يؤكدون أن الأوائل لم يكونوا يقصدون روح الإنسان تتلبس في الجسد الحيواني أو النباتي أو في الجماد .. فهم يبررون أقولهم كقول غاندي الذي يصرح: " إن الإنسان ارتفع إلى حالة عالية بعد ولادات كثيرة في العالم الحيواني".التناسخ نظرية دينية قديمة ، تقوم على عودة الروح بعد الموت إلى الحياة في جسد جديد ، والسائد أن جذور التناسخ نبتت في الديانة الرهمانية ، ثم امتدت فروعها في كل اتجاه حتى تكاد لا ترى ديناً وإلا للتناسخ أثر فيه ..
يرى القائلون بالتناسخ أن الروح جوهر إلهي أزلي خالد ، وأن خلودها يستمر في حيوات شتى هي في امتدادها حياة واحدة أبدية مستمرة ، إلا أنهم اختلفوا من حيث الشمول والاختصاص ، وتشعبوا إلى مفاهيم مختلفة نسجت كل أمة ديباجتها بحسب أمانيها ورغباتها .
ومما جاء في عقائدهم :-
_ كما أن النفس تمر جسدياً في الطفولة والشباب والشيخوخة ، فإنها تمر أيضاً من جسد إلى جسد .
_ إن ما هو موجود حقيقة يستحيل أن ينقطع عن الوجود ، وما هو غير موجود فلن يبدأ بالوجود .
_ الروح المتقمصة تخلع الجسوم القديمة وتتخذ لها جسوماً جديدة كما يستبدل الإنسان بثيابه البالية ثياباً جديدة .
ويقول محمد باشا : في رسائل ( الفيدا ) وهي أقدم النصوص الدينية ، ولا نجد أي نص صريح عن التناسخ ، ولكننا نجد هذا النص في التعليم السري المرافق لأسفار ( الفيدا ) ، يقول :
" الروح عند انفصالها عن الجسد الفاني لا تفقد كل جسمانية وإلا تتضعضع في نفس الكون ، بل يبقى لها جسم مجيد كجسم الآلهة ومصوغ من النار ، فهذا الشفع السري ، أي الروح التي هي شرارة أو شعاع من النار الإلهية من جسمها اللطيف الفائق البهاء ، تلبث دائماً مستعدة للاتحاد بجسد جديد منظور عندما تضطرها إلى ذلك شريعة الكائن الأسمى " .
وقال شري أوروبندو : " تنتقل الروح بعد موت الجسد إلى عوالم أخرى ثم تكمل دورات تناسخها في أجسام جديدة".
وقالت ما أننداموي : "الموت إنما هو تغيير ثياب " .
وقال غاندي : "إنني أؤمن بتعاقب الحيوات كما أؤمن بوجود جسمي الحالي ، وبأن الإنسان ارتفع إلى حالة عالية بعد ولادات كثيرة في العالم الحيواني" .
وبذلك فان فكرة التناسخ تعني عودة الروح بعد الموت إلى جسد آخر جديد ..
فإذا عادت أرواح البشر في أجسام بشرية مماثلة سمي ذلك بالنسخ وهو إشارة إلى انتقال الإنسان إلى نسخة مماثلة لما كان عليه .
وإذا زادت سيئات الإنسان على حسناته فان روحه إذا عادت إلى الأرض فإنها تحل في جسم حيوان الذي يناسبه في أوصافه ويستحقه بأعماله ، ويسمى عندها المسخ لأن الإنسان مسخت صورته عقاباً له على ما اجترح من خطايا بشكل حيوان.
وإذا زادت خطاياه ولم يزدجر من المسخ فإن روحه تنحدر إلى النبات ويسمى الفسخ لأنها انفسخت عن عالم الإنسان والحيوان.
وإذا تمادى أكثر في غيه وجهله فإنها تحط إلى عالم الجماد فترسخ فيه سجينة إلى ما يشاء الله وهو الرسخ .
وعليه فان روح الإنسان إما أنها ترجع إلى جسد إنساني جديد وتسمى هذه العملية بالتناسخ .. أو ترجع وتحل في جسد حيوان وتسمى هذه العملية بالتماسخ .. أو تحل في النبات وتسمى هذه العملية بالتفاسخ . أو أن روح الإنسان تعود وتحل في الجماد وهذه العملية تسمى بالتراسخ .
والمكان الذي تحل فيه الروح إنما يحددها عمل الإنسان المتوفى والروح الخارجة من الجسد ، فكلما كانت أعماله خبيثة ومنحطة فإن روحه تحل في الحيوان أو النبات أو الجماد .
ومن الأدلة التي يعتمدون عليها في ذلك أنهم يقولون: " ألا ترى إلى حصان وحصان على الرغم أنهم من فصيلة واحدة ونوع واحد إلا أنك ترى فارق كبير بين سلوك الحصانين ، معتقدين أن أحد الحصانين قد حلت فيه روح إنسانية فغيرت من سلوكه وأطباعه " .
انتقل التناسخ إلى العرب بالتسرب أولاً عن طريق التفاعل مع الشعوب التي كانت على اتصال بهم كالأعاجم والهنود والروم والصابئة ورثة المدينة السومرية وغيرهم ، إلا أن دخوله الحقيقي والفاعل كان مع دخول الفلسفة اليونانية التي ترجمت كتبها إلى العربية ، فوجدت فيها الحركات الإسلامية مورداً خصباً للفكر ومجالاً واسعاً يجول فيه العقل .
نظرية التناسخ المعدلة ... التقمّص
بعد قرون طويلة من الاعتقاد بنظرية التناسخ .. وجد أتباعها أنها تنافي من حيث الجهر والإعلان كرامة وخصوصية الروح الإنسانية .. لأنها كما يعتقدون تحل في الحيوان والنبات والجماد مما واجهوا انتقادات حادة في كيفية حلول الروح في الحيوان وعن خصائص الروح البشرية .
فعمدوا إلى تقسيم النظرية إلى شقين من حيث الشمول والاختصاص ..
كما جاء على لسان محمد باشا .. "اتفقوا على أن الروح جوهر إلهي أزلي خالد ، واختلفوا من حيث الشمول والاختصاص ، فأصحاب الشمول جعلوا التناسخ يشترك بين الإنسان والحيوان والجماد ، وأصحاب الاختصاص قصروه على الإنسان وقالوا بالتناسخ في جسم إنسان فقط لأن الروح لا تعود القهقرى ..وهذا المذهب ( يعني التناسخ ) في حالتي الشمول والاختصاص ، كان عند أصحابه قديماً قضية إيمانية ، وعندما بدأ العقل يتحرك وجد الإنسان فيه حلاً لكثير من القضايا الغيبية التي كانت مشكلة عليه ، وفي هذا العصر ، عصر العلوم الاختبارية ، وضعه العلماء الروحيون خلال القرن الأخير ، تحت البحث العلمي ، فاستقر رأيهم على الشق الأول منه أي عودة روح الإنسان إلى جسم إنسان فقط لأن الروح لا ترجع القهقرى ..
:" المعروف أن الموحدين الدروز يعتقدون بالتناسخ وبشكله الأول ، أي النسخ وهو ما قاله به بعدهم المذهب الروحاني ، ولكي لا يلتبس مع غيره من أشكال التناسخ استعاروا له كلمة التقمص ، وعنهم أخذت هذه التسمية ، للدلالة على تناسخ التسامي المقتصر على الإنسان في جسم إنسان " .
اولا :إن فكرة التناسخ التي نبتت في الديانة البرهانية وانتقلت إلى بلاد الهند ومصر وبلاد فارس حيث المجوسية التي تعتمد على التناسخ كنظرية لتطهير النفس وتمكينها من التسامي ودخولها في الإطار الفلسفي حيث انتشرت على اختلاف مدارسها . هي فكرة بعيدة كل البعد عن التصور الإسلامي التوحيدي الذي أكرم الإنسان بما فيه من روح وجسد وفضله على جميع الكائنات والمخلوقات ..
فالروح في التصور الإسلامي عندما تخرج من بدن الإنسان الميت لا تستجدي جسداً آخر ، أو تلبس رداء حيوان مولود للتو ، أو تتشبث بنبات متدلي ، أو تصطدم بجدار حائط وتعيش فترة حياة جديدة.
فالروح ليست عابرة سبيل أو تائهة متمسكة بين أروقة الممرات تبحث عن أم حامل حتى تنتظر موعد ولادة الجنين فتدخل فيه الروح المتسكعة لتعيش حياة أخرى من جديد بشكل وهندام جديد .
فالتصور الإسلامي يؤمن بأن الروح عند خروجها تنتقل إلى عالم أخر يختلف عنها في المستوى والذبذبة وهو عالم البرزخ ، تدخل إليه لتعيش عالماً مثالياً ترتقي فيه من مستوى إلى مستوى بعد أن تصفى وتنقى من الأوزار والأدران والكدورات وهي تعود إلى الأرض بين فترة وأخرى ولكنها لا تتلبس ولا تعيش في جسد أخر لأن لها حياة أخرى هي أرقى بكثير من حياتنا المادية .
فالروح عندما يكشف لها الغطاء { فكشفنا عنك عطائك فبصرك اليوم حديد } ترى حقائق الأشياء فكيف بها تترك عالمها وترجع مرة أخرى إلى عالم الأجساد .
ثانياً : أكثر الديانات التي أكدت على فكرة التناسخ هي الديانة اليهودية فقد انتشرت في أرض كنعان موطن الديانة اليهودية ، فاليهود كانوا يعرفون التناسخ ويسمونه قيامه وهم حسب معتقداتهم المادية وجدوا في التناسخ الحل الأمثل لأكثر مشكلات التوراة ، وأكدوا أن التناسخ حقيقة سرية يتعلمها المختارون من زمن غير معروف وأوحوا بوجوب ستر هذه الحقيقة وعدم نشرها .
" وكتاب القبالة المعروف عند خاصة اليهود ، هو كتاب سري قديم يحتوي على معظم التعليم السري ، ويعلم مناجاة الأرواح الأحياء والأموات وتناسخ الأرواح وترقيها في معارج الكمال في سياق حيوات متعددة ".
إن فكر اليهود العقائدي انصب ولا يزال على البعد المادي .. حتى في علاقتهم مع الخالق كما جاء في القرآن الكريم { أرنا الله جهرة } كما كانوا يقولون لموسى ( ع ) فهم لا يؤمنون بعالم الغيب والبعد الروحاني ، فحتى الرب الذي يريدون عبادته لا بد أن يتجسد لهم ويرونه بأعينهم ، لذلك كانت فكرة التناسخ من العقائد التي أكدت عندهم البعد المادي للروح .. وان الإنسان إنما هو بحياته الدنيا يموت ويرجع ويموت ويرجع .. وهكذا . ولاوجود لعالم البرزخ لأنه لا يعد ن الحقائق في عقديتهم.
ثالثاً : التعديل الذي حدث لنظرية التناسخ وتحويل كلمة التناسخ بعد قرون طويلة من الزمن إلى مصطلح التقمص يلقي ضلال خطيرة على واقعية وصدق هذه النظرية .
وكذلك فيثاغورس عندما قال :- " إن الروح تتحول إلى أنواع مختلفة من الكائنات الحية ، وكل ما يولد وفيه حياة ينبغي أن ننظر إليه نظرتنا إلى الأسرة الواحدة " .
بأنهم كانوا يقصدون بأن تقمص الإنسان في جسم حيوان إنما هو من قبيل التخويف والترهيب والتشبيه والتمثل .في حين انهم كانوا يقصدون ما يقولون بناء على عقائد كثيرة موثقة .
السرية والتكتم حول فكرة التناسخ وهل حقاً لها علاقة بعلوم الباراسيكولوجي ؟
"السائد عندنا عرفاً أن التقمص منسوب إلى الموحدين الدروز الذين يؤمنون به ويجعلونه من الأسس التي يقوم عليها المعتقد التوحيدي ، لكنهم في الغالب لا يميلون إلى البحث في أصول معتقداتهم ولا يشجعون على الخوض فيها ، وبما أن عدداً كبيراً من علماء أوروبا وأمريكا بذلوا خلال القرن الأخير مجهودات كبيرة للكشف عن حقائق الروحانية ومنها التقمص الذي يعد ركيزة من ركائز الباراسيكولوجي".
وللتعقيب على ماسبق :
أولاً :إن عقيدة لا يشجع الخوض فيها أو دراستها أو بحثها هي عقيدة تفتقد إلى الموضوعية والصدق والواقعية .. فلماذا لا يتم بحث هذا الموضوع ودراسة أثاره وتناول أبعاده بشيء من العلمية والبحث ومقارنته بالآراء المختلفة .
لماذا يتم تحجيم هذه الآراء على معتقديها دون بحث خفاياها والأسباب التي أدت إلى هذه المعتقدات .. هذا سؤال يثير الشك في نفوس الباحثين عن الحقيقة .
فالله عز وجل دعى العقول والنفوس إلى التفكر والبحث والاستقراء وتحري الحقائق أينما كانت " قل سيروا في الأرض فانظروا .." " لو استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فأنفذوا .. "
ولا ندري حقيقة هل هناك ما يثير الخجل من طرح وتداول ونقاش العقائد .. أم أن عودة روح الإنسان وحلولها من جديد في جسم حيوان كالخنفساء أو الحمام أو الخنـزير شيء يثير النفوس الإنسانية .
ثانيا : اكثر من موقع يؤكد أن نظرية التناسخ أُقرت وأصبحت من ركائز الباراسيكولوجي ، أي علوم ما وراء الطبيعة .. وهذا الرأي في منتهى اللغط ولا أساس له من الصحة لعدة اعتبارات :
إن العلوم الروحانية الحديثة إنما تقوم وتؤسس على الحياة الأخرى التي يحياها الإنسان بعد الموت .. وعن ذلك العالم الذي نعيش فيه وكيف يتحرك من خلاله وعن مستوياته وكيفية تدرجه نحو الكمال ..
فالعلوم الروحانية تنظر إلى الإنسان كروح بالدرجة الأولى وما يجرى على هذه الروح عندما تكون في الحياة الدنيا وبعد أن تفارق الجسد في عالمها المثالي الأثيري البرزخي الجديد .. فالروح تعيش حياة واحدة في جسد واحد ثم تخرج إلى عالمها المثالي .. وعلى هذا قامت مدارس الروحانية الحديثة ..
صحيح أن هناك ظواهر يفسرها بعض علماء الباراسيكولوجي أنها عودة إلى الحياة الأرضية مرة ثانية ، ويطلقون عليها اسم الأرواح التائهة والتي يتم إرشادها ومن ثم عودتها إلى عالمها الأثيري .. وهذه الفكرة ليست لها أية علاقة بفكرة التناسخ، إضافة إلى أن هذه التفاسير للظواهر لا تصدق في اكثر من 90 بالمائة منها .
كما أن دراسة وبحث فكرة التناسخ لا يعني بالضرورة الإيمان بها , فالأستاذ محمد الباشا يشير ويدلل في كتابه على أسماء مؤلفين وكتاب وعلماء يرفضون هذه الفكرة منهم (آثر فندلاي) مؤلف كتاب على حافة العالم الأثيري الذي كان له صدى واسع في الأوساط العلمية الروحانية. في حين أن المؤلف يتحدث عن العالم الأثيري أي عالم ما بعد موت الإنسان وليس عودته إلى جسد آخر .
أولاً :إن عقيدة لا يشجع الخوض فيها أو دراستها أو بحثها هي عقيدة تفتقد إلى الموضوعية والصدق والواقعية .. فلماذا لا يتم بحث هذا الموضوع ودراسة أثاره وتناول أبعاده بشيء من العلمية والبحث ومقارنته بالآراء المختلفة .
لماذا يتم تحجيم هذه الآراء على معتقديها دون بحث خفاياها والأسباب التي أدت إلى هذه المعتقدات .. هذا سؤال يثير الشك في نفوس الباحثين عن الحقيقة .
فالله عز وجل دعى العقول والنفوس إلى التفكر والبحث والاستقراء وتحري الحقائق أينما كانت " قل سيروا في الأرض فانظروا .." " لو استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فأنفذوا .. "
ولا ندري حقيقة هل هناك ما يثير الخجل من طرح وتداول ونقاش العقائد .. أم أن عودة روح الإنسان وحلولها من جديد في جسم حيوان كالخنفساء أو الحمام أو الخنـزير شيء يثير النفوس الإنسانية .
ثانيا : اكثر من موقع يؤكد أن نظرية التناسخ أُقرت وأصبحت من ركائز الباراسيكولوجي ، أي علوم ما وراء الطبيعة .. وهذا الرأي في منتهى اللغط ولا أساس له من الصحة لعدة اعتبارات :
إن العلوم الروحانية الحديثة إنما تقوم وتؤسس على الحياة الأخرى التي يحياها الإنسان بعد الموت .. وعن ذلك العالم الذي نعيش فيه وكيف يتحرك من خلاله وعن مستوياته وكيفية تدرجه نحو الكمال ..
فالعلوم الروحانية تنظر إلى الإنسان كروح بالدرجة الأولى وما يجرى على هذه الروح عندما تكون في الحياة الدنيا وبعد أن تفارق الجسد في عالمها المثالي الأثيري البرزخي الجديد .. فالروح تعيش حياة واحدة في جسد واحد ثم تخرج إلى عالمها المثالي .. وعلى هذا قامت مدارس الروحانية الحديثة ..
صحيح أن هناك ظواهر يفسرها بعض علماء الباراسيكولوجي أنها عودة إلى الحياة الأرضية مرة ثانية ، ويطلقون عليها اسم الأرواح التائهة والتي يتم إرشادها ومن ثم عودتها إلى عالمها الأثيري .. وهذه الفكرة ليست لها أية علاقة بفكرة التناسخ، إضافة إلى أن هذه التفاسير للظواهر لا تصدق في اكثر من 90 بالمائة منها .
كما أن دراسة وبحث فكرة التناسخ لا يعني بالضرورة الإيمان بها , فالأستاذ محمد الباشا يشير ويدلل في كتابه على أسماء مؤلفين وكتاب وعلماء يرفضون هذه الفكرة منهم (آثر فندلاي) مؤلف كتاب على حافة العالم الأثيري الذي كان له صدى واسع في الأوساط العلمية الروحانية. في حين أن المؤلف يتحدث عن العالم الأثيري أي عالم ما بعد موت الإنسان وليس عودته إلى جسد آخر .
منقول من عدة منتديات
تعليق